خطبة الجمعة : حب التناهي شطط.. خير الأمور الوسط ، للدكتور مسعد الشايب

خطبة الجمعة : حب التناهي شطط.. خير الأمور الوسط (وسطية الشريعة الإسلامية، وبعض مظاهر ذلك)، للدكتور مسعد الشايب – الجمعة 18 من ذي القعدة 1446هـ الموافق 16 من مايو 2025م
===========================================
خطبة الجمعة word : حب التناهي شطط.. خير الأمور الوسط (وسطية الشريعة الإسلامية، وبعض مظاهر ذلك)، للدكتور مسعد الشايب
خطبة الجمعة pdf : حب التناهي شطط.. خير الأمور الوسط (وسطية الشريعة الإسلامية، وبعض مظاهر ذلك)، للدكتور مسعد الشايب
أولا: العناصر:
- مقدمة ومدخل.
- خمسةٌ من مظاهر وسطية الشريعة الإسلامية.
- الخطبة الثانية: (الوسطية في التعامل مع المخالفين، والتحذير من المتنطعين).
ثانيا: الموضوع:
الحمد لله ربّ العالمين، الحمد لله الذي جعلنا من أمة خاتم الأنبياء والمرسلين، الحمد لله الذي هدانا لنعمة الإسلام وتوفيق الإيمان، الحمد لله الذي هدانا لحفظ وتلاوة آيات القرآن، {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف:43]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، صلاة وسلاما عليه دائمين متلازمين إلى يوم الدين وعلى آله وصحبه وأتباعه وأحبابه إلى يوم الدين، وبعد:
===========================================
(1) ((مقدمة ومدخل))
===========================================
أيها الأحبة الكرام: فمما لا شك فيه أن لكل شريعة ما يميزها عما سواها من الشرائع سواء أكان هذا التميز ماديًا أم معنويًا، ومن خصائص الشريعة الإسلامية، ومن ميزاتها أنها شريعة وسطًا لا إفراط فيها، ولا تفريط، فالإسلام هو دين الوسطية، ورسوله (صلى الله عليه وسلم) هو رسول الوسطية، والحق تبارك وتعالى يقرر ذلك، يقول: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة:143].
فتعالوا بنا أحبتي في الله بإذن من الحق تبارك وتعالى في لقاء الجمعة الطيب المبارك لنرى بعضًا من مظاهر الوسطية في شريعتنا الإسلامية الغراء، فأعروني يا عباد الله القلوب وأصغوا إلي بالآذان، والأسماع، فأقول وبالله التوفيق:
الوسطية في لغتنا العربية: نعتٌ أو وصفٌ مشتق من مادة (و س ط)، والتي تعني الوقوع بين شيئين أو طرفين، فتفيد العدل والإنصاف، أو تفيد العلو والشرف.
والوسطية في اصطلاح علماء الشريعة، تعني: تحري الاعتدال، والابتعاد عن التطرف قولًا وفعلًا، فالشريعة الإسلامية لا إفراط فيها بالشطط والغلو، ولا تفريط بالاستهتار، والتسيب، والتهتك، كما سنرى في ثنايا هذه الجمعة إن شاء الله.
والوسطية: مظهر من مظاهر خيرية الأمة المحمدية كما قال جمهور المفسرين في تفسير آية سورة البقرة: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}، ووسطية الشريعة الإسلامية اتخذت مظاهر متعددة ومتنوعة، وبيان بعضها كالتالي:
===========================================
(2) (خمسةٌ من مظاهر وسطية الشريعة الإسلامية)
===========================================
1ـ الموازنة بين مطالب الروح ومطالب الجسد: فالإسلام جاء وسطًا بين مادية اليهود الجسدية (اهتمامهم بالجسد ورغباته) وهذا من التفريط، ورهبانية أهل الكتاب الروحية (إعلاء جانب الروح مع إهمال بعض مطالب الجسد) وهذا من الإفراط، فلا مادية ولا رهبانية في الإسلام، وإنما الموازنة بين مطالب الروح، ومطالب الجسد، ومن أعظم الآيات القرآنية التي أشارت إلى ذلك، قول الحق تبارك وتعالى: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:31]، ففي سياقها الإرشاد إلى أخذ الزينة عند الذهاب للمساجد، وهذا من مطالب الجسد، كما أنها أمرت بالأكل والشرب بدون إسراف وهذا أيضا من مطالب الجسد، وكلاهما جاء في سياق الأمر بالصلاة التي هي المعراج الروحي لرب العالمين.
وانظروا إلى سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو يقول لعبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما)، وقد علم أنه يصوم النهار ولا يفطر، ويقوم الليل بالقرآن كله ولا يرقد: (فَلاَ تَفْعَلْ صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا) (متفق عليه).
وعن أنس بن مالك (رضي الله عنه) أيضًا، أن النبي (صلى الله عليه وسلم) رأى شيخا يهادى بين ابنيه (يمشي بينهما معتمدًا عليهما)، قال: (مَا بَالُ هَذَا؟)، أي: ما شأنه يمشي هكذا. قالوا: نذر أن يمشي (أي: إلى الكعبة)، فقال (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ اللَّهَ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ لَغَنِيٌّ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ) (متفق عليه).
وعن ابن عباس (رضي الله عنهما)، قال: بينا النبي (صلى الله عليه وسلم) يخطب، إذا هو برجل قائم، فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل، نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم. فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): (مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ) (رواه البخاري)، فالموازنة بين…ومن مظاهر الوسطية في الإسلام:
==========
2ـ العمل للدنيا كما نحن مطالبون بالعمل للأخرة: فالدنيا مزرعة الأخرة، ومن الإفراط أن ننشغل بالأخرة فقط ونضيع الدنيا، ومن التفريط أن ننشغل بالدنيا ونضيع الأخرة، وإنما جاء الإسلام بالعمل لهما، قال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [القصص:77].
ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ، خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ)، كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ) (رواه البخاري)، فهذا الحديث دعوة للعمل للدنيا كما نحن مطالبون بالعمل للآخرة، فداود (عليه السلام) بالرغم من نبوته، وبالرغم من ملكه، فقد كان نبيا ملكًا، بالرغم من ذلك لم يترك العمل بيده، ولم يرغب عن العمل للدنيا.
ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (مَا كَسَبَ الرَّجُلُ كَسْبًا أَطْيَبَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَمَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَخَادِمِهِ، فَهُوَ صَدَقَةٌ) (رواه ابن ماجه)، فالإنفاق على الأهل والأولاد من العمل للدنيا، وفي نفس الوقت هو نوعٌ من أنواع الصدقة التي تنجينا من عذاب الأخرة، فالعمل للدنيا…ومن مظاهر الوسطية في الإسلام:
3ـ التوسط في الإنفاق بين التقتير والإسراف والتبذير في أمورنا الحياتية: قال تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا*إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} [الإسراء:27،26]، وقال تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا*إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} [الإسراء:30،29]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان:67].
==
ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (المُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ) (متفق عليه)، (معي) جمع أمعاء وهي المصارين. (سبعة أمعاء) كناية عن الشره والرغبة في متاع الدنيا وملذاتها والحرص على التشبع من شهواتها التي من جملتها تنوع المآكل والمشارب والامتلاء منها، فالتوسط في الإنفاق…ومن مظاهر الوسطية في الإسلام:
==========
4ـ التوسط في أداء الطاعات والعبادات بدون إفراطٍ أو تفريط: فعن أنس بن مالك (رضي الله عنه)، قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي (صلى الله عليه وسلم) (قيل: هم علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمرو، وعثمان بن مظعون (رضي الله عنهم)، يسألون عن عبادة النبي (صلى الله عليه وسلم)، فلما أخبروا كأنهم تقالوها (عدوها قليلة)، فقالوا: وأين نحن من النبي (صلى الله عليه وسلم)؟، قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إليهم، فقال: (أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي) (اللفظ للبخاري).
==
وعن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: دخل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) المسجد، وحبلٌ ممدودٌ بين ساريتين، فقال: (مَا هَذَا؟). قالوا: لزينب (بنت جحش) تصلي، فإذا كسلت، أو فترت أمسكت به. فقال: (حُلُّوهُ، لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا كَسِلَ، أَوْ فَتَرَ قَعَدَ) (متفق عليه).
==
وعن ابن عباس (رضي الله عنهما)، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، قال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ) (رواه أحمد).
==
ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ، فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ، وَلَا تُبَغِّضْ إِلَى نَفْسِكَ عِبَادَةَ رَبِّكَ، فَإِنَّ الْمُنْبَتَّ لَا سَفَرًا قَطَعَ، وَلَا ظَهْرًا أَبْقَى، فَاعْمَلْ عَمَلَ امْرِئٍ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَمُوتَ أَبَدًا، وَاحْذَرْ حَذَرًا يَخْشَى أَنْ يَمُوتَ غَدًا) (السنن والشعب للبيهقي)، فالتوسط في أداء…ومن مظاهر الوسطية في الإسلام:
==========
5ـ التوسط بين التواكل والاعتماد على الله (عزّ وجلّ) بالعمل والأخذ بالأسباب: فعن عُمَر (رضي الله عنه)، قَالَ: سمعتُ رَسُول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: (لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصاً وَتَرُوحُ بِطَاناً) (رواه الترمذي)، فهذا هو عين التوكل الله (عز وجل)، وتلك حقيقته: أن تأخذ بالأسباب ما استطعت إلى ذلك سبيلا بدون كسل أو راحة تاركًا نتيجة عملك وسعيك لله (عز وجل) يقدرها كيف يشاء، فالتوسط بين ……..
عباد الله: البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والدّيّان لا يموت، اعمل ما شئت كما تدين تدان، فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فالتائب من الذنب كمَنْ لا ذنب له.
===========================================
(الخطبة الثانية)
((الوسطية في التعامل مع المخالفين، والتحذير من المتنطعين))
===========================================
الحمد لله ربّ العالمين، أعد لمن أطاعه جنات النعيم، وسعر لمن عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الصادق الوعد الأمين، اللهم صلّ عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
========
أيها الأحبة الكرام: ما زلنا نعيش مع وسطية الشريعة الإسلامية، ورأينا العديد من مظاهرها، ومن مظاهرها أيضًا كيفية التعامل مع المخالفين للشريعة الإسلامية:
==
فالشريعة الإسلامية لم تجعل المخالفين لها في خندق واحد، وإنما فصلت بين من يتعايش معنا تعايشًا سلميًا، ومن يؤلب علينا الشرور، ويجر إلينا الأخطار، والأضرار، فقال سبحانه وتعالى: {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ*إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[الممتحنة:9،8].
==
فأباحت المعاملة والتعايش السلمي بمظاهره المعروفة: (حرية العقيدة والشعائر، المحافظة على الأنفس، والأموال والأعراض…الخ) مع من يعايشوننا تعايشًا سلميًا، ولا يظاهرون علينا عدوًا، أو يقوموا بخيانتنا…وهكذا، وهؤلاء يعرفون في الشريعة الإسلامية بالمعاهدين، ومثلهم المستأمنين ممن يدخلون بلادنا بطريقة رسمية، كالسياح، ورجال الأعمال من غير المسلمين، أما من ألب علينا شرًا فيقابل بكل شر، وصدق الله إذ يقول: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة:190].
==========
أيها الأخوة الأحباب: ونحن نتحدث عن وسطية الإسلام لابد أن أشير في عجالة سريعة إلى تحذير نبينا (صلى الله عليه وسلم) من أصحاب التنطع والتشدد، لأنهم أبعد الناس عن الوسطية، ولا يفقهونها، ودونك أقوالهم وأفعالهم:
فعن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه)، أنه قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، يقول: (يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ)، ولم يقل: منها. وفي رواية: (يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ (لا يحسنون الفكر، ولا التعقل، ولا الفهم)، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ). (تَحْقِرُونَ صَلاَتَكُمْ مَعَ صَلاَتِهِمْ (تستقلونها)، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ، وَيَقْرَءُونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ…)، وفي رواية: (يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ) (متفق عليه، واللفظ بالروايتين للبخاري).
==
(حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ): صغار السن. (سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ): ضعاف العقول، لا يحسنون الفكر، ولا التعقل، ولا الفهم. (يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ): ينسبون أنفسهم للسنة، فيسمون أنفسهم محدثين، أو آثريين، أو يقولون من خير قول البرية، أي: القرآن والسنة. (وَيَقْرَءُونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ): أي: لا يفهمون منه شيئا، وهذا أثر من آثار سفاهة أحلامهم. (يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ (الصيد المرمي)): وهذا كناية عن عدم رسوخ إيمانهم، وسرعة خروجهم من الدين، وعدم استفادتهم منه بشيء بالرغم من عظم صلاتهم، وعظم صيامهم، وعظم تلاوتهم.
لقد حذر نبينا (صلى الله عليه وسلم) من أصحاب التنطع والتشدد، لأنهم سبب في إضعاف الأمة كما سمعنا من سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ)، ولنا في الدواعش، وأنصار كذا وأنصار كذا…الخ دليل وشاهد، فهم لا يرون إلا الجيوش العربية وحسب، أما الصهاينة واليهود فلا وجود لهم على أجنداتهم.
لقد حذر نبينا (صلى الله عليه وسلم) من أصحاب التنطع والتشدد، لأنهم سبب في فرقة الأمة وشرذمتها اليوم، وذلك بفضل سفاهة عقولهم وضعفها، انظر اليوم إلى كل من فتت دولة من الدول تجده من أصحاب التنطع والتشدد، انظر في ليبيا، انظر في سوريا، انظر في السودان، انظر في اليمن.
لقد حذر نبينا (صلى الله عليه وسلم) من أصحاب التنطع والتشدد، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، فهم يحبون التصدر دائما، للتعليم والإفتاء، ولا يحترمون العلماء والفقهاء، ويتهجمون عليهم، ويحبون التزبب وهم ما زالوا حصرما، فضلوا وأضلوا بغير علم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فاللهم أرنا الحق حقا، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، اللهمّ إنّا نسألك أن تختم لنا بخاتمة السعادة، اللهم نسألك رضاك والْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَما مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، وَنعُوذُ بِكَ مِنَ سخطك ومن النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَما مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ.
اللهم ارفع عنا الوباء والبلاء والغلاء، وأمدنا بالدواء والغذاء والكساء، اللهم اصرف عنّا السوء بما شئت، وكيف شئت إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير، اللهم ارفع مقتك وغضبك عنّا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا، اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.
كتبها الشيخ الدكتور/ مسعد أحمد سعد الشايب