خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل
خطبة الجمعة القادمة ((هَلَّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ)) للشيخ ثروت سويف

خطبة الجمعة القادمة بتاريخ 23 جمادي الأولي 1447هـ ، الموافق 14 نوفمبر 2025م. تحت عنوان ((هَلَّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ)) للشيخ ثروت سويف
خطبة الجمعة القادمة word ((هَلَّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ)) للشيخ ثروت سويف
خطبة الجمعة القادمة pdf ((هَلَّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ)) للشيخ ثروت سويف
اقرأ في هذه الخطبة
أولا : فَهَلَّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ ( الحكم على الناس بالظاهر )
ثانياً : الانسانية لا تتجزأ
ثالثاً : محمد ﷺ رسول الانسانية
الخطبة الأولى
الحمد لله على ما علم من البيان وألهم من التبيان، وتمم من الجود والفضل والإحسان.
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي نجي موسي في التابوت وامن يونس في بطن الحوت وحفظ الحبيب النبي بنسيج العنكبوت اللهم احفظ ضعفاء المسلمين واحقن دماءهم وانصرهم علي عدونا وعدوهم وكن مع أهلنا في غزة وكل فلسطين وارفع راية مصر عالية خفاقة واجعلها آمنة مطمئنة وسائر بلاد المسلمين اللهم امين يا رب العالمين
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله الموصوف بجميل النعوت ﷺ والصلاة والسلام الأتمام الأكملان على سيد ولد عدنان المبعوث بأكمل الأديان، المنعوت في التوراة والإنجيل والفرقان، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان، صلاة دامة ما كر الجديدان وعبد الرحمن
سيدي يا رسول الله
وكل الناس تولد ثم تفنى .. ووحدك أنت ميلاد الحياة
وكل الناس تذكر ثم تنسى.. وذكرك أنت باق في الصلاة
تردده المآذن كل وقت .. وينبض بالقلوب إلى الممات
أتيت سنا وليل الكون داج ..وبعد الوأد أحييت البنات
وفاح المسك أنى كنت تمشي ..ووجهك نوره عم الجهات
وقد تعلي المكارم قدر قوم ..ويعلو فيك قدر المكرمات
صلى الله عليك يانور الهدى وضياء الأزمان
أما بعد:
فإن الدين الإسلامي شديد التركيز على مفهوم القيم الإنسانية الأساسية كالتسامح والحب والرفق بالإنسان سواء بنفسه أو بالآخرين وبالحيوانات ، جميع المخلوقات الأخرى والميل إلى السلام ونبذ العنف والحروب ومراعاة الفقير والإحسان إليه وحسن الخلق كالأدب في الكلام مع الكبير ومراعاة الصغير والوفاء والتقدير وقول الحق وعدم السخرية من الآخرين ونبذ العنف وسفك الدماء والحرص على وحدة وسلامة المجتمع
أولا : فَهَلَّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ ( الحكم على الناس بالظاهر )
إن الحكم على الناس بالظاهر مبدأ شرعي وقاعدة أساسية في المعاملات، وتعني أن أحكامنا تجاه الآخرين تُبنى على ما يظهر منهم من قول أو فعل، مع إيكال بواطنهم وأسرار قلوبهم لله وحده. فلا يُكَلَّفُ الناسُ بما لا يطيقون معرفته في قلوب غيرهم. وقد ورد في السنة النبوية أحاديث تؤكد هذا الأصل، فيخبرنا عليه أفضل الصلاة والتسليم أنه يحكم بظاهر الأمر، وردهم إلى حقيقة علم العبد بما شهد وعرف من عيب نفسه المستتر عن الأبصار، وذلك كما في قوله عليه أفضل الصلاة والتسليم: «فَهَلَّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ..» وقوله صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَشُقَّ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ، وَلَا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ»
اقتداءا بهذا المنهج النبوي علينا حمل كلام المخالف وأعماله على ظاهره وعدم التعرض للنوايا والبواطن: كما علّمنا ذلك رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم حينما قتل أسامة بن زيد في الحرب رجلاً من المشركين بعد أن قال: لا إله إلّا الله، فلمّا علم النبي صلى الله عليه وسلم أنكر ذلك عليه عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، قَالَ: « بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَرِيَّةٍ، فَصَبَّحْنَا الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَقَتَلْتَهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلَاحِ، قَالَ: أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا؟ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ متفقٌ عَلَيهِ.
(أفلا شققت عن قلبه) معناه إنما كلفت بالعمل بالظاهر وما ينطق به اللسان. وأما القلب فليس لك طريق إلى معرفة ما فيه. فأنكر عليه من العمل بما ظهر باللسان. وقال: أفلا شققت عن قلبه لتنظر هل قالها القلب واعتقدها، وكانت فيه أم لم تكن فيه، بل جرت على اللسان فحسب.
هل نحن نعلم ما في القلوب؟ لا يعلم هذا إلا علام الغيوب لنا الظاهر والله يتولى السرائر
قال تعالى (يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) 4 التغابن
فإذا قال لا اله إلا الله كفّ عنه فكيف بمن يقول: لا اله إلا الله محمد رسول الله علية الصلاة والسلام. ويصوم ويصلي ويدعوا إلي الله، واختلف معه في مسألة من المسائل كفرته ثم سعيت بعد ذلك في إراقه دمه؟ ! هذا والله مما يقصم الظهور. فاحذروه أخوتي الكرام في هذه العصور التي نعيش فيها.
كفوا عن أهل لا اله إلا الله. فحذار حذار أن تطلقوا عليهم لفظ الكفر. وإذا جرى منهم شيء من الوزر، فيبقي أنهم عصاه لا يستحقون ـ كما تقدم معنا ـ الاسم المطلق للإيمان. فهذا لا تصرف إلا إلي الكامل التقي، إنما لا ننفي عنهم مطلق الاسم فنقول، مؤمنون عصاه مؤمنون ـ مسرفون، أمرهم مفوض للحي القيوم، فإذن هذا الأمر يجب أن نحذره الأمر الأول : عدم التشدد وتكفير المسلمين.
? الأمر الثاني: عدم الحكم عليهم بالخلود في نار الجحيم.
لقد كان النبي أعظم الناس تثبتاً وأناة في الأمور، فكان لا يقاتل أحداً من الكفار إلا بعد التأكد بأنهم لا يقيمون شعائر الإسلام، بل لم يقتل مخالفيه انما تركهم رجاءا ان يكونوا من المصلين فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: بَعَثَ عَلِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْيَمَنِ بِذَهَبَةٍ فِي أَدَمٍ مَقْرُوظٍ لَمْ تُحَصَّلْ، فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: زَيْدِ الْخَيْلِ، وَالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ، وَعُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلَاثَةَ، فَقَالَ نَاسٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ: نَحْنُ كُنَّا أَحَقَّ بِهَذَا، فَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَشَقَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «لَا تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ، يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً»؟ فَقَامَ إِلَيْهِ نَاتِئُ الْعَيْنَيْنِ، مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ، نَاشِزُ الْجَبْهَةِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، مُشَمَّرُ الْإِزَارِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اتَّقِ اللَّهَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «وَيْحَكَ، أَوَلَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ الْأَرْضِ بِأَنِ اتَّقِيَ اللَّهَ»؟ ثُمَّ أَدْبَرَ فَقَامَ خَالِدٌ سَيْفُ اللَّهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ فَقَالَ: «لَا، إِنَّهُ لَعَلَّهُ أَنْ يُصَلِّيَ»، قَالَ: إِنَّهُ إِنْ يُصَلِّي يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ، قَالَ: «إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَشُقَّ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ، وَلَا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ»، فَنَظَرَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُقَفٍّ فَقَالَ: «إِنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ ضِئْضَئِ هَذَا قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ»، فَقَالَ عُمَارَةُ: فَحَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: «لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ» (مسند أبي يعلى الموصلي) [حكم حسين سليم أسد] : إسناده صحيح
وفي روايةٍ عند مسلم : عن جُنْدبِ بنِ عبداللَّه رضي اللَّه عنه: أَنَّ رسولَ اللَّه ﷺ بعثَ بَعْثًا مِنَ المُسْلِمِينَ إِلى قَوْمٍ مِنَ المُشْرِكِينَ، وَأَنَّهُم الْتَقَوْا، فَكَانَ رَجُلٌ مِنَ المُشْرِكِينَ إِذا شَاءَ أَنْ يَقْصِدَ إِلى رَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ قَصَدَ لَهُ فَقَتَلَهُ، وَأَنَّ رَجُلًا مِنَ المُسْلِمِينَ قَصَدَ غفلَتَه، وَكُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَلمَّا رَفَعَ السَّيْفَ قَالَ: لا إِله إِلَّا اللَّهُ، فقَتَلَهُ، فَجَاءَ الْبَشِيرُ إِلى رَسُول اللَّه ﷺ فَسَأَلَهُ، وأَخْبَرَهُ، حَتَّى أَخْبَرَهُ خَبَر الرَّجُلِ كَيْفَ صنَعَ، فَدَعَاهُ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: لِمَ قَتَلْتَهُ؟ فَقَالَ: يَا رسولَ اللَّهِ! أَوْجَعَ في المُسْلِمِينَ، وقَتلَ فُلانًا وفُلانًا – وسَمَّى لَهُ نَفرًا – وإِنِّي حَمَلْتُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى السَّيْفَ قَالَ: لا إِله إِلَّا اللَّهُ، قَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: أَقَتَلْتَهُ؟ قَالَ: نَعمْ، قَالَ: فَكيْفَ تَصْنَعُ بلا إِله إِلَّا اللَّهُ إِذا جاءَت يوْمَ القيامَةِ؟! قَال: يَا رسولَ اللَّه! اسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: وكَيف تَصْنَعُ بِلا إِله إِلَّا اللَّهُ إِذا جاءَت يَوْمَ القِيامَةِ؟! فَجَعَلَ لا يَزيدُ عَلى أَنْ يَقُولَ: كيفَ تَصْنَعُ بِلا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ إِذَا جاءَتْ يَوْمَ القِيامَةِ؟! رواه مسلم.
فعلي المسلم معاملة الناس حسب ظواهرهم، فلا يُشتغل بتفسير المقاصد؛ فمن الناس من تجده شكاكاً في الناس، مرتاباً في تعاملهم معه، تتجاذبه فيهم الظنون، وتتوارد عليه الرِّيب؛ فلسان حاله: فلان قد رابني أمره، ولست على يقين من فلان، وإني لفي مرية من فلان.
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدَّق ما يعتادُه من توهُّمِ
وعادى محبيه بقول عُداته وأصبح في ليل من الشك مظلم
فلا يزال هذا المسكين يعاني في هذا الأمر صعَداً، ويقاسي منه نَصَباً، حتى يخلد إلى الانزواء، فيتفرق شمله، وينتثر نظمه.
وإن في هذا الفعل مُجافاةً لقوله ـ تعالى ـ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ} [الحجرات: 12] .
وفي الحديث المتفق عليه عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما: أَنَّ رسولَ اللَّه ﷺ قَالَ: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلهَ إِلَّا اللَّه، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسولُ اللَّهِ، ويُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤتُوا الزَّكاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذلكَ عَصمُوا مِنِّي دِماءَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلامِ، وحِسابُهُمْ عَلى اللَّه تَعَالَى متفقٌ عَلَيهِ.
* وجاء رجل يشهد لرجل بالصلاح عند أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه فقال له: أأنت جاره الأدنى الذي يعرف مدخله ومخرجه؟ قال: لا، قال: أسافرت معه في سفر طويل يسفر عن أخلاق الرجال؟، قال: لا، قال: أعاملته بالدينار وبالدرهم ـ الذي به يظهر ورع المرء من شرهه ـ؟ قال: لا، قال: لعلك رأيته في المسجد يمسك بالمصحف، يقرأ القرآن، يرفع رأسه تارة ويخفضها تارة؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، قال: اذهب فلست تعرفه، وقال للرجل: ائتني بمن يعرفه.إحياء علوم الدين 2/83.
يقول ابن المقري رحمه الله :
ولا يغرَّنكَ ودٌ من أخي أملٍ * * * حتى تُجرِّبهُ في غَيبةِ الأمل
إذا العدوُّ أحاجتهُ الأِخا عِلًلٌ * * * عادت عداوته عندَ انقضاء العِلَلِ
وعن عبدِاللَّه بنِ عتبة بن مسعودٍ قَالَ: سمِعْتُ عُمَر بْنَ الخَطَّابِ رضي الله عنه يقولُ: إِنَّ نَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بالوَحْي في عَهْدِ رَسُول اللَّه ﷺ، وإِنَّ الوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ، وإِنَّمَا نَأْخُذُكُمُ الآنَ بِما ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَمَنْ أَظْهَرَ لَنا خَيْرًا أَمِنَّاهُ، وقرَّبناه، وَلَيْس لنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شيءٌ، اللَّهُ يُحاسِبُهُ فِي سرِيرَتِهِ، ومَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ، وَلَمْ نُصَدِّقْهُ، وإِنْ قَالَ: إِنَّ سَرِيرَتَه حَسنَةٌ ) رواه البخاري.
ولله در القائل
واختر صديقك واصطفيه تفاخرا*** إن القرين إلى المقارن ينسب
روى الجاحظ أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه نظر إلى النخّار بن أوس العُذري، الخطيب الناسب، في عباءة في ناحية من مجلسه، فأنكره وأنكر مكانه زِرايةً منه عليه، فقال: من هذا؟ فقال النخّار: يا أمير المؤمنين، إن العباءة لا تكلمك، وإنما يكلمك من فيها!.الدينوري : المجالسة وجواهر العلم 2/419
وعَن الشعبي قال: شهدت شريحاً وجاءته امرأة تخاصم رجلاً فأرسلت عينيها فبكت فقلت: يا أبا أمية ما أظن هذه البائسة إِلَّا مظلومة؛ فقال: يا شعبي: إن إخوة يوسف:{جَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ[يوسف:16}وكيع : أخبار القضاة 2/221.
عن أَبي مَعْبدٍ المِقْدَادِ بنِ الأَسْوَدِ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ لرسُولِ اللَّه ﷺ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنَ الْكُفَّارِ فَقَاتَلَنِي فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ فَقَالَ أَسْلَمْتُ لِلَّهِ أَفَأَقْتُلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا؟ قَالَ: «لَا تَقْتُلْهُ»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ قَطَعَ يَدِي، قَالَ: «لَا تَقْتُلْهُ فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ وَأَنْتَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ» متفقٌ عَلَيهِ.
كذلك القاضي لا يفتش في قلوب الناس ليحكم إنما الحكم بالظاهر من الأدلة والبراهين روي مالك في الموطأ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ، زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: « إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ. وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ. فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مِمَّا أَسْمَعُ مِنْهُ. فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ. فَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئاً. فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ ». الموطأ
وبناءً على ذلك: فالقضاء يكون بحسب المسموع لا بحسب المعلوم.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا؛ فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، فَلَا تُخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ ))
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : وَلاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم ، قَالَ:رَأَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ رَجُلاً يَسْرِقُ ، فَقَالَ لَهُ : يَا فُلاَنُ أَسَرَقْتَ ؟ قَالَ : لاَ وَاللهِ مَا سَرَقْتُ ، قَالَ : آمَنْتُ بِاللهِ ، وَكَذَّبْتُ بَصَرِي.أخرجه أحمد
كما حكى لنا النبي صلى الله عليه وسلم هذه القصة الرائعة في حديث قصة جريج العابد لكي نتعلم منها عدم الحكم على الناس من خلال الثياب بل لا بد من التحقق والمعايشة والمعرفة , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: وَبَيْنَا صَبِيٌّ يَرْضَعُ مِنْ أُمِّهِ فَمَرَّ رَجُلٌ رَاكِبٌ عَلَى دَابَّةٍ فَارِهَةٍ وَشَارَةٍ حَسَنَةٍ، فَقَالَتْ أُمُّهُ: اللَّهُمَّ اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَ هَذَا. فَتَرَكَ الثَّدْيَ وَأَقْبَلَ إِلَيْهِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثَدْيِهِ فَجَعَلَ يَرْتَضِعُ، قَالَ: فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَحْكِي ارْتِضَاعَهُ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ فِي فَمِهِ، فَجَعَلَ يَمُصُّهَا، قَالَ: وَمَرُّوا بِجَارِيَةٍ وَهُمْ يَضْرِبُونَهَا وَيَقُولُونَ: زَنَيْتِ سَرَقْتِ. وَهِيَ تَقُولُ: حَسْبِيَ اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَقَالَتْ أُمُّهُ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهَا. فَتَرَكَ الرَّضَاعَ، وَنَظَرَ إِلَيْهَا فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا. فَهُنَاكَ تَرَاجَعَا الْحَدِيثَ، فَقَالَتْ: حَلْقَى! مَرَّ رَجُلٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهُ. فَقُلْتَ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ. وَمَرُّوا بِهَذِهِ الْأَمَةِ وَهُمْ يَضْرِبُونَهَا، وَيَقُولُونَ: زَنَيْتِ سَرَقْتِ. فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهَا. فَقُلْتَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا. قَالَ: إِنَّ ذَاكَ الرَّجُلَ كَانَ جَبَّارًا فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ، وَإِنَّ هَذِهِ يَقُولُونَ لَهَا: زَنَيْتِ وَلَمْ تَزْنِ وَسَرَقْتِ وَلَمْ تَسْرِقْ فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا ».مسلم. أخرجه أحمد
ثانيا : الانسانية لا تتجزأ ولا تستبدل
يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الحجرات: ياأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13] صدق الله العظيم.
فالأمر الذي لا مرية فيه أن أصل بني الإنسان واحد, وأن الإنسانية كلها وحدة واحدة, وإن تباينت مظاهرها في ألوانها وأجسادها وأشكالها, واختلفت ألسنتها وآراؤها ومذاهبها ومواطنها؛ فتلك نتيجة طبيعية لاختلاف البيئات, أو هي اعتبارات ومصطلحات لاتفاقات تعرض لجوهر الإنسان عند تكوينه واستكمال خلقه, وآية دالة على إحكام الله لخلقه, وفي الذكر الحكيم: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ} (22) سورة الروم
فالآية دالة على عظيم صنع الله وتصويره وتقديره وكبير إحسانه وإكرامه للإنسان بما ليس له مثيل, فتدبر قول الحق تبارك وتعالى مخاطباً ملائكته: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ} سورة الحجر الآية (29)
وقد خلق الله الناس جميعاً من نفس واحدة قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} (1) النساء
وللإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي عنه:
الناسُ مِن جِهَةِ الأبَاءِ اَكفاءُ … أَبوهُمُ آدَمُ وَالأُمُ حَوّاءُ
نَفسٌ كَنَفسٍ وَأَرواحٌ مُشاكَلَةٌ … وَأَعظُمٍ خُلِقَت فيها وَأَعضاءُ
وَإِنَّما أُمَّهاتُ الناسِ أَوعِيَةٌ…….مُستَودِعاتٌ وَلِلأَحسابِ آباءُ
فَإِن يَكُن لَهُمُ مِن أَصلِهِم شَرَفٌ … يُفاخِرونَ بِهِ فَالطينُ وَالماءُ
اما ان تقف الانسانية من اجل جنس إنساني معين وتعينه علي الظلم والطغيان واخذ حق الغير واحتلال أرضه وأقامة وطن مزعوم وهدم المساكن وتهجير اهلها ودك المستشفيات علي رؤوس المرضي ويكتفي بادانة
لذا نسأل الإنسانية إلي أين ؟هذه ليست انسانية
والله لقد مات الضمير العالمي ولذلك استبد الظالم
وان تدين المقتول لانه قتل فهذه ليست انسانية بل وحشية همجية
أن تكيل بمكيالين هذه ليست إنسانية أن تبكى لأجل الظالم وفي المقابل ان تترك الملايين من الناس يشردون ويقتلون اطفالا وشبانا لمجرد انهم مسلمون كما في غزة الان فهذا تفريق في العرق والدين وتمزيق للانسانية
عباد الله : ان الدين الاسلامي هو مهد الانسانية فلقد كانت العصبيات قبل البعثة عميقة الجذور، قوية البنيان، فاستطاع رسول الله ﷺ أن يجتثّ التمييز العنصري بكل صوره وأشكاله، من أرضٍ كانت تحيي ذكره، وتهتف بحمده، وتتفاخر على أساسه
لان من اسس الانسانية المساواة
اخرج الامام احمد بسند حسن عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ” إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ، مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ فَخْرَهُمْ بِرِجَالٍ، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عِنْدَ اللهِ مِنْ عِدَّتِهِمْ مِنَ الْجِعْلَانِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتَنَ “
من اسس الانسانية عدم التفريق في الانسانية علي اساس الدين
ينزل الله على نبيه، قوله تعالى ( وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ) [التوبة:6].
إن جاءك مشرك معه أطروحة، عنده شبهة، يريد أن يتكلم، فاستمع له وافتح له صدرك، وأسمعه كلام الله، لا تعنّفه
فالإنسانية في اعلي معانيها في الحرب عند المسلمين
فالإسلام لا يقدم مثُلاً نظرية في الانسانية وغيرها ، وإنما يقدم مثُلاً منهجية ربانية نبوية واقعية؛ لتتألق في دنيا الناس سمواً وعظمة وروعة وجلالاً.
روى الإمامُ مُسلمٌ في “صحيحه” مِن حديثِ بُريدة بن الحُصَيب رضي الله عنه قال: كان رسولُ الله ﷺ إذا أمَّرَ أميرًا على جيشٍ أو سرِيَّة، أوصَاه في خاصَّتِه بتقوَى الله ومَن معَه مِن المُسلمين خيرًا، ثم قال: “اغزُوا ولا تغُلُّوا، ولا تَغدِرُوا، ولا تُمثِّلُوا، ولا تَقتُلُوا وَلِيدًا ولا امرأة”.
وفِي رِوايةٍ: “ولا تُحرِقُوا كَنِيسةً، ولا تَعقِرُوا نَخلًا”.
الله أكبر! بهذه الألفاظ مِن دُرر الخُلُود، وهذه الحَبَّات مِن نفَحَات القُدس الشُّهُود، فاضَت الوصايَا المُحمديَّة العِظام بمجامِعِ الانسانية والاخلاق ، وزخِرَت بمعاطِف الرَّأفَة لتكون دستورا للعالم اجمع .
فأيُّ انسانية أعَمُّ وأشمَلُ وأجمَلُ، وأروَعُ وأبهَى وأكمَلُ مِن هذه الانسانية التي عمت الكَونَ بكائِناتِه وجَماداتِه ونباتاتِه؟ برسالة الاسلام!
وها هو امير المؤمنين عمر بن الخطاب يبين لنا مبدأ الانسانية والتسامح في ابهى الصور حتى مع غير المسلمين كما روى ابن زنجوية في الأموال قال ( أَبْصَرَ عُمَرُ شَيْخًا، يَسْأَلُ، فَقَالَ: «مَالَكَ؟» فَقَالَ: لَيْسَ لِي مَالٌ وَأَنَا تُؤْخَذُ مِنِّي الْجِزْيَةُ، قَالَ: وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ، فَقَالَ عُمَرُ: «مَا أَنْصَفْنَاكَ إِنْ أَكَلْنَا شَبِيبَتَكَ، ثُمَّ نَأْخُذُ مِنْكَ الْجِزْيَةَ» ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ أَلَّا يَأْخُذُوا الْجِزْيَةَ مِنْ شَيْخٍ كَبِيرٍ ) هكذا كان التسامح مع الذمي الذي يراه هرماً كبيراً
ثالثا: محمد ﷺ رسول الإنسانية
أيها الناس ان الرسالة المحمدية بمجموعها رسالة إنسانية جاءت لتراعي إنسانية الإنسان فيما تأمر به أو تنهى عنه؛ وإذا نظرنا إلى المصدر الأول للإسلام؛ وهو القرآن كتاب الله، وتدبرنا آياته، وتأملنا موضوعاته واهتماماته، نستطيع أن نصفه بأنَّه: “كتاب الإنسان”؛ فالقرآن كله إما حديث إلى الإنسان، أو حديث عن الإنسان؛ ولو تدبرنا آيات القرآن كذلك لوجدنا أنّ كلمة “الإنسان” تكررت في القرآن ثلاثًا وستين مرةً، فضلًا عن ذكره بألفاظ أخرى مثل: “بني آدم”، التي ذكرت ست مرات، وكلمة “الناس” التي تكررت مائتين وأربعين مرة في مكيِّ القرآنِ ومدنيِّه؛ وكلمة (العالمين) وردت أكثر من سبعين مرَّة؛ والحاصل أن إنسانية الإسلام تبدو من خلال حرص الشريعة الإسلامية وتأكيدها على علي حقوق البشر والمعاملة الآدمية الانسانية
فهو رسول الاخلاق واول من نادى بحقوق الانسان ﺭُﻭﻱ ﺃﻥ ﺃﻋﺮﺍﺑﻴًّﺎ ﻗﺎﻝ ﻟﺴﻴﺪﻧﺎ ﻋلي -رضي الله عنه-: “ﻋﺪِّﺩ ﻟﻨﺎ ﺃﺧﻼﻕ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﷺ ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻋﻠﻲ -رضي الله عنه-: “ﻫﻞ ﺗﻌﺮﻑ ﺍﻟﻌﺪّ؟ ﻗﺎﻝ: ﻧﻌﻢ! ﻓﻘﺎﻝ علي -رضي الله عنه-: ﻋُﺪَّ ﻟﻲ ﻣﺘﺎﻉ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ! ﻓﻘﺎﻝ ﺍﻷﻋﺮﺍﺑﻲ: ﻣﺘﺎﻉ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻻ ﻳُﻌَﺪُّ! ﻓﻘﺎﻝ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻋﻠﻲ -رضي الله عنه-: ﻋﺠﺰﺕَ ﻋﻦ ﻋﺪ ﺍﻟﻘﻠﻴﻞ! ﺇﺫ ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ -تعالى-: (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ )[النساء: 77]، ﻭﻃﻠﺒﺖَ مني ﻋﺪَّ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ؛ حيث ﻳﻘﻮﻝ -تعالى-: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)[القلم: 4]!!!!
فهذا مبدأ الانسانيةعند رسول الانسانية
وهذا المبدأ قد شرحه الصحابي الجليل المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، من خلال مخاطبته ليزدجر آخر ملك من ملوك الفرس حيث قال له: (لقد بعث الله فينا رجلا معروفا في حسبه ونسبه، وأصبح هذا الرسول ﷺ فيما بيننا وبين رب العالمين، وأخرجنا من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام)
فنرى إنسانيته ﷺ في التعامل مع الأطفال والصبيان والضعفاء : فقد كان ﷺ رحيمًا بالأطفال: فعن أَبَي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ:” قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَعِنْدَهُ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًا، فَقَالَ الْأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَالَ: مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ”(متفق عليه)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: “مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كَانَ إِبْرَاهِيمُ مُسْتَرْضَعًا لَهُ فِي عَوَالِي الْمَدِينَةِ، وَكَانَ ظِئْرُهُ قَيْنًا فَكَانَ يَأْتِيهِ وَإِنَّ الْبَيْتَ لَيُدَّخَنُ فَيَأْخُذُهُ فَيُقَبِّلُهُ”(رواه مسلم، وانظر كتاب: العيال؛ ابن أبي الدنيا).
إنسانية رسول ﷺ في التعامل مع الضعفاء والنساء والمؤمن وغير المؤمن والحيوان والطير فعَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَمَّا رَجَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ مُهَاجِرَةُ الْبَحْرِ، قَالَ: أَلا تُحَدِّثُونِي بِأَعَاجِيبِ مَا رَأَيْتُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ؟ قَالَ فِتْيَةٌ مِنْهُمْ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللهِ، بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَرَّتْ بِنَا عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِ رَهَابِينِهِمْ، تَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهَا قُلَّةً مِنْ مَاءٍ، فَمَرَّتْ بِفَتًى مِنْهُمْ، فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْهَا، ثُمَّ دَفَعَهَا فَخَرَّتْ عَلَى رُكْبَتَيْهَا، فَانْكَسَرَتْ قُلَّتُهَا، فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ: سَوْفَ تَعْلَمُ -يَا غُدَرُ- إِذَا وَضَعَ اللَّهُ الْكُرْسِيَّ، وَجَمَعَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، وَتَكَلَّمَتِ الأَيْدِي وَالأَرْجُلُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، فَسَوْفَ تَعْلَمُ كَيْفَ أَمْرِي وَأَمْرُكَ عِنْدَهُ غَدًا. قَالَ: يَقُولُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: صَدَقَتْ، صَدَقَتْ، كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ أُمَّةً لا يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ؟(سنن ابن ماجه).
فكان رسول الله ﷺ دائم الوصية بالنساء، وكان يقولﷺ لأصحابه: “اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا”(البخاري)، بل إن هناك ما هو أعجب من ذلك؛ وهو رحمته ﷺ بالإِمَاء، وهُنَّ الرقيق من النساء، فقد روى أنس بن مالك قال: “إِنْ كَانَتِ الْأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ!”(البخاري).
إننا نتحدى العالم أجمع أن يأتي لنا بموقف من حياة رسول الله ﷺ آذى فيه امرأة أو شقَّ عليها، سواءً من زوجاته أو من نساء المسلمين، بل من نساء المشركين.. وأحيانًا تُخطئ زوجته خطأً كبيرًا، ويكون هذا الخطأ أمام الناس، وقد يسبب ذلك الإحراجَ له ﷺ ومع ذلك -فمن رحمته وإنسانيته- يُقدِّر موقِفَها، ويرحم ضَعْفها، ويعذر غيرتها، ولا ينفعل أو يتجاوز، إنما يتساهل ويعفو…
فقبل الهجرة امره ربه بحسن معاملة الضعفاء بانسانية عَنْ سَعْدٍ قَالَ: “كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ سِتَّةَ نَفَرٍ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: اطْرُدْ هَؤُلَاءِ لَا يَجْتَرِئُونَ عَلَيْنَا، قَالَ: وَكُنْتُ أَنَا وَابْنُ مَسْعُودٍ وَرَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ وَبِلَالٌ وَرَجُلَانِ لَسْتُ أُسَمِّيهِمَا فَوَقَعَ فِي نَفْسِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقَعَ، فَحَدَّثَ نَفْسَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ)[الْأَنْعَامِ: 52]”(مسلم).
وبعد الهجرة وفي أعقاب الزمن ينبري أقوام لإحياء العصبيات الجاهلية، ويهتفون بها، ويتفاخرون على أساسها، يمنحونها الاستمرار، عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كُنَّا فِي غَزَاةٍ – قَالَ سُفْيَانُ: مَرَّةً فِي جَيْشٍ – فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ، رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: يَا لَلْأَنْصَارِ، وَقَالَ المُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: «مَا بَالُ دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ» فَسَمِعَ بِذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، فَقَالَ: فَعَلُوهَا، أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ ﷺ فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا المُنَافِقِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «دَعْهُ، لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ» رواه مسلم.
فبني مجتمع المدينة المنورة علي الانسانية واسس امة ودولة علمت الدنيا الانسانية ولما أذن المؤذن لصلاة الظهر، يوم فتح مكة أخذ بأصابعه الشريفة حلق باب الكعبة، وهزها وقال: الحمد لله الذي نصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، يا معشر قريش: ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخٌ كريم وابن أخٍ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء.
لقد عاتَبَ سيد الانسانية جُندَه على قتل رجل مشرك رحمةً بامرأة تحبه، فقد روى الطبراني في الأوسط بسند حسن): أن رسول الله ﷺ بَعَثَ سريةً فغنموا، وأخذوا رجلا منهم، فقال: إني لستُ منهم، إني عشقتُ امرأةً فلحقتها، فدعوني أنظر إليها ثم اصنعوا ما بدا لكم، فلما رآها قال: أسلمي حُبَيْش قبل نفاد العيش. قالت: نَعَمْ فدَيْتُكَ. ثم قدموه وضربوا عنقه. فوقعت عليه وشهقت شهقة أو شهقتين ثم ماتت حَزَنًا، فلما قَدِمُوا على رسول الله ﷺ أخبروه بما جرى فقال: “أما كان فيكم رجل رحيم؟!!”.
كانت شخصية النبي صلى الله عليه وسلم مشرقة في كل الجوانب وبها نواح مختلفة من العظمة وكان في كل جانب المثل الأعلى والنموذج الفريد، لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم سياسيا محنكا فقط ولا قائدا عسكريا فذا فحسب، ولا مصلحا اجتماعيا فقط، ولا رجلا بلغت فيه الإنسانية ذراها فحسب، بل كان كل هذا وتجسدت فيه معالم الإنسان الكامل.
روي البخاري عن عبدالله بن عمر رضي الله اشْتَكَى سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ شَكْوَى له، فأتَاهُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَعُودُهُ مع عبدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ، وسَعْدِ بنِ أَبِي وقَّاصٍ، وعَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْهمْ، فَلَمَّا دَخَلَ عليه فَوَجَدَهُ في غَاشِيَةِ أَهْلِهِ، فَقالَ: قدْ قَضَى قالوا: لا يا رَسولَ اللَّهِ، فَبَكَى النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَلَمَّا رَأَى القَوْمُ بُكَاءَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَكَوْا، فَقالَ: أَلَا تَسْمَعُونَ إنَّ اللَّهَ لا يُعَذِّبُ بدَمْعِ العَيْنِ، ولَا بحُزْنِ القَلْبِ، ولَكِنْ يُعَذِّبُ بهذا – وأَشَارَ إلى لِسَانِهِ – أَوْ يَرْحَمُ، وإنَّ المَيِّتَ يُعَذَّبُ ببُكَاءِ أَهْلِهِ عليه وكانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عنْه: يَضْرِبُ فيه بالعَصَا، ويَرْمِي بالحِجَارَةِ، ويَحْثِي بالتُّرَابِ).
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
أيها المسلمون: هذا غيضٌ مِن فيض من صُوَر ونماذج الإنسانية في الإسلام؛ وما أغفلناه أكثرُ ممَّا ذكرناه، ويكفي القلادةُ ما أحاط بالعنق!!!
وصلّوا ـ رَحمكم الله ـ على نبيكم امتثالاً لأمر ربّكم، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهمّ صلّ وسلّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد، وارضَ اللهمّ عن خلَفائه الراشدين..
نسأل الله أن يوفِّقَ المسلمين لكلّ خير، وأن ينصر المستضعفين ، ويعينهم على عدوهم، ويصرف عنهم كيدَ الكائدين وحِقد الحاقدين، وأن ينصر اهل غزة وأن يسدد رميهم وأن يكسي عاريهم اللهم عليك باليهود ومن هاودهم اللهم شتت شملهم وفرق جمعهم ولا تحقق لهم في فلسطين غايه ولا ترفع لهم في غزة رأيه وأسأل الله أن يوفِّق وُلاةَ أمرنا لما يرضيه، وأن يمدَّهم بعونِه وتوفيقِه وتأييدِه، وأن يحفظ بلادنا في أمنٍ ويسر وسكينة، إنه على كل شيءٍ قدير.
جمع وترتيب \ ثروت سويف \ امام وخطيب ومدرس بالأوقاف المصرية





