خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل

خُطْبَةُ الجُمُعَةِ القَادِمَةِ :(كُنْ جَمِيلًا تَرَى الوجودَ جَمِيلًا) د. مُحَمَّدُ حِرْزٍ

خُطْبَةُ الجُمُعَةِ القَادِمَةِ :(كُنْ جَمِيلًا تَرَى الوجودَ جَمِيلًا) د. مُحَمَّدُ حِرْزٍ بتاريخ 30 جُمَادَى الأَوَّلِ 1447هـ – 21 نَوْفَمْبِرَ 2025م

خُطْبَةُ الجُمُعَةِ القَادِمَةِ word :(كُنْ جَمِيلًا تَرَى الوجودَ جَمِيلًا) د. مُحَمَّدُ حِرْزٍ

خُطْبَةُ الجُمُعَةِ القَادِمَةِ pdf :(كُنْ جَمِيلًا تَرَى الوجودَ جَمِيلًا) د. مُحَمَّدُ حِرْزٍ

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُتَفَرِّدُ بِصِفَاتِ الْجَمَالِ، الْمُتَوِحِّدُ بِنُعُوتِ الْجَلَالِ وَالْكَمَالِ، الْحَمْدُ للهِ القائلِ ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾[البقرة:83] جَمالًا وَأَدَبًا وَذُوقًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلِيُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَحَبِيبَنَا وَعَظِيمَنَا وَقَائِدَنَا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ مِنْ خَلْقِهِ وَخَلِيلُهُ، صَاحِبُ الْوَجْهِ الْأَنْوَرِ وَالْجَبِينِ الْأَزْهَرِ، إِمَامُ الْأَنْبِيَاءِ وَسَيِّدُ الْحُنَفَاءِ، فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَزِدْ وَبَارِكْ عَلَى النَّبِيِّ الْـمُخْتَارِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الأَطْهَارِ الأَخْيَارِ، وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
يا آلَ بَيتِ رَسولِ اللَهِ حُبَّكُمُ ***فَرضٌ مِنَ اللهِ في القُرآنِ أَنزَلَهُ
يَكفيكُمُ مِن عَظيمِ الفَخرِ أَنَّكُمُ ***مَن لَم يُصَلِّ عَلَيكُم لا صَلاةَ لَهُ
أَمَّا بَعْدُ … فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي أَيُّهَا الأَخْيَارُ بِتَقْوَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]. عِبَادَ اللَّهِ: كُنْ جَمِيلًا تَرَى الوجودَ جَمِيلًا » عُنْوَانُ وِزَارَتِنَا وَعُنْوَانُ خُطْبَتِنَا.
عَنَاصِرُ اللِّقَاءِ:
❖ أَوَّلًا: دِينُنَا دِينُ الْجَمَالِ.
❖ ثَانِيًا: وَمِنْ جَمَالِ الْإِسْلَامِ أَيُّهَا الْأَخْيَارُ.
❖ ثَالِثًا وَأَخِيرًا: حُسْنُ الْجِوَارِ مِنْ جَمَالِ الْإِسْلَامِ.
أَيُّهَا السَّادَةُ: مَا أَحْوَجَنَا فِي هَذِهِ الدَّقَائِقِ الْمَعْدُودَةِ إِلَى أَنْ يَكُونَ حَدِيثُنَا عَنْ ((كُنْ جَمِيلًا تَرَى الوجودَ جَمِيلًا))وَخَاصَّةً وَدِينُنَا دِينُ الْجَمَالِ وَالْكَمَالِ وَقُرْآنُنَا قُرْآنُ الْجَمَالِ وَالْكَمَالِ وَشَرِيعَتُنَا شَرِيعَةُ الْجَمَالِ وَالْكَمَالِ وَنَبِيِّنَا الْعَدْنَانُ نَبِيُّ الْجَمَالِ وَالْكَمَالِ، وَخَاصَّةً وَنَحْنُ نَعِيشُ زَمَانًا قَلَّ فِيهِ الْجَمَالُ وَالْأَدَبُ وَالْأَخْلَاقُ وَالذَّوْقُ عِندَ الْكَثِيرِينَ مِنَ النَّاسِ إِلَّا مَا رَحِمَ اللَّهُ جَلَّ وعَلا، وَخَاصَّةً وَالْمَقْصُودُ بِالْجَمَالِ لَيْسَ جَمَالَ الظَّاهِرِ وَالْمَلْبَسِ وَالْمَظْهَرِ فَحَسْبَ بَلْ وَجَمَالَ الْبَاطِنِ جَمَالَ الْقَلْبِ مِنَ التَّخَلُّصِ مِنَ الْأَحْقَادِ وَالضَّغِينَةِ وَالْحِقْدِ وَالْحَسَدِ جَمَالَ الدَّاخِلِ بِحَمْلِ الْخَيْرِ لِلنَّاسِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ جَمَالَ الْبَاطِنِ بِالرُّقِيِّ وَالتَّقَدُّمِ وَالِازْدِهَارِ وَالْأَدَبِ وَالِاحْتِرَامِ وَالتَّعَامُلِ مَعَ النَّاسِ بِأَخْلَاقِ الْإِسْلَامِ، فَكُنْ جَمِيلًا البَاطِنِ قَبْلَ الظَّاهِرِ فَثَرَاءُ الثَّوْبِ لَا يُزِيدُ مِنْ بَهَائِكَ وَجَمَالِكَ بِدُونِ جَمَالِ بَاطِنِكَ، كُنْ جَمِيلًا بِاسْمِ الثَّغْرِ، مُشْرِقَ المحَيَّا طَيِّبَ الخُلُقِ، نَظِيفَ القَلْبِ وَسَمِحَ النَّفْسِ وَحَسَنَ السِّيْرَةِ، كُنْ جَمِيلًا عَلَى طَبِيعَتِكَ دُونَ أَنْ تُقَلِّدَ غَيْرَكَ أَوْ تَتَصَنَّعَ فِي كَلَامِكَ. فَمُتَصَنِّعُ الجَمَالِ تَكْشِفُهُ المَواقِفُ أَيُّهَا الْأَخْيَارُ، كُنْ جَمِيلًا لِتَتَذَوَّقَ الرِّضَا بِقَضَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَبْلُغَ الحِكْمَةَ مِنْ مَنْحِهِ ومَحَنِه وعَطَائِهِ وَمَنْعِه، كُنْ جَمِيلًا القَلْبِ بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ القَالَبِ تَتَغَاضَى عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ وَتَبحَثُ عَنْ صِفَاتِ الجَمَالِ وَالكَمَالِ فِيهِمْ لِعِلْمِكَ أَنَّ الجَمَالَ الحَقِيقِيَّ يَنْبَعُ مِنَ الدَّاخِلِ ،فَمَنْ يَمْلِكُ السَّلَامَ الدَّاخِلِيَّ وَجَمَالَ الرُّوحِ وَالقَلْبِ سَيَرَى فِيْمَنْ حَوْلَهُ جَمَالًا لَمْ يَرَوْهُ هُمْ فِي أَنفُسِهِمْ.
أحسِنْ إلى النّاسِ تَستَعبِدْ قُلوبَهُمُ*****فطالَما استبَعدَ الإنسانَ إحسانُ
وإنْ أساءَ مُسيءٌ فلْيَكنْ لكَ في*****عُروضِ زَلَّتِهِ صَفْحٌ وغُفرانُ
❖ أَوَّلًا: دِينُنَا دِينُ الْجَمَالِ.
أَيُّهَا السَّادَةُ: إِنَّ دِينَ اللَّـهِ جَلَّ وَعَلا الَّذِي شَرَعَهُ لِعِبَادِهِ جَمِيلٌ، مُوَافِقٌ لِلْفِطْرَةِ، وَمَبْنِيٌّ عَلَى الْقِيَمِ النَّبِيلَةِ، وَالْمَبَادِئِ الْجَلِيلَةِ، وَالأخْلَاقِ السَّامِيَةِ ،وَتَشْرِيعَاتُهُ قَائِمَةٌ عَلَى السَّمَاحَةِ وَالْيُسْرِ، فَقَدْ جَمَعَت بَيْنَ جَمَالِ الظَّاهِرِ وَجَمَالِ الْبَاطِنِ، وَلَا يَنْفِرُ مِنْ تَشْرِيعَاتِهِ وَيُعَادِيهَا إِلَّا مَنْ كَانَ ظَالِمًا حَاسِدًا، أَوْ جَاهِلًا غَافِلًا، غَابَتْ عَنْهُ حَقيقَةُ التَّدِينِ وَمَناقِبُهُ، وَخَفِيَتْ عَلَيْهِ مَحاسِنُهُ، وَلَمْ يَعْرِفْ قِيمَتَهُ وَقَدْرَهُ وَمَكَانَتَهُ وَحَلَاوَتَهُ وَطَلَاوَتَهُ نَتِيجَةَ فَهْمٍ خَاطِئٍ، وَتَصَوُّرٍ مَغْلُوطٍ، فَالإيمَانُ لَهُ مَذَاقٌ، وَلَهُ حَلَاوَةٌ، وَلَهُ جَمَالٌ، وَلَهُ نَضَارَةٌ فِي الْوَجْهِ، وَانْشِرَاحٌ فِي الصَّدْرِ، وَأَثَرٌ فِي سُلُوكِ الْعَبْدِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْتَشْعِرُ مَعَانِيَ الْحُسْنِ وَالْبَهَاءِ فِي رُوحِهِ وَعَقْلِهِ، وَفِكْرِهِ وَخُلُقِهِ، وَفِي حَرَكَاتِهِ وَسُكَنَاتِهِ، وَحَتَّى عَلاَقَاتِهِ فَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْجَمَالِ، كَمَا عَنْهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: “مَنْ سَرَّه أَنْ يَجِدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ فَلْيُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ”.
فَمَا أَجْمَلَ دِينَ الإِسْلَام!! وَمَا أَعْظَمَ فَضَائِلَ هَذَا الدِّينِ!!! فَالإِسْلاَمُ دِينُ الجَمَالِ وَالْكَمَالِ وَالأَخْلاقِ وَالْأَدَبِ وَالذَّوْقِ الرَّفِيعِ وَكَيْفَ لَا؟ وَهُوَ يَدْعُو إِلَى الجَمالِ الحَسِّي وَالجَمالِ المَعْنَوِي، وَيَهْتَمُّ بِنَظَافَةِ المَظْهَرِ وَطَهَارَةِ المَخْبَرِ، وَكَيْفَ لَا؟ وَالجَمالُ مَطْلُوبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ، فِي أَخْذِكَ وَعَطَائِكَ، وَبَذْلِكَ وَسَخَائِكَ، وَصَبْرِكَ وَهَجْرِكَ، قَالَ جَلَّ وَعَلَا:(فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا)[الْمَعَارِجِ: 5]؛ فَهُوَ صَبْرٌ بِلَا شَكْوَى، فَيَتَحَلَّى الْمَرْءُ بِأَجْمَلِ مَعَانِي الصَّبْرِ، وَفي الهَجْرِ، قَالَ جَلَّ وَعَلَا:(وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا)[الْمُزَّمِّلِ: 10]؛ فَهُوَ هَجْرٌ بِلَا أَذًى، يَتَحَقَّقُ مِنْ وَرَائِهِ النَّفْعُ وَالإِصْلَاحُ، وَفِي طَلَاقِ الْمَرْأَةِ قَالَ جَلَّ وَعَلَا: (وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا)[الْأَحْزَابِ: 49]؛ فَهُوَ تَخْلِيَةٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَسَرَاحٌ فِيهِ جَمَالٌ وَإِحْسَانٌ، لَا يَشُوبُهُ مَخَاصَمَةٌ وَلَا مُشَاتَمَةٌ، وَلَا جَرْحٌ لِلْمَشَاعِرِ، وَهَذَا الْمَعْنَى يُنْتَظِمُ أَيَّ فَضٍّ لِشَرَاكَةٍ أَوْ إِنْهَاءِ لِتَعَامُلٍ؛ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ مِنَ الجَمالِ وَطِيبِ النَّفْسِ مَا يَكُونُ أَدْعَى لِلْمَحَبَّةِ وَالْوِئَامِ ، وَلَا يُؤَدِّي إِلَى الْخُصُومَةِ وَالْقَطِيعَةِ وَالجَفَاءِ، وَكَذَا فِي الْعَفْوِ وَالصَّفْحِ، قَالَ جَلَّ وَعَلَا:(فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ)[الْحِجْرِ: 85]؛ فَهُوَ صَفْحٌ بِلَا عِتَابٍ، صَفْحٌ فِيهِ مِنَ الحُسْنِ وَالجَمالِ وَلِينِ الْكَلَامِ، مَا يَكُونُ أَدْعَى لِلْمَحَبَّةِ وَالْوِفَاقِ. وَكَيْفَ لَا؟ وَرَبُّنَا جَلَّ جَلاَلُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ وَصِفَاتُهُ يَتَّصِفُ بِالْجَمَالِ الْمُطْلَقِ وَالْحُسْنِ الْمُطْلَقِ وَالْبَهَاءِ الْمُطْلَقِ وَالْكَمَالِ الْمُطْلَقِ لِذَا يُلْفِتُ نَبِيُّنَا الْعَظِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْظَارَنَا إِلَى وَصْفِ مَوْلَانَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالْجَمَالِ، وَمَحَبَّتِهِ لِهَذِهِ الْقِيمَةِ الْعَظِيمَةِ ، فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ»، قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ] وَيَقُولُ الْمَنَاوِيُّ: “«إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَمِيلٌ» لَهُ الْجَمَالُ الْمُطْلَقُ، وَمَنْ أَحَقُّ بِالْجَمَالِ مِنْهُ، كُلُّ جَمَالٍ فِي الْوُجُودِ مِنْ ءَاثَارِ صُنْعِتِهِ، فَلَهُ جَمَالُ الذَّاتِ وَجَمَالُ الصِّفَاتِ وَجَمَالُ الأَفْعَالِ، وَلَوْلَا حِجَابُ النُّورِ عَلَى وَجْهِهِ لَأَحْرَقَتْ سُبْحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِه “يُحِبُّ الْجَمَالَ” أَيِ التَّجَمُّلِ مِنْكُمْ فِي الْهَيْئَةِ، أَوْ فِي قِلَّةِ إِظْهَارِ الْحَاجَةِ لِغَيْرِهِ، وَسِرُّ ذَٰلِكَ أَنَّهُ كَامِلٌ فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، فَلَهُ الْكَمَالُ الْمُطْلَقُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَيُحِبُّ أَسْمَائَهُ وَصِفَاتِهِ، وَيُحِبُّ ظُهُورَ آثَارِهَا فِي خَلْقِهِ، فَإِنَّهُ مِنْ لَوَازِمِ كَمَالِهِ”. وَكَيْفَ لَا؟ وَمِنْ جَمَالِ رَبِّنَا جَلَّ جَلاَلَهُ كَمَا فِي حَدِيثِ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ ((إذا دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، قالَ: يقولُ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى: تُرِيدُونَ شيئًا أزِيدُكُمْ؟ فيَقولونَ: ألَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنا؟ ألَمْ تُدْخِلْنا الجَنَّةَ، وتُنَجِّنا مِنَ النَّارِ؟ قالَ: فَيَكْشِفُ الحِجابَ، فَما أُعْطُوا شيئًا أحَبَّ إليهِم مِنَ النَّظَرِ إلى رَبِّهِمْ عزَّ وجلَّ. وفي رواية: وزادَ ثُمَّ تَلا هذِه الآيَةَ: {لِلَّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وزِيادَةٌ} [يونس: 26]وَفِي الحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قامَ فِينا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بخَمْسِ كَلِماتٍ، فقالَ: إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ لا يَنامُ، ولا يَنْبَغِي له أنْ يَنامَ، يَخْفِضُ القِسْطَ ويَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهارِ، وعَمَلُ النَّهارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجابُهُ النُّورُ ، وفي رِوايَةِ أبِي بَكْرٍ: النَّارُ، لو كَشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحاتُ وجْهِهِ ما انْتَهَى إلَيْهِ بَصَرُهُ مِن خَلْقِهِ((وَكَيْفَ لَا؟ وَالْقُرْآنُ هُوَ الْجَمَالُ كُلُّهُ، الْجَمَالُ الَّذِي بَهَرَ قُلُوبَ الْمُعَانِدِينَ مِنْ قُرَيْشٍ وَفَتَنَ عُقُولَهُمْ حَتَّى قَالَ زَعِيمُهُمْ “الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ” وَقَدْ سَمِعَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَتْلُو قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ﴾ [النَّحْلِ: 90] ، قَالَ: “وَاللَّهِ إِنَّ لَهُ لَحَلاَوَةً، وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلاَوَةً، وَإِنَّ أَسْفَلَهُ لَمُغْدِقٌ، وَإِنَّ أَعْلَاهُ لَمُثْمِرٌ، مَا يَقُولُ هَذَا بَشَرٌ”؟؟ إنَّهُ الْجَمَالُ الَّذِي لَفَتَ سَمَاعَ الْجِنِّ إِلَيْهِ فَقَالُوا: ﴿ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ﴾ [الْجِنِّ: 1، 2] وَكَيْفَ لَا؟ وَكُلُّ مَخلُوقٍ فَازَ مِنَ الجَمَالِ بنَصِيبٍ إِلَّا أَنَّ الأَنْبِيَاءَ بَوَصْفِهِم صَفْوَةَ خَلْقِ اللَّـهِ بَوَصْفِهِم أَكْرَمَ خَلْقِ اللَّـهِ قَدْ فَازُوا مِنَ الجَمَالِ بِالنَّصِيبِ الأَوْفَرِ.. قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ (مَا بَعَثَ اللَّـهُ نَبِيًّا إِلَّا جَمِيلَ الصُّورَةِ حَسَنَ الْوَجْهِ كَرِيمَ الْحَسَبِ حَسَنَ الصَّوْتِ) قُلْتُ: وَكَانَ أَكْمَلَ وَأَجْمَلَ الرُّسُلِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ يَا بَرَاءُ هَلْ كَانَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّـهِ كَالسَّيْفِ؟ فَقالَ لا بَلْ كَانَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّـهِ مِثْلَ الْقَمَرِ.. يَقُولُ وَاصِفُهُ لَمْ أَرَ قَبْلَ وَلَا بَعْدَ مِثْلَ رَسُولِ اللَّـهِ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّ الشَّمْسَ تَجْرِي فِي وَجْهِهِ..) وَعَنْ أَنْسٍ رَضِيَ اللّٰهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّٰهِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَا بَعَثَ اللّٰهُ نَبِيًّا إِلَّا حَسَنَ الْوَجْهِ حَسَنَ الصَّوْتِ وَكَانَ نَبِيُّكُمْ أَحْسَنَهُمْ وَجْهًا وَأَحْسَنَهُمْ صَوْتًا”. رَوَاهُ التُّرْمِذِيُّ وَلِلَّهِ دَرُّ حَسَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عِنْدَمَا قَالَ فِي جَمَالٍ وَوَصْفِ الْمُصْطَفَى الْعَدْنَانِيِّ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وأَحْسَنُ مِنْكَ لَمْ تَرَ قَطُّ عَيْنِي***وَأَجْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النِّسَاءُ
خُلِقْتَ مَبْرَأً مِنْ كُلِّ عَيْبٍ***كَأَنَّكَ قَدْ خُلِقْتَ كَمَا تَشَاءُ
ومن قَصيدَةِ الْبُرْدَةِ لِلْبُصَيْرِيِّ رَحِمَهُ اللّٰهُ:
فَهُوَ الَّذِي تَمَّ مَعْنَاهُ وَصُورَتُهُ***ثُمَّ اصْطَفَاهُ حَبِيبًا بَارِئَ النَّسَمِ
مُنَزَّهٌ عَنْ شَرِيكٍ فِي مَحَاسِنِهِ***فَجَوْهَرُ الْحُسْنِ فِيهِ غَيْرُ مَنْقَسِمِ
وَكَيْفَ لَا ؟ وَأَنَّ أَعْظَمَ مَا تَتَجَمَّلُ بِهِ الْقُلُوبُ وَتَتَزَيَّنُ: الْإِيْمَانُ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ ﴾ [الحَجَرَاتِ:7] ، وَفِي الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ : «اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ» . وَمِنَ الجَمَالِ الَّذِي يُحِبُّهُ اللّهُ ؛ تَجْمِيلُ المَنْطِقِ وَتَزْيِينُ اللِّسَانِ بِأَطَايِبِ الْكَلَامِ وَأَحْسَنِ الْحَدِيثِ ، فَذَكَرَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ تَسْبِيحًا وَتَحْمِيدًا وَتَكْبِيرًا وَتَهْلِيلًا ، وَتِلَاوَةً لِكَلَامِهِ جَلَّ فِي عُلَا ، وَأَمْرًا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيًا عَنْ الْمُنْكَرِ ، وَدَعْوَةً إِلَى اللّهِ ، وَتَعْلِيمًا لِلْخَيْرِ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ جَمَالِ اللِّسَانِ وَزِينَتِهِ.
جِرَاحَاتُ السَّنَانِ لَهَا التِّئَامُ **** وَلَا يَلْتَئِمُ مَا جَرَحَ اللِّسَان
كَمَا أَنَّ الْجَوَارِحَ -عِبَادَ اللّهِ- تتَزِينُ وَتتَجْمَلُ بِمَا يُحِبُّهُ اللّهُ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ وَالطَّاعَاتِ الزَّاكِيَاتِ ، وَأَعْظَمَ ذَلِكَ عِبَادَ اللّهِ جَمَالًا فِي الْعَبْدِ وَحُسْنًا : الْمُحَافَظَةُ عَلَى أركانِ الْإِسْلَامِ ؛ فَالصَّلَاةُ جَمَالٌ ، وَالصِّيَامُ جَمَالٌ ، وَالْحَجُّ جَمَالٌ ، وَزَكَاةُ الْمَالِ جَمَالٌ ، وَكُلُّ طَاعَةٍ تَتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى اللّهِ جَلَّ فِي عُلَاهَا فَهِيَ حُسْنٌ وَجَمَالٌ يُحِبُّهُ اللّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ عِبَادِهِ .لكنْ عِندَمَا تَخْتَلُّ الفِطَرةُ وَيُطَاعُ الشَّيْطَانُ وَتُتْبَعُ النَّفْسُ الأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ يَرَى الْمَرْءُ حَسَنًا مَا لَيْسَ بِالْحَسَنْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا﴾ [فَاطِر:8]، وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْ الشَّيْطَانِ: ﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾ [النِّسَاء:119].لَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْجَمَالُ وَالْحَسَنُ بِمُفَارَقَةِ طَاعَةِ اللَّهِ وَمُبَايَنَةِ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ الْعِبَادَ عَلَيْهَا.
أَيُّهَا الشَّاكِي وَمَا بِكَ دَاءٌ *** كُن جَمِيلًا تَرَى الوُجُودَ جَمِيلًا
❖ ثَانِيًا: وَمِنْ جَمَالِ الْإِسْلَامِ أَيُّهَا الْأَخْيَارُ.
أَيُّهَا السَّادَةُ: مَا أَجْمَلَ دِينَ الإِسْلاَم! فَقَدْ أَمَرَ بِكُلِّ حَسَنٍ، وَدَعَا إِلَى كُلِّ خَيْرٍ وَفَضِيلَةٍ، وَنَهَى عَنْ كُلِّ سُوءٍ، وَحَذَّرَ مِنْ كُلِّ شَرٍّ وَرَذِيلَةٍ، وَأَمَرَ بِسَائِرِ الْآدَابِ وَمَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ؛ الَّتِي تُضْفِي جَمَالًا وَبَهَاءً عَلَى مَنْ تَحَلَّى بِهَا.
وَمِنْ جَمَالِ الْإِسْلَامِ أَيْهَا الْأَخْيَارُ: تَزَيَّنُ المَرْءُ بِجَمَالِ اللِّبَاسِ فِي حُدُودِ مَا أَبَاحَتْهُ الشَّرِيعَةُ وَأَحَلَّهُ الإِسْلامُ ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَنَّ عَلَى عِبَادِهِ بِنَوْعَيْنِ مِنَ الزِّيْنَةِ وَهُمَا : زِينَةُ المَرْءِ فِي ظَاهِرِهِ بِلبَاسٍ حَسَنٍ طَيِّبٍ فَقالَ جَلَّ وَعَلَا((يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ))سورة الأعراف:31. ، وَزِينَتُهُ فِي بَاطِنِهِ بِتَحْقِيقِ تَقْوَى اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا، ﴿ يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ﴾ [الأعراف:26] . وَمَنِ افتَقَدَ -عِبَادَ اللَّهِ- لِبَاسَ التَّقْوَى وَجَمَالَهُ وَزِينَتَهُ لَمْ تَنْفَعْهُ زِينَتُهُ الظَّاهِرَةُ ، لِأَنَّ الزِّيْنَةَ الحَقيقيَّةَ وَالجَمَالَ الحَقيقيَّ إنَّمَا هُوَ فِي تَقْوَى اللَّهِ وَتَحْقِيقِ رِضَاهُ وَلِلَّهِ دَرُّ أَبِي العَتَاهَةِ:
إذا المَرْءُ لَمْ يَلْبَسْ ثِيابًا مِنَ التُّقى**** تَقَلَّبَ عُرْيانًا وَلَوْ كانَ كاسِيا
وَخَيْرُ خِصالِ المَرْءِ طاعَةُ رَبِّهِ**** وَلا خَيْرَ فيمَنْ كانَ للهِ عاصِيا
وَمِنْ جَمَالِ الْإِسْلَامِ أَيْهَا الْأَخْيَارُ: أَنْ يرَى اللَّهُ عَلَى عَبْدِهِ أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ التَّرمِذِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُرَى أَثَرُ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ))، وَجَاءَ فِي التَّرمِذِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَثَّ الثِّيَابِ، فَقَالَ: هَلْ لَكَ مِنْ مَالٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ مِنْ كُلِّ الْمَالِ» قَالَ: ((فَإِذَا آتَاكَ اللَّهُ مَالًا فَلْيُرَ أَثَرُهُ عَلَيْكَ)).
وَمِنْ جَمَالِ الْإِسْلَامِ أَيْهَا الْأَخْيَارُ: أَنْ يَتَجَمَّلَ الْمَرْءُ بِالْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ وَالْآدَابِ الْكَامِلَةِ وَالْمُعَامَلَاتِ الطَّيِّبَةِ ، فَإِنَّ شَرِيعَةَ الْإِسْلَامِ شَرِيعَةُ الْأَخْلَاقِ وَالْآدَابِ ؛ فَكُلَّمَا كَانَ الْعَبْدُ أَعْظَمَ مُحَافَظَةً عَلَى الْأَخْلَاقِ وَالْآدَابِ الَّتِي جَاءَتْ بِهَا شَرِيعَةُ الْإِسْلَامِ كَانَ ذَٰلِكَ أَبْلَغَ فِي زِينَتِهِ وَجَمَالِهِ . لِحَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلَاقِ)) فَالجَمَالُ الحَقيقيُّ فِي أَخْلَاقِكَ وَأَدَبِكَ وَاحْتِرَامِكَ .
وَإِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاَقُ مَا بَقِيَتْ ***فَإِنْ هُمْو ذَهَبَتْ أَخْلاَقُهُمْ ذَهَبُوا وَمِنْ جَمَالِ الْإِسْلَامِ أَيْهَا الْأَخْيَارُ: وَإِنَّ مِنَ الْجَمَالِ أَنْ يَبْتَعِدَ الْمَرْءُ عَنِ الْحَرَامِ وَالْآثَامِ ؛ فَإِنَّ الْحَرَامَ وَالْآثَامَ وَالْمَعَاصِي وَالذُّنُوبَ تُفْقِدُ الْمَرْءَ جَمَالَهُ وَزِينَتَهُ وَحُسْنَهُ ،قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: إنَّ لِلْحَسَنَةِ نُورًا في القَلْبِ، وضِياءً في الوَجْهِ، وقُوَّةً في البَدَنِ، وزِيادَةً في الرِّزْقِ، ومَحَبَّةً في قُلُوبِ الخَلْقِ، وإنَّ لِلسَّيِّئَةِ سَوادًا في الوَجْهِ، وظُلْمَةً في القَلْبِ ووَهَنًا في البَدَنِ، ونَقْصًا في الرِّزْقِ، وبُغْضَةً في قُلُوبِ الخَلْقِ)) وهَذا يَعْرِفُهُ صاحِبُ البَصِيرَةِ، ويَشْهَدُهُ مِن نَفْسِهِ ومِن غَيْرِهِ.
وَمِنْ جَمَالِ الْإِسْلَامِ أَيْهَا الْأَخْيَارُ: كَظْمُ الْغَيْظِ وَالْعَفْوُ عَنْ النَّاسِ قالَ جَلَّ وَعَلَا: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آلِ عِمْرَانَ: ١٣٤].وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].وَعَنْ مُعَاذٍ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَنْتَصِرَ، دَعَاهُ اللَّهُ عَلَى رُؤُوسِ الْخَلَائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ فِي حُورِ الْعِينِ أَيَّتَهُنَّ شَاءَ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي “الْمُسْنَدِ”].
وَمِنْ جَمَالِ الْإِسْلَامِ أَيْهَا الْأَخْيَارُ: التِّمَاسُ العُذْرِ لِلنَّاسِ هُوَ مِنْ أَعْلَى شِيمِ الأَخْلَاقِ، وَمِنْ أَكْبَرِ مَحَاسِنِهَا؛ فَلَا غِلٌّ وَلَا حِقْدٌ، وَلَا حَسَدٌ وَلَا ضَغِينَةٌ، وَلَا سُوءُ ظَنٍّ، وَلَا تَشْكِيكَ فِي نَوَايَا النَّاسِ، والتِّمَاسُ العُذْرِ خُلُقٌ عَظِيمٌ مِنْ أَخْلَاقِ الدِّينِ، وَمَبْدَأٌ كَرِيمٌ مِنْ مَبَادِئِ الْإِسْلَامِ، وَشِيمَةُ الْأَبْرَارِ الْمُحْسِنِينَ مِنَ النَّاسِ، وَصِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَهِيَ عِبَادَةٌ جَلِيلَةٌ، وَسَهْلَةٌ وَمَيُّسُورَةٌ، أَمَرَ بِهَا الدِّينُ، وَتَخَلَّقَ بِهَا سَيِّدُ الْمُرْسَلِينَ ﷺ، تَدُلُّ عَلَى سُمُوِّ النَّفْسِ وَعَظَمَةِ الْقَلْبِ وَسَلَامَةِ الصَّدْرِ وَرَجَاحَةِ الْعَقْلِ وَوَعْيِ الرُّوحِ وَنَبْلِ الإِنْسَانِيَّةِ وَأَصَالَةِ الْمَعْدِنِ، وَالتَّمِسْ لِأَخِيكَ سَبْعِينَ عُذْرًا كَمَا قِيلَ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ جَعْفَرِ الصَّادِقِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ قَالَ: “إِذَا بَلَغَكَ عَنْ أَخِيكَ الشَّيْءُ تُنْكِرُهُ فَالْتَمِسْ لَهُ عُذْرًا وَاحِدًا إِلَى سَبْعِينَ عُذْرًا، فَإِنْ أَصَبْتَهُ وَإِلَّا قُلْ: لَعَلَّ لَهُ عُذْرًا لَا أَعْرِفُهُ”
وَمِنْ جَمَالِ الْإِسْلَامِ أَيْهَا الْأَخْيَارُ: الْخِلَافُ لَا يُفْسِدُ لِلْوَدِّ قَضِيَّةً، فَإِلَهُنَا وَاحِدٌ، وَنَبِيُّنَا وَاحِدٌ، وَدِينُنَا وَاحِدٌ، وَكِتَابُنَا وَاحِدٌ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ نَكُونَ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ. قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾ [الْأَنْفَالِ: 46]، فَالِاجْتِمَاعُ وَعَدَمٌ التَّفَرُّقِ، وَالتَّحَابُّ وَتَرْكٌ الْخِلَافِ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ وَمِنَّةٌ كَبِيرَةٌ، فَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي الِاتِّفَاقِ، وَالشَّرُّ كُلُّهُ فِي الِاخْتِلَافِ وَالتَّنَازُعِ؛ فَإِنَّ الِاتِّفَاقَ رَحْمَةٌ، وَالِاخْتِلَافَ عَذَابٌ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ﴾ [هُودٍ: 118-119]. فَالْمَرْحُومُونَ مُتَّفِقُونَ لَا يَخْتَلِفُونَ، وَإِذَا اخْتَلَفُوا لَا يَتَبَاغَضُونَ، وَلَا يَتَدَابَرُونَ. وكيفَ لا؟ وَقَدْ أَوْصَى اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ بِالِاتِّفَاقِ، وَنَهَاهُمْ عَنِ الِاخْتِلَافِ، وَأَوْصَاهُمْ بِالِاجْتِمَاعِ، وَنَهَاهُمْ عَنِ التَّفَرُّقِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 103]. وَعَنْ جَابِرٍ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيسَ أَنْ يُعْبَدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ))؛ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، فَالْخِلَافُ المحمودٌ لَا يُفْسِدُ لِلْوَدِّ قَضِيَّةً.
أَحْزَانُ قَلْبِي لَا تَزُولُ … حَتَّى أَبْشِرَ بِالْقُبُولِ
وَأَرَى كِتَابِي بِالْيَمِينِ … وَتَقْرَّ عَيْنِي بِالرَّسُولِ
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ.
الخطبة الثانية … الْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا حَمْدَ إِلَّا لَهُ، وَبِسْمِ اللَّهِ وَلَا يُسْتَعَانُ إِلَّا بِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ .. وَبَعْدُ
❖ ثَالِثًا وَأَخِيرًا: حُسْنُ الْجِوَارِ مِنْ جَمَالِ الْإِسْلَامِ.
أَيُّهَا السَّادَةُ: الْجِوَارَ الْجِوَارَ قَبْلَ فَوَاتِ الآوَانِ وخَاصَّةً وَنَحْنُ نَعِيشُ زَمَانًا جِيرَانَ الْيَوْمِ لَا يَقْبَلُونَ عُذْرًا وَلَا يَغْفِرُونَ ذَنْبًا وَلَا يَسْتُرُونَ عَوْرَةً انْتَشَرَتْ بَيْنَهُمْ الْأَحْقَادُ وَالضَّغِينَةُ إِلَّا مَا رَحِمَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا، وَخَاصَّةً وَأَنَّ أَحَدَانَا إِذَا رَأَى لِجَارِهِ خَيْرًا أَذَاعَهُ وَإِذَا رَأَى لِجَارِهِ خَيْرًا كَتَمَهُ، وَخَاصَّةً وَأَنَّ أَحَدَانَا إِذَا رَأَى جَارَهُ فِي خَيْرٍ لَا يَغْمِضُ لَهُ جَفْنٌ وَلَا تَنَامُ لَهُ عَيْنٌ وَإِذَا رَأَى أَنَّ جَارَهُ فِي مُصِيبَةٍ نَامَ قَرِيرَ الْعَيْنِ هَنِيئًا لِلَّهِ دَرُّ الْقَآئِلِ:
إِذَا مَا الدَّهْرُ جَرَّ عَلَى***** أُنَاسٍ كَلَّا كُلَّهُ أَنَاخَ بِآخِرِينَا
فَقُلْ لِلشَّامِتِينَ بِنَا أَفِيقُوا ***** سَيُلْقَى الشَّامِتُونَ كَمَا لَقِينَا
فَمِنْ أَهَمِّ الْأَوَامِرِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْوَصَايَا الْمَرْعِيَّةِ الَّتِي وَصَّانَا بِهَا رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَحَثَّنَا عَلَى التَّمَسُّكِ بِهَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْأَمْرَ بِحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْوَصِيَّةَ بِإِكْرَامِ الْجِيرَانِ؛ قَالَ تَعَالَى((وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) [النساء:36 (إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزَلْ يُوصِينَا بِالْجَارِ حَتَّى خَشِينَا أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ) [رَوَاهَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَلَقَدْ جَاءَتِ الآيَاتُ الْقُرْآنِيَّةُ وَالْأَحَادِيثُ النَّبَوِيَّةُ مُؤَكِّدَةً حُقُوقَ الْجِيرَانِ؛ حَيْثُ يَجْمَعُهَا وَصْفُ التَّعَامُلِ بِالْإِحْسَانِ، وَبَذْلُ كُلِّ مَا مِنْ شَأْنِهِ تَقْوِيَةُ عَلَاقَةِ الْجَارِ بِجَارِهِ وَتَعْزِيزُ التَّرَابُطِ بَيْنَهُمَا؛ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ الْأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ].
وكيف لا؟ وَالْإِحْسَانُ إِلَى الْجِيرَانِ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ دُخُولِ الْجَنَّةِ وَمَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ، إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا، وَصِيَامِهَا، وَصَدَقَتِهَا، غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ:«هِيَ فِي النَّارِ» قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَلَاتِهَا، وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنَ الْأَقِطِ، وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: «هِيَ فِي الْجَنَّةِ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَلَا يَكْتَمِلُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يُحِبَّ لِجَارِهِ مَا يُحِبُّهُ لِنَفْسِهِ؛ فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُحِبَّ لِجَارِهِ – أَوْ قَالَ: لِأَخِيهِ – مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]. وَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “مَن يَأْخُذُ عَنِّي هَذِهِ الْكَلِمَاتِ فَيَعْمَلُ بِهِنَّ أَوْ يُعَلِّمُ مَن يَعْمَلُ بِهِنَّ؟!”. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ الله. فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَعَدَّ خَمْسًا، وَقَالَ: “اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ، وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا، وَلَا تُكَثِرْ الضَّحِكَ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ”. أَخْرَجَهُ التُّرْمِذِيُّ. وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَكَيْفَ لَا؟ وَإِكْرَامُ الْجَارِ وَأَدَاءُ حَقِّهِ إِلَيْهِ، وَتَوْقِيرُهُ وَالْحِرْصُ عَلَيْهِ مِنْ عَلَامَاتِ أَهْلِ التُّقَى وَالْإِيمَانِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]. وَكَيْفَ لَا؟ وَإِكْرَامُ الْجَارِ وَأَدَاءُ حَقِّهِ إِلَيْهِ، وَتَوْقِيرُهُ وَالْحِرْصُ عَلَيْهِ مِنْ عَلَامَاتِ أَهْلِ التُّقَى وَالْإِيمَانِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْإِحْسَانُ فَقَطْ عِبَادَ اللَّهِ إِنَّمَا الْمَقْصُودُ أَنْ تَحَمَّلْ أَذَى جَارِكَ مِنْ أَجْلِ وَصِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَوَصِيَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَتَحَمُّلُ أَذَى الْجَارِ مِنْ شِيَمِ الرِّجَالِ، مِنْ شِيَمِ الْكِرَامِ، مِنْ شِيَمِ ذَوِي الْمُرُوءَاتِ، مِنْ شِيَمِ أَصْحَابِ الْهِمَمِ الْعَلِيَّةِ. فَعَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: “إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ ثَلَاثَةً، فَذَكَرَ مِنَ الَّذِينَ يُحِبُّهُمْ اللَّهُ: وَرَجُلٌ لَهُ جَارُ سُوءٍ يُؤْذِيهِ فَيَصْبِرُ عَلَى إِيذَائِهِ، حَتَّى يَكْفِيَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ”(رَوَاهُ الْحَاكِمُ) فَأَذِيَّةُ الْجَارِ لَيْسَتْ مِنْ أَفْعَالِ أَهْلِ الْإِيمَانِ، بَلْ هِيَ مِنْ أَسْبَابِ دُخُولِ النِّيرَانِ، فَعَنْ أَبِي شَرِيحٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ: النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ وَالَّذِي لَا يُؤْمِنُ وَالَّذِي لَا يُؤْمِنُ». قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارَهُ بَوَائِقَهُ» أَي: ظُلْمَهُ وَشَرَّهُ. [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ]، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ». [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]. وَمِنْ أَعْظَمِ صُوَرِ الْإِيذَاءِ: خِيَانَةُ الْجَارِ لِجَارِهِ فِي عِرْضِهِ؛ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ». قُلْتُ: إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «وَأَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَخَافُ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ». قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].وكَيْفَ لَا؟ وَالعُقُوبَةُ وَالإِسَاءَةُ فِي حَقِّ الْجَارِ مُضَاعَفَةٌ لِحَدِيثٍ – ن مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا ظَبْيَةَ الْكَلَاعِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ :مَا تَقُولُونَ فِي الزِّنا قَالُوا حَرَامٌ حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَهُوَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِعَشْرِ نِسْوَةٍ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةِ جَارِهِ قَالَ مَا تَقُولُونَ فِي السَّرِقَةِ قَالُوا حَرَّمَهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَهِيَ حَرَامٌ قَالَ لَأَنْ يَسْرِقَ الرَّجُلُ مِنْ عَشَرَةِ أَبْيَاتٍ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ جَارِهِ)) مَنِ ابْتُلِيَ بِجَارِ سُوءٍ فَلْيُقَابَلْهُ بِالْمَعْرُوفِ وَالصَّبْرِ وَالْإِحْسَانِ، فَهَذِهِ وَصِيَّةُ سَيِّدِ الْأَنَامِ، فَأَجْرُكَ إِلَى الرَّحْمَنِ، وَحِسَابُ الْمُسِيءِ عِنْدَ الدَّيَّانِ
وَكَانَ لِأَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ دَارٌ بِالْبَصْرَةِ، وَلَهُ جَارٌ يَتَأَذَّى مِنْهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ، فَبَاعَ دَارَهُ، فَقِيلَ لَهُ: بِعْتَ دَارَكَ؟ قَالَ: “بَلْ بِعْتُ جَارِي”. وَبَاعَ رَجُلٌ مَنْزِلَهُ بِثَمَنٍ رَخِيصٍ فَعُوتِبَ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ:
يَلُومُونَنِي إِذْ بِعْتُ بِالرُّخْصِ مَنْزِلِي *****وَمَا عَلِمُوا جَارًا هُنَاكَ يُنَغِّصُ
فَقُلْتُ لَهُمْ كُفُّوا الْمَلَامَ فَإِنَّهَا ***بِجِيرَانِهَا تَغْلُو الدُّيُورُ وَتَرْخِصُ
حَفِظَ اللهُ مِصْرَ مِنْ كَيْدِ الكَائِدِينَ، وَشَرِّ الفَاسِدِينَ، وَحِقْدِ الحَاقِدِينَ، وَمَكْرِ المَاكِرِينَ، وَاعْتِدَاءِ المُعْتَدِينَ، وَإِرْجَافِ المُرْجِفِينَ، وَخِيَانَةِ الخَائِنِينَ.
كَتَبَهُ العَبْدُ الفَقِيرُ إِلَى عَفْوِ رَبِّهِ
د/ مُحَمَّدٌ حِرْزٌ إِمَامٌ بِوِزَارَةِ الأَوْقَافِ

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى