خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل

خطبة الجمعة القادمة : اليقِينُ د. مُحَمَّدٌ حِرْزٌ

خطبة الجمعة القادمة: اليقِينُ د. مُحَمَّدٌ حِرْزٌ بِتَارِيخِ 27 رَبِيعِ الْآخِرِ 1447 هـ، الْمُوَافِقِ 26 مِنْ سِبْتَمْبَرَ 2025 م.

خطبة الجمعة القادمة word : اليقِينُ د. مُحَمَّدٌ حِرْزٌ

خطبة الجمعة القادمة pdf : اليقِينُ د. مُحَمَّدٌ حِرْزٌ

الْحَمْدُ للهِ وليِّ الصالحينَ، وَمَوْلَى المُؤْمِنِينَ، زيَّنَ بِالْيَقِينِ قُلُوبَ الْعَابِدِينَ، وَرَتَّبَ عَلَيْهِ الثَّوَابَ الْجَزِيلَ، وَالنَّعِيمَ المُقِيمَ، وَأَشْهَدُ أَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسانِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ فالتَّقْوَى خَيرُ زَادٍ لِيَوْمِ المَعَادِ: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجِعُون فيه إلى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) البقرة : [281].
عِبَادَ اللهِ: « اليقِينُ » عُنْوَانُ وِزَارَتِنَا وَعُنْوَانُ خُطْبَتِنَا.
عناصر ُ اللقاءِ
❖ أَوَّلًا: اليَقِينُ رُوحُ القُلُوبِ .
❖ ثَانِيًا: صُورٌ مِّنَ اليَقِينِ بِاللَّهِ !!
❖ ثَالِثًا وَأَخِيرًا:: الْإلْحَادُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْإلْحَادُ؟
أَيُّهَا السَّادَةُ: مَا أَحْوَجَنَا فِي هَذِهِ الدَّقَائِقِ الْمَعْدُودَةِ إِلَى أَنْ يَكُونَ حَدِيثُنَا عَنْ اليَقِينِ وَخَاصَّةً وَالْكَثِيرَ مِنَ النَّاسِ إِلَّا مَا رَحِمَ اللَّهُ فَقَدْ الثِّقَةَ فِي وَعْدِ اللَّهِ وَوَعْدِ رَسُولِهِ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبَبِ كَثْرَةِ الْمِحَنِ وَالِابْتِلَاءَاتِ الَّتِي تَمُرُّ بِهَا الأُمَّةُ فِي هَذِهِ الأُيام ِوَرُبَّمَا وَقَعَ الْكَثِيرُ مِنْ شَبَابِنَا وَبَنَاتِنَا فِي الْإلْحَادِ لِهَذَا السَّبَبِ ظَناً مِنْهُمْ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلا تَخَلَّى عَنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ ، وَخَاصَّةً وَالْإلْحَادُ ظَاهِرَةٌ شِرْكِيَّةٌ تُدَمِّرُ الْأَخْضَرَ وَالْيَابِسَ وَتَهْلِكُ الْحَرْثَ وَالنَّسَلَ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، وَخَاصَّةً وَالْحَيَاةُ الدُّنْيَوِيَّةُ مَشُوبَةٌ بِالِابْتِلَاءَاتِ، مَلِيئَةٌ بِالْمُنَغِّصَاتِ، وَلَكِنَ أَمَامَ الْمُؤْمِنِ مَوْعُودَاتٌ سَمَاوِيَّةٌ عَاجِلَةٌ وَآجِلَةٌ، إِذَا كَمُلَ يَقِينُهَا بِهَا، هَانَتْ عَلَيْهِ أَحْزَانُهُ، وَخَفَّتْ مصَائِبُهُ، وَأَشْرَقَتْ حَيَاتُهُ، وَتَاقَتْ نَفْسُهُ إِلَى مَوْعُودِ اللَّهِ لِأَوْلِيَائِهِ، وَخَاصَّةً لَا يَتِمُّ صَلَاحُ الْعَبْدِ فِي الدَّارَيْنِ إِلَّا بِالْيَقِينِ وَالْعَافِيَةِ، فَالْيَقِينُ يَدْفَعُ عَنْهُ عُقُوبَاتِ الْآخِرَةِ، وَالْعَافِيَةُ تَدْفَعُ عَنْهُ أَمْرَاضَ الدُّنْيَا مِنْ قَلْبِهِ وَبَدَنِهِ”، وَخَاصَّةً وَنَحْنُ بِأَمَسِّ الْحَاجَةِ فِي هَذِهِ الْأَزْمَةِ أَنْ نَكُونَ عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِيَدِ اللَّهِ تَعَالَى،، فالمُوقِنُونَ بِرَبِّهِمْ أَشَدُّ النَّاسِ عِزَّةً وَإِبَاءً، وَرِفْعَةً وَسَنَاءً؛ لِيَقِينِهِمْ أَنَّ اللهَ وَحْدَهُ المُتَكَفِّلُ بِأَرْزَاقِهِمْ وَآَجَالِهِمْ، وَالمُدَبِّرُ لأَحْوَالِهِمْ وشُؤُونِهِمْ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الترمذي عن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَو اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَو اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَت الْأَقْلَامُ وَجَفَّت الصُّحُفُ». وَلِلَّهِ دَرُّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ:
وَلَرُبَّ نازِلَةٍ يَضيقُ لَها الفَتى****ذَرعاً وَعِندَ اللَهِ مِنها المَخرَجُ
ضاقَت فَلَمّا اِستَحكَمَت حَلَقاتُها***فُرِجَت وَكُنتُ أَظُنُّها لا تُفرَجُ
❖ أَوَّلًا: اليَقِينُ رُوحُ القُلُوبِ .
أَيُّهَا السَّادَةُ: الْيَقِينُ هُوَ سُكُونُ الْقَلْبِ وَطُمَأْنِينَةُ النَّفْسِ، وَانْشِرَاحُ الصَّدْرِ ،وَحَيَاةُ الْأَرْوَاحِ خَاصَّةً عِنْدَ الْمِحَنِ وَالْأَزَمَاتِ، وَالْفِتَنِ وَالْابْتِلاءَاتِ، وَالْيَقِينُ رُوحُ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ الَّتِي هِيَ رُوحُ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ، فَإِذَا وَصَلَ الْيَقِينُ إِلَى الْقَلْبِ امْتَلَأَ الْقَلْبُ نُورًا وَإِشْرَاقًا وَإِيمَانًا وَمَحَبَّةً لِلَّهِ، وَخَوْفًا مِنَ اللَّهِ، وَثِقَةً فِي اللَّهِ، وَشُكْرًا لِلَّهِ، وَرِضَا بِاللَّهِ، وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ، وَإِنَابَةً إِلَيْهِ. قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: “إِذَا امْتَلَأَ الْقَلْبُ بِالْيَقِينِ طَارَ شَوْقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَهُوَ يَأْمَنُ النَّارَ”. وَالْيَقِينُ قَرِينُ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ؛ لِأَنَّ التَّوَكُّلَ ثَمَرَةُ الْيَقِينِ، قَالَ جَلَّ وَعَلَا (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) النَّمْلُ: [79]. وَالْيَقِينُ أَعْلَى دَرَجَاتِ الْعِلْمِ وَأَثْبَتُهَا، وَهُوَ مَنْزِلَةٌ يَتَفَاضَلُ بِهَا الْعَابِدُونَ وَيَتَسَابِقُ إِلَيْهَا الْمُتَسَابِقُونَ، وَإِلَيْهَا شَمَّرَ الْعَامِلُونَ، قَالَ رَبُّ الْعَالَمِينَ سُبْحَانَ ((وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) [السَّجْدَةِ: 24]، وَخَصَّ اللَّهُ أَهْلَ الْيَقِينِ بِالِانتِفَاعِ بِالْآيَاتِ وَالْبَرَاهِينِ، فَقَالَ -وَهُوَ أَصْدَقُ الْقَائِلِينَ-: (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ) [الذَّارِيَاتِ: 24]. وَأَهْلُ الْيَقِينِ هُمْ أَهْلُ الْإِيمَانِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّانِ؛ قَالَ تَعَالَى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا) [الْحَجَرَاتِ: 15]، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْطَاهُ نَعْلَيْهِ وَقَالَ: “يَا أَبَا هُرَيْرَةَ: اُذْهَبْ بِنَعْلَيْ هَاتَيْنِ، فَمَنْ لَقِيتَ وَرَاءَ هَذَا الْحَائِطِ يَشْهَدُ: أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّـهِ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ فَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ”. وَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ عَنْ أَهْلِ النَّارِ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْيَقِينِ فَقَالَ(( وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ )) الْجَاثِيَةُ: 32 وَالْيَقِينُ أَرْقَى دَرَجَاتِ الْإِيمَانِ وَأَخَصُّ صِفَاتِ أَهْلِ التَّقْوَى وَالْإِحْسَانِ، قَالَ جَلَّ وَعَلَا: (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولَـٰئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). لقمان [4-5].وَالْيَقِينُ هوَ الاعْتِقَادُ الْجَازِمُ بِأَنَّهُ لا خَالِقَ وَلا مَعْبُودَ بِحَقٍّ إلا اللهُ تَعَالَى وأَنَّهُ وَحْدَهُ هُوَ الَّذِي يُعْطِي وَيَمْنَعُ، وَيَضُرُّ وَيَنْفَعُ، وَيَخْفِضُ وَيَرْفَعُ، وَالْيَقِينُ مِنَ الْإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرُّوحِ مِنَ الْجَسَدِ، يَقُولُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (‌الصَّبْرُ ‌نِصْفُ ‌الْإِيمَانِ، وَالْيَقِينُ الْإِيمَانُ كُلُّهُ) لذا مِنْ أعظم صِفَاتِ المُوقِنينَ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ: الصَّبرُ عَلَى الشَّدَائِدِ واحتِمَالُ المصَائِبِ فَأَعْظَمُ النَّاسِ صَبْرًا، أَكْثَرُهُمْ يَقِينًا، قَالَ تَعَالَى: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ) الروم: [60] وكانَ مِنْ دُعَاءِ النَّبِيِّ ﷺ: (اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحُولُ بِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصائب الدُّنْيَا..) أَخْرَجَهُ الترمذي فَإِذَا تَزَوَّجَ الصَّبْرُ بِالْيَقِينِ وُلِدَ بَيْنَهُمُ الْإِمَامَةُ فِي الدِّينِ: قال رَبُّ الْعَالَمِينَ سُبْحَانَ ((وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)، وَالْيَقِينُ هُوَ خَيْرُ مَا عُمِرَتْ بِهِ النُّفُوسُ، لذا قَالَ ﷺ: (سَلُوا اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يُعْطَ بَعْدَ الْيَقِينِ خَيْرًا مِنَ الْعَافِيَةِ) أخرجه الترمذي وقالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- فَاسْأَلُوهُ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ لَعَبْدٍ دَعَاهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ غَافِلٍ» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ، وَأَهْلُ الْيَقِينِ بِاللهِ عزَّ وجلَّ أَشَدُّ النَّاسِ إِنْفَاقًا في الْخَيْرَاتِ، وَمُسَارَعَةً فِي الصَّدَقَاتِ، وَبَذْلًا بِالمَعْرُوفِ؛ لمَا وَقَرَ في قُلُوبِهِمْ مِنَ الْيَقِينِ بِمَوْعُودِ رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ: (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) سبأ: [39] وَقَدْ دَخَلَ النبيُّ ﷺ عَلَى بلالٍ وَعِنْدَهُ صُبْرَةٌ مِنْ تَمْرٍ، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا بِلالُ؟! قال: شيءٌ ادَّخَرْتُهُ لِغَدٍ فَقَالَ: أَمَا تَخْشَى أن تَرَى له غَدًا بُخَارًا في نارِ جهنمَ يومَ القيامةِ؟ أَنْفِقْ بلالُ! ولا تَخْشَ من ذِي العرشِ إِقْلالًا) رواه الطبراني ،فمَا أَحْوَجَنَا يَاسَادَةً فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الْعَصِيبَةِ الَّتِي تَمُرُّ بِهَا الْأُمَّةُ وَمَا يَحْدُثُ لِأَهْلِنَا فِي غَزَّةَ أَنْ نَكُونَ عَلَى يَقِينٍ بِوَعْدِ اللَّهِ وَصِدْقِ رَسُولِهِ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبَعْدَ أَشَدَّ الْأَوْقَاتِ ظُلْمَةً يَطْلَعُ الْفَجْرُ، وَحِينَ تَشْتَدُّ الْكَرْبَاتِ يَقْتَرِبُ الْفَرَجُ وَحِينَ يَتَمَلَّكُ النُّفُوسُ الْيَأْسُ مِنْ شِدَّةِ الْعُسْرِ وَتَأَخُّرِ النَّصْرِ وَمُعَانِدَةِ الْمُكْذِبِينَ وَمُحَارَبَتِهِمْ يَمْنَ اللهُ بِالرَّوْحِ وَالتَّنْفِيسِ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالتَّمْكِينِ لَهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُم نَصْرُنَا فَنُجِي مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ يُوسُفَ وَكَمَا قَالَ عِزٌّ وَجَلٌّ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا الشَّرْحِ وَكَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ صَاحِبَ الثِّقَةِ باللهِ تَعَالَى لَا يَهْتَزُّ يَقِينُهُ وَلَا يَتَزَعْزَعُ إِيمَانُهُ حَتَّى وَإِنْ رَأَى تَكَالُبَ الْأُمَمِ وَاشْتِدَادَ الْخُطُوبِ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ للهِ تَعَالَى وَأَنَّ الْعَاقِبَةَ لِلَحَق وَأهْله وَأَنَّ الْمُسْتَقْبَل لِهَذَا الدِّين الْعَظِيم ((كَتَب الله لَأَغْلِبَنّ أَنَا وَرُسُلِيٌّ إِنَّ الله قَوِيّ عَزِيز)) الْمُجَادَلَة 21) يَا عِبَادَ اللَّـه، يَا أُمَّةُ الإِسْلَامِ لِمَاذَا الْيَأْسُ وَالْقُنُوطُ وَالْإِحْبَاطُ؟ لِمَاذَا فِقْدَانُ الْأَمَلِ وَالثِّقَةِ بِاللَّـهِ تَعَالَى واليقينِ في اللهِ؟ أَلَيْسَ اللَّـهُ تَعَالَى هُوَ الْقَائِلَ: ﴿لِلَّـهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ﴾؟ أَلَيْسَ اللَّـهُ تَعَالَى هُوَ الْقَائِلَ: ﴿أَلَيْسَ اللَّـهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾؟ أَلَيْسَ اللَّـهُ تَعَالَى هُوَ الْقَائِلَ: ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّـهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾؟أَلَيْسَ اللَّـهُ تَعَالَى هُوَ الْقَائِلَ: ﴿إِنَّ اللَّـهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٌ﴾؟أَلَيْسَ اللَّـهُ تَعَالَى هُوَ الْقَائِلَ: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّـهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّـهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾؟أَلَيْسَ اللَّـهُ تَعَالَى هُوَ الْقَائِلَ: ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَنَا﴾؟ أَمَا كَانَ خَرْقُ السَّفِينَةِ لِصَالِحِ أَهْلِهَا؟ أَمَا كَانَ قَتْلُ الْغُلاَمِ لِصَالِحِ أَبَوَيْهِ؟ أَمَا كَانَ بِنَاءُ الْجِدَارِ لِصَالِحِ الْيَتِيمَيْنِ؟ أَلَيْسَ اللَّـهُ تَعَالَى هُوَ الْقَائِلَ: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾؟أَلَيْسَ اللَّـهُ تَعَالَى هُوَ الْقَائِلَ: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُون * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِين﴾؟
يا صَاحِبَ الهَمِّ إنَّ الهَمَّ مُنفَرِجٌ *** أبـشِـرْ بِـخَـيرٍ فـإنَّ الـفـارِجَ اللهُ
إذا بُـليتَ فَـثِقْ بالله وارضَ به *** إنَّ الذي يَكشِفُ البَلوى هوَ اللهُ
ثَانِيًا: صُورٌ مِّنَ اليَقِينِ بِاللَّهِ !!
أَيُّهَا السَّادَةُ: لَقَد ضُرِبَ الأَنبِيَاءُ وَالمُرْسَلُونَ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ وَالصَّحَابَةُ الأَخْيَارُ أَروعَ الأَمْثِلَةِ عَلَى اليَقِينِ وَتَفْوِيضِ الأَمْرِ لِلَّهِ وَالتَّسْلِيمِ وَالانقِيَادِ لَهُ سُبْحَانَهُ: تَدَبَّرْ مَعِي يَقِينَ نَبِيّ اللّهِ نُوحَ الَّذِي قَامَ امْتِثَالًا لِأَمْرِ رَبِّهِ لِيَصْنَعَ سَفِينَةً عَلَى الرِّمَالِ: (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ * وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ) [هود: 37، 38]. أَيُّ عَقْلٍ لِهَذَا الرَّجُلِ؟! يَصْنَعُ سَفِينَةً عَلَى الرِّمَالِ، أَيْنَ الْمِيَاهُ؟! أَيْنَ الْبِحَارُ وَالْأَنْهَارُ وَالْمَحِيطَاتُ؟! إِنَّ الْمَاءَ بَعِيدٌ كُلَّ الْبُعْدِ عَنْ الْمَوْطِنِ الَّذِي يَصْنَعُ فِيهِ نُوحٌ السَّفِينَةَ، وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ مُمتَلِئُ الْقَلْبِ بِالْيَقِينِ لِأَمْرِ رَبِّهِ -تَبَارَكَ تَعَالَى-: (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ)، فَصَنَعَ نُوحٌ الْفُلْكَ فَكَانَ مَا تَعْلَمُونَ لَمَّا زَادَ الْبَلَاءُ وَاشْتَدَّ الْاضْطِهَادُ وَتَضَرَّعَ إِلَى اللّهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بِهَذَا الدُّعَاءِ الْحَارِّ: (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ) [القمر: 10]، فَكَانَتِ النَّتِيجَةُ: (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ) [القمر: 11-14) وهَـٰذَا نَبِيُّ اللَّـهِ إِبْرَاهِيمُ يُلْقَى فِي النَّارِ وَيَأْتِيهِ جِبْرِيلُ أَمِينٌ أَهْلُ السَّمَاءِ: يَا إِبْرَاهِيمُ: أَلَكَ حَاجَةٌ؟! انْظُرُوا إِلَى حَلَاوَةِ الْيَقِينِ، فَيَرُدُّ إِبْرَاهِيمُ وَيَقُولُ: حَسْبِيَ اللَّـهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَيَأْتِيْهِ الرَّدُّ مِنَ السَّمَاءِ يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ)) وَقَالَ كَعْبٌ الأَحْبَارِ : لَمْ يَنْتَفِعْ [ أَحَدٌ ] يَوْمَئِذٍ بِنَارٍ ، وَلَمْ تَحْرِقِ النَّارُ مِنْ إِبْرَاهِيمَ سِوَىٰ وَثَاقِهِ
وهَـٰذَا نَبِيُّ اللَّـهِ مُوسَىٰ عِنْدَمَا كَانَ فِرْعَوْنُ وَجُنْدُهُ مِنْ خَلْفِهِ وَالْبَحْرُ أَمَامَهُ وَالْمُسْتَضْعَفُونَ مَعَ نَبِيِّ اللَّـهِ مُوسَىٰ يَخْشَوْنَ مِنْ فِرْعَوْنَ وَبَطْشِه: (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ) أَيْ: جَمْعُ نَبِيِّ اللَّـهِ مُوسَىٰ وَجَمْعُ فِرْعَوْنَ: فَـلَمَّا تَـرَاءَى الْجَـمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) [الشِّعْرَاء: 61]. قَالَ صَاحِبُ الْيَقِينِ مُوسَى عليه السلام: (قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشِّعْرَاء: 62) وَهذا صَاحِبُ أَعْلَى يَقِينٍ عَرَفْتُهُ الْأَرْضُ، إِنَّهُ يَقِينُ الْحَبِيبِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 40]. إِنَّهُ يَقِينُ الْحَبِيبِ، فَالْمُشْرِكُونَ قَدْ أَحَاطُوا بِالْغَارِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، وَمَعَ ذَلِكَ يَقُولُ الصِّدِّيقُ لِحَبِيبِهِ: يَا رَسُولَ اللّهِ: لَوْ نَظَرَ أَحَدُهُمْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَرَآنَا. فَيَرُدُّ عَلَيْهِ الْمُصْطَفَى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقَلْبٍ ذَاقَ حَلاَوَةَ الْيَقِينِ، وَأَيُّ قَلْبٍ سَيَذُوقُ حَلاَوَةَ الْيَقِينِ إِنْ لَمْ يَذُقْهَا قَلْبُ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، فَيَرُدُّ النَّبِيُّ عَلَى الصِّدِّيقِ بِلُغَةِ الْيَقِينِ يَقُولُ: “لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا”.
أنَّهُ اليَقِينُ الَّذِي مَلَأَ قَلْبَ أُمِّ مُوسَى عليهِ السَّلامُ (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) [الْقَصَصِ: 7]. وتُلْقِي الأُمُّ رَضِيعَهَا الْمُبَارَكَ، وَيَتَهَادَى التَّابُوتُ حَتَّى يَقِفَ أَمَامَ قَصْرِ فِرْعَوْنَ.
إِلَـٰهِـي رَحْمَاكَ؛ إِنَّهُ هُوَ الَّذِي يَبْحَثُ عَنْهُ فِرْعَوْنَ؛ لَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي أَمَرَهَا أَنْ تُلْقِيَهُ، هُوَ وَحْدَهُ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يُحَمِيَهُ وَيَمْنَعَهُ، فَأَلْقَى اللَّهُ حُبَّ مُوسَى فِي قَلْبِ إِمْرَأَةِ فِرْعَوْنَ، فَلَمَّا نَظَرَتْ إِلَى وَجْهِهِ الْأَزْهَرِ الْأَنْوَرِ قَالَتْ: (وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) [القصص: 9].وَيُحَرِّمُ اللَّهُ الْمَرَاضِعَ كُلَّهَا عَلَى مُوسَى لِتَأْتِيَهُ أُمُّهُ لِتَرْضِعَهُ كَمَا وَعَدَهَا سُبْحَانَهُ، انْظُرِ الْآَنَ وَتَخَيَّلْ مَعِي أُمَّ مُوسَى تَجْلِسُ فِي قَصْرِ فِرْعَوْنَ لِتَضُمَّ مُوسَى بِرَحْمَةٍ وَحَنَانٍ لِتَرْضِعَهُ وَفِرْعَوْنُ يَجْلِسُ إِلَى جَوَارِهَا: أَرْضِعِيهِ، أَشْبِعِيهِ، أَكْرِمِيهِ.بِالْأَمْسِ كَانَتْ تَخْشَى عَلَى مُوسَى بِأَمْرِهِ، وَهِيَ الْيَوْمَ تَرْضَعُ مُوسَى فِي قَصْرِ فِرْعَوْنَ بِأَمْرِهِ. إِنَّهُ الْيَقِينُ مَا أَحْلاَهُ!
وَ هَذِهِ إِمْرَةٌ مِصْرِيَّةٌ وَ بِكُلِّ فَخْرٍ عَلَّمَتْ الدُّنْيَا الْيَقِينَ وَ الثِّقَةَ وَ التَّوَكُّلَ عَلَى اللَّهِ جَلَّ وَ عَلَا وَ يَقِينٌ هَاجِرُ الَّتِي قَالَتْ حِينَمَا تَرَكَهَا الْخَلِيلُ إِبْرَاهِيمُ – عَلَيْهِ السَّلَامُ – وَ رَضِيعُهَا بِصَحْرَاءِ مَكَّةَ: “إِذًا لَا يَضِيعَنَا اللَّهُ”، آللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ أَنْ تَتْرُكَنَا فِي هَذَا الْوَادِي؟! إِذًا لَا يَضِيعَنَا، وَ مَا ضَيَّعَهَا اللَّهُ – جَلَّ وَ عَلَا -، وَ تَرَكَهَا إِبْرَاهِيمُ وَ نَفَدَ التَّمْرَ وَ الْمَاءَ وَ رَاحَتِ الأُمُّ الْمِلْتَاعَةُ تَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ، لَعَلَّهَا تَجِدُ شَيْئًا مِنْ مَاءٍ أَوْ شَيْئًا مِنْ طَعَامٍ، لَكِنَّهَا لَا تَرَى إِلَّا جِبَالًا سَوْدَتْهَا حَرَارَةُ الشَّمْسِ، وَ لَا تَرَى إِلَّا رِمَالًا انْعَكِسَتْ عَلَيْهَا أَشِعَّةُ الشَّمْسِ فَكَادَتِ الْأَشِعَّةُ أَنْ تَسْرِقَ الْأَبْصَارَ، فَلَا تَرَى إِنْساً بَلْ وَلَا أُنْساً.. لَا تَرَى إِنْسِيّاً وَلَا جِنِيّاً.. لَا تَرَى شَيْئاً عَلَى الإِطْلَاق.. فَلَا تَرَى بَيْتاً.. وَلَا تَرَى شَيْئاً! وَلَكَ أَنْ تَتَصَوَّرَ هَذَا الْمَشْهَدَ الَّذِي يَكَادُ يَخْلَعُ الْقَلْبَ.، وَ فِي الشُّوطِ الْأَخِيرِ رَأَتِ الْمَلَكَ يَنْزِلُ وَ يَقِفُ بِجَوَارِ الرَّضِيعِ، رَأَتْ جِبْرِيلَ، وَ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ بِسَنَدٍ حَسَّنَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ: نَادَى عَلَيْهَا الْمَلَكُ: مَنْ أَنتِ؟! قَالَتْ: أَنَا أُمُّ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ، مَا نَسَبَتْ نَفْسَهَا أَبَدًا إِلَى إِبْرَاهِيمَ، لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ يَعْرِفُهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، فَقَالَ: وَ إِلَى مَنْ وَكَّلَكُمَا؟! قَالَتْ: إِلَى اللَّهِ. قَالَ: وَكَّلَكُمَا إِلَى كَافٍ – (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) -، وَ فَجَّرَ الْأَرْضَ وَ صَعِدَ وَ خَرَجَ مَاءُ زَمْزَمَ، وَ مَا زَالَ هَذَا الْمَاءُ يَرْوِي الْمُوَحِّدِينَ فِي مَكَّةَ وَ الْمَدِينَةِ إِلَى أَنْ يَرِثَ اللَّهُ الْأَرْضَ وَ مَنْ عَلَيْهَا بِبَرَكَةِ يَقِينِ هَاجِرَ أُسْتَاذَةِ الْيَقِينِ-عَلَيْهَا السَّلَامُ
ثُمَّ انْظُرْ إِلَى يَقِينِ الصَّحَابَةِ، وَهَذَا يَحْتَاجُ -وَرَبِّ الْكَعْبَةِ- إِلَى لِقَاءَاتٍ، انْظُرْ إِلَى صَاحِبِ أَعْلَى يَقِينٍ فِي الْأُمَّةِ كُلِّهَا بَعْدَ نَبِيِّهَا، إِنَّهُ يَقِينُ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، ذَٰلِكَ الْعِمْلَاقُ الَّذِي أَعْلَمَ الدُّنْيَا كُلَّهَا حَلَاوَةَ الْيَقِينِ، إِذْ قِيلَ لَهُ: يَقُولُ صَاحِبُكَ: إِنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْقُدْسِ إِلَى السَّمَاوَاتِ الْعُلَى، وَعَادَ فِي لَيْلَةٍ فَيَرُدُّ بِيَقِينٍ عَجِيبٍ: أَوْ قَدْ قَالَ ذَٰلِكَ؟! فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيَقُولُ: “إِنْ كَانَ قَدْ قَالَ ذَٰلِكَ فَقَدْ صَدَقَ)) يَا لَهُ مِنْ يَقِينٍ عَجِيبٍ!! وَهذا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الْحُدَيْبِيَةِ، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِلرَّسُولِ -صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَلَامًا شَدِيدًا ظَلَّ يَخْشَى عَاقِبَتَهُ حَتَّى لَقِيَ رَبَّهُ، يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّـهِ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ؟! أَلَسْتَ رَسُولَ اللَّـهِ حَقًّا؟! فَيَقُولُ: “بَلَى”، أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ؟! فَيَقُولُ: “بَلَى”، أَوْلَيْسُوا عَلَى الْبَاطِلِ؟! فَيَقُولُ: “بَلَى”، فَيَقُولُ عُمَرُ: فَلِمَ نُعْطِ الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا؟!وَفِي لَفْظٍ: أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ فَيَقُولُ: “بَلَى”، فَيَقُولُ رَسُولُ اللَّـهِ –صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “يَا عُمَرُ: إِنِّي لَرَسُولُ اللَّـهِ، وَإِنَّ اللَّـهَ لَنَاصِرِي”.فَيَغْضَبُ عُمَرُ مِن مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ وَيَتْرُكَ عُمَرَ الرَّسُولَ وَيَذْهَبُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ: يَا أَبَا بَكْرٍ: أَلَيْسَ رَسُولَ اللَّـهِ حَقًّا؟! فَيَقُولُ: بَلَى، أَوْلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ؟! فَيَقُولُ: “بَلَى”، أَوْلَيْسُوا عَلَى الْبَاطِلِ؟! فَيَقُولُ: بَلَى، فَيَقُولُ عُمَرُ: فَلِمَ نُعْطَى الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا؟! وَفِي لَفْظٍ: أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ؟! انْظُرْ إِلَى يَقِينِ الصِّدِّيقِ، فَيَقُولُ الصِّدِّيقُ لِعُمَرَ: الزِمْ غَرْزَهُ فَإِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّـهِ، وَإِنَّ اللَّـهَ لَنَاصِرِهِ. فَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ كَفَاهُ ، وَمَنْ فَوَّضَ إِلَيْهِ الأَمْرَ هَدَاهُ ، وَمَنْ سَأَلَهُ أَعْطَاهُ وَمَنْ وَثِقَ فِي اللّهِ نَجَّاهُ ، قَالَ تَعَالَى: ((أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ..)) [الزُّمَر:36]. وَمَنْ صَفَا مَعَ اللّهِ صَافَاهُ .. وَمَنْ أَوَى إِلَى اللّهِ أَوَاهُ .. وَمَنْ فَوَّضَ أَمْرَهُ إِلَى اللّهِ كَفَاهُ .. وَمَنْ بَاعَ نَفْسَهُ إِلَى اللّهِ اشْتَرَاهُ ، وَجَعَلَ ثَمَنَهُ جَنَّتَهُ وَرِضَاهُ.
وَاللَّهِ لَوْلاَ اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا***وَلاَ تصدقنا وَلاَ صَلَّيْنَا
فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا***وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا
إِنَّ الْأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا***وإِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَاسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ:::الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا حَمْدَ إِلَّا لَهُ وَبِسْمِ اللَّهِ وَلَا يُسْتَعَانُ إِلَّا بِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ …… وَبَعْ
❖ ثَالِثًا : الْإلْحَادُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْإلْحَادُ؟
أَيُّهَا السَّادَةُ: إِنَّ لِلْيَقِينِ فِي الْإِسْلَامِ مَكَانَةً كَبِيرَةً؛ فَهُوَ لُبُّ الدِّينِ، وَمَقْصُودُهُ الْأَعْظَمُ، وَيَزِيدُ الْعَبْدَ خُضُوعًا وَاسْتِكَانَةً لِمَوْلَاهُ، وَيُوقِنُ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ، وَمَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الْأَنَامِ يَقِينًا جَازِمًا لَا يُمَارِي فِي ثُبُوتِهِ، وَلَا يَشُكُّ فِي صِحَّتِهِ ،و إِنَّ مَمَّا يُضَادُّ اليَقِينَ وَيُناقِضُه: تَعَلُّقَ المَخلُوقِ بِغَيْرِ خَالِقِه، وَالتِّفَاتَ قَلْبِه إِلَيْهِ، وَتَطَلُّعَه إِلَى مَا فِي يَدَيْهِ، قَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: “حَرَامٌ عَلَى قَلْبٍ أَنْ يَشْتَمَّ رَائِحَةَ اليَقِينِ وَفِيهِ سُكُونٌ إِلَى غَيْرِ اللَّه”. وَمَنْ أَرْخَى سَمْعَهُ وَقَلْبَهُ إِلَى الأَبَاطِيلِ وَالشُّكُوكِ وَالشُّبُهَاتِ، وَقَعَ فِي الرَّدَى وَالْمهَلَكَاتِ! فَشَرُّ الأُمُورِ أَكْثَرُهَا شَكًّا وَرَيْبًا، وَخَيْرُهَا مَا أَسْفَرَ عَنْ اليَقِينِ، وَفِي التَّنْزِيلِ الْحَكِيمِ: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ)[الرُّومِ: 60(لَذَا انْتَشَرَ الْإِلْحَادُ بِصُورَةٍ مُخْزِيَةٍ وَانْتَشَرَتْ مَوَاقِعُ الْإِلْحَادِ عَلَى مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ لِلنَّيْلِ مِنْ شَبَابِنَا وَبَنَاتِنَا وَالزَّجِّ بِهِمْ فِي مَوَاقِعِ الشُّبَهَاتِ حَتَّى يَقَعَ فِي الشَّكِّ فِي وُجُودِ اللَّهِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ.
والعَلمُ باللَّهِ مَنْزِلَةٌ عَظيمةٌ، وأعلى دَرَجاتِ الإيمانِ: تَحقيقُ اليَقينِ باللَّهِ ورَسولِه ودِينِه، وَذَلكَ بِرُسوخِ العِلمِ في جَذْرِ القَلْبِ حتّى لا تُضْعِفَهُ شُبْهَةٌ ولا تُؤثِّرَ فيهِ فِتنَةٌ، وإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ مَصَابُ الدِّينِ، وَأَعْظَمَ الْمَصَائِبِ الرَّدَّةَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَأَعْظَمَ الْكُفْرَ الإِلْحَادُ، -نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ-، وَالإِلْحَادُ مَذْهَبٌ فِكْرِيٌّ، يُنْفِي وُجُودَ خَالِقِ الْكَوْنِ، وَالْمُلْحِدُ كَافِرٌ؛ مُنَكِرٌ لِلْدِّينِ، مُنَكِرٌ لِوُجُودِ الْإِلَٰهِ، قَالَ -تَعَالَى-: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا) [النِّسَاءِ: 137]. فَفِي عَصْرِنَا تَتَنَوَّعُ طُرُقُ الدَّعْوَةِ لِلْإِلْحَادِ بِشَكْلٍ مُبَاشِرٍ وَغَيْرِ مُبَاشِرٍ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا يُعْرَضُ فِي الْقَنَوَاتِ الْفَضَائِيَّةِ، وَالْمَوَاقِعِ الْإِلِكْتُرُونِيَّةِ، وَشَبَكَاتِ التَّوَاصُلِ الْاجْتِمَاعِيِّ؛ الْفَيْسُ، التُّوَيْتِرُ، انستقرَام..، أَلْعَابُ الْبَلِي سْتَيْشِن، وَالْكُتُبُ، وَالْصُّحُفُ، وَالْمَجَلَّاتُ وَغَيْرَهَا.
فَالحَذَرَ الحَذَرَ عِبَادَ اللهِ عَلَى أَنفُسِنَا وَشَبَابِنَا وَبَنَاتِنَا مِنَ الأِلْحَادِ الَّذِي انْتَشَرَ كَالنَّارِ فِي الْهَشِيمِ فَالمُلحِدُ لَا يُؤْمِنُ بِوُجُودِ اللهِ وَلَا يُؤْمِنُ بِوُجُودِ إِلَـٰهٍ وَهَذَا هَلاكٌ وَدَمَارٌ وَخِزْيٌ وَعَارٌ، فَالْكُونُ مَلِيءٌ بِالْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّـهِ، وَصِدْقِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ جَلَّ وَعَلاَ ((سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)) (فَصَلَتْ: 53) فَالْكُونُ كُلُّهُ خَلْقًا وَتَدْبِيرًا يَشْهَدُ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّـهِ .. قَالَ رَبُّنَا (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّـهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (الأَعْرَافُ: 54). فَهُوَ سُبْحَانَهُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ .. وَجَعَلَ اخْتِلافَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ .. وَنَوَّعَ أَصْنَافَ الْجُمَادِ وَالنَّبَاتِ وَالثُّمُرَاتِ .. وَخَلَقَ الْإِنْسَانَ وَالْحَيَوَانَ .. كُلُّ ذَٰلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخَالِقَ الْعَظِيمَ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ .. (ذَٰلِكُمُ اللَّـهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ) غَافِر/62 . وَتَنَوُّعُ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ وَعَظَمَتُهَا .. وَإِحْكَامُهَا وَإِتْقَانُهَا .. وَحِفْظُهَا وَتَدْبِيرُهَا كُلُّ ذَٰلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخَالِقَ وَاحِدٌ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ .. وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ .. (اللَّـهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) الزُّمَر/62 . فَالْآيَاتُ تَبِينُ أَنَّ لِهَذَا الْخَلْقِ خَالِقًا .. وَلِهَذَا الْمُلْكِ مَالِكًا .. وَوَرَاءَ الصُّورَةِ مُصَوِّرٌ .. (هُوَ اللَّـهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ) (الْحَشْرِ/24) . وَصَلَاحُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ .. وَانْتِظَامُ الْكَوْنِ .. وَانْسِجَامُ الْمَخْلُوقَاتِ مَعَ بَعْضِهَا .. يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخَالِقَ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ .. (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّـهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَانَ اللَّـهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّ يَصِفُونَ) الأَنْبِيَاء/22 . وَلَمَّا سُئِلَ الأَعْرَابِيُّ بِفِطْرَتِهِ السَّلِيمَةِ وَعَقْلِهِ السَّلِيمِ: مَا الدَّلِيلُ عَلَى وُجُودِ ٱللَّهِ؟ فَقَالَ: ٱلْأَثَرُ يَدُلُّ عَلَى ٱلْمَسِيرِ، وَٱلْبَعْرَةُ تَدُلُّ عَلَى ٱلْبَعِيرِ، فَسَمَاءٌ ذَاتُ أَبْرَاجٍ وَأَرْضٌ ذَاتُ فَجَّاجٍ وَبِحَارٌ ذَاتُ أَمْوَاجٍ أَلَا يَدُلُّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱلسَّمِيعِ ٱلْبَصِيرِ؟
وَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ ءَايَةٌ *** تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ ٱلْواحِدُ
وَسُألَ ٱلشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ ٱللَّهُ مَا الدَّلِيلُ عَلَى وُجُودِ ٱللَّهِ قَالَ: وَرَقَةُ ٱلتُّوتِ طَعْمُهَا وَاحِدٌ، لَكِنْ إِذَا أَكَلَهَا دُودُ ٱلْقُزِّ أَخْرَجَهَا حَرِيرًا، وَإِذَا أَكَلَهَا ٱلنَّحْلُ أَخْرَجَهَا عَسَلًا، وَإِذَا أَكَلَهَا ٱلظَّبِيُّ أَخْرَجَهَا مِسْكًا ذَا رَائِحَةٍ طَيِّبَةٍ.. فَمَنِ ٱلَّذِى وَحَّدَ ٱلْأَصْلَ وَعَدَّدَ ٱلْمَخَارِجَ؟! !!!
للهِ فِي الآفَاقِ آيَاتٌ لَعَلَّ *** أَقَلُّهَا هُوَ مَا إِلَيْهِ هَدَاكَا
ولَعَلَّ مَا فِي النَّفْسِ مِنْ آيَاتِهِ *** عَجَبٌ عَجَابٌ لَوْ تَرَى عَيْنَاكَا
وَالْكَوْنُ مُشْحُونٌ بِأَسْرَارٍ إِذَا *** حَاوَلْتَ تَفْسِيرًا لَهَا أَعْيَاكِا
حَفِظَ اللهُ مِصْرَ قِيَادَةً وَشَعْبًا مِن كَيْدِ الْكَائِدِينَ، وَحِقْدِ الْحَاقِدِينَ، وَمَكْرِ الْمَاكِرِينَ، وَاعْتِدَاءِ الْمُعْتَدِينَ، وَإِرْجَافِ الْمُرْجِفِينَ، وَخِيَانَةِ الْخَائِنِينَ.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى