خطبة الحمعة القادمة ، إنَّ مِنَ الشَّجَرَةِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا د. محمد داود

خطبة الحمعة القادمة word ، إنَّ مِنَ الشَّجَرَةِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا د. محمد داود
خُطْبَةُ الجُمُعَةِ القَادِمَةِ pdf ((إِنَّ مِنَ الشَّجَرَةِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا)) د. مُحَمَّدٌ داود
خطبة بعنـــــــــوان :
(إِنَّ منَ الشَّجَرِ شَجرةً لا يَسقُطُ وَرقُهَا)
للدكتـــــور/ محمد حســــن داود
(28 صفر 1447هـ – 22 أغسطس 2025)
العناصـــــر :
– مكانة العقل وأهميته.
– الإسلام وتنمية الفكر.
– تنمية الفكر صور ونماذج.
– أثر تنمية الفكر في بناء الإنسان.
– المؤمن والنخلة في حديث سيدنا الحبيب النبي (صلى الله عليه وسلمَ).
الموضــــــوع: الحمد لله الذي أحاط بكل شيء علما، له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى، نعمه لا تحصى، وآلاؤه ليس لها منتهى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
إن من أعظم النعم التي أنعم الله بها على الإنسان: “نعمة العقل”، قال تعالى: (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ) (الملك: 23)، فالعقل نور؛ به يعمل الإنسان، وينتج، ويتعامل، ويدبر أموره وشئونه، به يدرك الخير من الشر، به يسلك طريق الهدى، ويجتنب موارد الردى، قال تعالى: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل: 78)، فهذا العقل الذي جعله الله (عز وجل) في أعلى الجسد، ما كان ليوضع في هذا المكان الشامخ لولا قيمته ومكانته، إذ إنه محط التكريم، ومناط التكليف، ولله در القائل:
وَأَفضَلُ قَسْمِ اللَهِ لِلمَرءِ عَقلُهُ *** فَلَيسَ مِن الخَيراتِ شِيءٌ يُقارِبُه
فالإسلام في كل جوانبه يقوم على احترام العقل، وتنمية الفكر؛ ولعل هذا ظاهر جلي في حديث النبي (صلى الله عليه وسلمَ) فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ (رضي الله عنهما) قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ (صَلى الله عليه وسلم): “إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ، فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ؟”، فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَاسْتَحْيَيْتُ. ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: “هِيَ النَّخْلَةُ”، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُمَرَ. قَالَ: لأَنْ تَكُونَ قُلْتَ: هِيَ النَّخْلَةُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا(رواه مسلم).
فانظر تجد: كم يريد النبي (صلى الله عليه وسلمَ) تنمية الفكر؛ فتراه يلفت العقل إلى خصائص وطبائع المخلوقات، يريد أن يملأ العقول بروح السبق العلمي والمعرفة، فصاحب كل مهنة أو حرفة ينبغي له أن يطور ويبدع حتى ينفع دينه ووطنه، يريد أن يلفت العقول إلى التفكر في خلق الله (عز وجل)، فذلك يدفع إلى الطاعة، ويبعد عن المعصية، يريد أن يلفت العقول إلى هذه الشجرة التي خصالها كخصال المسلم.
فلم يطلب الإسلام من الإنسان أن يطفئ مصابيح عقله، أو أن يعيش في ظلمات الجهل، وإنما يريد له أن يخرج من الظلمات إلى النور، من الجهل إلى العلم، من الكسل إلى العمل، من التقليد إلى الابتكار، إلى الإبداع، إلى التطوير، إلى النجاح، إلى التقدم، إلى الإتقان، في كل المجالات: في الطب، في الهندسة، في الصيدلة، في الزراعة، في الصناعة… الخ، فلقد أكد النبي (صلى الله عليه وسلمَ) على يقظة العقل حتى في العبادات، إذ يقول صلى الله عليه وسلمَ: “إنَّ العبدَ لَيُصَلِّي الصَّلاةَ ما يُكتَبُ له منها إلَّا عُشرُها، تُسعُها، ثمنُها، سُبعُها، سُدسُها، خمسُها، ربعُها، ثُلثُها، نِصفُها” (رواه أحمد). أي بقدر ما عَقَلَ مِنْها، وبقدر ما خشَع فيها.
لقد أكد الإسلام على تنمية الفكر، فهو وسيلة لمعرفة الله (عز وجل)، ودليل إلى الإيمان، وقائد إلى الطاعة والبر والإحسان، وها أنا وأنت نقرأ في كتاب الله (عز وجل) قوله تعالى: (إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) (النحل: 12)، وقوله عز وجل: (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الجاثية: 13). ورحمَ الله هذا الأعرابي الذي قالَ: “الْبَعْرَةُ تَدُلُّ عَلَى الْبَعِيرِ والأثر يدُلُ عَلَى الْمَسِيرِ فَسَمَاءٌ ذَاتُ أَبْرَاجٍ، وَأَرْضٌ ذَاتُ فِجَاجٍ، كَيْفَ لَا تَدُلُّ عَلَى الصَّانِعِ الْخَبِيرِ”. وهذا هو الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان (رضي الله عنه)، وقد جاء أنه اجتمع به طائفة من الملاحدة، فقالوا: ما الدليل على وجود الصانع؟ فقال: دعوني، فخاطري مشغول بأمر غريب. قالوا: وما هو؟ قال: بلغني أن سفينة عظيمة مملوءة من أصناف الأمتعة العجيبة، وهي ذاهبة وراجعة من غير أحد يحركها ولا يقوم عليها، فقالوا له: إن هذا لا يصدقه عاقل. فقال لهم: فكيف صدقت عقولكم أن هذا العالم بما فيه من أرض وسماء وبحار وأنهار وإنسان وحيوان، ليس له من يدبر أمره؟.
ومن حرص الإسلام على تنمية الفكر كان التفكر في آيات الله عبادة عظيمة، وذلك لما تثمره من صلاح القلب، وزيادة الإيمان، وتثبيت اليقين وغرس الخوف والخشية من الله، والبعد عن المعاصي؛ قال عز وجل: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (آل عمران190)، قال النبي (صلى الله عليه وسلمَ): “لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ آيَةٌ، وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ)(آل عمران190)” (صحيح ابن حبان).
كذلك من أعظم معاني تنمية الفكر: البعد عن الجمود والتحجر والتشدد والتطرف والغلو، فالشريعة الإسلامية ما جاءت إلا لتحقيق مصالح الناس، قال تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) (البقرة: 286)، ويقول النبي (صلى الله عليه وسلمَ): “إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، ولَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أحَدٌ إلَّا غَلَبَهُ” (رواه البخاري ومسلم).
كذلك من منهج الإسلام في تنمية الفكر: أن حث على شغله بالخير، ومنعه عن الشر، فالمسلم ينفع ولا يضر، يبني ولا يهدم، يعمر ولا يخرب؛ لذلك لما مر النبي على هذا التاجر الذي شغل عقله بغش الناس وأذاهم في أموالهم، أخذ بزمام عقله وحوله من أذى الناس إلى نفعهم، ومن الاعتداء على أموالهم إلى حفظ حقوقهم، فعن أبي هريرة أنَّ رَسولَ اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ) مَرَّ علَى صُبْرَةِ طَعامٍ فأدْخَلَ يَدَهُ فيها، فَنالَتْ أصابِعُهُ بَلَلًا فقالَ: “ما هذا يا صاحِبَ الطَّعامِ”؟ قالَ أصابَتْهُ السَّماءُ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: “أفَلا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعامِ كَيْ يَراهُ النَّاسُ، مَن غَشَّ فليسَ مِنِّي” (رواه مسلم). فلقد حول النبي (صلى الله لعيه وسلم) عقل هذا التاجر من التفكير في أذى الناس وأكل أموالهم بالباطل إلى التفكير في حفظ أموالهم.
ولما سمع من ذلك الشاب الذى جاء يطلب منه إذن بالزنا، أخذ بزمام عقله، من أن يفكر في الاعتداء على الحرمات والأعراض إلى أن ينير بحفظها، فقال له: “أتحبُّه لأُمِّكَ؟” فقال: لا، جعلني اللهُ فداك، قال: “كذلك الناسُ لا يُحبُّونَه لِأمَّهاتِهم، أتحبُّه لابنتِك؟” قال: لا، جعلني اللهُ فداك. قال: “كذلك الناسُ لا يُحبُّونَه لبناتِهم، أتحبُّه لأختِك؟” ثم ذكر العمة والخالة، قال سيدنا أبو أمامة (رضي الله عنه) – راوي الحديث- فوضع رسولُ اللهِ (صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم) يدَه على صدرِه وقال: “اللهمَّ طهِّرْ قلبَه واغفر ذنبَه وحصِّنْ فَرْجَه”، فلم يكن شيءٌ أبغضَ إليه منه.
كذلك من حرص الإسلام على تنمية الفكر: أمره بحسن تربية الأبناء، والوقوف على أفكارهم، فنؤكد على صحيحها، وننزع منها فاسدها، فالنبي (صلى الله عليه وسلمَ) يقول: ” كفى بالمرءِ إثمًا أن يُضَيِّعَ من يقوتُ ” (رواه أبو داود)، والإضاعة في التربية أشد شرا من الإضاعة في المال، والله (عز وجل) يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) (التحريم: 6).
إن طريق التقدم والازدهار مرهون بتنمية الفكر، مرهون بإعمال العقل في الخير، فيما ينفع الناس، ومن ثم فمن أهمل عقله فقد أخطأ طريق التقدم، ولقد عاب القرآن الكريم على من يعطلون عقولهم عن وظائفها، قال تعالى: (لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) (الأنبياء: 10). وقال سبحانه: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (محمد: 24)، وقال عز وجل (وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ) (يوسف: 105)، وقال عز وجل (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (الحج: 46).
كما أن الناظر في الحديث النبوي الشريف الذي ذكرت؛ يرى أن النبي (صلى الله عليه وسلمَ)، وقد شبه المسلم (أو المؤمن، كما في بعض الروايات) بالنخلة؛ وهذا مما يدعونا أيضا إلى التفكر ويدلنا عليه من جانب، ومن آخر يدعونا إلى بيان صفات المؤمن وتحقيقها حتى إن رأى أحدنا في نفسه ضعفا في صفة منها جد واجتهد في إصلاح نفسه وتقويمها، وقد قال تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) (الشمس: 7- 10):
فالنخلة: كلما طال عمرها ازداد خيرها، وهكذا المؤمن؛ ففي الحديثِ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟، قَالَ: “مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ” (رواه الترمذي).
والنخلة قطوفها دانية في كل أحوالها، في حال قصرها وطول جذعها لسهولة الصعود إليها، وهكذا المؤمن، خيره قريب، يؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة، يألف ويؤلف، وقد قال النبي (صلى الله عليه وسلمَ): “المؤمِنُ يَأْلَفُ ويُؤْلَفُ، ولا خيرَ فيمَنْ لا يألَفُ ولا يؤلَفُ” (رواه أحمد).
والنخلة كل ما فيها نافع بإذن الله (عز وجل) فتمرها غذاء ودواء، وجذعها للأبنية، وسعفها تسقف به البيوت، وخوصها يتخذ منه المكاتل والأواني والحصر، وليفها لصنع الحبال، بل حتى نوى التمر له نصيب من المنافع؛ وهكذا المؤمن نافع في كل مكان وزمان؛ فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلمَ): “مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ النَّخْلَةِ، مَا أَخَذْتَ مِنْهَا مِنْ شَيْءٍ نَفَعَكَ” (رواه الطبراني) فتراه كالغيث حيثما وقع نفع، تنتفع بكلامه الطيب، وأخلاقه الحسنة، وتعامله الكريم، ويده السخية، وقد قال النبي (صلى الله عليه وسلمَ): “أحَبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفَعُهم للناسِ”.
وكما أن النخلة أصبر الشجر على العطش، فكذلك المؤمن في صبره على البلاء، وقد قال فيه سيدنا الحبيب النبي (صلى الله عليه وسلمَ): “وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ” (رواه مسلم).
كذلك قلب النخلة (وهو الجُمَّار) حلو الطعم، جميل المذاق، من أطيب القلوب وأحسنها؛ كما جاء عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ (رضي الله عنهما) قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلمَ) فَأُتِيَ بِجُمَّارٍ فَقَالَ: “إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً مَثَلُهَا كَمَثَلِ الْمُسْلِمِ”. فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ هِي النَّخْلَةُ؛ فَإِذَا أَنَا أَصْغَرُ الْقَوْمِ فَسَكَتُّ. قَالَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلمَ): “هِيَ النَّخْلَةُ” (رواه البخاري)، وكذا قلب المؤمن أطيب القلوب، لا يحمل إلا الخير، ولا يبطن سوى الصلاح، والسلامة؛ وقد قال النبي (صلى اللهُ عليه وسلم): “لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ” (رواه البخاري).
والنخلة لا يسقط ورقها، كما في الحديث الذي ذكرنا؛ ووجه الشبه بين النخلة والمؤمن من جهة عدم سقوط الورق ما رواه الحارث بن أسامة في هذا الحديث من وجه آخر عن ابن عمر ولفظه: قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: “إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ شَجَرَةٍ لَا تَسْقُطُ لَهَا أُنْمُلَةٌ، أَتَدْرُونَ مَا هِيَ؟” قَالُوا لَا. قَالَ: “هِيَ النَّخْلَةُ، لَا تَسْقُطُ لَهَا أُنْمُلَةٌ، وَلَا تَسْقُطُ لِمُؤْمِنٍ دَعْوَةٌ”… إذ يقول النَّبيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): “ما من مسلِمٍ يَدعو ليسَ بإثمٍ و لا بِقطيعةِ رَحِمٍ إلَّا أَعطَاه إِحدَى ثلاثٍ: إمَّا أن يُعَجِّلَ لهُ دَعوَتَهُ، و إمَّا أن يَدَّخِرَها لهُ في الآخرةِ، و إمَّا أن يَدْفَعَ عنهُ من السُّوءِ مِثْلَها قال: إذًا نُكثِرَ، قالَ: اللهُ أَكثَرُ” (الأدب المفرد).
والنخلة غير مدادة، فهي لا تعتدي على جيرانها بسيقانها أو بفروعها، ولا تؤذي المحيطين بها. وكذلك المؤمن، فعن أَبي هريرة (رضي الله عنه): أَن النَّبيَّ (صلى الله عليه وسلمَ) قَالَ: “واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، قِيلَ: مَنْ يا رسولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الَّذي لا يأْمنُ جارُهُ بَوَائِقَهُ” (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ).
والأعجب في تشابِه المؤمنِ والنَّخلة هو الحنين إلى سيدنا رسولِ اللهِ (صلى اللهُ عليه وسلمَ)؛ فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (رضي الله عنهما): أَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ، فَلَمَّا اتَّخَذَ الْمِنْبَرَ ذَهَبَ إِلَى الْمِنْبَرِ، فَحَنَّ الْجِذْعُ، فَأَتَاهُ فَاحْتَضَنَهُ، فَسَكَنَ” (رواه ابن ماجه)، وهكذا المؤمن يشتاق إلي سيدنا الحبيب النبي (صلى الله عليه وسلمَ) شوقا عظيما، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ): أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: “مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي، يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ” (رواه مسلم).
هذه هي بعض أوجه الشبه بين المؤمن والنخلة؛ يحيا بتأملها قلب المؤمن، وعقله وفكره، يحرص المؤمن على هذه الصفات فيحققها في كل مكان وزمان، حتى يكون الفوز في الآخرة فقد قال ربنا (عز وجل): (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا قَالُوا هَٰذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة: 25).
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا
واحفظ اللهم مصـــر مـن كل مكروه وسـوء
=== كتبه ===
محمد حســــــــــن داود
إمام وخطيب ومـــدرس
دكتوراة في الفقه المقارن