خطبة الجمعة إنَّ ما أتخوف عليكم رجلٌ آتاه اللهُ القرآنَ فغيّر معناه ، للدكتور محمد داود

خطبة الجمعة إنَّ ما أتخوف عليكم رجلٌ آتاه اللهُ القرآنَ فغيّر معناه ، للدكتور محمد داود (11 ذو القعدة ١٤٤٦هـ – 9 مايو ٢٠٢٥م )
العناصـــــر :
– من فضائل القرآن الكريم
– القرآن الكريم وحماية الأفكار ومواجهة الشبهات.
– خطورة تغيير وتبديل مفاهيم الآيات وتحميلها مالا تحتمل.
– شبهات واجهها وأجاب عنها القرآن الكريم.
– واجبنا نحو القرآن الكريم.
الموضــــــوع: الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي أحاط بكل شيء علما، له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى، نعمه لا تحصى، وآلاؤه ليس لها منتهى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
يظل القرآن الكريم هو المعجزة الخالدة، والنعمة الباقية، والحجة البالغة، والدلالة الدامغة، يبهر ذوي النهى، وأرباب الحجا، يحيي قلوباً ميتة، وينير عقولاً، مظلمة، ويبصر عيونا عميا، قال تعالى: (الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) (إبراهيم: 1) هو أساس الفضائل، وقوام الضمائر، هو حياة القلوب، وسر السعادة، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الشورى: 52)، دنت الملائكة لسماعه، كما جاء عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ، قَالَ: بَيْنَمَا هُوَ يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ سُورَةَ البَقَرَةِ، وَفَرَسُهُ مَرْبُوطَةٌ عِنْدَهُ، إِذْ جَالَتِ الفَرَسُ فَسَكَتَ فَسَكَتَتْ، فَقَرَأَ فَجَالَتِ الفَرَسُ، فَسَكَتَ وَسَكَتَتِ الفَرَسُ، ثُمَّ قَرَأَ فَجَالَتِ الفَرَسُ فَانْصَرَفَ، وَكَانَ ابْنُهُ يَحْيَى قَرِيبًا مِنْهَا، فَأَشْفَقَ أَنْ تُصِيبَهُ فَلَمَّا اجْتَرَّهُ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، حَتَّى مَا يَرَاهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ حَدَّثَ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَقَالَ: “اقْرَأْ يَا ابْنَ حُضَيْرٍ، اقْرَأْ يَا ابْنَ حُضَيْرٍ”، قَالَ فَأَشْفَقْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ تَطَأَ يَحْيَى، وَكَانَ مِنْهَا قَرِيبًا، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَانْصَرَفْتُ إِلَيْهِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا مِثْلُ الظُّلَّةِ فِيهَا أَمْثَالُ المَصَابِيحِ، فَخَرَجَتْ حَتَّى لاَ أَرَاهَا، قَالَ: “وَتَدْرِي مَا ذَاكَ؟”، قَالَ: لاَ، قَالَ: “تِلْكَ المَلاَئِكَةُ دَنَتْ لِصَوْتِكَ، وَلَوْ قَرَأْتَ لَأَصْبَحَتْ يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيْهَا، لاَ تَتَوَارَى مِنْهُمْ” (رواه البخاري) ولما سمعه الجن امتلأت قلوبهم بمحبته وتقديره، وأسرعوا لدعوة قومهم إلى إتباعه قال تعالى: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ ) (الأحقاف: 29). هو روح وحياة للقلوب والأرواح، وشفاء وعافية للأبدان، من مهر فيه كان مع الملائكة السفرة الكرام البررة، ومن قرأه كان له بكل حرف حسنات، وكان شفيعا له يوم القيامة؛ فقد قال صلى الله عليه وسلمَ: “اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ”. في جملته وتفصيله توجيه لإصلاح النفوس، وتهذيب السلوك، ودفع الشبهات، طوق نجاة، من تدبره تذكر، ومن قال به صدق، ومن نطق به أصاب، ومن تمسك به نجا، ومن اتبعه هُدي إلى صراط مستقيم، قال تعالى: (إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً) (الإسراء:9).
كم دعا بآياته وأحكامه وتوجيهاته، إلى حماية الفكر من الزيغ، ونبذ الشبهات إذ إن تحقيق ذلك يعد سياجاً قوياً وحصناً منيعاً لحماية المجتمع عامة والشباب خاصة من أي فكر هدام، فتراه يدعو الإنسان إلى نبذ الهوى وعدم اتباعه لأنه يحول بين الشخص وبين الوصول للمعرفة الصحيحة قال تعالى: (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ) (المؤمنون:71). كما تراه وقد نهى عن الغلو في الدين، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) (البقرة:143) ويقول صَلى الله عليه وسلم: “أيُّها النَّاسُ إيَّاكم والغلوَّ في الدِّينِ فإنَّما أهلكَ من كانَ قبلَكم الغلوُّ في الدِّينِ” (رواه ابن ماجه)، كما تراه وقد نهى عن القول على الله بغير علم؛ قال تعالى: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (الأنعام:144) وغير ذلك من أساليب القرآن التي جاءت لتحفظ الأفكار من الخطأ، والمفاهيم من الغلط، ولرد الشبهات وفض الناس عن مروجيها، وإصلاح الظاهر والباطن، والسعادة في الدنيا والآخرة.
فالناس مع مفاهيم القرآن أصناف مختلفة: صِنْف جد واجتهد ودرس وتعلم وسعى بكل جد حتى رزقه الله فهم كلامه، وحُسن الإدراك لمعاني آياته فنهج الوسطية والاعتدال ونبذ الأفكار الخاطئة المتطرفة، والمفاهيم المغلوطة؛ فهذا على خير عظيم. وشر الناس رجل يخبط في معاني القرآن على غير هدى، ويتكلم في كتاب الله بغير ببينة؛ فذلك الكذب على الله، وليس لمقترفه من عاقبة إلّا الضلال في نفسه، والإضلال لعباد الله، وقد قال تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (هود: 18)، ويقول النبي (صلي الله عليه وسلم): “إِنَّ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ قَرَأَ الْقُرْآنَ حَتَّى إِذَا رُئِيَتْ بَهْجَتُهُ عَلَيْهِ، وَكَانَ رِدْئًا لِلْإِسْلَامِ، غَيَّرَهُ إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ، فَانْسَلَخَ مِنْهُ وَنَبَذَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، وَسَعَى عَلَى جَارِهِ بِالسَّيْفِ، وَرَمَاهُ بِالشِّرْكِ”، قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَيُّهُمَا أَوْلَى بِالشِّرْكِ، الْمَرْمِيُّ أَمِ الرَّامِي؟ قَالَ: “بَلِ الرَّامِي”(رواه ابن حبان)
إن من أشد ما ابتلينا به هم من يروجون لأكاذيبهم على الدين؛ فما سلم القرآن من افترائهم، وما سلمت السنة من إنكارهم مقاصدها، يغيرون المعاني ويزيفون المفاهيم ويحملون النصوص مالا تحتمل من الأفكار المتطرفة والمفاهيم المغلوطة، يظنون أنهم أهل العلم والصلاح والحق أنهم ما لهم من العلم نصيب، فأي فساد بعد إضلال الناس وتشكيكَهم في دينهم وصرفَهم عن الطريق المستقيم؛ قال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) (الأعراف: 33). فتأمل كيف عميت أبصارهم وكيف صمت آذانهم وكيف قست قلوبهم فأذاعوا الشبهات على الدين، وأنكروا الكثير من جوانبه فكذبوا على الله و كذبوا على رسوله، وقد قال تعالى: (وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (النحل: 116- 117) وما أعظم قول الإمام مالك لما سئل عن مسألة فقال: لا أدري، فقيل: هي مسألة خفيفة سهلة فغضب، وقال ليس في العلم شيء خفيف. وتدبر قول الصديق (رضي الله عنه) إذ يقول: “أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا أنا قلت في كتاب الله بغير علم” فإن كان الأمر كذلك فكيف بمن يحرفون الكلم عن مواضعه ويفترون الكذب على الله (تعالى) وعلى رسوله (صَلى الله عليه وسلم)، وينثرون الشبهات والأكاذيب، ويروجون للأفكار المتطرفة، ويحملون نصوص القرآن والسنة مالا تحتمل، وقد قَالَ رَسُول اللَّه (صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): “مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَده مِنْ النَّار “( متفق عليه). ولقد جاء رجل إلى الإمام مالك وقال: “يا إمام! أريد أن أجادل في الدين.” فقال له الإمام مالك: “أما أنا فعلى بيّنة من ربي، فإن كنتَ ضللتَ، فاذهب فارجع إلى الطريق، وإن كنتَ وجدتَ طريق الهداية، فاسلكها ولا تُجادل” يعني: الدين ليس للمِراء والجدال، بل للفهم الصحيح والعمل الصحيح.
إننا في حاجة إلى أن نستعرض سويا شيئا من الشبهات الفكرية التي أجاب القرآن عنها وردها على أصحابها، وذلك على سبيل المثال وليس الحصر، فالأمر أوسع من أن أحصيه في خطبة:
– انكار البعث: قال تعالى حكاية عن ذلك: (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ ۖ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) (يس: 78) فكان الجواب: (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) (يس: 79) يعني كما خلق الله (عز وجل) الإنسان ولم يكن شيئا مذكورا، كذلك يعيده وإن لم يبق شيئا مذكورا؛ حيث دحض الله حججهم الباطلة في غير موضع من القرآن بأساليب وحجج متنوعة، من ذلك الاستدلال بأول خلق الإنسان فإن الذي خلقه أولاً قادر على أن يعيده ثانياً.
– ادعاء بشرية القرآن الكريم: قال تعالى حكاية عن ذلك: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) (هود: 13)، فلقد تحدى الله (عز وجل) من قال أن النبي (صلى الله عليه وسلمَ) أتى بالقرآن من عند نفسه أن يأتوا بمثله إن كانوا صادقين في دعواهم، وليستعينوا بمن شاءوا؛ قال تعالى: (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (الإسراء: 88)، ثم تقاصر الأمر إلى عشر سور منه، قال تعالى: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) (هود: 13) ، ثم تقاصر الأمر إلى سورة، فقال تعالى: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (يونس: 38) وأخبر أنهم لا يستطيعون ذلك أبدا، فقال : (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ۖ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (البقرة: 24).
– انكار السنة: فقد أنكر البعض الأخذ بالسنة، مكتفيا بنصوص القرآن الكريم؛ فكان الجواب من القرآن الكريم في قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) (الجمعة: 2) على أن السنة النبوية هي المصدر الثاني للتشريع، بعد القرآن الكريم، وقد جاءت النصوص تؤكد على حجية السنة ومكانتها، وتأمر بطاعة الرسول (صلى الله عليه وسلمَ)، وتحذر من مخالفته، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) (النساء: 59 ) وقال جل وعلا: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (الأحزاب 36) فطاعته صَلى الله عليه وسلم، من لوازم الإيمان بالله، قال تعالى: (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ ) (النور:54) كذلك من ينظر في نصوص السنة النبوية، يجد الأمر بطاعته صلى الله عليه وسلمَ، إذ يقول: ” أَلَا هَلْ عَسَى رَجُلٌ يَبْلُغُهُ الْحَدِيثُ عَنِّي وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى أَرِيكَتِهِ فَيَقُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَلَالًا اسْتَحْلَلْنَاهُ وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَرَامًا حَرَّمْنَاهُ وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ ” (الترمذي)
ومن يمعن النظر يعلم مكانة السنة النبوية ومدى الضرورة وشدة حاجة الناس إليها؛ فكيف عرف تفصيل مجمل القران، كيف عرفت صفة الصلاة ومواقيتها وأحكامها، وكيف عرفت أحكام الزكاة، وأعمال الحج، وتدبر معي ما جاء عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ (رضي الله عنه) قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ ( حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ) عَمَدْتُ إِلَى عِقَالٍ أَسْوَدَ وَإِلَى عِقَالٍ أَبْيَضَ فَجَعَلْتُهُمَا تَحْتَ وِسَادَتِي فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ فِي اللَّيْلِ فَلَا يَسْتَبِينُ لِي فَغَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلمَ) فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: “إِنَّمَا ذَلِكَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ ” (رواه البخاري)
إن للقران علينا واجبات؛ – منها تلاوته: قال تعالى:(إنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ) (فاطر:29) وهذه التلاوة ينبغي أن يصحبها التدبر وحضور القلب، قال تعالى (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) (ص: 29)، روي أن عمر (رضي الله عنه) مر بدار رجل من المسلمين، فوافقه قائما يصلي، فوقف يستمع قراءته فقرأ (والطور) حتى بلغ (إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ) قال قسم – ورب الكعبة – حق. فنزل عن حماره واستند إلى حائط، فمكث مليا، ثم رجع إلى منزله، فمكث شهرا يعوده الناس لا يدرون ما مرضه، رضي الله عنه.
– ومنها تعلمه وتعليمه: فعن عُثْمَان بن عفان (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) عَنْ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: ” خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ” (البخاري).
– ومن واجبنا نحو القرآن أن نعمل به، فهذا صلب الأمر، فقد قال صَلى الله عليه وسلم: يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ ، وَآلُ عِمْرَانَ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ ظُلَّتَانِ سَوْدَاوَانِ بَيْنَهُمَا شَرْقٌ، أَوْ كَأَنَّهُمَا حِزْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا” (رواه مسلم). ولما نزل قوله تعالى: (لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ) (آل عمران: 92)، قام سيدنا أبو طلحة الى أجمل حديقة عنده وأحبّها اليه وتصدق بها؛ فعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْد اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ (رَضِي اللَّه عَنْه) يَقُولُ كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الْأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالًا مِنْ نَخْلٍ وَكَانَ أَحَبُّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ قَالَ أَنَسٌ فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: ( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ، قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): “بَخٍ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ”، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ.
– كذلك أن نحل حلاله ونحرم حرامه قال تعالى: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) (البقرة: 121). عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ) (سورة البقرة آية 121) ، قَالَ: “يُحِلُّونَ حَلالَهُ ، وَيُحَرِّمُونَ حَرَامَهُ ، وَلا يُحَرِّفُونَهُ عَنْ مَوَاضِعِهِ “.
اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وذهاب همومنا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نُسينا، وعلمنا منه ما جهلنا و ارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، واحفظ اللهم مصر من كل مكروه وسوء، واجعلها اللهم أمنا أمانا سخاء رخاء يا رب العالمين
=== كتبه ===
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومـــدرس
دكتوراة في الفقه المقارن