خطبة الجمعة القادمة : تحت عنوان ( الْيَقِينُ ) للشيخ ثروت سويف

خطبة الجمعة القادمة : بتاريخ 4 ربيع الثاني 1447هـ – الموافق 26 سبتمبر 2025م تحت عنوان ( الْيَقِينُ ) للشيخ ثروت سويف
اقرأ في هذه الخطبة
أولا : اليقين في القرآن ثانيا : اليقين في السنة النبوية
ثالثا : من قصص الصالحين مع اليقين
خطبة الجمعة القادمة word : تحت عنوان ( الْيَقِينُ ) للشيخ ثروت سويف
خطبة الجمعة القادمة pdf : تحت عنوان ( الْيَقِينُ ) للشيخ ثروت سويف
الخطبة الأولي
الْحَمْدُ للَّهِ الْمَلِكِ الْجَلِيلِ ، الْمُنَزَّهِ عَنِ النَّظِيرِ وَالْعَدِيلِ الْمُنْعِمِ بِقَبُولِ الْقَلِيلِ ، الْمُتَكَرِّمِ بِإِعْطَاءِ الْجَزِيلِ ، نصب لِلْعَقْلِ عَلَى وُجُودِهِ أَوْضَحُ دَلِيلٍ سبحانه تَقَدَّسَ عَمَّا يَقُولُ أَهْلُ التَّعْطِيلِ ، وَتَعَالَى عَمَّا يَعْتَقِدُ أَهْلُ التَّمْثِيلِ أَمَرَ خليله بِبِنَاءِ بَيْتٍ وَجَلَّ عَنِ السكنى الجليل (وَإِذۡ یَرۡفَعُ إِبۡرَٰهِۦمُ ٱلۡقَوَاعِدَ مِنَ ٱلۡبَیۡتِ وَإِسۡمَٰعِیلُ ) ثُمَّ حَمَاهُ لَمَّا قَصَدَهُ أَصْحَابُ الْفِيلِ ، فَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في التقدير والتدبير خلق الانسان بقدرته، وأنشأه في الأرحام بحكمته، ورعاه في ظلمات ثلاث بلطفه وعنايته وَهَدَاه إِلَى أَبْيَنُ سَبِيلٍ
وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله النَّبِيّ النَّبِيل الذي لم يكن لأخلاقه مثيل وَأُصَلِّي وأُسَلِّمُ عَلَيهِ وعلي آله وصحبه كُلَّمَا نَطَقَ لِسانٌ وَقِيلَ وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ الَّذِي لا يُبْغِضُهُ إِلا ثَقِيلٌ ، وَعَلَى عُمَرَ وَفَضْلُ عُمَرَ فَضْلٌ طَوِيلٌ ، وَعَلَى عُثْمَانَ وَكَمْ لِعُثْمَانَ مِنْ فِعْلٍ جَمِيلٍ ، وَعَلَى عَلِيٍّ وَجَحْدُ قَدْرِ عَلِيٍّ تَغْفِيلٌ ، وَعَلَى عَمِّهِ الْعَبَّاسِ الْمُسْتَسْقَى بِشَيْبَتِهِ فَإِذَا السُّحُبُ تَسِيلُ.
أما بعد
فإن اليقين هو روح أعمال القلوب ومفتاح أعمال الجوارح ولمثقال ذرة من صاحب تقوى ويقين أعظم وأفضل وأرجح من أمثال الجبال عبادة من المغترين
وقال أبو بكر الورّاق: «اليقين ملاك القلب، وبه كمال الإيمان، وباليقين عرف الله وبالعقل عقل عن الله»
وقال الحسن: صدق اللَّه ورسوله باليقين طلبت الجنة، وباليقين هرب من النار، وباليقين أديت الفرائض، وباليقين صبر على الحق وفي معافاة اللَّه خير كثير قد واللَّه رأيتهم يتفاوتون في العافية فإذا نزل البلاء تساوو “الزهد” ص 343
ولقد ضرب أنبياء الله ورسله الكرام المثل الأعلى في اليقين وحسن الثقة بالله تعالي فها هو الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام عندما ألقوه في النار فقال وهو متيقن بحفظ الله له ونصره له : حسبنا الله ونعم الوكيل ” فأنجاه الله ليقينه وثقته بالله تعالى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ} قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عليه السلام حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَالُوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} البخاري
وهذا كليم الله موسي عليه السلام يقول لأصحابه حينما أدركهم فرعون فوجدوا البحر أمامهم والعدو من وراءهم فظهر اليقين بالله عز وجل لدي موسي عليه السلام قال الله (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ، قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) الشعراء : 61 وهذا هو اليقين بالله وحفظ الله نبينا محمد عليه الصلاة والسلام عندما أحاط بهم قريش يريدون قتل محمد صلي الله عليه وسلم يقول لصاحبه أبي بكر رضي الله عنه في الغار ما ظنك باثنين الله ثالثهما .. وهذا من اليقين .
وروى ابن أبي الدنيا عن بكر بن عبد الله قال: فقد الحواريون عيسى عليه السلام، فقيل لهم: توجه نحو البحر، فانطلقوا يطلبونه إذا هو قد أقبل يمشي على الماء، فقال له بعضهم: ألا أجيء إليك يا نبي الله؟ قال: بلى، فوضع إحدى رجليه ثم ذهب ليضع الأخرى فقال: آه، غرقت يا نبي الله، فقال: أرني يدك يا قصير الإيمان، لو أنَّ لابن آدم من اليقين قدر شعيرة مشى على الماء ( رواه ابن أبي الدنيا في “اليقين”).
وروى عبد الله ابن الإمام أحمد في “زوائد الزهد” عن ميمون بن مهران رحمه الله تعالى قال: يقول بعضهم: اجلس في بيتك وأغلق عليك بابك فانظر، هل يأتيك رزقك؟ نعم لو كان مثل يقين مريم وإبراهيم عليهما السلام، وأغلق عليه بابه، وأرخَى عليه ستره ( رواه أبو نعيم في “حلية الأولياء”).
تعريف اليقيين
وأما اليقين وقال ابن منظور: اليقين هو العلم وإزاحة الشّكّ وتحقيق الأمر.
فلا إيمان إلا به، ومن شك فلا إيمان له. وهذا يكفي وقيل الصّبر نصف الإيمان واليقين الإيمان كلّه
قال أبو مسلم الخولاني : ليسَ الزَّهادةُ في الدُّنيا بتَحريمِ الحلالِ، ولا في إضاعةِ المالِ ، ولَكِنِ الزَّهادةُ في الدُّنيا أن لا تَكونَ بما في يَدَيكَ أوثقَ منكَ بما في يدِ اللَّهِ، وأن تَكونَ في ثوابِ المُصيبةِ، إذا أُصِبتَ بِها، أرغبَ منكَ فيها، لَو أنَّها أُبْقيَت لَكَ
أولا : اليقين في القرآن
لقد اعتنى القرآن الكريم بهذا العمل القلبي العظيم، فذكر اليقين في آيات كثيرة، ومن ذلك:
- جعله الله من صفات عباده المتقين، فقال تعالى: {وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [البقرة: 4].
قال ابن القيّم- رحمه الله: ومن منازل إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (الفاتحة/ 5) منزلة اليقين وهو من الإيمان بمنزلة الرّوح من الجسد، وبه تفاضل العارفون، وفيه تنافس المتنافسون، وإليه شمّر العاملون، وعمل القوم إنّما كان عليه، وإشاراتهم كلّها إليه، وإذا تزوّج الصّبر باليقين. ولد بينهما حصول الإمامة في الدّين. قال تعالى:- وبقوله يهتدي المهتدون-، وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (السجدة/ 24)
وخصّ سبحانه وتعالى أهل اليقين بالانتفاع بالآيات والبراهين، فقال- وهو أصدق القائلين- وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ الذاريات/ 20)
وخصّ أهل اليقين بالهدى والفلاح بين العالمين، فقال سبحانه: … وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ* أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ البقرة/ 4- 5)
وأخبر عن أهل النّار: بأنّهم لم يكونوا من أصحاب اليقين، فقال عزّ من قائل: وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} [الجاثية: 32
ومادة (يَقَن) ومشتقاتها وردت في القرآن على أربعة معان، هي:
الأول: اليقين بمعنى الصدق والتصديق، من ذلك ما حكاه القرآن على لسان ملكة سبأ: {وجئتك من سبإ بنبإ يقين} (النمل:22) يعني بخبر صِدْق. ومنه أيضاً قول الحق تعالى: {وبالآخرة هم يوقنون} (البقرة:4) يعني يصدقون بوجود الآخرة والبعث. وأكثر ما ورد هذا اللفظ في القرآن الكريم وفق هذا المعنى.
الثاني: اليقين بمعنى الموت، ورد في موضعين من القرآن: الأول: قوله عز وجل: {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} (الحجر:99) أي: ابقَ ملازماً لعبادة ربك إلى أن يأتي أجلك. الموضع الثاني: قوله سبحانه: {حتى أتانا اليقين} (المدثر:47) يعني الموت.
الثالث: اليقين بمعنى العِيان والمشاهدة، جاء على هذا المعنى قوله سبحانه: {كلا لو تعلمون علم اليقين} (التكاثر:5) يعني علم العِيان والمشاهدة. ونحوه قوله عز وجل: {ثم لترونها عين اليقين} (التكاثر:7) أي: عند المعاينة بعين الرأس، فتراها يقيناً، لا تغيب عن عينك.
الرابع: اليقين بمعنى العلم، من ذلك قوله تعالى في حق نبيه عيسى عليه السلام: {وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا} (النساء:157) المعنى كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما قتلوا ظنهم يقيناً، كقولك: قتلته علماً، إذا علمته علماً تامًّا، فـ (الهاء) = {قتلوه} عائدة على {الظن}. قال أبو عبيد: ولو كان المعنى: وما قتلوا عيسى يقيناً لقال: وما قتلوه فقط.
وقوله سبحانه: {وفي الأرض آيات للموقنين} (الذاريات:20) قال الطبري: “وفي الأرض عِبَرٌ وعظات لأهل اليقين بحقيقة ما عاينوا ورأوا إذا ساروا فيها”. وقال القرطبي: “(الموقنون) هم العارفون المحققون وحدانية ربهم، وصدق نبوة نبيهم”.
ومجمل القول، أن لفظ (يَقَن) بمشتقاته أكثر ما ورد في القرآن الكريم بمعنى (الصدق والتصديق)، وورد في مواضع قليلة بمعنى (المعاينة والمشاهدة)، وورد في موضعين فقط بمعنى (الموت)، وورد بمعنى (العلم)
فاليقين روح أعمال القلوب التي هي أرواح أعمال الجوارح، وهو حقيقة الصِّدِّيقيّة، وهو قطبُ رَحَا هذا الشّأن الذي عليه مداره.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى: “«أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً»”.
عباد الله: اتقوا ربكم، وعليكم بحسن الظن والثقة واليقين بالله، واعتصموا بربكم، فنعم المولى ونعم النصير
اليقين على ثلاث درجات:
أ- علم اليقين: وهو ما ظهر من الحقّ، وقبول ما غاب للحقّ، والوقوف على ما قام بالحقّ فالّذي ظهر
من الحقّ هو أوامره ونواهيه ودينه الّذي أظهره على ألسنة رسله. والّذي غاب للحقّ: هو الإيمان بالغيب كالجنّة والنّار والصّراط والحساب ونحو ذلك، أمّا الوقوف على ما قام بالحقّ أي من أسمائه وصفاته وأفعاله.
ب- عين اليقين: ما استغنى به صاحبه عن طلب الدّليل لأنّ الدّليل يطلب للعلم بالمدلول، فإذا كان المدلول مشاهدا له. فلا حاجة حينئذ للاستدلال.
ج- حقّ اليقين: وهذه منزلة الرّسل عليهم الصّلاة والسّلام، فقد رأى نبيّنا صلى الله عليه وسلم بعينه الجنّة والنّار وكلّم الله تعالى موسى- عليه السلام بلا واسطة، أمّا بالنّسبة لنا فإنّ حقّ اليقين يتأخّر إلى وقت اللّقاء.ولقد أكدت الأحاديث النبوية على أهمية اليقين وقوته وفضله؛ فعن معاذ بن رفاعة، أخبره عن أبيه، قال: قام أبو بكر الصديق، على المنبر ثم بكى فقال: قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام الأول على المنبر ثم بكى فقال: “اسألوا الله العفو والعافية، فإن أحدًا لم يعطَ بعد اليقين خيرًا من العافية” [الترمذي (3558)
ثانيا : اليقين في السنة النبوية
أما في السنة النبوية
فقد ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- اليقين، وحض عليه، ورفع من شأنه في كثير من الأحاديث، فجعل من أهم أسس صلاح الأفراد والأمة كلها حصول اليقين، فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين، ويهلك آخرها بالبخل وطول الأمل” [البيهقي في شعب الإيمان (10844) وصححه الألباني].
عن عبد الله عن النّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تُرضِينَّ أحدًا بسَخَطِ الله، ولا تَحْمدنَّ أحدًا على فضل الله، ولا تَذُمَّنَّ أحدًا على ما لم يُؤتِك الله. فإنّ رِزْقَ الله لا يَسُوقه حِرصُ حريصٍ، ولا يَرُدُّه عنك كراهيةُ كارهٍ، وإنّ الله بعدله وقسطِه جعلَ الرُّوحَ والفرحَ في الرِّضا واليقين، وجعل الهمَّ والحزنَ في الشّكِّ والسّخط».
وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يطلب من ربه ويدعوه أن يرزقه اليقين، عن ابن -عمر رضي الله عنهما-، قال: قلما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه: “اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصيبات الدنيا،” [الترمذي (3502) وصححه الألباني]، ولليقين في الله -جل وعلا- دور كبير في تهوين مصائب الدنيا، وأن الدنيا وما عليها هينة طالما كانت في رضا الله سراء كانت أم ضراء.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما؛ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «القلوب أوعية وبعضها أوعى من بعض فإذا سألتم الله- عز وجل أيّها النّاس فأسألوه وأنتم موقنون بالإجابة فإنّ الله لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل»
كما أنه كان -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ بالله من الشك، فعن أبي جعفر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: “اللهم إني أعوذ بك من الشك بعد اليقين، وأعوذ بك من مقارنة الشياطين، وأعوذ بك من عذاب يوم الدين” [مصنف ابن أبي شيبة (6/ 19)].
وخاف على أمته الشك والريب؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “إنما أتخوف على أمتي ضعف اليقين” [ الزهد والرقائق لابن المبارك والزهد لنعيم بن حماد (1 / 196)].
عَنْ جَابِرَ ابْنَ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيَّ، أَخْبَرَ ؛أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَزْوَةً قِبَلَ نَجْدٍ، فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَفَلَ مَعَهُمْ، فَأَدْرَكَتْهُمُ الْقَائِلَةُ يَوْمًا، فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ e، وَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الْعِضَاهِ، يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ، وَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَظِلُّ تَحْتَ شَجَرَةٍ، فَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ، قَالَ جَابِرٌ: « فَنِمْنَا بِهَا نَوْمَةً، ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَدْعُونَا، فَأَتَيْنَاهُ، فَإِذَا عِنْدَهُ أَعْرَابِيٌّ جَالِسٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ e: إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ سَيْفَهُ، وَأَنَا نَائِمٌ، فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ فِي يَدِهِ صَلْتًا، فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ فَقُلْتُ: اللهُ، فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ فَقُلْتُ: اللهُ، فَشَامَ السَّيْفَ، وَجَلَسَ، فَلَمْ يُعَاقِبْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ»(متفق عليه
وقد أدرك سلف الأمة الصالحون من الصحابة والتابعين أهمية اليقين، فكانوا يرفعون من شأنه ويكثرون من ذكره؛ فعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قال: “وَخَيْرُ مَا أُلْقِيَ فِي الْقَلْبِ الْيَقِينُ، وَخَيْرُ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ، وَخَيْرُ الْعِلْمِ مَا نَفَعَ، وَخَيْرُ الْهُدَى مَا اتُّبِعَ، وَمَا قَلَّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى..” [جامع معمر بن راشد (11 / 159)]. وكان -رضي الله عنه- يقول: “الفرح والروح في اليقين والرضا، والغم والحزن في الشك والسخط”.
ومما ورد في السنة عن اليقين حديث أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فَمَنْ لَقِيتَ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْحَائِطَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ فَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ».
دل هذا الحديث على أنَّ من شروط كلمة التوحيد اليقينَ.
- وعن شَدَّاد بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ»، قَالَ: «وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ»
وعن الحسن -رحمه الله- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “إلا إن الناس لم يؤتوا في الدنيا شيئًا خيرًا من اليقين، والعافية، فسلوهما الله -عز وجل-“. وقال الحسن: “صدق الله، وصدق رسوله، باليقين هُرب من النار، وباليقين طُلبت الجنة، وباليقين صُبر على المكروه، وباليقين أُديت الفرائض، وفي معافاة الله خير كثير، قد والله رأيناهم يتقاربون في العافية، فإذا وقع البلاء تباينوا” [ الزهد والرقائق لابن المبارك والزهد لنعيم بن حماد (1/ 196)].
قال ابن مسعود- رضي الله عنه:
عباد الله: في احتمال البلاء علامة على ثقة المؤمن بربه تنتج عن قوة في اليقين به وعلمًا بأن وعده حق, وأن من استمسك بحبله فقد استمسك بحبل غير منقطع, وهذه الثقة تجعله يحس بالطمأنينة لما يدور حوله من أحداث, يري أنها مظلمة ومليئة بالظلال التي تعتم دوائر الضوء في النفس فتورثها كآبة تنغص عليها حياتها. ولكن بقوة اليقين تتماسك أركان النفس من الانهيار، وتتجمع بعد تفرق وشتات وتحيي مواتها؛ فسرعان ما تعود لأفضل من سابق أمرها مكتسبة من تجربتها رشدًا يهديها في طريق الوصول بل ويعينها للوصول إلي غاية المطلوب.
قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- في بيان ذلك: “الذي يحسم مادة الخوف هو التسليم لله، فمن سلّم لله واستسلم له، وعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتبه الله له، لم يبقى لخوف المخلوقين في قلبه موضع؛ فإن نفسه التي يخاف عليها سلّمها إلى وليّها ومولاها، وعلم أنه لا يصيبها إلا ما كتب لها، وأن ما كتب لها لابد أن يصيبها، فلا معنى للخوف من غير الله بوجه
ثالثا : من قصص الصالحين مع اليقين:
اليقين بحفظ الله
قال سفيان الثّوريّ رحمه الله: «لو أنّ اليقين استقرّ في القلب كما ينبغي لطار فرحا وحزنا وشوقا إلى الجنّة، أو خوفا من النّار»).
اليقين الكامل بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
حينما انطلق رَسُولُ اللهِ e وَأَصْحَابُهُ، حَتَّى سَبَقُوا الْمُشْرِكِينَ إِلَى بَدْرٍ، وَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ e: لاَ يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَى شَيْءٍ حَتَّى أَكُونَ أَنَا دُونَهُ، فَدَنَا الْمُشْرِكُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ e: قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ، قَالَ: يَقُولُ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الأَنْصَارِيُّ: يَا رَسُولَ اللهِ، جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: بَخٍ. بَخٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ e: مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ. بَخٍ؟ قَالَ: لاَ وَاللهِ، يَا رَسُولَ اللهِ، إِلاَّ رَجَاءَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا، قَالَ: فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا، قَالَ: فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ، ثُمَّ قَالَ: « لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ، قَالَ: فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ التَّمْرِ، ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ، رَحِمَهُ اللَّهُ »]رواه مسلم
بين اليقين والتجربة
روى عن حَيْوَة بن شريح التجيبي، الفقيه، المحدث، الزاهد، وهو من رواة الحديث الثقات، كان يأخذ عطاءه في السنة ستين ديناراً، فلا يفارق ذلك المكان الذي أخذ فيه العطاء حتى يتصدق بها جميعاً، فكان إذا جاء إلى منزله وجد الستين ديناراً، تحت فراشة، فبلغ ذلك ابن عم له، فتصدق لعطائه جميعا أراد أن يفعل مثل حيوة، وجاء إلى تحت فراشه فلم يجد شيئاً! فذهب إلى حيوة وقال: أنا تصدقت بكل عطائي، ولم أجد تحت فراشي شيئاً، فقال له حيوة: أنا أعطيت ربي يقيناً، وأنت أعطيته تجربة. يعنى: أنت كنت تريد أن تجرب، وتختبر ربك، فتصدقت، لتنظر النتيجة، وأما أنا فأتصدق وأنا راسخ اليقين بما عند الله عز وجلّ من الجزاء والعوض. ( سير أعلام النبلاء 11/491 )
اليقين بنصر الله
لما أراد سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه أن يعبر دجلة إلى المدائن، وقطع الفُرْسُ عليه الجسر، وحازوا السفن؛ نظر سعد في جيشه، فلما اطمأن إلى حالهم، اقتحم الماء، فخاض الناس معه، وعبروا النهر فما غرق منهم أحد، ولا ذهب لهم متاع، فعامت بهم الخيل وسعد يقول:’ حسبنا الله ونعم الوكيل، والله لينصُرَّنَ الله وليَّه، وليُظْهِرَنَّ الله دينه، وليهزمن الله عدوه؛ إن لم يكن في الجيش بَغْيٌ أو ذنوب تغلب الحسنات”. ( تاريخ الطبري2/462. )
توكل مبن على اليقين
ولما نزل خالد بن الوليد رضى الله عنه الحيرة، فقيل له: احذر السم لا تسقك الأعاجم، فقال:’ ائتوني به، فأُتي به، فالتهمه، واستفه، وقال: بسم الله، فما ضره’. قال الذهبي رحمه الله:’ هذه والله الكرامة وهذه الشجاعة’. ( سير أعلام النبلاء1/376 )
اليقين بخبر الله وصدق رسوله صلى الله عليه وسلم
روي عن علي رضي الله عنه:”رأيت الجنة والنار حقيقة”. فقيل له: كيف رأيتها حقيقة؟ قال: “رأيتها بعينى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورؤيتي لها بعينه آثر عندي من رؤيتي لها بعيني؛ فإن بصري قد يطغى ويزيع بخلاف بصره صلى الله وعليه وسلم”.
فقوة اليقين، وصدق التصديق بموعود الله ورسوله، جعل سلف هذه الأمة يحلفون بالله على صدق موعود الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وتصديقاً بموعود الله ورسوله.
قصة الحسن وحبيب
أُعطيت لسيدنا الحسن البصري وحبيبه طعام العشاء، لكن حبيبًا أعطى كل الطعام لمسكين سائل لأنه سمع الإمام يقول: “الإيمان أن تكون فيما عند الله أوثق مما في يدك”.
اعترض الإمام الحسن قائلاً: “يا حبيب إنك رجل كثير اليقين قليل العلم”.
بينما هما في حديثهما، طرق الباب غلام ومعه طعام لذيذ، قائلاً إن سيده أرسله له.
تبسم الإمام وقال: “يا حبيب تقدمناك ولكنك سبقتنا”.
وتأمل حال هذا الأعرابي الذي سمع آيات بيّنات فتأثر بها،. فماذا صنع؟ قال الأصمعي: “أقبلت ذات مرة من مسجد البصرة إذ طلع أعرابي جلف جاف على قعود له متقلداً سيفه، وبيده قوسه، فَدَنا وسلّم، وقال: ممن الرجل؟ قلت: من بني أصمع. قال: أنت الأصمعي؟ قلت: نعم . قال: ومن أين أقبلت؟ قلت: من موضع يُتلى فيه كلام الرحمن. قال: وللرحمن كلام يتلوه الآدميون؟! قلت: نعم . قال: فَاتلُ عليّ منه شيئًا، فقرأت (وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا) إلى قوله: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) [الذاريات:22].
فقال الأعرابي: يا أصمعي هذا كلام الرحمن؟ قلت: إي والذي بعث محمداً بالحق إنه لكلامه، أنزله على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-. فقال لي: يا أصمعي حسبك. ثم قام إلى ناقته فنحرها، وقطعها بجلدها، وقال: أعنِّي على توزيعها، ففرقناها على من أقبل وأدبر، ثم عمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما، ووضعهما تحت الرحل، وولّى نحو البادية، وهو يقول: (وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) [الذاريات:22].
قال الأصمعيّ: فَمَقتُّ نفسي ولمتها، ثم حججت مع الرشيد، فبينما أنا أطوف إذا أنا بصوت رقيق، فالتفتُّ، فإذا أنا بالأعرابي وهو ناحل، فسلّم عليّ، وأخذ بيدي، وقال: اتلُ عليّ كلام الرحمن، وأجلسني من وراء المقام، فقرأت (وَالذَّارِيَاتِ) حتى وصلت إلى قوله تعالى: (وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) فقال الأعرابي: لقد وجدنا ما وعدنا الرحمن حقًّا. وقال: غير هذا؟ قلت: نعم؛ يقول الله -تبارك وتعالى-: (فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) [الذاريات: 23] فصاح الأعرابي، وقال:” يا سبحان الله! من الذي أغضب الجليل حتى حلف؟ ألم يصدقوه في قوله حتى ألجئوه إلى اليمين؟ فقالها ثلاثًا، وخرجت بها نفسه” [شعب الإيمان (2 / 481)].
فانظروا -رحمكم الله- ما بلغ بهذا الأعرابي من رسوخ في اليقين وعظيم في التصديق حيث أيقن أن مجرد إخبار الله أن رزق العباد وما يوعدون في السماء كاف دون أن يقسم على ذلك، فسبحان الله ما أكثر جزع الإنسان إن مسته الضراء وما أحرصه إن مسته السراء.
قال عبد اللَّه: حدثنا أبي، حدثنا بهز، حدثنا أبو هلال، حدثنا بكر بن عبد اللَّه قال: فقد الحواريون نبيهم صلى الله عليه وسلم فخرجوا يطلبونه، قال: فوجدوه يمشي على الماء، فقال بعضهم: يا نبي اللَّه، أنمشي إليك؟ قال: نعم، قال: فوضح رجله، ثم ذهب يضع الأخرى، فانغمس، فقال: هات يدك يا قصير الإيمان، لو أن لابن آدم مثقال حبة أو ذرة من اليقين إذا لمشى على الماء.
“الزهد” ص
وعن الحسن رحمه الله قال: قال لقمان عليه السلام لابنه: يا بني العمل لا يستطاع إلا باليقين، ومن يضعف يقينه يضعف عمله. [موسوعة ابن أبي الدنيا
من صفات أهل اليقين الكامل بأن الرزق ليس بيد أحد من البشر وأن هو بيد الله وحده لا شريك له ” وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والأرض أنه لحق مثل ما أنكم تنطقون” لذا تجدهم يتصدقون ولا يخشون الفقر.
أهل القرآن يؤمنون بالقرآن الكريم وهم صابرون قال تعالي : { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ } السجدة: 24 فهم يعملون بما جاء في القرآن الكريم وهم موقنون به نسأل الله عز وجل أن يرزقنا اليقين بالله عز وجل واليقين بما جاء في القرآن الكريم وسنة النبي صلي الله عليه وسلم .
من صفات أهل اليقين المتقين انهم يفكرون في ملكوت السموات والأرض وبما خلق الله عز وجل في هذا الكون ويرون عظمة الله في خلق السموات والأرض والجبال والبحار
وغير ذلك فيزيد لدى المسلم اليقين بالله عز وجل وعظمة قدرته سبحانه وتعالي
*أهل اليقين يوقنون أن النفع والضر بيد الله تعالي { وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } الانعام : 17 .
وفي الحديث ” وأعلم أن الأمة لو أجتمعت علي أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك و لو أجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ” رواه الترمذي وصححه الالباني .
*أيضاً أهل اليقين عندهم يقين بالقضاء والقدر فكلما أصابك نثق أنه من أقدار الله ولا يعترض على شيء من ذلك ” فمن رضي له الرضا ومن سخط فعليه السخط” .
*أهل التقوى يؤمنون بقلوبهم انهم سيحاسبون على أعمالهم إن خير فخير وأن شر فشر ولذلك هم يستعدون للموت والحساب نسأل أن يجعلنا من أهل التقوى واليقين.
سُئِل الحسن البصري – رحمه اللَّه – عن سر زهدِهِ في الدنيآ . .
فقال أربعة أشيآء :
عَلِمتُ أنْ رززققي لا يأخذه غيري فاطمئن قلبي . .
وَ عَلِمتُ أنْ عملي لا يقوم به غيري فشُغِلْتُ به وحدي . .
وَ عَلِمتُ أنْ اللَّه مطَّلِعٌ علَيَّ فاستحيت أن يراني علَىْ معصية . .
وَ علمت أن الموت ينتظرني فأعددت الزاد للقاء ربِّي
لا تخضعنْ لمخلوقٍ على طمعٍ
فإنَّ ذلك نقصٌ منك في الدين
لن يقدر العبدُ أن يعطيك خردلةً
إلاّ بإذن الذي سوَّاك من طينِ
فلا تصاحب غنيًا تستعزَّ به
وكُن عفيفًا وعظِّم حُرمة الدينِ
واسترزق الله ممّا في خزائنهِ
فإنّ رزقك بين الكاف والنونِ
واستغني بالله دنيا الملوك كما
استغنىَ الملوك بدنياهم عن الدين
اسمع معي إلى مالك بن دينار (رحمه الله): كان جالسًا يتناول طعامه وكان في الطعام لحم، فجاءت هرة (قطة) وخطفت قطعة لحم من أمامه وأطلقت لسيقانها الريح، والقط يعرف الحلال من الحرام أكثر من بني آدم، فالقط إذا جلس بجانبك وأعطيته بيدك قطعة من اللحم أكلها بجانبك وهو مطمئن؛ لأنه يعلم أنه مال حلال، أما إذا خطفها من أمامك ولَّى مدبرًا ولم يعقِّب؛ لأنه يعلم أنه كسب حرام فيخشى على نفسه.
فتبعها الإمام مالك بعينه، لمَ لم تأكلها؟ لعلها خافت؟ فرآها تضع قطعة اللحم أمام جحر عميق.. فقال: سبحان الله.. لمَ خطفتها؟ ولمَ لم تأكلها؟ ولم تركتها أمام هذا الجحر؟ وبينما هو ينظر على هذا الجحر وإذ به يجد ثعبانًا أعمى فاقد البصر فيخرج فيأكل قطعة اللحم.. ثعبان أعمى لا يقوى على السعي على رزقه، لكن اسمه مسجل في السجل الإلهي: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾، وقال تعالى: ﴿ وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا الله يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السميع العليم ﴾… القط بينه وبين الثعبان عداء شديد، لكن لما كانت المسالة مسالة رزق؛ سخر الله العدو لألد أعدائه، ونزع العداء من قلوبهما ليأكل الثعبان، والذي يحضر له الطعام هو عدوه القط. فإذا كان الله سخر القط للثعبان ليأكل.. الثعبان الذي يلدغ.. فكيف ننسى أن يرزق الله من يقول لا إله إلا الله..
الا وصلوا وسلموا على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصبحه وسلم ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) اللهم اعز الإسلام والمسلمين واذل الشرك والمشركين اللهم اغفر لنا ذنوبنا ولوالدينا وجميع المسلمين الأحياء منهم والأموات اللهم اتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين واقم الصلاة.
أسأل الله أن يرزقنا إيمانًا كاملاً ويقينًا صادقًا وأن يهدينا لصالح الأقوال والأعمال، وأن يرزقنا الإخلاص واليقين، وان ينصر المستضعفين في غزة اللهم اامين وبارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
جمع وترتيب ثروت سويف امام وخطيب