خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل

خطبة الجمعة القادمة ( احترام الخصوصية ) للشيخ ثروت سويف

خطبة الجمعة القادمة ٢٠ يونيو ٢٠٢٥م، الموافق ٢٤ ذو الحجة ١٤٤٦هـ بعنوان: “إذا أردت السلامة من غيرك فاطلبها في سلامة غيرك منك”.
( احترام الخصوصية ) للشيخ ثروت سويف

خطبة الجمعة القادمة word  ( احترام الخصوصية ) للشيخ ثروت سويف

خطبة الجمعة القادمة pdf ( احترام الخصوصية ) للشيخ ثروت سويف

اقرأ في هذه الخطبة
أولا : منْ حُسْنِ إسْلامِ المَرْءِ ‌تَرْكُهُ ‌ما ‌لا ‌يَعْنِيهِ
ثانياً : اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ
ثالثاً : النهي عن التجسس (وَلَا تَجَسَّسُوا )
الخطبة الأولي
إن الحمد لله، جل من رب وتعالى من إله، هو سبحانه رب كل شيء ومليكه ومولاه، وهو العلي وهو الذي بنعمته اهتدى المهتدون، وبعدله ضل الضالون . لا يُسأل عما يفعل وهم يسئلون أحمده سبحانه حمد عبد نزه ربه عما يقول الظالمون وما كان معه من اله
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عالم السر والنجوى، والمؤمَّل لكشف كل بلوى، ورفع كل لأوى، سبحانه وبحمده ليس في الكون رب سواه فيدعى، وليس في الوجود إله غيره فيرجى، وليس في الملأ حكم غيره فترفع إليه الشكوى سبحان الله رب العرش عما يصفون في علاه
وأشهد أن نبينا وقدوتنا محمداً عبد الله ورسوله النبي المصطفى، والرسول المجتبى، والحبيب المرتضى، بلغ رسالة ربه فما ضل وما غوى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3 -4] الصادق المأمون. اللهم صل وسلم تسليما كثيرا على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه الذين هم بهديه مستمسكون ومن سار علي دربه وخطاه
أما بعد
فقد أَكَّدَ دِينُنَا ‏عَلَى الْخُصُوصِيَّةِ وَعَلَى حُرْمَةِ الْخُصُوصِيَّة، اَلَّتِي هِيَ الْمَجَالُ الْخَاصُّ ‏لِلْفَرْد في بيته وعمله وكلامه وجميع أحواله
ونَعْنِي بِالْخُصُوصِيَّةِ الشَّخْصِيَّةِ: اَلْأَشْيَاءَ الَّتِي لَا يَتِمُّ ‏إِخْبَارُهَا لِلْآخَرِينَ وَالَّتِي يَتِمُّ الِاحْتِفَاظُ بِهَا فِي سِرِّيَّةٍ تَامَّة
جاء في كتب التفسير ( تفسير الطبري) أن امرأة من الأنصار أتت النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: «يا رسول الله، إني أكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحد، لا والد ولا ولد، فيأتي الأب فيدخل علي، وإنه لايزال يدخل علي رجل من أهلي وأنا على تلك الحال.. فكيف أصنع؟» فنزل جبريل بوحي إلهي يحمل أدباً رفيعاً ينظم دخول البيوت قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ( يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَدۡخُلُواْ بُيُوتًا غَيۡرَ بُيُوتِكُمۡ حَتَّىٰ تَسۡتَأۡنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَىٰٓ أَهۡلِهَاۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ ( 27) النور ‎
يقول الامام الشافعى رحمه الله
إذا رُمتَ أنْ تَحيا سَليماً مِن الأذى *** وَ دينُكَ مَوفورٌ وعِرْضُكَ صَيِنُّ
لِسانُكَ لا تَذكُرْ بِهِ عَورَةَ امرئٍ *** فَكُلُّكَ عَوراتٌ وللنّاسِ ألسُنُ
وعَيناكَ إنْ أبدَتْ إليكَ مَعايِباً *** فَدَعها وَقُلْ يا عَينُ للنّاسِ أعيُـنُ
وعاشِرْ بِمَعروفٍ وسامِحْ مَن اعتَدى *** ودَافع ولكن بالتي هِيَ أحسَنُ
أولا : منْ حُسْنِ إسْلامِ المَرْءِ ‌تَرْكُهُ ‌ما ‌لا ‌يَعْنِيهِ
فالواجب على العاقل لزوم السلامة بترك التجسس والبحث عَن عيوب الناس مع الاشتغال بإصلاح عيوب نفسه فإن من اشتغل بعيوبه عَن عيوب غيره أراح بدنه ولم يتعب قلبه فكلما اطلع على عيب لنفسه هان عَلَيْهِ مَا يرى مثله من أخيه وإن من اشتغل بعيوب الناس عَن عيوب نفسه عمى قلبه وتعب بدنه وتعذر عَلَيْهِ ترك عيوب نفسه وإن ترك التجسس والبحث عن عيوب الناس يثمر صلاح العيوب
ابن آدم احترم خصوصية الناس دع من الأمر ما لا يَعنيك، وإن من أعجز الناس من عاب الناس بما فيهم وأعجز منه من عابهم بما فيه ومن عاب الناس عابوه
ومن تدخل في خصوصية غيره سمع ما لا يرضيه
روي الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ” منْ حُسْنِ إسْلامِ المَرْءِ ‌تَرْكُهُ ‌ما ‌لا ‌يَعْنِيهِ ” حديث حسن » ففي هذا الحَديثِ الحثُّ على الانشِغالِ بما يَنفَعُ ويُفيدُ في الدِّينِ والدُّنيا فمَنِ اشْتَغَلَ بِمَا لَا يَعْنِيهِ فَاتَهُ مَا يَعْنِيهِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَغْنِ بِمَا يَكْفِيهِ فَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا شَيْءٌ يُغْنِيهِ
ولقد كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يَهتَمُّ اهتِمامًا بالِغًا بالأخْلاقِ، وكثيرًا ما كان يَحُثُّ على فَضائِلِ الأخْلاقِ ويَمدَحُها، ويُحذِّرُ مِن مَساوِئِ الأخْلاقِ ويَذُمُّها، وفي هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: “مِن حُسنِ إسلامِ المرْءِ تَرْكُه ما لا يَعنيهِ”، والمَقْصودُ أنَّ مِن كَمالِ مَحاسنِ إسْلامِ المُسلِمِ وتمامِ إيمانِهِ، ابتِعادُه عمَّا لا يَخُصُّه ولا يُهِمُّه وما لا يُفيدُهُ مِن الأقْوالِ والأفْعالِ، وعَدَمُ تدخُّلِه في شُؤونِ غَيرِهِ، وعدَمُ تَطفُّلِهِ على غَيرِهِ فيما لا يَنفَعُهُ ولا يُفيدُهُ، ويَدخُلُ أيضًا في عُمومِ المَعْنى: الابتِعادُ عمَّا لا يَعني ممَّا حرَّمَ اللهُ عزَّ وجلَّ وما كرِهَهُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وكذلك ما لا يُحتاجُ إليه مِن فُضولِ المُباحاتِ مِن الكَلامِ والأفْعالِ والأحْوالِ؛ فممَّا لا يَعني الإنسان ليس محصورًا في الأمورِ الدُّنيويَّة؛ بل إنَّ ممَّا لا يَعنيه أيضًا ما هو متعلِّقٌ بأُمورٍ أُخرويةٍ كحقائقِ الغيبِ وتفاصيلِ الحِكَم في الخَلْقِ والأمْرِ، ومنها السؤالُ والبحثُ عن مسائِلَ مُقدَّرةٍ ومُفترَضةٍ لم تقَعْ، أو لا تكادُ تقَعُ، أو لا يُتصوَّرُ وقوعُها
وَذُكِرَ عَنْ لُقْمَانَ الْحَكِيمِ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: مَا بَلَغَ بِكَ مَا نَرَى؟ قَالَ: صِدْقُ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ، وَتَرْكِي مَا لَا يَعْنِينِي
ثانياً : اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ
اعلم أن سوء الظن حرام مثل سوء القول فكما يحرم عليك أن تحدث غيرك بلسانك بمساوئ الغير فليس لك أن تحدث نفسك وتسيء الظن بأخيك والظن عبارة عما تركن إليه النفس ، ويميل إليه القلب وسبب تحريمه أن أسرار القلوب لا يعلمها إلا علام الغيوب ، فليس لك أن تعتقد في غيرك سوءا إلا إذا انكشف لك بعيان لا يقبل التأويل
يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ [الحجرات: 12 ]
دل سياق الآية على الأمر بصون عِرض المسلم غايةَ الصيانة لتقدُّم النهي عن الخوض فيه بالظن، فإن قال الظان: أبحث لأتحقّق، قيل له: وَلا تَجَسَّسُوا، فإن قال: تحققتُ من غير تجسّس، قيل له: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا.
قال أهل العلم: إن الظن القبيح بمن ظاهره الخير لا يجوز، ولا حرج في الظن القبيح بمن ظاهره القبحأيها المؤمنون، لقد ذكِر الظن في القرآن الكريم في ستٍّ وخمسين موضعًا، منها تسعة وأربعون جاء في سياق الذم، وسبعة مواضع في سياق المدح، وأما الموضع السادس والخمسون فجاء في وصف حال المحتضَر عند موته في قوله تعالى: وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ وَالْتَفَّتْ السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ [القيامة:28-30] فلم يذكَر فيه ذمّ ولا ثناء، إنما هو وصفُ حال.
ولعل هذا الحصر لهذه الكلمة وتَكرارها في القرآن على هذا النحو يشير إلى أن أغلب الظن مما يذمّ ولا يمدح.
وقد أخرج الشيخان في صحيحيهما من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ؛ فَإِنَّ الظَّنَّ ‌أَكْذَبُ ‌الْحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا ” مسلم (408
و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)) أي المسلم الحقيقي الصحيح الإسلام هو من هذا حاله وشأنه إذ أن من معاني الإسلام الأمان والسلامة فإن الإنسان بدخوله في الإسلام يسلم من يد المسلمين وألسنتهم
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لَا تَقَاطَعُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، وَلَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ”.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ
فإذا تسرّب سوء الظن إلى النفوس أدّى بها إلى الاتّهام المتعجّل وتتبّع العورات وتسقّط الهفوات والتجسّس الدنيء؛ ولذا ترى من يسيء الظنَّ يقول: سأحاوِل أن أتحقّق، فيتجسّس وقد يغتاب وقد يذكر أخاه بسوء، فيرتكب ذنوبًا مترادِفة ومعاصيَ قاصِمة.
ثلاث لم تسلم منها هذه الأمة الحسد والظن والطيرة ألا أنبئكم بالمخرج منها إذا ظننت فلا تحقق ، وإذا حسدت فلا تتبع ، وإذا تطيرت فامض (رسته فى الإيمان عن الحسن مرسلاً
أيها المؤمنون، كثيرًا ما يطرق سمعك في مجالس المسلمين العامة والخاصة أن فلانًا يقصد كذا وفلانًا نوى كذا وفلان أراد من فعله أو قوله كذا، سوءُ ظنٍّ مَقيت يؤجِّج مشاعر الحقد والكراهية، يهدم الروابط الاجتماعية، يزلزل أواصر الأخوة، يقطع حبال الأقربين ويزرع الشوك بين أفراد المجتمع.
إذا تسرّب سوء الظن إلى النفوس أدّى بها إلى الاتّهام المتعجّل وتتبّع العورات وتسقّط الهفوات والتجسّس الدنيء؛ ولذا ترى من يسيء الظنَّ يقول: سأحاوِل أن أتحقّق، فيتجسّس وقد يغتاب وقد يذكر أخاه بسوء، فيرتكب ذنوبًا مترادِفة ومعاصيَ قاصِمة.
روَي الطَّبَرَانِيُّ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” ثَلَاثٌ لَازِمَاتٌ لِأُمَّتِي: الطِّيَرَةُ، وَالْحَسَدُ، وَسُوءُ الظَّنِّ “. فَقَالَ رَجُلٌ: مَا يُذْهِبُهُنَّ يَا رَسُولَ اللهِ مِمَّنْ هُوَ فِيهِ؟ قَالَ: «إِذَا حَسَدْتَ فَاسْتَغْفَرِ اللهَ، وَإِذَا ظَنَنْتَ فَلَا تُحَقِّقْ، وَإِذَا تَطَيَّرْتَ فَامْضِ»
قال سعيد بن المسيب رحمه الله: كتب إليّ بعض إخواني من أصحاب رسول الله أن ضع أمر أخيك على أحسنه ما لم يأتك ما يغلبك، ولا تظنن بكلمة خرجت من امرئ مسلم شرًا وأنت تجد لها في الخير محملاً
عبد الله : تعلُّم حسن الظن، وهذا ما كان يلقنه النبي- صلى الله عليه وسلم- لأصحابه، وقد جاءه رجل قد داخلته الريبة في امرأته، وأحاطت به ظنون السوء فيها؛ لأنها ولدت غلاماً أسود على غير لونه ولونها، فأزال النبي -صلى الله عليه وسلم- ما في قلبه من ظن وريبة بسؤاله عن لون إبله يروي البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ‌امْرَأَتِي ‌وَلَدَتْ ‌غُلَامًا ‌أَسْوَدَ، فَقَالَ: «هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟» قالَ: نَعَمْ. قالَ: «مَا أَلْوَانُهَا؟» قالَ: حُمْرٌ. قالَ: «فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟» قالَ: نَعَمْ. قالَ: «فَأَنَّى كَانَ ذَلِكَ؟» قالَ: أُرَاهُ عِرْقٌ نَزَعَهُ. قالَ: «فَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ عِرْقٌ» الصحيحين البخاري ومسلم
ومن ثمرات سوء الظن التجسس ، فإن القلب لا يقنع بالظن ، ويطلب التحقيق فيشتغل بالتجسس ، وهو أيضا منهي عنه ، قال الله تعالى : ولا تجسسوا ؛ فالغيبة وسوء الظن والتجسس منهي عنه في آية واحدة ومعنى التجسس أن لا يترك عباد الله تحت ستر الله فيتوصل ، إلى الاطلاع وهتك الستر حتى ينكشف له ما لو كان مستورا عنه كان أسلم لقلبه ودينه
ثالثاً : النهي عن التجسس (ولا تجسسوا )
ان المسلم كائن له كرامة وقَدْر، ومخلوق صان الشرعُ مقامَه، واحترم خصوصيته، وحماها من أذى كل متربِّص أو متطفل يتصيد العيوب، وأكَّدَت نصوصُ الشرع على سدِّ المسارب التي تفضي إلى انتهاك خصوصية المسلم، قال تعالى: (وَلَا تَجَسَّسُواْ وَلَا يَغۡتَب بَّعۡضُكُم بَعۡضًاۚ)[الْحُجُرَاتِ: 12]؛ أي: لا تُظهِروا ما ستره الله بالبحث عن عيوب الناس، وتتبُّع العورات، وكشف المستور، فلكل مسلم حَرَمٌ في ذاته، وبيته، وسمعته، وماله، ومصالحه، هذا الأدب الرفيع يرتقي بالمسلم عن الأعمال الدنيئة، بتعقُّب بواطن الناس؛ كي يعيش كل فرد آمِنًا على نفسه، وبيته، وسِرِّه وعورته، فلنا الظواهر، ولا يجوز لنا أن نتعقَّب البواطن، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “إني لم أُومَر أن أُنَقِّب قلوب الناس، ولا أشق بطونهم”.
عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَلَا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: 12] ، قَالَ: «خُذُوا مَا ظَهَرَ لَكُمْ وَدَعُوا مَا سَتَرَ اللَّهُ»
وقد نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يطرق الرجل أهله ليلا؛ يتخوَّنهم أو يلتمس عثراتهم، جاء في سنن أبي داود عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّكَ إِنِ اتَّبَعْتَ ‌عَوْرَاتِ ‌النَّاسِ ‌أَفْسَدْتَهُمْ أَوْ كِدْتَ أَنْ تُفْسِدَهُمْ» فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: كَلِمَةٌ سَمِعَهَا مُعَاوِيَةُ مِنْ رَسُولِ اللهِ نَفَعَهُ اللهُ بِهَا.
وتجسس الأزواج في بيت الزوجية دون مسوِّغ حقيقي عبر البحث في المراسَلات والمكالَمات والمحادَثات سلوك يهدم الثقة ويهز أركان السعادة ويولِّد الشكَّ، وحماية للخصوصية بالحياة العائلية غرس الإسلام قيمة الاستئذان في نفوس الأبناء والبنات
قال سفيان بن حسين: ( ذكرت رجلاً بسوء عند إياس بن معاوية، فنظر في وجهي، وقال: أغزوتَ الرومَ؟ قلت: لا، قال: فالسِّند والهند والترك؟ قلت: لا، قال: أفَتسلَم منك الروم والسِّند والهند والترك، ولم يسلَمْ منك أخوك المسلم؟! قال: فلَم أعُد بعدها )). البداية والنهاية لابن كثير (13/121).
وقال أبو حاتم بن حبان البستي في روضة العقلاء (( الواجبُ على العاقل لزوم السلامة بترك التجسس عن عيوب الناس، مع الاشتغال بإصلاح عيوب نفسه؛ فإنَّ من اشتغل بعيوبه عن عيوب غيره أراح بدنَه ولم يُتعب قلبَه، فكلَّما اطَّلع على عيب لنفسه هان عليه ما يرى مثله من أخيه، وإنَّ من اشتغل بعيوب الناس عن عيوب نفسه عمي قلبه وتعب بدنه وتعذَّر عليه ترك عيوب نفسه ))
وَرُوِيَ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خَيْثَمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَصْبَحَ وَضَعَ قِرْطَاسًا وَقَلَمًا وَلَا يَتَكَلَّمُ بِشَيْءٍ إِلَّا كَتَبَهُ وَحَفِظَهُ، ثُمَّ يُحَاسِبُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْمَسَاءِ.
هَكَذَا كَانَ عَمَلُ الزُّهَّادِ، إِنَّهُمْ كَانُوا لاَ يتَدخّلونَ فِي أَمْرِ غَيْرِهمْ ولا يَتَكَلَّمُونَ لِحِفْظِ اللِّسَانِ، وَيُحَاسِبُونَ أَنْفُسَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُحَاسِبَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ أَنْ يُحَاسَبَ فِي الْآخِرَةِ، لِأَنَّ حِسَابَ الدُّنْيَا أَيْسَرُ مِنْ حِسَابِ الْآخِرَةِ، وَحِفْظَ اللِّسَانِ فِي الدُّنْيَا أَيْسَرُ مِنْ نَدَامَةِ الْآخِرَةِ
قصة
وروى أن عمر رضي الله عنه كان يعس بالمدينة مِنَ اللَّيْلِ فَسَمِعَ صَوْتَ رَجُلٍ فِي بَيْتٍ يتغنى فتسور عليه فوجده عِنْدَهُ امْرَأَةً وَعِنْدَهُ خَمْرٌ فَقَالَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ أَظْنَنْتَ أَنَّ اللَّهَ يَسْتُرُكَ وَأَنْتَ عَلَى معصيته فقال وأنت يا أمير المؤمنين فلا تعجل فإن كنت قد عَصَيْتُ اللَّهَ وَاحِدَةً فَقَدْ عَصَيْتَ اللَّهَ فِيَّ ثلاثا قال الله تعالى {‌ولا ‌تجسسوا} وَقَدْ تَجَسَّسْتَ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَيْسَ الْبِرُّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها} وَقَدْ تَسَوَّرْتَ عَلَيَّ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم} الْآيَةَ وَقَدْ دَخَلْتَ بَيْتِي بِغَيْرِ إِذْنٍ وَلَا سلام فقال عمر رضي الله عنه
هَلْ عِنْدَكَ مِنْ خَيْرٍ إِنْ عَفَوْتُ عَنْكَ قال نعم والله يا أمير المؤمنين لَئِنْ عَفَوْتَ عَنِّي لَا أَعُودُ إِلَى مِثْلِهَا أبداً فعفا عنه وخرج وتركه
وعلى المسلم أن يعلم أن الخصوصية التي حفظها له الإسلام وصانها تقتضي ألا يستبيح حرمات الله وينتهكها في خلواته، فإن الله مُطَّلِع على سِرِّه ونجواه، لا يخفى عليه شيءٌ، يعلم السر المستور الذي تُخفيه الصدور عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «طُوبَى لِمَنْ ‌مَلَكَ ‌لِسَانَهُ ، وَوَسِعَهُ بَيْتُهُ ، وَبَكَى عَلَى خَطِيئَتِهِ» المعجم الصغير للطبراني
عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ الْمَازِنِيِّ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي مَعَ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما آخِذٌ بِيَدِهِ، إِذْ عَرَضَ رَجُلٌ فَقَالَ: كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّجْوَى؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقُولُ: “إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ، فَيَضَعُ ‌عَلَيْهِ ‌كَنَفَهُ، وَيَسْتُرهُ، فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كذَا؟ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كذا؟ فيَقُولُ: نعَمْ أَيْ رَبِّ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَه بِذُنُوبِهِ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ، فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ، فَيَقُولُ الْأَشْهَادُ: {هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} البخاري
وفي سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” لا يُسألُ الرَّجُلُ: فيمَ ضَرَبَ امْرأتَهُ “. سنن أبي داود
وان سوء الظن والتجسس يؤديان الي اغتياب الناس والحديث في اعراضهم عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ” ‌يَا ‌مَعْشَرَ ‌مَنْ ‌آمَنَ ‌بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ، لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّبِعْ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعِ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ ” مسند أحمد
لقد شبه الله جل جلاله المغتاب بالذي يأكل لحم أخيه المسلم، ومتى؟ بعد أن مات، قال القرطبي رحمه الله: “مثل الله الغيبة بأكل الميتة لأن الميت لا يعلم بأكل لحمه كما أن الحي إذا اغتيب لا يعلم بغيبة من اغتابه”. ما أبشع ذلك المنظر، وما أسوأ تلك الصورة. إنها صورة المسلم المنهمك في أكل لحم أخيه المسلم الذي فارق الحياة.
روي النسائي في السنن الكبري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ مَاعِزٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي زَنَيْتُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ حَتَّى إِذَا كَانَ فِي الْخَامِسَةِ أَقْبَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: «أَنْكَحْتَهَا؟ حَتَّى غَابَ ذَلِكَ مِنْكَ فِي ذَلِكَ مِنْهَا» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «كَمَا يَغِيبُ الْمِرْوَدُ فِي الْمِكْحَلَةِ، أَوْ كَمَا يَغِيبُ الرِّشَاءُ فِي الْبِئْرِ» قَالَ: نَعَمْ قَالَ: «تَدْرِي مَا الزِّنَا» قَالَ: أَتَيْتُ مِنْهَا أَمْرًا حَرَامًا كَمَا يَأْتِي الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ حَلَالًا قَالَ: «فَمَا تُرِيدُ؟» قَالَ: أُرِيدُ أَنْ تُطَهِّرَنِي فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ فَرُجِمَ فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ يَقُولَانِ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الَّذِي سَتَرَهُ ثُمَّ لَمْ تَقَرَّ نَفْسُهُ حَتَّى رُجِمَ رَجْمَ الْكَلْبِ، وَذَكَرَ كَلِمَةً مَعْنَاهَا فَرَأَى جِيفَةَ حِمَارٍ قَدْ شُغِرَ بِرِجْلِهِ فَقَالَ: ” إِلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ: «ادْنُوَا فَكُلَا مِنْ جِيفَةِ هَذَا الْحِمَارِ» قَالَا: غَفَرَ اللهُ لَكَ أَتُؤْكَلُ جِيفَةٌ؟ قَالَ: «فَالَّذِي نِلْتُمَا مِنْ أَخِيكُمَا أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ لَفِي أَنْهَارِ الْجَنَّةِ يَتَغَمَّسُ فِيهَا»
إنها الغِيبة يا عباد الله، إنها ذكر العيب بظهر الغيب، ذكرك أخاك بما يكره، سواء أكان فيه ما تقول أم لم يكن، هكذا بينها رسولنا محمدٌ
روي مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟» قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ» قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: «إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ، فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ»
الغيبة ذات أسماء ثلاثة في كتاب الله تعالى وجل: الغيبة والإفك والبهتان، فإذا كان في أخيك ما تقول فهي الغيبة، وإذا قلت فيه ما بلغك عنه فهو الإفك، وإذا قلت فيه ما ليس فيه فهو البهتان.
والغيبة تشمل كل ما يفهم منه مقصود الذم سواء أكان بكلام أم بغمزٍ أم إشارة أم كتابة، وإن القلم لأحَد اللسانين.
وهذا هو نبيكم محمد ينادي هؤلاء المبتلَين بهذا الداء المهلك وأخرج الترمذي بسند حسن من حديث ابْنِ عُمَرَ قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لَا تُؤْذُوا المُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ المُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ» ” رواه أحمد وأبو داود. والحسن رحمه الله يقول: “والله، للغيبة أسرع في دين الرجل من الآكلة في الجسد”.
أيها الإخوة، يقول بعض السلف: أدركنا السلف الصالح وهم لا يرون العبادة في الصوم والصلاة، ولكن في الكف عن أعراض الناس.
يا عبد الله، إن لكل الناس عورات ومعايب وزلات ومثالب، فلا تظن أنك علمت ما لم يعلم غيرك، أو أنك أدركت ما عجز عنه غيرك، فاشتغل بعيبك عن عيوب الناس، واسلك مسلك النصيحة، واعدل عن الفضيحة، واعلم أن من تكلم فيما لا يعنيه حرم الصدق، احفظ حق أخيك، وصن عرضه، وفي الحديث عنه : ((من ذبّ عن عرض أخيه بالغيبة كان حقًا على الله أن يعتقه من النار)) رواه أحمد،
عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ، فَخَرَجَ إِلَيْنَا فَجَلَسَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ اللهُ ‌رَدْغَةَ ‌الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ.» أَخرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيرُهُ وردغة الخبال هي عصارة أهل النار عياذًا بالله
وعن أنس قال: قال رسول الله : ((لما عُرج بي إلى السماء مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يَخْمِشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم))، ولذلك كان ميمون بن سياه إذا اغتاب أحد عنده نهاه، فإن انتهى وإلا قام من المجلس.
أخيرًا حذار حذار ـ أيها المؤمن ـ من حصائد اللسان وعواقبه، وتذكر ـ أيها المؤمن ـ أنك ستقف يوم القيامة بين يدي الله تعالى فردًا لا مال ولا جاه ولا ولد، ليس معك إلا ما قدمتَ، وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((من كانت لأخيه عنده مظلمة من عرضٍ أو مالٍ فليتحلّله اليوم قبل أن يؤخذ منه يومَ لا دينار ولا درهم، فإن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له عمل صالح أخذ من سيئات صاحبه فجعلت عليه ))
قَالَ بَعضُ السَّلَفِ رَحِمَهُمُ اللهُ: أَدرَكنَا قَومًا لم تَكُنْ لَهُم عُيُوبٌ، فَذَكَرُوا عُيُوبَ النَّاسِ فَذَكَرَ النَّاسُ لَهُم عُيُوبًا، وَأَدرَكنَا أَقوَامًا كَانَت لَهُم عُيُوبٌ، فَكَفُّوا عَن عُيُوبِ النَّاسِ فَنُسِيَت عُيُوبُهُم.
وَقَالَ بَعضُ الشُّعَرَاءِ
لا تَلْتَمِسْ مِنْ مَسَاوِي النَّاسِ مَا سَتَرُوا
فَيَكْشِفَ اللَّهُ سِتْرًا مِنْ مَسَاوِيكَا
وَاذْكُرْ مَحَاسِنَ مَا فِيهِمْ إذَا ذُكِرُوا
وَلَا تَعِبْ أَحَدًا مِنْهُمْ بِمَا فِيكَا
وَاسْتَغْنِ بِاَللَّهِ عَنْ كُلٍّ فَإِنَّ بِهِ
غِنًى لِكُلٍّ وَثِقْ بِاَللَّهِ يَكْفِيكَا
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- وأطيعوه، واحذروا المعاصي فإنها سبب فساد القلوب والأعمال، ومن فسد قلبه وعمله فهو حريٌّ بالهلاك والعذاب، (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء:88-89 ]
أيها المسلمون: كما نُهي المسلم عن الظن الباطل بأخيه المسلم، فهو منهيٌ كذلك عن الأعمال والأقوال التي تجعله محل التهمة، وتورد ظنون السوء فيه، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: “دع ما يريبك إلى ما لا يريبك”، ولما ذهب النبي -صلى الله عليه وسلم- مع زوجه صفية ليقلبها إلى البيت من معتكفه، ورآه رجلان فأسرعا قال -عليه الصلاة والسلام-: “على رسلكما، إنها صفية بنت حيي. فقالا: سبحان الله يا رسول الله!، وكَبُرَ عليهما، فقال -عليه الصلاة والسلام-: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءاً -أو قال- شيئاً” رواه الشيخان
عباد الله دخل رجل على عمر بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى- فذكر له عن رجل شيئًا، فقال له عمر: إن شئت نظرنا في أمرك، فإن كنت كاذبًا، فأنت من أهل هذه الآية: إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات: 6] وإن كنت صادقًا، فأنت من أهل هذه الآية: هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ [القلم: 11]، وإن شئت عفونا عنك. فقال: العفو، يا أمير المؤمنين، لا أعود إليه أبدًا)احياء علوم الدين
وعن الفضل بن أبي عيَّاش، قال: (كنت جالسًا مع وهب بن منبِّه، فأتاه رجل، فقال: إنِّي مررت بفلان وهو يشتُمك. فغضب، فقال: ما وجد الشَّيطان رسولًا غيرك؟ فما بَرِحْت من عنده حتَّى جاءه ذلك الرَّجل الشَّاتم، فسلَّم على وهب، فردَّ عليه، ومدَّ يده، وصافحه، وأجلسه إلى جنبه) صفة الصفوة
واخْرَجَ الشَّيْخَانِ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ» . وَفِي رِوَايَةٍ: ” قَتَّاتٌ ” وَهُوَ النَّمَّامُ. وَقِيلَ: النَّمَّامُ الَّذِي يَكُونُ مَعَ جَمْعٍ يَتَحَدَّثُونَ حَدِيثًا فَيَنِمُّ عَلَيْهِمْ. وَالْقَتَّاتُ: الَّذِي يَسْتَمِعُ عَلَيْهِمْ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ثُمَّ يَنِمُّ.
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، يَرْفَعْهُ قَالَ: «مَنْ أَشَاعَ عَلَى امْرِئٍ مُسْلِمٍ كَلِمَةَ بَاطِلٍ لِيُشِينَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُذِيبَهُ بِهَا مِنَ النَّارِ حَتَّى يَأْتِيَ بِنَفَاذِهَا»الجامع في الحديث لابن وهب
وَرَوَى كَعْبٌ: أَنَّهُ أَصَابَ بَنِي إسْرَائِيلَ قَحْطٌ، فَاسْتَسْقَى مُوسَى – صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ – مَرَّاتٍ فَمَا أُجِيبَ، فَأَوْحَى اللَّهُ – تَعَالَى – إلَيْهِ أَنِّي لَا أَسْتَجِيبُ لَك وَلَا لِمَنْ مَعَك وَفِيكُمْ نَمَّامٌ قَدْ أَصَرَّ عَلَى النَّمِيمَةِ. فَقَالَ مُوسَى يَا رَبِّ مَنْ هُوَ حَتَّى نُخْرِجَهُ مِنْ بَيْنِنَا؟ فَقَالَ يَا مُوسَى: أَنْهَاكُمْ عَنْ النَّمِيمَةِ وَأَكُونُ نَمَّامًا فَتَابُوا بِأَجْمَعِهِمْ فَسُقُوا.
وعَنْ طَرِيفٍ أَبِي تَمِيمَةَ، قَالَ: شَهِدْتُ صَفْوَانَ وَجُنْدَبًا وَأَصْحَابَهُ وَهُوَ يُوصِيهِمْ، فَقَالُوا: هَلْ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: ” مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، قَالَ: وَمَنْ يُشَاقِقْ يَشْقُقِ اللَّهُ عَلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ “، فَقَالُوا: أَوْصِنَا، فَقَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَا يُنْتِنُ مِنَ الإِنْسَانِ بَطْنُهُ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لاَ يَأْكُلَ إِلَّا طَيِّبًا فَلْيَفْعَلْ، وَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لاَ يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجَنَّةِ بِمِلْءِ كَفِّهِ مِنْ دَمٍ أَهْرَاقَهُ فَلْيَفْعَلْ، قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: ” مَنْ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُنْدَبٌ، قَالَ: نَعَمْ جُنْدَبٌ “البخاري
(سمع) عمل للسمعة والفخر وقيل أشاع عيوب المؤمنين. (سمع الله به) يظهر الله للناس سريرته. ويملأ أسماعهم بما ينطوي عليه من خبث السرائر جزاء لفعله. (شاق) ضلل الناس وحملهم على ما يشق عليهم أو أثار الخلاف بينهم أو كشف مساوئهم ومعايبهم. (أهراقه) أساله بغير حق]
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: تَبِعَ رَجُلٌ حَكِيمًا سَبْعَ مئة فَرْسَخٍ فِي كَلِمَاتٍ، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي أَتَيْتُكَ لِتُعَلِّمَنِي مِمَّا عَلَّمَكَ اللهُ. قَالَ لَهُ: هَاتِ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّمَاءِ مَا أَثْقَلُ مِنْهَا، وَعَنِ الأَرْضِ مَا أَوْسَعُ مِنْهَا، وَعَنِ الْبَحْرِ مَا أَغْنَى مِنْهُ، وَعَنِ الْحَجَرِ مَا أَقْسَى مِنْهُ، وَعَنِ النَّارِ مَا أَحَرُّ مِنْهَا، وَعَنِ الزَّمْهَرِيرِ مَا أَبْرَدُ مِنْهُ؟ فَقَالَ: ‌الْبُهْتَانُ ‌عَلَى الْبَرِيءِ أَثْقَلُ مِنَ السماوات السَّبْعِ، وَالْحَقُّ أَوْسَعُ مِنَ الأَرْضِ، وَقَلْبُ الْقَانِعِ أَغْنَى مِنَ الْبَحْرِ، وَقَلْبُ الْكَافِرِ أَقْسَى مِنَ الْحَجَرِ، وَشُحُّ الْحَرِيصِ أَحَرُّ مِنَ النَّارِ، وَالطَّاعَةُ أَبْرَدُ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ . المجالسة وجواهر العلم (أحمد بن مروان الدينوري)
ولكن هناك سته تهون المصيبه يا بني
تذكر ان كل شىء بقضاء وقدر.. وان الجزع لا يرد عنك القضاء.. وان ما انت فيه اخف مما هو اكبر منه وان ما بقي لك اكثر مما اخذ منك.. وان لكل شىء قدرا وحكمه لو علمتها لرأيت المصيبه عين النعمه وان كل مصيبه للمؤمن لا تخلو من ثواب ومغفره وتمحيص ورفعه شأن او دفع بلاء اشد وما عند الله خير وابقى
روي ان رجلا رأى غلاما يباع وليس به عيب … (الا انه نمام فقط)… فاستخف بالعيب واشتراه فمكث عنده أياما ثم قال لزوجة سيده : إن سيدي يريد أن يتزوج عليك وقال : انه لا يحبك فان أردت أن يعطف عليك ويترك ما عزم عليه فان نام خذي الموس واحلقي شعرات من تحت لحيته واتركي الشعرات معك .
فقالت في نفسها : نعم. وعزمت على ذلك اذا نام زوجها.
ثم جاء زوجها وقال له : ان سيدتي زوجتك قد اتخذت لها صديقا ومحبا غيرك وتريد ان تخلص منك وقد عزمت على ذبحك الليلة وان لم تصدقني فتظاهر بالنوم الليلة وانظر كيف تجيء اليك وفي يدها شيء تريد أن تذبحك به وصدقه سيده
وقال: لنرى.
فلما جاء الليل جاءت المراة بالموس لتحلق الشعرات من تحت لحيته والرجل يتظاهر بالنوم فقال في نفسه: والله لقد صدق الغلام فلما وضعت الموس وأهوت الى حلقه قام وأخذ الموس منها وذبحها به فجاء أهلها فوجدوها مقتولة فقتلوه , فوقع القتال بين الفريقين شؤم ذلك العبد النمام.
فكم بهذه الألسنة عُبد غير الله تعالى وأشرك
وكم بهذه الألسنة حُكم بغير حكمه سبحانه وتعالى
كم بهذه الألسنة أُحدثت بدع.. وأُدميت أفئدة.. وقُرحت أكباد
كم بهذه الألسنة أرحام تقطعت.. وأوصال تحطمت.. وقلوب تفرقت
كم بهذه الألسنة نزفت دماء.. وقُتل أبرياء.. وعُذب مظلومون
كم بها طُلّقت أمهات.. وقذفت محصنات
كم بها من أموال أُكلت.. وأعراض أُنتهكت.. ونفوس زهقت
هذا وصلوا وسلموا علي سيد البشرية محمد وعلي اله وصحبه اجمعين
جمع وترتيب ثروت سويف امام وخطيب

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى