خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل

خطبة الجمعة القادمة : ((الاتحادُ قوةٌ)) د. مسعد الشايب

خطبة الجمعة القادمة : ((الاتحادُ قوةٌ)) د. مسعد الشايب بِتَارِيخِ: 22 مِنَ المُحَرَّمِ ١٤٤٧هـ – ١8 يُولْيُو ٢٠٢٥م
((الإتحاد والاجتماع قـــوة، والتفرق ضعف)) (تنشر لأول مرة)
الجمعة 23 من المحرم 1447هـ الموافقة 18من يوليه 2025م
===========================================
1. دعوة الشريعة الإسلامية للاتحاد والاجتماع، والنهي عن التفرق.
2. من فوائد وثمار التجمع، والاتحاد.
3. من أضرار وأخطار التفرق والتشرذم.
4. الخطبة الثانية: (من صور الاجتماع المحمود في الشريعة الإسلامية).
ثانيا: الموضوع:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، المجتمعين، المتحدين، ولا عدوان إلا على الكافرين، الظالمين، المتفرقين، المتشرذمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبده ورسوله، إمام المتقين، وسيد الأولين والآخرين، وقائد الغرّ المحجّلين، صلاة وسلاما عليك يا سيدي يا رسول الله، وعلى آلك، وأصحابك، وأتباعك، وأحبابك، إلى يوم الدين، وبعد:
===========================================
(1) ((دعوة الشريعة الإسلامية للإتحاد، والنهي عن التفرق))
===========================================
أيها الأحبة الكرام: فمن أجلّ وأخطر مقاصد الشريعة الإسلامية: توحيدُ كلمة المسلمين، وجمعُ قلوبِهم على إعلاء كلمة الحق تبارك وتعالى، وتوحيدُ صفوفِهم في العمل لهذه الغاية النبيلة؛ ومن هنا كانت الدعوة للإتحاد وعدم التفرق في العديد من النصوص القرآنية الكريمة، والنبوية الشريفة.
===
والاجتماع في اللغة العربية: ضد الافتراق أو التفرق، وهو مصدرٌ مشتق من مادة (ج م ع) التي تدل الضم والتأليف للشيء أو الأمر المتفرق، ومنه قولهم: المسجد الجامع، لتجميعه أكبر عدد من الناس المتباينة، والمتفرقة، وسميت (المزدلفة) جُمْع؛ لتجمع الناس بها.
===
والاجتماع في الشريعة الإسلامية، يعني تجمع المسلمين، والتقائهم ببعضهم البعض، عقديًا، وروحيًا، وفكريًا على مائدة القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، فالرجوع إليهما، والتحكيم لهما يقطع كل خلاف، ويدحر كل نزاع، وصدق الله إذ يقول: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء:59].
===
هذا التجمع الروحي والعقدي والفكري على الأصول لا يمنع من التجمع الجسدي، والبدني، ولا يحرم الاختلاف في الفروع؛ لأن الاختلاف: هو ما يتعذر معه الائتلاف والجمع، وليست كذلك مسائل الاجتهاد والفروع الفقهية؛ لأن الاختلاف فيها يسبب استخراج الفرائض ودقائق معاني الشرع، وكان الصحابة (رضوان الله عليهم) يختلفون في أحكام الحوادث، والفروع الفقهية، وهم مع ذلك متآلفون مجتمعون، وقد نهجت الشريعة الإسلامية طرقًا شتى في الدعوة إلى الاتحاد والتجمع، والبعد عن التفرق والتشرذم، كالتالي:
=====
1ـ الترهيب بالإخبار بتبرؤ النبي (صلى الله عليه وسلم) من المتفرقين المختلفين في أمر دينهم، فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [الأنعام:159]، فالمراد بذلك أهل البدع، وأهل الشبهات، وأهل الضلالة من هذه الأمة. الذين اتبعوا متشابه القرآن دون محكمه، كالخوارج، والشيعة، والمرجئة، والقدرية، وغيرهم.
=====
2ـ الترهيب بالإخبار بأن الموت على تفرق موت على طريقة الجاهلية، فقد قال (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ) (رواه مسلم).
=====
3ـ الترغيب بالإخبار بأن الاجتماع فيه مدد الله وعونه، ونصره، وحفظه، ووقايته، وتوفيقه للخير…الخ، فقال (صلى الله عليه وسلم): (لَا يَجْمَعُ اللَّهُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ أَبَدًا وَيَدُ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ، وَمَنْ شَذَّ شَذَّ إِلَى النَّارِ) (رواه الترمذي).
=====
4ـ الترغيب بالإخبار بأن الاجتماع من الخصال المحببة المرضية عند الله (عزّ وجلّ)، فقد قال (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ: أَنْ تَعْبُدُوهُ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ) (اللفظ لمسلم).
=====
5ـ الترغيب بالإخبار بأن الاجتماع طريق موصلٌ إلى الجنة وسعتها ونعيمها، فقد قال (صلى الله عليه وسلم): (…عَلَيْكُمْ بِالجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الجَنَّةِ فَلْيَلْزَمُ الجَمَاعَةَ، مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ) (رواه الترمذي).
===========================================
(2) ((من فوائد وثمار الاتحاد والتجمع))
===========================================
أيها الأحبة الكرام: أن الاتحاد والتجمع لا يأتي إلا بكل خير، وهذا ملاحظ لمن تأمل الفوائد والثمار التي تعود علينا من الاتحاد والاجتماع، والتي جاءت كالتالي:
=====
1ـ الاجتماع في العبادات والطاعات يسهل أداؤها، ولعل ذلك هو السر في الروحانيات العالية في شهر رمضان، فالمسلمون مجتمعون على الصيام، والصلوات المفروضة، وعلى التراويح والقيام…الخ.
=====
2ـ الاجتماع سببٌ من أسباب البركة، وابتعاد الشياطين، ففيه طرد للشيطان وإغاظة له؛ لأنه يهم بالواحد والاثنين فإذا كانوا ثلاثة (وهو أقل الجمع) لم يهم بهم الشيطان، فقد قال (صلى الله عليه وسلم): (مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلَاةُ إِلَّا قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ، فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ) (رواه أبو داود).
=====
3ـ الاجتماع يحقق الألفة والعدالة والمحبة، والود، والترابط بين أفراد ومجتمعات وبلدان، وأوطان الأمة الإسلامية، ويقضي على العصبية القبلية بين جميع الأمم والشعوب، وينشر التعارف فيما بينهم، وبذلك تتحقق المودة ويسود الإخاء ويعم التعاون.
=====
4ـ الاجتماع يحقق مطلبا إسلاميا أصيلا، حثتنا عليه الشريعة الإسلامية، في صلاة الجمعة، وصلاة الجماعة، وفريضة الصيام وشهرها، وفريضة الحج ومواقيتها، ألا وهو وحدة الصف، والتنظيم، والتعاون، والترابط.
=====
5ـ في الاجتماع تقوية لجانب المسلمين ورفع روحهم المعنوية، انطلاقا من الاعتقاد بأن يد الله مع الجماعة، ومن كانت يد الله معه كان واثقًا من نصر الله (عز وجلّ).
=====
6ـ الاجتماع قوة متجددة للفرد والأسرة والمجتمع، بل ولكل العالم الإسلامي، كما أنه يخيف الأعداء ويلقي الرعب في قلوبهم ويجعلهم يخشون شوكة الإسلام والمسلمين، ومن ثم يكون في الاجتماع عزة للمسلمين في كل مكان، فتوحيد الصف واجتماع الكلمة هما الدعامة الوطيدة لبقاء الأمة، ودوام دولتها، ونجاح رسالتها.
=====
7ـ الاجتماع وسيلة من وسائل الأخلاق الفاضلة، وذلك بانغماس الفرد في البيئات الصالحة، ذلك لأن من طبيعة الإنسان أن يكتسب من البيئة التي ينغمس فيها، ويتعايش معها ومع ما لديها من أخلاق وعادات وسلوك، وبوجود الإنسان مع الجماعة تنشط روح المنافسة، كما أنه يذكي في الأفراد روح التفوق والرغبة في إظهار ما لديهم من قدرات، وهذا الدافع لا يتحرك إلا من خلال الجماعة.
=====
8ـ الاجتماع صمام أمان للمجتمعات من الفواحش والمنكرات، فوجود الفرد داخل الجماعة وازع أساسي له كي يبتعد عن الرذائل خشية ما يصيبه من ضرر لو اطلع الآخرون على هذه الصفات القبيحة، ومن هنا يكون للاجتماع دوره الفعال في مكافحة الجريمة والرذيلة.
=====
9ـ الاجتماع دواء ناجع لكثير من الأمراض النفسية كالانطواء والقلق…الخ، إذ أن وجود المرء مع الآخرين يدفع عنه داء الانطواء ويذهب القلق، والاضطراب.
===========================================
(3) ((أعظم أضرار وأخطار التفرق، والتشرذم))
===========================================
أيها الأحبة الكرام: كما أن الأخذ بالاتحاد والتجمع له فوائده وثماره، فالتفرق والتشرذم له أضراره، وأخطاره، فمن أعظم أضرار وأخطار التفرق والتشرذم:
ضياع الأوطان، وخراب البلدان، وانتهاك الحرمات والمقدسات، ونهب الثروات والمقدرات للأمة وشعوبها، فاليهود ما احتلوا القدس، واعتدوا على حرماتنا ومقدساتنا إلا بتفرقنا وتشرذمنا، والأمريكان ومعهم الأوربيون ما نهبوا الشعوب وثرواتها وخيراتها وما زالوا ـ إلا بتفرقنا وتشرذمنا، وكأن التاريخ يعيد نفسه ولكن بصورة أوسع وأشمل، فحينما قامت الحروب الطاحنة بين الأوس والخزرج، والتي امتدت لمائة وعشرين سنة ـ كان المستفيد الأكبر في المدينة هم اليهود، كذلك اليوم الصهاينة فكل مكان بالعالم هم المستفيدون من تشرذمنا وتفرقنا، يبيعون لنا الأسلحة، وينهبون المليارات، والثروات، والمقدرات بحجة الحماية والحراسة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصدق الشاعر حينما قال:
تأبى الرّماح إذا اجتمعن تكسّرا … وإذا افترقن تكسّرت أفرادا
عباد الله أقول قولي هذا، وأستغفر الله العليّ العظيم لي ولكم، فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فالتائب من الذنب………..
===========================================
(الخطبة الثانية)
((من صور الاجتماع المحمود في الشريعة الإسلامية))
===========================================
الحمد لله ربّ العالمين، أعد لمن أطاعه جنات النعيم، وسعر لمن عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الصادق الوعد الأمين، اللهم صلّ عليه ، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
===
أحبتي في الله: عشنا في الخطبة الأولى، مع الاجتماع، وبيان معناه في الشريعة الإسلامية، وكيف دعت الشريعة الإسلامية إلى التمسك به، وبينت شيئًا من فوائده وفضائله، بقي لنا في تلك الجمعة المباركة، وإتماما للفائدة أن أجلي للقارئ الكريم صورًا ونماذج من الاجتماعات المحمودة التي رغبت فيها الشريعة الإسلامية الغراء، فمنها:
=====
1ـ الاجتماع في الله، أي: على محبته وطاعته عمومًا، فقد ذكر النبي (صلى الله عليه وسلم): في السبعة الذين يظلهم الله في ظله: (…وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ…) (متفق عليه)، ومنها:
=====
2ـ الاجتماع على مائدة القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، أي الاجتماع على الشرع والدين كما تقدم، وهو المراد بقول الحق تبارك وتعالى: ﵟوَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعٗا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ كُنتُمۡ أَعۡدَآءٗ فَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦٓ إِخۡوَٰنٗا وَكُنتُمۡ عَلَىٰ شَفَا حُفۡرَةٖ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنۡهَاۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَﵞ [آل عمران:103]، والمراد بحبل الله (عزّ وجل) الذي أمرنا بالاعتصام والتمسك به: القرآن الكريم، أو شرائع الدين ككل، أو عهد الطاعة والعبادة الذي قطعه الله علينا في عالم الذر، أو جماعة المسلمين، ولا مانع من إرادة كل ذلك.
وقال (صلى الله عليه وسلم): (تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)) (جامع بيان العلم وفضله)، ومنها:
=====
3ـ الاجتماع على النفع العام للبشرية جمعاء، قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة:2]، وقال (صلى الله عليه وسلم): (أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ, وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ, أَوْ تَكَشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً, أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا, أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا, وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ ـ يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ ـ شَهْرًا, وَمَنَ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ, وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلأَ اللَّهُ قَلْبَهُ رَجَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ , وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يَتَهَيَّأَ لَهُ أَثْبَتَ اللَّهُ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامِ) (رواه الطبراني في الكبير)، ومنها:
=====
4ـ الاجتماع على قراءة القرآن الكريم، ومدارسته، وتدبره، وتعلمه، فقد قال (صلى الله عليه وسلم): (…وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ…) (رواه مسلم)، ومنها:
=====
5ـ الاجتماع على الصلاة، ففيه زيادة أجر وثواب، فقد قال (صلى الله عليه وسلم): (أَعْظَمُ النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلاَةِ أَبْعَدُهُمْ، فَأَبْعَدُهُمْ مَمْشًى وَالَّذِي يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الإِمَامِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الَّذِي يُصَلِّي، ثُمَّ يَنَامُ) (اللفظ للبخاري)، ومنها:
وقال ابن مسعود (رضي الله عنه): (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللهَ غَدًا مُسْلِمًا، فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّهُنَّ مَنْ سُنَنَ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ، لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ، إِلَّا كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ) (رواه مسلم)، ومنها:
=====
6ـ الاجتماع على حلق ذكر الله (عزّ وجلّ)، فقد قال (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ لِلَّهِ مَلاَئِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا: هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ). قال: (فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا). قال: (فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ، وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ، مَا يَقُولُ عِبَادِي؟). قالوا: (يَقُولُونَ: يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ). قال: (فَيَقُولُ: هَلْ رَأَوْنِي؟). قال: (فَيَقُولُونَ: لاَ وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ؟). قال: (فَيَقُولُ: وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي؟). قال: (يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً، وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا وَتَحْمِيدًا، وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا). قال: (يَقُولُ: فَمَا يَسْأَلُونِي؟). قال: (يَسْأَلُونَكَ الجَنَّةَ). قال: (يَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟). قال: (يَقُولُونَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا). قال: (يَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا؟). قال: (يَقُولُونَ: لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا، وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا، وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً). قال: (فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ؟). قال: (يَقُولُونَ: مِنَ النَّارِ). قال: (يَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟). قال: (يَقُولُونَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا). قال: (يَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا؟). قال: (يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا، وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً). قال: (فَيَقُولُ: فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ). قال: (يَقُولُ مَلَكٌ مِنَ المَلاَئِكَةِ: فِيهِمْ فُلاَنٌ لَيْسَ مِنْهُمْ، إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ. قَالَ: هُمُ الجُلَسَاءُ لاَ يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ) (اللفظ للبخاري)، ومنها:
=====
7ـ الاجتماع على قائد واحد، أو حاكم واحد، فقد قال (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ، أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ، فَاقْتُلُوهُ) (رواه مسلم)، ومنها:
وعن حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه)، قال: كان الناس يسألون رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟. قال: (نَعَمْ). قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: (نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ). قلت: وما دخنه؟ قال: (قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ). قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: (نَعَمْ، دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا). قلت: يا رسول الله، صفهم لنا؟ فقال: (هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا). قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: (تَلْزَمُ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ). قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: (فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ، حَتَّى يُدْرِكَكَ المَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ) (متفق عليه)، ومنها:
=====
8ـ الاجتماع على الطعام حتى تكثر بركته، ونفعه، فعن وحشي بن حرب (رضي الله عنه)، أن أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) قالوا: يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع؟ قال: (فَلَعَلَّكُمْ تَفْتَرِقُونَ؟). قالوا: نعم. قال: (فَاجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ) (رواه أبو داود).
===========================================
فاللهمّ ارفع عنا الوباء والبلاء والغلاء، وأمدنا بالدواء والغذاء والكساء، اللهم اصرف عنّا السوء بما شئت، وكيف شئت إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير، اللهم ارفع مقتك وغضبك عنّا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا، اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.
فاللهمّ أرنا الحق حقا، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا، وارزقنا اجتنابه، اللهمّ علمنا من لدنك علما نصير به عاملين، وشفّع فينا سيّد الأنبياء والمرسلين، واكتبنا من الذاكرين، ولا تجعلنا من الغافلين ولا من المحرومين، ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم في جنات النّعيم اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.
كتبها الشيخ الدكتور/ مسعد أحمد سعد الشايب

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى