خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل

خطبة الجمعة القادمة : بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، للشيخ ثروت سويف

خطبة الجمعة القادمة بتاريخ 25 ربيع الثاني 1447هـ ، الموافق 17 أكتوبر 2025م تحت عنوان : بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، للشيخ ثروت سويف
( فقه الاختلاف وأدب الحوار )

خطبة الجمعة القادمة WORD : بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، للشيخ ثروت سويف

خطبة الجمعة القادمة PDF : بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، للشيخ ثروت سويف

اقرأ في هذه الخطبة
أولا : وجادلهم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
ثانياً: نماذج من أدب الحوار في القرآن والسنة
ثالثاً: أدب الحوار عند الأنبياء والمرسلين
الخطبة الأولي
الحمد لله رب العلمين… بايَنَ بين خلقه، وجعلهم صنوفاً وألواناً وشعوباً وأجناساً، وألف بين القلوب التي لم تأتلف فقال تعالى ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ﴾ [الروم: 22].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. خلق الناس مختلفين فمنهم شقي وسعيد فقال تعالى ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ [هود: 118، 119].
وأشهد أن سيدنا محمداً رسول الله صلي الله عليه وسلم.. حذر من التفرق والجدال فقال صلي الله عليه وسلم ( إن أبغض الرجال إلي الله الألد الخصم )، وقال صلي الله عليه وسلم ( ما ضل قوم بعد هدي كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ) البخاري فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين.
أما بعد..
فالاختلاف سنة الله في خلقه وليس في البشر فقط ولكن في النبات والحيوان وكل المخلوقات، والتباين هذا دليل علي عظيم صنع الله تعالى وقدرته الخارقة، ولكن نجد من العبث أن يراد صب الناس في قالب واحد وهذا مستحيل لأن هذه سنة الله في كونه..
لذلك كان حديثنا عن فقه الاختلاف وأدب الحوار
ورحم الله الإمام الشافعي حينما قال: “ما ناظرت أحدًا قطُّ فأحببت أن يُخطئ، وما كلمت أحدًا قطُّ وأنا أبالي أن يبين الله الحق على لساني أو على لسانه، وما أردت الحق والحجة على أحد فقبلها مني إلا هبته، وانعقدت محبَّتُه، ولا كابرني أحد على الحق ودفع الحجة، إلَّا سقط من عيني ورفضته، وما كلمتُ أحدًا قطُّ، إلا أحببْتُ أن يوفق ويسدد، ويُعان ويكون عليه رعاية من الله وحفظ”.
أولا : وجادلهم بالتي هي أحسن
الجدال : الأصل في الجدال الصراع، وإسقاط الإنسان صاحبه على الجدالة؛ وهي الأرض الصلبة
وأصله من جدلت الحبل؛ أي: أحكمت فتله، وقيل:
أما في الشرع فقد استُعمِل في مقابلة الأدلة لظهور أرجحها
والافضل تركه وحثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على ترك المراء والجدال في جميع الأحوال، فقال: ((أنا زعيمٌ ببَيْتٍ في رَبَضِ الجَنَّةِ لِمَن ترَك المِراءَ، وإنْ كان مُحِقًّا))؛ رواه أبو داود، وربض الجنة؛ يعني: أسفل الجنة.
والخلاف في الرأي والمخالفة أن ينهج كل شخص طريقاً مغايراً للآخر في حاله أو في قوله وهو لايفسد للود قضية طالما بالتي هي أحسن.
قال تعالى ﴿ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125].
أي : من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال ، فليكن بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب ، كما قال : ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم ) [ العنكبوت : 46 ] فأمره تعالى بلين الجانب ، كما أمر موسى وهارون – عليهما السلام – حين بعثهما إلى فرعون فقال : ( فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ) [ طه : 44 ] .
وقوله : ( إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ) أي : قد علم الشقي منهم والسعيد ، وكتب ذلك عنده وفرغ منه ، فادعهم إلى الله ، ولا تذهب نفسك على من ضل منهم حسرات ، فإنه ليس عليك هداهم إنما أنت نذير ، عليك البلاغ ، وعلينا الحساب ، ( إنك لا تهدي من أحببت ) [ القصص : 56 ] و ( ليس عليك هداهم ) [ البقرة : 272 ] .
والخلاف أعم من “الضد ” لأن كل ضدين مختلفان، وليس كلُّ مختلفين ضدين، ولما كان الاختلاف بين الناس في القول قد يفضي إلى التنازع استعير ذلك للمنازعة والمجادلة، قال تعالى: ﴿ فاخْتَلفَ الأحْزابُ مِنْ بينِهم… ﴾ [مريم:37]،﴿ وَلا يزَالُون مُخْتلِفين ﴾ [هود:118]، ﴿ إنَّكُم لفِي قولٍ مُخْتلِف ﴾ [الذاريات:8]، ﴿ إنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بينهم يوْم القِيامةِ فيما كانوا فيهِ يخْتلِفون ﴾ [يونس:93].
وعلى هذا يمكن القول بأن “الخلاف والاختلاف” يراد به مطلق المغايرة في القول أو الرأي أو الحالة أو الهيئة أو الموقف
وإن الاختلاف رحمة: – الاختلاف مع كونه سنة ربانية، وكونه ضرورة حياته هو كذلك رحمة بالأمة، وتوسعة عليها، ويؤيد هذا المعنى ما رواه الدارقطني وحسنه النووي في الأربعين: “إن الله تعالى حد حدودا فلا تعتدوها، وفرض فرائض فلا تضيعونها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها”.
والأشياء المسكوت عنها تكون عادة من أسباب الاختلاف، لأنها تكون منطقة فراغ تشريعي، يحاول كل فقيه أن يملأها وفقا لأصوله، واتجاه مدرسته، فواحد يتجه إلى القياس، وآخر إلى الاستحسان، وثالث إلى الاستصلاح، ورابع إلى العرف، وغيره إلى البراءة الأصلية… وهكذا.
1 انه سنة كونيه
2 ضرورة بشريه
1 – أنه سنة ربانية:- إن الاختلاف سنة ربانية لا مخلص منها، فالناس يختلفون في ألوانهم، وأشكالهم وقبائلهم، وميولهم وعقولهم، وفي كل شيء، وهو آية من آيات الله وقد قال الله تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ﴾ [الروم: 22].
2 – ضرورة بشرية:- فالاختلاف أمر ضروري نظرا لطبيعة اللغة وطبيعة البشر وطبيعة الكون والحياة، وطبيعة البيئة المحيطة
إذًا الجدال له حالتان:
الأولى: الجدال المحمود؛ وهو الذي يكون لتبيين الحق وإظهاره، ودحض الباطل وإسقاطه، وهو الذي أمرت به الأدلة الشرعية، وفعله العلماء قديمًا وحديثًا.
الثانية: الجدال المذموم؛ وهو الذي يقصد به الغلبة والانتصار للنفس، وهو الذي تحمل عليه الأدلة الشرعية الناهية عن الجدال.
ثانياً: نماذج من ادب الحوار في القرآن والسنة
عرض القرآن الكريم نماذج من الدعوة إلى الله تعالى بالجدال بالتي هي أحسن في صورة رائعة، يستفيد منها دُعاةُ عصرنا في حياتهم، ومن يأتي بعدهم إلى قيام الساعة، وفي مقدمتها مجادلة أبي الأنبياء لأبيه آزر في سورة مريم: ﴿ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ﴾ [مريم: 42 – 45].
لقد استهلَّ إبراهيم عليه السلام كلامه عند كل نصيحة بقوله: “يا أبت” توسُّلًا إليه واستعطافًا لقلبه، مع استعمال الأدب الجم، وهذا كلام يُحرِّك قلوب السامعين.
وتروي لنا كتب السيرة مواقفَ متعددةً لمجادلة الرسول صلى الله عليه وسلم مع الكفار والنصارى ودعوتهم إلى الإسلام، وكيف أن الكثير منهم كان يعتنق الإسلام بعد هذه المجادلة؛ يحدثنا أبو عبيدة بن حذيفة عن قصة إسلام عدي بن حاتم، فيقول: “كنت أسأل عن حديث عدي بن حاتم وهو إلى جنبي لا آتيه، فأسأله، فأتيته فسألته فقال: بُعِث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث بعث، فكرهته أكثر ما كرهتُ شيئًا قطُّ، فانطلقتُ حتى كنت في أقصى الأرض مما يلي الروم، فقلت: لو أتيت هذا الرجل، فإن كان كاذبًا لم يخف عليَّ، وإن كان صادقًا اتَّبَعْتُه، فأقبلت، فلما قدمت المدينة استشرف لي الناس، وقالوا: جاء عدي بن حاتم، جاء عدي بن حاتم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لي: ((يا عدي بن حاتم، أسلِمْ تسلمْ))، قال قلت: إن لي دينًا، قال: ((أنا أعلم بدينك منك – مرتين أو ثلاثًا – ألستَ ترأسُ قومَك؟))، قال قلت: بلى، قال: ((ألستَ تأكل المِرْبَاع (ربع غنائم الحرب)))، قال قلت: بلى، قال: ((فإن ذلك لا يحِلُّ لكَ في دينِكَ))، قال: فتضعضعت لذلك، ثم قال: ((يا عدي بن حاتم، أسلِمْ تسلم، فإني قد أظن – أو قد أرى أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم – أنه ما يمنعك أن تسلم خصاصة (حاجة وفقر) تراها من حولي، وتوشك الظعينة (المرأة على البعير في الهودج) أن ترحل من الحيرة بغير جوار حتى تطوف بالبيت، ولتفتحن علينا كنوز كسرى بن هرمز، وليفيضن المال – أو ليفيض – حتى يهم الرجل من يقبل منه ماله صدقة)) .
قال عدي بن حاتم: “فقد رأيت الظعينة ترحل من الحيرة بغير جوار حتى تطوف بالبيت، وكنت في أول خيل أغارت على المدائن على كنوز كسرى بن هرمز، وأحلف بالله لتجيئن الثالثة، إنه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لي”؛ رواه ابن حبان.
ومن أظهر الأمثلة لذلك ما كان منهما في شأن أسرى بدر.
يقول الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنفال: 67 – 69].
قال الإمام أحمد حدثنا علي بن عاصم عن حميد عن أنس رضي الله عنه قال: استشار النبي صلى الله عليه وسلم الناس في الأسارى يوم بدر فقال: “إن الله قد أمكنكم منهم” فقام عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله اضرب أعناقهم! فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: “يا أيها الناس، إن الله قد أمكنكم منهم، وإنما هم إخوانكم بالأمس!” فقام عمر فقال: يا رسول الله اضرب أعناقهم، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم عاد النبي صلى الله عليه وسلم فقال للناس مثل ذلك.
فقام أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله نرى أن تعفو عنهم، وأن تقبل منهم الفداء.
قال: فذهب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان فيه من الغم، فعفا عنهم، وقبل منهم الفداء، قال: وأنزل الله عز وجل:﴿ لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)
ثم خرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “إن الله ليلين قلوب رجال، حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله ليشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم عليه السلام قال: ﴿ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [إبراهيم: 36]. وإن مثلك يا أبا بكر كمثل عيسى عليه السلام قال: ﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [المائدة: 118]. وإن مثلك يا عمر كمثل موسى عليه السلام قال: ﴿ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ﴾ [يونس: 88]. وإن مثلك يا عمر كمثل نوح عليه السلام فقال: ﴿ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ﴾ [نوح: 26].
وقد ذكر لنا القرآن الكريم أن الملائكة قد اختلفوا بل اختصموا بينهم وذلك بقوله تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ ﴾ [ص: 69].
صح في الحديث اختصام ملائكة الرحمة وملائكة العذاب في مصير الرجل الذي قتل مئة نفس، ثم خرج تائبا إلى القرية الصالحة ومات في الطريق، أيحكم له بحكم القرية الظالمة التي عاش عمره فيها وقتل من قتل، أم يحكم له بحكم القرية الخيرة التي كانت وجهته إليها، وبعبارة أخرى: أيحكم له بعمله أم بنيته؟ بالأول حكم ملائكة العذاب، وبالثاني حكم ملائكة الرحمة، وقد بعث الله ملكا يحكم بينهم، فحكم لملائكة الرحمة كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسا فهل له من توبة ؟ فقال: لا، فقتله فكمل به مائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم، فقال إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة، فقال نعم ومن يحول بينه وبين التوبة انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء ، فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فقالت ملائكة الرحمة جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله وقالت ملائكة العذاب إنه لم يعمل خيرا قط فأتاه ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم، فقال قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له، فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة .
ثالثاً: أدب الحوار عند الأنبياء والمرسلين والصالحين
فهذا خلاف بين موسي هارون عليهما السلام فانظر لادب الحوار بين موسي وهارون في سياق التلاوم أو العتاب
يقول ربنا جل وعلا لما ساق لنا قصة عبادة العجل عندما واعد الله نبيه موسي عليه السلام اربعين ليلة ففتن قومه رجل يسمى السامرى فصنع عجلا من ذهب فعبدوه
( وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) الاعراف
لما رأى موسى ما حلَّ بقومه ألقى الألواح غضباً على قومه وليس إهانة للألواح، وهذا قول الجمهور من أهل العلم {وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ} [الأعراف:150] لأنه كان قد استخلفه على قومه خوفاً من أن يكون قد قصر في أمرهم ونهيهم، ولكن أخاه هارون مع انه يكبره بثلاث سنوات وهو نبي مرسل مثله تادب وتخلق في حواره معه وناده بالرحمة فتوسل إليه قائلاً: {قَالَ ابْنَ أُمَّ} [الأعراف:150] فحذفَ أداة النداء مُسْتَعطِفاً، لأنّه كان قريباً منه جَسَدِيّاً، وأشْعَرَهُ بزيادة القرب منه نفسيّاً، إذْ هو أبْنُ أُمِّهِ. فقال ا بن أم! أنا وإياك من بطن واحد: {لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي} [طه:94] ولا تشدني شداً {إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي} [الأعراف:150] أنا لست قوياً مثلك،بدنيا ولا عافية ولا شخصيا فالقوم استضعفوني وما أعاروني اهتماماً ولا سمعوا كلامي {وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي} [الأعراف:150] وصل الأمر بهم إلى مقاربة قتل هارون، وبنو إسرائيل معروفون بقتل الأنبياء، {فَلا تُشْمِتْ بِي الأَعْدَاءَ} [الأعراف:150] توبخني أمام الناس وتجرني أمامهم، {فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأعراف:150] تخلفني معهم وتسوقني مساقهم، وقال له: ابن أمَّ لتكون أرأف وأنجع عنده، مع أنه شقيقه من أبيه وأمه، لكن عندما ناداه بالأمومة لأجل أن يكون هناك عاطفة -يستجر العاطفة من موسى عليه السلام- وقد ذكر ابن كثير رحمه الله هذه النقطة في كتابه العظيم البداية والنهاية وفي التفسير، قال: ترقق له بذكر الأم مع أنه شقيقه لأبويه؛ لأن ذكر الأم هنا أرق وأبلغ -أي: في الحلول والعقل- لما تحقق موسى عليه السلام من براءة ساحة هارون، وأخبره هارون بما صنع في غيابه من مجاهدة هؤلاء القوم، قال موسى عليه السلام: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأعراف:151]، ثم قال الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ * وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ * وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} [الأعراف:152 – 154] وابتدأ في السير مع بني إسرائيل من جديد، والصحيح أن الألواح لم تتكسر إنما مجرد الإلقاء، ثم جمعها موسى مرة أخرى وأخذها ليقود بني إسرائيل بمقتضاها.
واختلف موسى والخضر عليهما السلام في مواقف ثلاثة انتهت بافتراقهما قال: ﴿ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ﴾ [الكهف: 78] وهو ما فصلته سورة الكهف.
واختلف داود وابنه سليمان عليهما السلام في حكم الغنم إذ نفشت في زرع القوم، وأشار القرآن إلى أن الصواب كان مع الابن، ولكنه أثنى على الاثنين جميعا فقال: ﴿ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ﴾ [الأنبياء: 79]. فانظر الي ادب الحوار بين الابن وابيه في الحكم ادب الحوار في قصة الحرث التى حكم فيها داود وسليمان عليهما السلام
وهي أن رجلاً عنده زرع ورجلا عنده غنم فغفل راعى الغنم عن غنمه فذهبت إلى الزرع وأكلته فاشتكى صاحب الزرع لنبى الله داود عليه السلام، فكان حكم نبى الله داود عليه السلام أن قال لصاحب الغنم اعط الغنم لصاحب الزرع. ربما كان مستند نبى الله داود فى هذا الحكم أنه وجد أن قيمة الزرع أكلته الغنم يساوى قيمة الغنم فحكم هذا الحكم. أما سليمان عليه السلام فكان له حكماً آخر، إذ قال: نعطى الغنم لصاحب الزرع فيستفيد بلبنها وأصوافها، ونترك صاحب الغنم يزرع الأرض حتى تثمر وتصبح كما كانت قبل اعتداء الغنم عليها. وعندئذ يأخذ صاحب الغنم غنمه ويأخذ صاحب الأرض أرضه. فكان القضاء فى هذه القضية قضاء سليمان عليه السلام وهذا ليس طعناً فى نبى الله داود عليه السلام لأن الله تعالى قال: «وكلا أتينا حكماً وعلماً».
وإذا كان الخلاف والاختصام قد وقع بين أكرم الخلق على الله من الملائكة الكرام والأنبياء العظام، لاختلاف زوايا الرؤية، ووجهات النظر، واتساع العلم وضيقه، فكيف نطمع أن نمحو الخلاف بين غيرهم ممن لا عصمة لهم، وليس فيهم ملك مقرب ولا نبي مكرم؟
اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم..
.. أما بعد :-
فإن الخلاف في فهم النصوص الشرعية وارد
وقد رأينا ما حدث من الصحابة في بني قريظة عندما قال النبي صلي الله عليه وسلم لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة ففهم بعض الصحابة أنهم لا يجوز لهم صلاة العصر إلا في بني قريظة والتزموا بنص الحديث، والبعض الآخر فهم أن الرسول يستعجلهم فصلوا في الطريق فأقرالنبي صلي الله عليه وسلم كلا الفريقين.
اما الاختلاف المذموم
اختلاف التضاد والتنازع:- اختلاف التضاد والتنازع اختلاف مذموم لأنه يؤدي إلي التفرق والتنازع بين الناس ويقطع أواصر المحبة والمودة بين الجميع ولقد ذمه القرآن الكريم للأسباب التالية:-
1- ما كان سببه البغي واتباع الهوى
2- الاختلاف الذي يؤدي إلى تفرق الكلمة وتعادي الأمة، وتنازع الطوائف، ويلبسها شيعا، ويذيق بعضها بأس بعض.
وهو ما حذر منه القرآن الكريم، والسنة المطهرة، أشد التحذير.
يقول القرآن بعد الأمر بتقوى الله حق تقاته، والثبات على الإسلام إلى الممات: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾ [آل عمران: 103].
ولقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الاختلاف المذموم، وبين سبيل النجاة من ذلك، بقوله “فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة “. (رواهُ أبو داودَ والترمذيُّ) فهذا النزاع والشقاق يجب رده إلى الكتاب والسنة، وأن يُحكِّم في ذلك أهل العلم. فهو مذموم لأن منشأه التنازع والتباغض، وتقديم الرأي على النقل، أو البُعد عن الوحي، أو قلة العلم، أو قلة الفهم.
وأخيرا كيف نبتعد عن الخلاف المذموم والتنازع
الإنسان في حاجة إلى عقل يقظ كما يحتاج إلى ضمير حي. في حاجة إلى العلم النافع، وإلى الإيمان الوازع، وإلى الخلق الفاضل، وبما أن الاختلاف سنة ربانية وفطرة فطر الله الناس عليها إذن نحن في أمس الحاجة إلي أن نفهم الضوابط الأخلاقية لفقه وأدب الحوار
والبعد عن المراء واللدد في الخصومة:- فالإسلام وإن أمر بالجدال بالتي هي أحسن نجده ذم المراء، الذي يراد منه الغلبة على الخصم بأي طريق، دون التزام بمنطق ولا خضوع لميزان بين الطرفين.
قال تعالى ﴿ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ ﴾ [الكهف: 56]. وقال تعالى ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ﴾ [البقرة: 258]. فهذا المماري المتجبر يزعم أنه يحيي ويميت، لأنه يحكم على بعض الناس بالموت، ثم يعفو عنهم فيقول: قد أحييتهم! ويحكم على آخرين وينفذ الحكم. فيقول: قد أمتهم! فهو يفسر الإحياء والإماتة كما يشاء، وليس هذا هو التفسير الذي يعرفه الناس، والذي قصده إبراهيم عليه السلام بقوله: (ربي الذي يحيي ويميت). ومن هنا جاء في الحديث ذم المراء، والترغيب في البعد عنه
فعن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، ويبيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، ويبيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه”.
وعن أبي أمامة أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل”، ثم تلا: ﴿ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ﴾ [الزخرف: 58]. وهذا أمر ملاحظ: أن القوم إذا حرموا التوفيق، تركوا العمل، وغرقوا في الجدل، وبخاصة أن هذا موافق لطبيعة الإنسان التي لم يهذبها الإيمان ﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا ﴾ [الكهف: 54].
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: “إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم” والألد: الشديد الخصومة، مأخوذ من لديدي الوادي أي جانبيه، لأنه كلما احتج عليه بحجة أخذ في جانب آخر.
وذم القرآن بعض أصناف الناس بقوله: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ﴾ [البقرة: 204].
هذا وصلوا وسلموا تسليما كثيرا على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
جمع وترتيب ثروت سويف امام وخطيب

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى