خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل

خطبة الجمعة القادمة : الوطنُ ليس حفنةً منْ ترابٍ د. محمد حرز

خطبة الجمعة القادمة : الوطنُ ليس حفنةً منْ ترابٍ د. محمد حرز بتاريخ: 17 من ذي الحجة 1446هــ – 13 يونيو 2025م

خطبةُ الجمعةِ القادمةِ word : الوطنُ ليس حفنةً منْ ترابٍ د. محمد حرز

خطبةُ الجمعةِ القادمةِ pdf : الوطنُ ليس حفنةً منْ ترابٍ د. محمد حرز

الحَمْدُ للهِ الذِي مَنَّ عَلَينَا بِوَطَنٍ مِنْ خِيرَةِ الأَوطَانِ، وَنشَرَ عَلَينا فِيهِ مَظَلَّةَ الأَمَانِ و الاستِقْرَارِ، الحَمْدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ ﴿ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِين﴾ يوسف: 99، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وليُّ الصالحين، وَأشهد أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصفُيهُ مِن خلقهِ وخليلُهُ، القائلُ(عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ الله، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ الله) رواه الترمذي، فاللهمَّ صلِّ وسلمْ على مسكِ الختامِ، وخيرِ مَن صلَّى وصام، وتابَ وأنابَ، ووقفَ بالمشعرِ ،وطافَ بالبيتِ الحرامِ، ، وعلى آلهِ وصحبهِ الأعلامِ، مصابيحِ الظلامِ، خيرِ هذه الأمةِ على الدوامِ، وعلى التابعينَ لهم بإحسانٍ والتزام.
أمَّا بعدُ: فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوىَ العزيزِ الغفارِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران :102).
عبادَ اللهِ: ((الوطنُ ليس حفنةً منْ ترابٍ ))عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا.
عناصر اللقاء :
أولًا: الوَطَنُ وما أدراكَ ما الوطنُ ؟
ثانيًا: الفكرٌ المتطرفٌ يدمرٌ الأوطانَ.
ثالثــــًا وأخيرًا : حبُّ الوطنِ ليس كلامًا ..
أيُّها السادةُ :ما أحوجنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلي أنْ يكونَ حديثُنَا عن الوطنِ ليس حفنةً منْ ترابٍ ، وخاصةً ومِن أولَى الواجباتِ والحقوقِ في هذه الأيامِ: إدراكُ قيمةِ الوطنِ والشعورُ بمكانتهِ، خاصةً في ظلِّ الظروفِ والتحدياتِ التي تمرُّ بها منطقتُنَا العربيةُ وخاصةً مصرُ الغاليةُ، لذا يجبُ علينَا أنْ ننشرَ ثقافةَ الولاءِ والعطاءِ والفداءِ بينَ الشبابِ مِن خلالِ المناهجِ الدراسيةِ، والندواتِ والبرامجِ الإعلاميةِ، فالوطنُ هو السفينةُ التي يجبُ على الجميعِ الحفاظَ عليها حتى تنجُو وننجُوا معها. فإذا هلكتْ السفينةُ هلكَ الجميعُ وإذا نجتْ السفينةُ نجا الجميعُ, وخاصةً ووطنُنَا في حاجةٍ إلى سواعدِ الجميعِ في البناءِ والاستقرارِ والتنميةِ والتقدمِ والرقيِّ والازدهارِ كلُّ في مجالِهِ وتخصصهِ، وخاصةً وأنَّ مصرنَا الغاليةَ مستهدفةٌ مِن الداخلِ والخارجِ مِمَّن يريدونَ النيلَ منها ومِن أمنِهَا واستقرارِهَا؛ لتعمَّ الفوضَى والخرابُ والهلاكُ والدمارُ، ولا حولَ ولا قوةَ إِلّا باللهِ. وخاصةً والحديثُ عن الأوطانِ شيقٌ وممتعٌ وجميلٌ وسألُوا مَن تغربَ في بلادِ الغربةِ عن اشتياقهِ وحبهِ لوطنه .
أولًا: الوَطَنُ وما أدراكَ ما الوطنُ ؟
أيُّها السادةُ: بدايةً لن نملَّ مِن الحديثِ عن وطنِنَا؛ لأنّنا مِن غيرهِ لا قيمةَ ولا وزنَ لنَا، وحقُ الوطنِ والدفاعِ عنه دينٌ وإيمانٌ وإحسانٌ نقولُهَا بملءِ الأفواهِ، وكيف لا؟ وحبُّ الوطنِ مِن هدىِّ النبيِ العدنانِ ﷺ والنبيين الأخيارِ، والدفاعُ عن الوطنِ مطلبٌ شرعيٌ، وواجبٌ وطنيٌ، ومَسْؤولـيَّةٌ ووَفَاءٌ تقعُ على عاتقِ الجميعِ، والموتُ في سبيلِه عِزةٌ وكرامةٌ وشهامةٌ وشجاعةٌ ورجولةٌ وشهادةْ. وكيف لا؟ الوطنُ وما أدراكَ ما الوطنُ؟ الوطنُ عطرٌ يفوحُ شذَاهُ وعبيرٌ يسمُو في علاه، الوطنُ وما أدراكَ ما الوطنُ؟ الوطنُ نِعْمَةٌ عظيمةٌ ومنةٌ كبيرةٌ مِنْ نعمِ اللهِ العَظِيمَةِ الَّتِي لا تُقَدَّرُ بِثَمَنٍ وَلا تُسَاوَمُ بِالأَمْوَالِ وَالأَرْوَاحِ، بَلْ تُبْـذَلُ الأَمْوَالُ لأَجْـلِهَا وَتُرْخَصُ الأَرْوَاحُ فِي سَبِيلِ وَحْدَتِهَا وَالدِّفَاعِ عَنْهَا. الوطنُ وما أدراكَ ما الوطنُ؟ الوَطَنُ كَلِمَةٌ صَغِيرَةٌ فِي مَبْـنَاهَا، عَظِيمَةٌ فِي مَعْـنَاهَا، كَلِمَةٌ مَا إِنْ تُذْكَرُ حَتَّى تَتَحَرَّكَ لَهَا المَشَاعِرُ وَتَتَفَاعَلَ مَعَهَا الأَحَاسِيسُ، الوطنُ وما أدراكَ ما الوطنُ؟ الوَطَنُ أغلَى ما يملكُ المرءُ بعدَ دينِه، وما مِن إنسانٍ إلَّا ويعتزُّ بوطنِه؛ لأنَّهُ نشأَ فيه وترعرعَ وتربَّى وشبَّ على أرضهِ وعاشَ حياتَهُ وذكرياتهِ بحلوِهَا ومرِّهَا، الوطنُ وما أدراكَ ما الوطنُ؟ الوَطَنُ موطنُ الآباءِ والأجدادِ، ومأوَى الأبناءِ والأحفادِ، وهو مسقطُ الرأسِ، ومستقرُ الحياةِ، ومِن أجلِهِ نُضحِّي بكلِّ غالٍ ونفيسٍ، وسلُوا مَن تغربَ في بلادِ الغربةِ عن اشتياقِه وحبِّه لوطنِه وكيف أنَّ الوطنَ حياةٌ ما بعدَهَا حياة، والمحافظةُ على الوطنِ من الكلياتِ الستِ التي أمرنَا الإسلامُ بالمحافظةِ عليها. الوطنُ وما أدراكَ ما الوطنُ؟ الوطنُ هو الأمنُ الأمانُ والاستقرارُ والطمأنينة، وهو رمزُ الكرامةِ والعزةِ وهو الكيانّ لكلِّ إنسانٍ، وهو الحضنُ الدافئُ الذي نلجأُ إليهِ في أيِّ وقتٍ وحينٍ، لذا حثَّنَا الدينُ على حبِّ الوطنِ والدفاعِ عنهُ ضدَّ الأعداءِ، حيث ضرب لنا أروع الأمثلة في حبه لوطنه ودفاعه عنه مكة المكرمةـ زادَها اللهُ تكريمًا وتشريفًا إلى يومِ الدينِ مودعًا إياها وهي وطنُه الذي أُخرجَ منه، بكلماتٍ تُؤلمُ القلبَ وتُبكي العينَ بدل الدموعِ دمًا، بكلماتٍ كلّهَا حنينٌ ومحبةٌ وألمٌ وحسرةٌ على الفراقِ، بكلماتٍ كلّهَا انتماءٌ وتضحيةٌ ووفاءٌ فقد روي عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ -رضي اللهُ عنهما- أنَّهُ قال: قال رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلم- لمكة: َ“ما أطيبكِ من بلدٍ، وأحبَّكِ إليَّ، ولولا أنّ قومي أخرجونِي منكِ ما سكنتُ غيركِ وفي رواية((وَاللهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللهِ إِلَى اللهِ –عَزَّ وَجَلَّ-، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ))رواه الترمذي وتعلنُ السماءُ حالةَ الطوارئِ ليهبطَ أمينُ السماءِ جبريلُ عليهِ السلامُ بقرآنٍ يُتلى إلى يومِ الدينِ ليجففَ للبنيِّ العدنانِ صلَّى اللهُ عليه وسلم دموعَهُ، وليخففَ عنهُ آلامَهُ فقال جلَّ وعلا: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ))القصص: 85)، أي وبحقِّ القرآنِ ليأتي اليومُ ويردُك اللهُ إلى وطنِك وإلى مكةَ التي أخرجوكَ منها فاتحًا منتصرًا. فحبُّ الوطنِ والأرض والدفاعُ عنهما دينٌ وإيمانٌ وإحسانٌ وكيفَ لا؟ وحبُّ الوطنِ مِن هدى النبيِّ العدنانِ صلَّى اللهُ عليه وسلم والنبيين الأخيارِ، والدفاعُ عن الوطنِ مطلبٌ شرعيٌّ، وواجبٌ وطنيٌّ، ومَسْؤولـيَّةٌ ووَفَاءٌ تقعُ على عاتقِ الجميعِ ،والموتُ في سبيلِه عِزةٌ وكرامةٌ وشهامةٌ وشجاعةٌ ورجولةٌ وشهادةْ فعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلى الله عَلَيه وسَلم يَقُولُ: مَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دَونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دَونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دَونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ(( وكيف لا؟ فالأمنُ والأمانُ مِن أجلِّ النعمِ التي أنعمَ اللهُ بها علينا خاصة في مصرنا الغالية وانظروا إلى البلاد من حولنا؛ لقولِ النبيِ صلَّى اللهُ عليه وسلم كما في حديثِ أبي الدرداءِ رضى اللهُ عنه قال: قال رسولُ الله:” مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بحذافيرها” رواه البخاري في الأدب المفرد والترمذي في السنن. فما بَالكُم إذا كانَ الوطنُ هو مصرُ الغاليةُ صَخرةُ الإسلامِ العاتية. مصرُ التي نحبُّهَا ونعشقُهَا، مصرُ التي ذَكَرهاَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- في القرآنِ مِرارًا وتكرارًا قالَ ربُّنا: ﴿ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِين﴾) يوسف: 99) مصرُ التي قال عنها نبيُّنا العدنانُ صلَّى اللهُ عليه وسلم: “إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ، وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا؛ فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا” رواه مسلم. وعن أبي ذرٍ عَن النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «سَتَفْتَحُونَ أَرْضًا يُذْكَرُ فِيهَا القِيرَاطُ فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا، فَإِنَّ لَهُم ذِمَّةً وَرَحِمًا». أَخْرَجَهُ الطبرانيُّ والحَاكِمُ. وعن كَعْبِ بنِ مَالِك يَرْفَعُهُ: «إِذَا فُتِحَت مِصْرُ فَاسْتَوْصُوا بِالقِبْطِ خَيْرًا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا». مصرُ التي طلبَ يوسفُ عليه السلامُ أنْ يكونَ على خزائِنِهًا فهي خزائنُ الأرضِ بشهادةِ العزيزِ الغفارِ )قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ))يوسف5(( مصرُ التي افتخَر فرعونُ بأنه يملكُها دونً غيرِها، فقال كما حكى اللهُ -جلَّ وعلا- عنه: (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ)؟!مصرُ قال عنها سيدنُا عمرو بن العاص رضى الله عنه وأرضاه ولايةَ مصر جامعةً تعدلُ الخلافةَ، يعني: ولايةُ كلِّ بلادِ الإسلامِ في كفةٍ، وولايةُ مصرَ في كفةٍ، وقال الجاحظُ: إنّ أهلَ مصرَ يستغنون بما فيها من خيراتٍ عن كلِّ بلدٍ، حتى لو ضُرِبَ بينها وبين بلادِ الدنيا بسورٍ ما ضرَّها. اللهُ أكبر…. فمصرُ هي أمُّ البلادِ، وهي موطنُ المجاهدين والعُبادِ، قهرتْ قاهرتُها الأممَ، ووصلتْ بركاتُها إلى العربِ والعجمِ سكنَها الأنبياءُ والصحابةُ والعلماءُ.
مصرُ الكنانةُ ما هانتْ على أحدٍ*** اللهُ يحرسُها عطفًا ويرعَاها
ندعوكَ يا رب أن تحمى مرابعَها *** فالشمسُ عينٌ لها والليلُ نجواهَا
مَن شاهَدَ الأرْضَ وأَقْطَارَها *** والنَّاسَ أنـواعًا وأجناسًا
ولا رأى مِصْـرَ ولا أهلها *** فما رأى الدنيا ولا الناسَ
ثانيًا: الفكرٌ المتطرفٌ يدمرٌ الأوطانَ.
أيُّها السادةُ: الإنسانُ هو الكائنُ الوحيدُ الذي يطمحُ بشغَفٍ إلى الأمنِ والسلامِ، والسعادةِ والرفاهيةِ، ويسعى بقوةٍ إلى الثروةِ والسُّلطةِ، وأهمُّ من ذلك، حرصُه على الحياةِ التي ترتبطه بكلِّ هذه المعاني. بيدَ أن في داخل هذا الإنسان طاقاتٍ عُدوانيةً تدفعه إلى استخدامِ القوةِ في إيذاءِ الآخرين، كشأن الكائناتِ الأخرى. ولعلَّ هذا مما يُفضي إلى النزاعِ والصِّراعِ بين البشرِ، وهذا هو الفكرُ المتطرفُ عبادَ اللهِ وكيف لا؟ وشخصيةُ المتطرفِ الإرهابي وعَلاقُته بالدِّينِ تجعلُه يرى نفسَه أكثرَ فهمًا، وأنضجَ عقلًا، وأكثرَ وعيًا؛ بل إنه يمثل مشروعًا دينيًّا متكاملًا، ويرى أن الآخرين قد استهوتهم الشياطين، وهم في طريقِهم إلى الجحيمِ، ولذا يمكن أن يضحِّيَ بحياتِه في محاربةِ هؤلاءِ الكفَرةِ في زعمه! موقنًا أنه ذاهبٌ إلى جنَّات النعيمِ؛ لأنه يعملُ في سبيلِ إرضاء ِ ربِّ العالمين. ولا شكَّ إن هذا الإرهابي يعيشُ أزمةَ وعيٍ وفكرٍ، تجعلُه إنسانًا غيرَ سوي، يعيشُ في عالمٍ خاص، بعيدًا عن واقعِه، منغلقًا على نفسِه، لا يؤمنُ بالقِيَمِ القائمةِ على الحريةِ، والتعايشِ، والمساواةِ، والحقوقِ. وكيف لا؟ مواجهةُ والفكرِ المتطرفِ مطلبٌ شرعيٌّ، وواجبٌ وطنيٌّ، وعملٌ إنسانيٌّ، وَمَسْؤُولِيَّةٌ مُجْتَمَعِيَّةٌ ،ومقصدٌ مِن مقاصدِ الشريعةِ الإسلاميةِ، الكلُّ مطالبٌ بمحاربتِهِ والتصديِ لهُ ، والكلُّ محاسبٌ عنه بين يدي اللهِ لمَن فرطَ وأهملَ في مواجهتِهِ أو استباحِهِ بجميعِ صورِهِ وأشكالِهِ ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ وكيف لا؟ والفكرُ المتطرفُ داءٌ اجتماعيٌّ خطيرٌ ، ووباءٌ خُلقيٌّ كبيرٌ ما فشا في أمةٍ إلا كان نذيرًا لهلاكِهَا، و ما دبَّ في أسرةٍ إلا كان سببًا لفنائِهَا ، فهو مصدرٌ لكلِّ عداءٍ وينبوعُ كلِّ شرٍ وتعاسةٍ، والفكرُ المتطرفُ آفةٌ من آفاتِ الإنسانِ، مدخلٌ كبيرٌ للشيطانِ ،مدمرٌ للقلبِ والأركانِ ،يفرقُ بين الأحبةِ والإخوةِ، يحرمُ صاحبهُ: الأمنَ والأمانَ ،ويدخلُه النيرانَ ،ويبعدُه عن الجنانِ، فالبعدُ عنه خيرٌ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ.
والفكرُ المتطرفُ ظاهرةٌ سلبيةٌ مدمرةٌ للأفرادِ والدولِ ويُعَدُّ طمعُ النفسِ وغيابُ الوعيِ وضعفُ الوازعِ الدينيِّ، وعدمُ مراقبةِ المولىَ جلّ وعلا من أهمِّ أسبابِ والفكرُ المتطرفُ ، والفكرُ المتطرفُ داءٌ يقتلُ الطموحَ، ويدمرُ قيمَ المجتمعِ ، ويعَدّ خطرًا مباشرًا على الوطنِ، ويقفُ عقبةّ في سبل البناءِ والتنميةِ ، يبددُ المواردَ ، ويهدرُ الطاقاتِ .لذا وجبَ علينا أن نحذر شبابَنا من هذا الفكرِ المنحرفِ ونبينّ لهم جقوقَ الوطنِ علينا ولما لا؟ وحقوقُ الوطنِ علينَا كثيرةٌ وعديدةٌ لا يتسعُ الوقتُ لذكرِها، منها على سبيلِ المثالِ لا الحصرِ وهذا مِن أهمِّ الحقوقِ خاصةً في عصرِ السوشيال ميديَا والفِيس بُوك وغيرهِ: ذكرُ الوطنِ بالخيرِ دائمًا ونشرُ الإيجابياتِ الموجودةِ فيهِ والتغاضِي عن المساوئِ وعدمِ نشرِهَا والدعاءُ لهُ بالرخاءِ والازدهارِ وزرعُ الحبِّ في نفوسِ الأطفالِ منذُ النشأةِ الأُولَى، والحثُّ على الدفاعِ عن الوطنِ ونشرُ قيمةِ هذا العملِ والتأكيدُ على أنَّهُ أمرٌ مقدسٌ.. فإنَّ الوطنَ هو مرآةٌ للفردِ وعندما ينهضُ الوطنُ ينعكسُ ذلك على المواطنِ. …أمَّا الإساءةُ إلى الوطنِ على مواقعِ التواصلِ وعلى الفضائياتِ للنيلِ منهُ فهذه خيانةٌ بشعةٌ وجريمةٌ نكراءُ وخزيٌ وعارٌ وهلاكٌ ودمارٌ دينُنَا منها براءٌ، ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ. فمن الحقوقِ يا سادةٌ :المحافظةُ على أمنِهِ واستقرارِهِ وعدم الاستماعِ إلى الدعواتِ المغرضةِ مِن هُنا وهناك للنيلِ مِن دولتِنَا واستقرارِهَا وأمنِهَا، فالأمنُ في الأوطانِ مطلبٌ لكُلِّ مَن يريدُه ويطلبُه، ومَن يسعى لزعزعةِ الأمنِ إنما يريدُ الإفسادَ في الأرضِ، وأنْ تعمَّ الفوضَى والشرُ بينَ عبادِ اللهٍ، فزعزعةُ أمنِ الأمّةِ وترويعُ الآمنينَ جريمةٌ نكراءُ فيها إعانةُ لأعداءِ الإسلامِ على المسلمين، ومن أعظمِ حقوقِ الوطنِ : المشاركةُ بإخلاصٍ في بنائِه وذلك بإتقانِ العملِ والحرصِ على جودةِ الإنتاجِ فهو سببٌ لتقدمِ الأممِ فكمْ مِن أممٍ تقدمتْ بسببِ اتقانِهَا للعملِ , وكمْ مِن أممٍ تأخرتْ بسببِ عدمِ إتقانِهَا للعملِ لذا قالَ رسولُ اللهِ ﷺ كما في حديثِ عائشةَ أمِّ المؤمنين:((إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ) رواه البيهقي. ومن أعظمِ حقوقِ الوطنِ علينَا: المرابطةُ على الثغورِ وحفظُ أمنِ الأوطانِ، فهذا سببُ الفلاحِ والنجاحِ، قال اللهُ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ آل عمران: 200.فجنودُنَا البواسلُ الذين يسهرونَ ليلَهُم ويكابدُون نهارَهم، أجرُهُم عظيمٌ وثوابُهُم جليلٌ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: “‌رِبَاطُ ‌يَوْمٍ ‌وَلَيْلَةٍ ‌خَيْرٌ ‌مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَأَمِنَ الْفَتَّانَ))، وفي الصحيحين عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: «‌رِبَاطُ ‌يَوْمٍ ‌فِي ‌سَبِيلِ ‌اللَّهِ ‌خَيْرٌ ‌مِنَ ‌الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا العَبْدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ الغَدْوَةُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا(. ومِن حقِّ الوطنِ علينَا أيُّها الأخيارُ: عدمُ التعدِّي على الأموالِ والممتلكاتِ الخاصّةِ والعامّةِ وعدمُ تخريبِ وتدميرِ المنشآتِ العامةِ: فإنَّ مَن يقومُ بذلك الاعتداءِ كان مِن المفسدين الهالكين، ياربِّ سلمْ قالَ جلَّ وعلا:﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ المائدة: 33. ومِن حقِّ الوطنِ علينَا أيُّها الأخيارُ: العملُ على التنميةِ الشاملةِ في جميعِ نواحِي الحياةِ، فالمجتمعاتُ الناجحةُ تقاسُ قوتُهَا بمدَى تحقيقِ التنميةِ الشاملةِ فيها سواءٌ التنميةُ الاقتصاديةُ والاجتماعيةُ والتعليميةُ والإيمانيةُ والروحيةُ ، فالركودُ والتضخمُ والكسادُ والبطالةُ والفقرُ والجهلُ والمعاصي أمراضُ شيخوخةٍ تؤدِّي إلى انتشارِ الفسادِ في أركانهِ, وانطفاءِ الأملِ بينَ شبابهِ، ومِن ثَمَّ تكثرُ الانحرافاتُ واليأسُ والانتحارُ والإحباطُ في المجتمعاتِ، وهذا يتنافَى مع ما جاءَ بهِ الإسلامُ. ومِن حقوقِ الوطنِ علينا المساهمةُ في التفوقِ العلميِّ: فالتفوقُ العلميُّ سببٌ لتقدمِ الأممِ والشعوبِ فلا سعادةَ ولا فلاحَ ولا تقدمَ ولا رقيَّ إلَّا بالعلمِ، فبالعلمِ تُبنَى الأمجادُ، وتُشَيَّدُ الحضاراتُ، وتَسُودُ الشعوبُ، وتقلُّ الأمراضُ والأوبئةُ، فالعلمُ هوَ الركيزةُ العظمَى لأيِّ نهضةٍ في ماضِي التاريخِ وحاضرِهِ، وحيثُ كانتْ النهضةُ كانَ التعليمُ، وحيثُ كانَ التعليمُ كانتْ النهضةُ، فكم مِن أممٍ نهضتْ بسببِ تعليمِهَا، وكمْ مِن أممٍ تقدمتْ بسببِ تعليمِهَا، وكمْ مِن أممٍ تفوقتْ بسببِ تعليمِهَا، وكم مِن أممٍ تأخرتْ بسببِ جهلِهَا، وكم مِن أممٍ سادَ فيها الظلامُ والأمراضُ والأوبئةُ بسببِ جهلِهَا ولا حولَ ولا قوةَ إلَّا باللهِ. ومِن أعظمِ حقوقِ الوطنِ: الوفاءُ للوطنِ بكلِ ما تحملِه الكلمةُ مِن معنى(( هَلْ جَزَآءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَان) الرحمن:60، قالَ الأصمعي: إذا أردتَ أنْ تعرفَ وفاءَ الرجلِ ووفاءَ عهدِهِ، فانظرْ إلى حنينهِ إلى أوطانِهِ، وتشوُّقِهِ إلى إخوانِهِ، وبكائِهِ على ما مضَى مِن زمانِهِ. اللهَ اللهَ في حبِّ الأوطانِ. و شتانَ شتانَ بينَ الشهادةِ مِن أجلِ الحقِّ والموتِ مِن أجلِ الباطلِ، شتانَ شتانَ بينَ مَن أخلصَ لدينهِ ووطنهِ وضحَّى بالغالِي والنفيسِ وبينَ مَن باعَ وطنَهُ بالغالِي والرخيصِ.
بِلاَدِي هَوَاهَا فِي لِسَانِي وَفِي دَمِي ***يُمَجِّدُهَا قَلْبِي وَيَدْعُو لَهَا فَمِي
أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لِي ولكُم
الخطبةُ الثانية الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلَّا لهُ وبسمِ اللهِ ولا يستعانُ إلَّا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ……………وبعد
ثالثــــًا وأخيرًا : حبُّ الوطنِ ليس كلامًا ..
أيُّها السادةُ: أكررُهَا دائمًا وأبدًا حبُّ الوطنِ والتضحيةُ في سبيلهِ ليستْ مجردَ كلماتٍ تُقالُ أو شعاراتٍ تُرفعُ، إنما هو سلوكٌ وتضحياتٌ وحقوقٌ تُؤدَى، الجنديٌّ بثباتِه وصبرِه وفدائِه وتضحيتِه، والشرطيُّ بسهرِه على أمنِ وطنِه، والفلاحُ والعاملُ والصانعُ بإتقانِ كلّ منهم لعملِه، والطبيبُ والمعلم ُوالمهندسُ بما يقدمُ كلُّ منهم في خدمةِ وطنِهِ، وهكذا في سائرِ الأعمالِ والمهنِ والصناعاتِ يجبُ على كُلٍّ منَّا أنْ يقدمَ ما يثبتُ بهِ أنَّ حبَّهُ للوطنِ ولاءٌ وعطاءٌ وانتماءٌ ليسَ مجردَ كلامٍ أو أماني أو أحلام
وحبُّ الوطنِ والتضحيةُ في سبيلهِ تظهرُ في احترامِ أنظمتِهِ وقوانينِهِ، وفي التشبثِ بكلِّ ما يؤدِّي إلى وحدتهِ وقوتهِ، حبُّ الوطنِ يظهرُ في المحافظةِ على منشآتهِ ومنجزاتهِ، وفي الاهتمامِ بنظافتهِ وجمالهِ، حبُّ الوطنِ يظهرُ في دعمِ منتجاتهِ الصناعيةِ والزراعيةِ والتجاريةِ حبُّ الوطنِ يظهرُ في إخلاصِ العاملِ في مصنعهِ، والموظفِ في إدارتهِ، والمعلمِ في مدرستهِ،حبُّ الوطنِ يظهرُ في المحافظةِ على أموالهِ وثرواتهِ، حبُّ الوطنِ يظهرُ في المحافظةِ على أمنهِ واستقرارهِ والدفاعِ عنه، حبُّ الوطنِ يظهرُ بنشرِ القيمِ والأخلاقِ الفاضلةِ ونشرِ روحِ التسامحِ والمحبةِ والأخوةِ بين الجميعِ، وأنْ نحققَ مبدأَ الأخوةِ الإيمانيةِ في نفوسِنا، وأنْ ننبذَ أسبابِ الفرقةِ والخلافِ والتمزقِ، وأنْ نقيمَ شرعَ اللهِ في واقعِ حياتِنا وسلوكِنا ومعاملاتِنا، ففيه الضمانُ لحياةٍ سعيدةٍ وآخرةٍ طيبةٍ؛ وصدق النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ يقولُ كما في صحيحِ مسلمٍ من حديث النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)) فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ–، وَكُونُوا لِوَطَنِكُمْ هَذَا خَيْرَ بُنَاةٍ، وَلِمُقَوِّمَاتِهِ وَأُسُسِهِ حُمَاةً، رَاعُوا نُظُمَهُ وَقِيَمَهُ، وَأَوْفُوا بِجَمِيعِ حُقُوقِهِ. وقِفُوا صَفًّا واحِدًا فِي وَجْهِ كُلِّ مُرْجِفٍ، وَتَنَبَّهُوا لِسَعْيِ كُلِّ مُفْسِدٍ، اغْرِسُوا فِي أَبنَائِكُمْ حُبَّ الوَطَنِ وَالاعتِزَازَ بِإِنْجَازَاتِهِ الحَاضِرَةِ وَمَجْدِهِ التَّلِيدِ، حَتَّى يُحَقِّقُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَعْنَى المُوَاطَنَةِ الصَّالِحَةِ، فَهُمْ أَمَلُ الوَطَنِ وَبُنَاةُ الغَدِ.
فاللهَ اللهَ في الأوطانِ، اللهَ اللهَ في مصرَ وأهلِهَا، اللهَ اللهَ في قواتِنَا المسلحةِ وشرطتِنَا الساهرةِ على حمايةِ أوطانِنَا، اللهَ اللهَ في كلِّ غيورٍ محبٍّ لوطنهِ، اللهَ اللهَ في التضحيةِ مِن أجلِ الأوطانِ، اللهَ اللهَ في المحافظةِ على مصرِنَا، اللهَ اللهَ على كلِّ مواطنٍ يعملُ لرفعةِ وطنهِ. حفظَ اللهُ مصرَ قيادة وشعبا من كيدِ الكائدين، وشرِّ الفاسدين وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين. كتبه العبدُ الفقيرُ إلى عفو ربِّه
د/ مُحمد حرز
إمامٌ بوزارة الأوقافِ

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى