خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل

خطبة الجمعة القادمة محمد حرز 27 يونيو 2025: بداية جديدة وأمل جديد

الآن للتحميل الحصري خطبة الجمعة القادمة محمد حرز 27 يونيو : بداية جديدة وأمل جديد بتاريخ: 1 محرم 1447هــ – 27 يونيو 2025م

خطبة الجمعة القادمة WORD محمد حرز 27 يونيو 2025: بداية جديدة وأمل جديد

خطبة الجمعة القادمة  PDF محمد حرز 27 يونيو 2025: بداية جديدة وأمل جديد

“بداية جديدة وأمل جديد” موضوع خطبة الجمعة القادمة
وزارة الأوقاف: هدف الخطبة بث الأمل في النفوس مع بداية عام هجري جديد.
حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة القادمة ٢٧ يونيو ٢٠٢٥م، الموافق ٢ محرم ١٤٤٧هـ تحت عنوان: “بداية جديدة وأمل جديد”.
وقد أشارت الوزارة إلى أن الهدف المنشود من هذه الخطبة والمراد توصيله للجمهور هو: (أهمية بث الأمل في النفوس مع بداية عام هجري جديد).
القراءة:
خطبةُ الجمعةِ القادمةِ: بدايةٌ جديدةٌ وأملٌ جديدٌ د. محمد حرز
بتاريخ غرة المحرم 1447 هـ ، الموافق 27 يونيو 2025 م
الحمدُ للهِ الذي خضعَ كلُّ شيءٍ لإرادتِه، وذلَّ كلُّ شيءٍ لعزتِه، وتواضعَ كلُّ شيءٍ لكبريائِه، واستسلمَ كلُّ شيءٍ لقدرتِه، الحمدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ﴿( إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا )﴾التوبة: 40،وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ وَأشهد أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، القائلُ كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي اللهٌ عنه: (أفضلُ الصيامِ بعدَ رمضانَ صِيَامُ شَهْرِ اللهِ المُحَرَّمِ، أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ المَكْتُوبَةِ الصَّلَاةُ في جَوْفِ اللَّيْلِ) رواه مسلم.
عَلى رأسِ هذا الكونِ نعلُ محمّدٍ ***عَلَتْ فجميعُ الخلقِ تحتَ ظلالهِ
لَدى الطورِ موسَى نُوديَ اِخلع وأحمدُ***عَلى العرشِ لم يؤذنْ بخلعِ نعالهِ
فوقَ البساطِ دنَا ونُودي باسمهِ **دُس يا محمدٌ لا تخفْ إرعابَا
أنت الحبيبُ ومَن يطعكَ أطاعنِي**يا أكرمَ الخلق جميعًا خطابَا
فاللهم صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِّ المختارِ وعلى آلهِ وصحبهِ الأطهارِ وسلمْ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.
أمَّا بعدُ …..فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (آل عمران :102).
عبادَ الله: (بدايةٌ جديدةٌ وأملٌ جديدٌ) عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا.
عناصر اللقاء:
أولًا: الهجرةُ وبثُ الأملِ في الأمةِ من جديدٍ.
ثانيًا: بَلْسَمُ جِرَاحَاتِنَا الأملُ في اللهِ
ثالثًا وأخيرًا :الْمُخَدِّرَاتُ خزيٌ وعارٌ وهلاكٌ ودمارٌ
أيُّها السادة: ما أحوجنَا إلى أنْ يكونَ حديثُنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ عن بدايةٍ جديدةٍ وأملٍ جديدٍ ،وخاصةً والأمةُ الإسلاميةُ في مشارقِ الأرضِ ومغاربِها تحتفلُ بذكرى هجرةِ المصطفَى العدنانِ ﷺ، وخاصةً ونحنُ على أعتابِ عامٍ هجري جديدٍ كله أملٌ وحيويةٌ لأنفسِنا ولمصرِنا ولأمتِنا ، أملٌ في الرفعةِ والتقدم ِوالازدهارِ والخيرِ والبركةِ والأمنِ والأمان ِ،عامٌ هجري جديد كلهُ أملٌ وتفاؤلٌ وسعادةٌ وحسنُ ظنٍّ بربِّ العالمين، وخاصةً ولقد جَرَتِ الْعَادَةُ أَنْ يَمُرَّ عَلَى الْإِنْسَانِ أَوْضَاعٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَأَحْوَالٌ مُتَقَلِّبَةٌ، فَمَرَّةً يَجِدُ نَفْسَهُ مُرْتَاحَ الْبَالِ، وَمَرَّةً يَكَادُ الْحُزْنُ وَالْهَمُّ يُقَطِّعُ قَلْبَهُ، وَمَرَّةً يَكُونُ صَحِيحًا مُعَافًى، وَمَرَّاتٍ يَتَنَقَّلُ بَيْنَ الْمُسْتَشْفَيَاتِ يَبْحَثُ عَنِ الْعَافِيَةِ، وللهِ درُّ القائلِ:
ثَمَانِيَةٌ تَجرِي عَلَى النَّاسِ كُلِّهِم *** وَلا بُدَّ لِلإِنسَانِ يَلقَى الثَّمَانِيَة
سُرُورٌ وَحُزنٌ وَاجتِمَاعٌ وَفُرقَةٌ *** وَيُسرٌ وَعُسرٌ ثُمَّ سُقمٌ وَعَافِيَة
أولًا: الهجرةُ وبثُ الأملِ في الأمةِ من جديدٍ.
أيُّها السادةُ: إنَّ هجرةَ المصطفَى ﷺ لا ينبغِي أنْ تكونَ ماضيًا أبدًا، أو لمجردِ القصةِ، أو التسليةِ، أو لمجردِ الإعجابِ الباهتِ الباردِ، أو لمجردِ كان يا ما كان في سالفِ الأيامِ على عهدِ النبيِ المختارِ، بل ينبغِي أنْ نحولَ سيرتَهُ ﷺ إلى منهجِ حياةٍ وإلى واقعٍ نحياهُ ونربِّي عليه أولادَنَا وبناتِنَا، بل ونحولُهَا إلى شعلةٍ توقدُ شموسَ الحياةِ ودماءٍ تتدفقُ في عروقِ الأجيالِ والمستقبل. وكيف لا ؟ واللهُ جلَّ وعلا لم يبعثْ محمدًا ﷺ إلَّا ليكونَ قدوةً متجددةً على مرِّ الأجيالِ والقرونِ ، وإلَّا ليكونَ مثلًا أعلَى لكلِّ زمانٍ ومكانٍ، فهو أسوتُنَا و قدوتُنَا ومعلمُنَا ومرشدُنَا بنصٍّ مِن عندِ اللهِ جلَّ وعلا (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ) (سورة الأحزاب: 21)، فلقد كانتْ هجرةُ النبيِّ ﷺ دَحْرًا للفسادِ في العقائدِ، والضلالِ في الأفكارِ، كما كانتْ فتحًا جديدًا في تاريخِ الإنسانيَّةِ، ونصْرًا مُؤَزَّرًا، ومن أعظمِ دورسِ الهجرةِ بثٌ روحِ الأمل ِ في كيانِ الأمةِ من جديد ٍ وكيف لا؟ وقَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِنْدَمَا وَقَفَ على أَبْوَابِ مَكَّةَ، وَهُوَ يَقُولُ لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ: «يَا زَيْدُ، إنَّ اللهَ جَاعِلٌ لِمَا تَرَى فَرْجَاً وَمَخْرَجَاً، وَإِنَّ اللهَ نَاصِرٌ دِينَهُ، وَمُظْهِرٌ نَبِيَّهُ(( رِسَالَةُ أَمَلٍ وَتَفَاؤُلٍ لكل مسلمٍ على ظهرِ الأرضِ ((تفاءلوا بالخيرِ، تجدوُه)).. وكيف لا ؟وها هو المصطفى ﷺ يبثُ الأمل َ والثقة في قلب ِصاحبِه الصديقِ رضى الله عنه لَمَّا كَانَ فِي الْغَارِ مَعَ صَاحِبِهِ، دارَ حوارٌ هامسٌ خفيٌّ بينَ الصدِّيقِ الخائفِ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلم أكثرَ مِن خوفهِ على نفسهِ، يا رسولَ اللهِ لو أنَّ أحدُهُم نظرَ إلى قدميهِ لرآنَا, فيردُّ عليه الحبيبُ ﷺ بلغةٍ يحدوهَا الأمل.. ، وبقلبٍ يملأهُ اليقين. « يا أبَا بكرٍ ما ظنُّكَ باثنينِ اللهُ ثالثهُمَا » يا أبا بكرٍ « لا تحزنْ إنَّ اللهَ معنَا» رواه البخاري. اللهُ أكبرُ فو اللهِ ثمَّ واللهِ لو جمعَ أبو جهلٍ الأحياءَ كلَّهُم بل إنْ شئتَ وأخرجَ الأمواتَ مِن قبورِهِم يسحبونَ أكفانَهُم خلفَ أبِي جهلٍ يقلبونَ معه حجارةَ الأرضِ، ويزحزحونَ الجبالَ عن أماكنِهَا .، وينقبونَ في الرمالِ، ما وصلُوا إلي اثنينِ اللهُ ثالثهُمَا (إلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) سورة التوبة، أيُّ أملٍ بعد هذا الأملَ ؟ وأيُّ معيّةٍ تعدِلُ معيةَ اللهِ ؟ إنّها الحِصنُ الحَصينُ مِن كُلِّ الغوائِلِ، والعدّةُ في كلِّ شدةٍ، والدّرعُ الواقِي مِن سهامِ البوائِقِ والشّرورِ، لكنَّ هذه المعيّةَ الخاصّةَ التي تكونُ بالتّأييدِ والتّوفيقِ والحِفظِ والمعونةِ والنّصرِ إنَّما جعلَهَا اللهُ تعالى لأوليائِهِ المتّقين المحسِنين. فمَن توكلَ عليهِ كفاهُ، ومَن فوضَ إليهِ الأمرَ هداهُ، ومَن سألَهُ أعطاهُ، ومَن وثقَ في اللهِ نجَّاهُ، ومَن صفَا مع اللهِ صافاهُ، و مَن أوى إلى اللهِ أواهُ، و مَن فوّضَ أمرهُ إلى اللهِ كفاهُ، و مَن باعَ نفسَهُ إلى اللهِ اشتراهُ، و جعلَ ثمنَهُ جنّـتَهُ)) فيَا عَبْدَ اللَّهِ: إِذَا دَعَوْتَ فَأَحْسِنْ ظَنَّكَ بِاللَّهِ أَنَّهُ يُجِيبُ دَعْوَتَكَ، وَإِذَا تَصَدَّقْتَ فَظُنَّ بِاللَّهِ خَيْرًا أَنَّهُ سَيُخْلِفُ عَلَيْكَ أَضْعَافَ مَا أَنْفَقْتَ، وَإِذَا تَرَكْتَ شَيْئًا لِلَّهِ فَظُنَّ بِاللَّهِ أَنَّهُ سَيُعَوِّضُكَ خَيْرًا مِمَّا تَرَكْتَ، وَإِذَا اسْتَغْفَرْتَ اللَّهَ فَظُنَّ بِاللَّهِ أَنَّهُ سَيَغْفِرُ لَكَ. فَهَذِهِ رِسَالَةُ أَمَلٍ وَتَفَاؤُلٍ لِكُلِّ إِنْسَانٍ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا مَعَ بِدَايَةِ عَامٍ جَدِيدٍ، وكيف لا ؟ والمُؤْمِنُ في حَيَاتِهِ الدُّنْيَا يُلَاقِي شَدَائِدَهَا وصِعَابَهَا ومَرَارَتَهَا بِقَلْبٍ مُطْمَئِنٍّ، وَوَجْهٍ مُسْتَبْشِرٍ، وثَغْرٍ بَاسِمٍ، وأَمَلٍ عَرِيضٍ، فَهُوَ وَاثِقٌ بالزِّيَادَةِ إِنْ شَكَرَ، وَوَاثِقٌ بالأَجْرِ إِنْ صَبَرَ، وإذا تَعَسَّرَتِ الأُمُورُ، وضَاقَ الخِنَاقُ، أَمَلُهُ في قَوْلِهِ تعالى: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرَاً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرَاً﴾.وفي قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرَاً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرَاً﴾» رواه الحاكم فكنْ مِن أولياءِ الرحمنِ وإنْ تخلَّى الناسُ عنكَ وتذكرْ ((وَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ((قالَ الشافعيُّ رحمَهُ اللهُ : إذا تخلَّى الناسُ عنكَ في كربٍ، فاعلمْ أنّ اللهَ يريدُ أنْ يتولَّى أمرَكَ..
يا شاكيًا همَّ الحياةِ وضيقَهَا *** أبشرْ فربُّكَ قد أبانَ المنهجَا
مَن يتقِ الرحمنَ جلّ جلالُه *** يجعلْ لهُ مِن كلِّ ضيقٍ مخرجَا
ولِتَكُنْ مَعَ الدَّمْعَةِ بَسْمَةٌ، وَمَعَ الخَوْفِ أَمْنٌ، وَمَعَ الفَزَعِ سَكِينَةٌ ومع الشدةِ فرجٌ ومع الحزنِ فرحٌ وسرورٌ، قال ربُّنَا: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ﴾ (سورة محمد :11)، وإذا داهمتْكَ مصائبُ الحياةِ، وضاقتْ عليكَ الأرضُ بما رحبتْ، فتذكرْ أنَّ لك ربًّا يجيبُ المضطرَّ إذا دعاهُ ويكشفُ السوءَ ))أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) [النمل: 62]..
والمتأملُ فيمَا تمرُّ بهِ أمةُ الإسلامِ، واستهزاءٍ بالنبيِّ الكريمِ ﷺ ، وسخريةٍ بالقرآنِ العظيمِ، ومحاربةٍ لكلِّ مظهرٍ مِن مظاهرِ الدينِ ، وما ذاك إلّا ليعلمَ اللهُ الذين صدقُوا ويعلمَ الكاذبين ،وكونُوا على أملٍ بوعدِ اللهِ وصدقِ نبيِّهِ ﷺ في أنَّ اللهَ ناصرٌ دينَهُ ومعزٌ أولياءَهُ، وأنَّ مَن تمسكَ بهذا الدينِ لابُدَّ لهُ مِن النصرِ والتمكينِ، وصدقَ اللهُ العظيمُ القائلُ {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ}(النور:55). وللهِ درُّ الشافعي:
وَلَرُبَّ نازِلَةٍ يَضيقُ لَها الفَتى***ذَرعاً وَعِندَ اللَهِ مِنها المَخرَجُ
ضاقَت فَلَمّا اِستَحكَمَت حَلَقاتُها***فُرِجَت وَكُنتُ أَظُنُّها لا تُفرَجُ
ثانيًا: بَلْسَمُ جِرَاحَاتِنَا الأملُ في اللهِ
أيُّها السادةُ الأخيارُ: إَنَّ اليَأْسَ دَاءٌ قَاتِلٌ، إِذَا أَصَابَ قَلْبَ الأُمَّةِ أَرْدَاهَا كَأَنَّهَا ميتةٌ لَا حَيَاةَ فِيهَا، وإن اليَأْسَ يُورِثُ في الأُمَّةِ مَوْتَ الرُّوحِ المَعْنَوِيَّةِ ، وإِنَّ اليَأْسَ دَاءٌ عُضَالٌ للفَرْدِ وَللمُجْتَمَعِ، وَهُوَ أَشْبَهُ مَا يَكُونُ بِالسَّرَطَانِ، وَإِذَا أَصَابَ اليَأْسُ غَيْرَ المُؤْمِنِينَ فَلَا غَرَابَةَ في ذَلِكَ، أَمَّا أَنْ يُصِيبَ الإِنْسَانَ المُؤْمِنَ بِاللهِ وَبِقَدَرِهِ، وَالأُمَّةَ المُؤْمِنَةَ بِاللهِ وَبِقَدَرِهِ، فَهَذَا أَمْرٌ عَجِيبٌ. كَيْفَ تَيْأَسُ يَا أَيُّهَا المُؤْمِنُ وَاللهُ تعالى يَقُولُ: ﴿لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ﴾ كَيْفَ تَيْأَسُ أَيُّهَا المُؤْمِنُ وَاللهُ تعالى يَقُولُ في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً» رواه مسلم ،عَارٌ عَلَى الأُمَّةِ أَنْ تَيْأَسَ، وَهِيَ تَقْرَأُ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾. وَقَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾. وَقَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ﴾؟ عَارٌ عَلَى الأُمَّةِ أَنْ تَيْأَسَ وَهِيَ تَقْرَأُ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾. حَطِّمُوا اليَأْسَ بِسَيْفِ الأَمَلِ، حَطِّمُوهُ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾. حَطِّمُوهُ بِقَوْلِهِ تعالى حِكَايَةً عَنْ سَيِّدِنَا نُوحٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾. حَطِّمُوهُ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾. بَلْسَمُ جِرَاحَاتِنَا الإِيمَانُ بِالقَضَاءِ وَالقَدَرِ، بَلْسَمُ جِرَاحَاتِنَا عِلْمُنَا بِقَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾. بَلْسَمُ جِرَاحَاتِنَا قَوْلُ ربنا ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ﴾. بَلْسَمُ جِرَاحَاتِنَا قَوْلُ ربنا ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾. بَلْسَمُ جِرَاحَاتِنَا عِلْمُنَا عِلْمًا يَقِينِيًّا أَنَّ مَا شَاءَ اللهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، هَكَذَا فَهِمْنَا مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. بَلْسَمُ جِرَاحَاتِنَا قَوْلُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ ﷺ كما في الحديثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: «وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ» رواه الترمذي، بَلْسَمُ جِرَاحَاتِنَا قَوْلُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ ﷺ عَنْ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» رواه الإمام مسلم، بَلْسَمُ جِرَاحَاتِنَا قَوْلُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ ﷺ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «وَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَأَنَّكَ إِنْ مِتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا، دَخَلْتَ النَّارَ» رواه أحمد، بَلْسَمُ جِرَاحَاتِنَا في المصائِب والْمُلِمَّاتِ، قَوْلُ ربنا: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} البقرة: [214]. بَلْسَمُ جِرَاحَاتِنَا عند التوبة، يُوقنُ التَّائِبُ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يقبَلُ توبَتَهُ،ويغفِرُ ذَنْبَهُ، متى صَدَقَ في تَوْبَتِهِ، قال ﷺ: (أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بالذَّنْبِ، اعْمَلْ ما شِئْتَ فقَدْ غَفَرْتُ لَكَ) أخرجه مسلم بَلْسَمُ جِرَاحَاتِنَا عند ضيق الرزقِ، وكدر ِالعيشِ، قال ﷺ: (من نزَلَت بهِ فاقَةٌ فأَنزَلَها بالناسِ لم تُسَدَّ فاقَتُهُ. ومَن نزَلتْ به فاقَةٌ فأنزَلَها باللهِ فيوشِكُ اللهُ لهُ برزْقٍ عاجِلٍ أو آجِلٍ) أخرجه أبو داود
يا صاحبَ الهمِّ إن الهمَّ منفرجٌ *** أبشر بخيرٍ فإنّ الفارجَ الله ُ
إذا بُليتَ فثق بالله ِوارضَ به*** إنّ الذي يكشفُ البلوى هو اللهُ
اليأسُ يقطعُ أحيانًا بصاحبه ِ*** لا تيأسنَّ فإنّ الفارجَ الله ُ
اللهُ يُحدثُ بعد العسرِ ميسرةً*** لا تجزعنَّ فإنّ الكافيَ اللهُل
واللهِ مالك غير اللهِ من أحدٍ *** فحسبكَ الله ُفي كلٍّ لك اللهُ
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ.
الخطبة الثانية …الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلّا لهُ، وبسمِ اللهِ ولا يستعانُ إلّا به، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ .. وبعد
ثالثًا وأخيرًا :الْمُخَدِّرَاتُ خزيٌ وعارٌ وهلاكٌ ودمارٌ
أيُّها السادةُ: الْمُخَدِّرَاتُ عدوٌّ شرسٌ يقتلُ الروحَ، قبلَ أنْ يقتلَ البدنَ .. ويفتكُ بالعقلِ قبلَ أنْ يفتكَ بالجسدِ .. ويسلبُ الدينَ قبلَ أنْ يسلبَ الدنيَا ، الْمُخَدِّرَاتُ مرضٌ سرطانيٌّ خطيرٌ مدمرٌ قلّمَا يُعافَى منهُ إنسانٌ إلّا ما رحمَ ربُّ الأرضِ والسماواتِ، الْمُخَدِّرَاتُ داءٌ عضالٌ حذّرَ منهُ سيدُ الأنامِ، إنَّهُ داءٌ يهدمُ البيوتَ ويشردُ الأسرَي ويفسدُ المجتمعاتِ، ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ.
وإدمانُ الْمُخَدِّرَاتِ داءٌ اجتماعيٌّ خطيرٌ ووباءٌ خُلقيٌّ كبيرٌ ما فشَا في أمةٍ إلّا كان نذيرًا لهلاكِهَا، و ما دبَّ في أسرةٍ إلَّا كان سببًا لفنائِهَا، فهو مصدرٌ لكلِّ عداءٍ وينبوعُ كلِّ شرٍ وتعاسةٍ ، والإدمانُ آفةٌ مِن آفاتِ الإنسانِ، مدخلٌ كبيرٌ للشيطانِ ،مدمرٌ للقلبِ والأركانِ ،يفرقُ بين الأحبةِ والإخوةِ، يُحرَمُ صاحبُهُ الأمنَ والأمانَ ،ويدخلُه النيرانَ ،ويبعدُهُ عن الجنانِ ،فالبعدُ عنهُ خيرٌ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ. والإدمانُ ظاهرةٌ سلبيةٌ مدمرةٌ للأفرادِ والدولِ داءٌ يقتلُ الطموحَ، ويدمرُ قيمَ المجتمعِ، ويعَدُّ خطرًا مباشرًا على الوطنِ، ويقفُ عقبةً في سبلِ البناءِ والتنميةِ، يبددُ المواردَ، ويهدرُ الطاقاتِ ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ. ومِن المعلومِ أَنَّ شَرِيعَةَ الْإِسْلَامِ قَدْ جاءتْ بِحفْظِ الضَّرُورِيَّاتِ الْخَمْسِ أو الكلياتِ الخمس وَحَرَّمَتْ الِاعْتِدَاءَ عَلَيْهَا، وَهِيَ: الدِّينُ، وَالنَّفْسُ، وَالْمَالُ، وَالْنسل، وَالْعَقْلُ، والادمانُ اعتداءٌ على الدينِ والنفسِ والمالِ والعقلِ والعرضِ. ومِمَّا لا شكَّ فيهِ أنَّ الإسلامَ العظيم حريصٌ كلَّ الحرصِ علي صحةِ الإنسانِ، وعن جسدِهِ وكيف لا؟ والصحةُ والجسدُ مِن الأمورِ التي سيُسألُ عنهَا الإنسانُ أمامَ ملكِ الملوكِ وجبارِ السماواتِ والأرضِ، فعن أبي بَرزةَ الأسلمى رضى اللهُ عنه” لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلاهُ، وَعَنْ مَالِهِ فِيمَا أَنْفَقَهُ وَمِنْ أَيْنَ كَسَبَهُ، وَعَنْ عَلِمهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ؟ “لذا قال النبيُّ ﷺ: { اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ شَبَابَك قَبْلَ هَرَمِك ، وَصِحَّتَك قَبْلَ سَقَمِك ، وَغِنَاك قَبْلَ فَقْرِك ، وَفَرَاغَك قَبْلَ شُغْلِك ، وَحَيَاتَك قَبْلَ مَوْتِك }، فباللهِ عليك يا مَن وقعتَ في الإدمانِ والمخدراتِ هل اغتنمتَ الصحةَ قبلَ المرضِ كما قال سيدُ البشرِ ﷺ وابتعدتْ عن المخدراتِ أم أنَّك خالفتَ كلامَ النبيِّ الأمينِ ﷺ ولا تزالُ مدمنًا، والإدمانُ يا سادةٌ لهُ مِن الأضرارِ الدينيةِ والماليةِ والبدنيةِ و الاجتماعيةِ الكثيرُ والكثيرُ ما لا يخفَى على أحدٍ. فمِن أضرارِه الدينيةِ: أنَّ الإدمانَ معصيةٌ وليستْ أيَّ معصيةٍ، فهناكَ فرقٌ بينَ مَن عصَي اللهَ في السرِّ، وبينَ مَن عصَي اللهَ في السرِّ وفضحَ نفسَهُ، وبينَ مَن عصَي اللهَ عيانًا بيانًا علي مرئَي للجميعِ، فمَن عصَي اللهَ في السرِّ أهونُ عندَ اللهِ؛ لأنَّهُ ما معصومٌ إلّا المعصوم، وماتتْ العصمةُ يومَ ماتَ المعصومُ ﷺ، إنْ تابَ الإنسانُ تابَ اللهُ عليهِ، أمَّا مَن عصَي اللهَ في السرِّ ثمَّ فضحَ نفسَهُ، فهذا علي خطرٍ عظيمٍ، وهذا أخطرُ ما في الادمانِ أنَّه يفضحُ صاحبَهُ بالليلِ والنهارِ، وصدقَ المعصومُ ﷺ إذ يقولُ كما في حديثِ أَبَي هُرَيْرَة رضى اللهُ عنه يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ:” كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ”، هذا مَن عصَي اللهَ وسترَهُ اللهُ ثم فضحَ نفسَهُ، فما بالُكَ بمَن عصَي اللهَ عيانًا بيانًا، وهذا هو شأنُ المدمنِ…وللهِ درُّ القائلِ:
إذا لم تَخْشَ عاقبةَ اللَّيالي***ولم تستَحِ فاصنَعْ ما تشاءُ
فلا واللهِ ما في العَيشِ خَيرٌ***ولا الدُّنيا إذا ذهَبَ الحَياءُ
وأخطرُ ما فِي الإدمانِ والمخدراتِ يا سادةٌ: أنَّها تؤدِّي إلي هلاكِ الإنسانِ وربَّمَا إلى الانتحارِ، ونفسُكَ ليستْ ملكًا لك فأنت لم تخلقْهَا ولا عضوًا مِن أعضائِكَ ولا خليةً مِن خلاياك وإنَّمَا نفسُكَ وديعةٌ وأمانةٌ استودعَكَ اللهُ إيَّاهَا فلا يجوزُ لك أنْ تفرطَ فيهَا، قالَ تعالَي: (وَلا تَقْتُلُواْ أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكمْ رَحِيمًا). وقالَ ربُّنَا (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }، وفي الصحيحينِ منْ حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:” مَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا)، والإدمانُ سمومٌ قاتلةٌ يا سادةٌ، وأمّا ضررهُ في المالِ: فحدثْ ولا حرجَ، إسرافٌ وتبذيرٌ، والتبذيرُ حرامٌ، قالَ ربُّنَا: { وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27) }(سورة الإسراء) وَقَدْ تَوَعَّدَ اللهُ مَنْ تَعَاطَي مُسْكِرًا بِأَنْ يَسِقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ؟ لِقَولِهِ ﷺ: « إِنَّ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: «عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ» أَوْ «عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. أَيْ: قَيْحُ وَصَدِيدُ وَدِمَاءُ أَجْسَادِ أَهْلِ النَّارِ يا ربِّ سلمْ، والإدمانُ والمخدراتُ والمسكراتُ والخمرُ ينزعُ عن الإنسانِ ثوبَ الإيمانِ يا سادةٌ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ.وبائعُ المخدراتِ ملعونٌ ومطرودٌ مِن رحمةِ الرحمنِ، كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: لَعَنَ اللهُ الْخَمْرَ، وَشَارِبَهَا، وَسَاقِيَهَا، وَمُبْتَاعَهَا، وَبَائِعَهَا، وَعَاصِرَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ)) وَالمُدْمِنُ يُضَيِّعُ نَفْسَهُ، وَيُضيِّعُ مَنْ يَعُولُ، بَل يُضَيِّعُ حَقَّ دِينِهِ، وَحَقَّ وَطَنِهِ، وَيُهْدِرُ طَاقَاتِهِ، وَيُبَدِّدُ ثَرْوَاتِهِ، ويُفرِّطُ في عِرْضِهِ وَشَرَفِهِ، وَيَظْلِمُ مَنْ له حَقٌّ عَلَيْهِ، وَكَيْفَ لَا ؟ وَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ؟!!ولَقَدْ ذَكَرَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنَّ الْخَمْرَ سَبَبٌ لِكُلِّ شَرٍّ، وَأَنَّهَا عَائِقٌ عَنْ كُلِّ خَيْرٍ، فَقَدْ قَالَ جل وعلا: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} [المائدة: 91].وَقَالَ النبي المختار ﷺ: (الْخَمْرُ أُمُّ الْخَبَائِثِ)، فَجَعَلَهَا أُمًّا وَأَسَاسًا لِكُلِّ شَرٍّ وَخُبْثٍ يا ربِّ سلّمْ، والإدمانُ والمخدراتُ كالخمرِ بجامعِ الاسكارِ وذهابِ العقلِ في كلٍّ منهمَا، وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: ((ثَلَاثَةٌ قَدْ حَرَّمَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَيْهِمُ الْجَنَّةَ؛ مُدْمِنُ الْخَمْرِ، وَالْعَاقُّ، وَالدَّيُّوثُ الَّذِي يُقِرُّ فِي أَهْلِهِ الْخَبَثَ)، وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ قَالَ: (ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: الدَّيُّوثُ ، وَالرَّجُلَةُ مِنَ النِّسَاءِ، وَمُدْمِنُ الْخَمْرِ). وأخطرُ ما في الإدمانِ يا سادةٌ أنَّهُ يضيعُ أداةَ التكريمِ يضيعُ العقلَ الذي كرّمَنَا بهِ المولَى جلَّ وعلا ، قالَ جل وعلا: ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) (الإسراء: 70)
حفظَ اللهُ مصرَ قيادةً وشعبًا مِن كيدِ الكائدين، وشرِّ الفاسدين وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين. وحفظَ اللهُ فلسطينَ مِن كلِّ سوءٍ وشرٍّ.
كتبه العبد الفقير
د محمد حرز

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى