خطبة الجمعة القادمة ، سماحة الإسلام للدكتور محمد داود

خطبة الجمعة القادمة ، سماحة الإسلام للدكتور محمد داود – (6 ربيع الأول 1447هـ – 29 أغسطس 2025)
خطبة الجمعة القادمة word ، سماحة الإسلام للدكتور محمد داود
خطبة الجمعة القادمة pdf ، سماحة الإسلام للدكتور محمد داود
خطبة بعنـــــــــوان :
سماحة الإسلام
للدكتـــــور/ محمد حســــن داود
العناصـــــر :
– الإسلام دين السماحة.
– السماحة في حياة سيدنا الحبيب النبي (صَلى الله عليه وسلم).
– من صور السماحة في الإسلام.
– اثر السماحة على الفرد والمجتمع .
الموضــــــوع: الحمد لله رب العالمين، الحمد لله فاطر السبع الطباق، مقسم الأرزاق، الهادي لأحسن الأخلاق، مالك يوم التلاق، زكى بالسماحة نفوسَ أهلِ الإيمان، وجعلها سببًا للفوزِ بالجنان، نحمده سبحانه على آلاء تملأ الآفاق، ونعم تطوق القلوب والأعناق، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف: “إنما بُعِثتُ لأُتَمِّمَ صالِحَ الأخْلاقِ”، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
لقد جاء الإسلام لتحقيق أنبل القيم وأفضل السمات، وأحسن الخلق وأجمل الصفات، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم): “إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ” (رواه أحمد) فهو دين في جوهره ورسالته، وأحكامه وتشريعاته، وجملته وتفصيله؛ يجمع ولا يفرق، يوحد ولا يشتت، يقوي ولا يضعف، يبنى ولا يهدم، رحمة كله، تيسير كله، إنسانية كله، سماحة كله؛ فلما سئل سيدنا النبي (صلى الله عليه وسلمَ) عن أفضل الإيمان؟ قال “الصَّبر والسَّماحة” (رواه أحمد والبيهقي).
والسماحة هي طيب في النفس عن كرم وسخاء، وهي سلامة الصدر عن تقى ونقاء، وهي لين في الجانب عن سهولة ويسر، وهي بشاشة في الوجه عن طلاقة وبشر، وهي صدق في المعاملة دون غبن وخيانة، وهي انقياد لدين الله دون تشدد أو غلو أو تطرف.
ومن يتدبر القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة يجد مدى التأكيد على قيم السماحة في أسمي المعاني: فلقد دعانا الإسلام إلى السماحة وحسن الصلة مع الناس جميعا، إذ يقول الله جل وعلا: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) (البقرة: 83).
وجعل أحب الناس إلى الله انفعهم للناس، كما قال النبي (صلى الله عليه وسلم)َ: “أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ”.
وجعل أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، فقد قال سيدنا الحبيب النبي (صلى الله عليه وسلمَ): “أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ “فَسَكَتَ الْقَوْمُ، فَأَعَادَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، قَالَ الْقَوْمُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ الله، قَالَ: “أَحْسَنُكُمْ خُلُقًا”.
كما أن أفضل الإسلام، بل وتمامه أن يسلم الناس من يد العبد ولسانه، فعن سيدنا عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرِو بْنِ الْعاصِ (رضي الله عنه) قال: إِنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: “مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ”.
وعد الاعتداء على أية نفس اعتداء على الإنسانية كلها، كما عد تقديم الخير لنفس كتقديم الخير للبشرية كلها، قال تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ) (المائدة: 32)
وما أعظم أن نتدارس سويا جوانب من سماحة سيدنا الحبيب النبي (صلى الله عليه وسلمَ) قرة أعيننا وتاج رؤوسنا، وشفيعنا يوم القيامة بإذن ربنا، لا سيما ونحن في شهر مولده، والقلب قبل اللسان يردد:
وُلِـدَ الـهُـدى فَـالكائِناتُ ضِياءُ *** وَفَـمُ الـزَمـانِ تَـبَـسُّـمٌ وَثَناءُ
فلقد كان سيدنا الحبيب النبي (صلى الله عليه وسلم) مثلا أعلي للسماحة في أسمي معانيها سواء قبل البعثة أو بعدها، فهو صَلى الله عليه وسلم القائل: “إنَّما أنا رَحْمةٌ مُهْداةٌ”، وقال أيضا:” بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ”، فلم يكن فظا ولا غليظا، ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح، ويكفى في بيان ذلك قول أم المؤمنين الشيدة خديجة (رضي الله عنها): “وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ، أَبَدًا إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ” (البخاري).
– ولقد رأينا سماحته مع هذا الأعرابي، إذ يقول سيدنا أَنَس بْن مَالِكٍ (رضي الله عنه): “كُنْتُ أَمْشِي مع النبيِّ (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) وعليه بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ، فأدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَذَبَهُ جَذْبَةً شَدِيدَةً، حتَّى نَظَرْتُ إلى صَفْحَةِ عَاتِقِ النبيِّ (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) قدْ أَثَّرَتْ به حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِن شِدَّةِ جَذْبَتِهِ، ثُمَّ قالَ: مُرْ لي مِن مَالِ اللَّهِ الذي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إلَيْهِ فَضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ له بعَطَاءٍ”(متفق عليه). كما رأينا سماحته مع زَيْدِ بْنِ سَعْنَةَ (ذكرت القصة قبل ذلك ، خطبة: لا تغلوا في دينكم)
– ولما سمع صَلى الله عليه وسلم هذا الرجل الذي دعا قائلا:” اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا”، قال له: ” لَقَدْ تَحَجَّرْتَ وَاسِعًا “.
كما رأينا سماحته مع الخدم: فَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: “خَدَمْتُ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا قَالَ لِي: أُفٍّ، وَلَا: لِمَ صَنَعْتَ؟ وَلَا: أَلَا صَنَعْتَ؟”
– كما كان صَلى الله عليه وسلم يقضي حوائج الناس، ويتواضع معهم، ويجيب دعوتهم، ويزور مرضاهم، ويشهد جنائزهم، ويدعو لهم ولأبنائهم، ويشفق عليهم، ويشعر بآلامهم. لم يَأْنَف أَنْ يَمْشِيَ مَعَ الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ فَيَقْضِيَ لَهُ حَاجَتَهُ” وعَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “يَأْتِي ضُعَفَاءَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَزُورُهُمْ وَيَعُودُ مَرْضَاهُمْ ، وَيَشْهَدُ جَنَائِزَهُمْ ” (مستدرك الحاكم).
– فكان يشعر بآلامهم، ويجعل لهم من محنهم منحا، ومن الحزن فرحا، ومن الألم أملا. يتواضع معهم، ويجيب دعوتهم، ويزور مرضاهم، ويشهد جنائزهم، ويمازحهم، ويشفق عليهم، ويؤلفهم ولا ينفرهم، ويسأل عنهم إذا غابوا؛ فعن قرة ابن إياس، قَالَ: كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إِذَا جَلَسَ يَجْلِسُ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَفِيهِمْ رَجُلٌ لَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ، يَأْتِيهِ مِنْ خَلْفِ ظَهْرِهِ فَيُقْعِدُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَهَلَكَ، فَامْتَنَعَ الرَّجُلُ أَنْ يَحْضُرَ الْحَلْقَةَ لِذِكْرِ ابْنِهِ فَحَزِنَ عَلَيْهِ، فَفَقَدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: “مَالِي لَا أَرَى فُلَانًا”، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بُنَيُّهُ الَّذِي رَأَيْتَهُ هَلَكَ، فَلَقِيَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ بُنَيِّهِ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ هَلَكَ، فَعَزَّاهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَال: “يَا فُلَانُ أَيُّمَا كَانَ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَنْ تَمَتَّعَ بِهِ عُمُرَكَ أَوْ لَا تَأْتِي غَدًا إِلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ ، إِلَّا وَجَدْتَهُ قَدْ سَبَقَكَ إِلَيْهِ، يَفْتَحُهُ لَكَ”، قَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ، بَلْ يَسْبِقُنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَيَفْتَحُهَا لِي لَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ قَالَ: ” فَذَاكَ لَكَ “( رواه النسائي).
– كما كان صلى الله عليه وسلم يؤثر أصحابه على نفسه، ويعطيهم العطاء وهو إليه محتاج، فعَنْ سيدنا (سَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ): “أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتِ إلى النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِبُرْدَةٍ مَنْسُوجَةٍ فِيهَا حَاشِيَتُهَا، أَتَدْرُونَ مَا الْبُرْدَةُ؟، قَالُوا: الشَّمْلَةُ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: نَسَجْتُهَا بِيَدِي فَجِئْتُ لِأَكْسُوَكَهَا، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَإِنَّهَا إِزَارُهُ فَحَسَّنَهَا فُلَانٌ، فَقَالَ: اكْسُنِيهَا مَا أَحْسَنَهَا؟، قَالَ: الْقَوْمُ مَا أَحْسَنْتَ لَبِسَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، ثُمَّ سَأَلْتَهُ وَعَلِمْتَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ، قَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا سَأَلْتُهُ لِأَلْبَسَهُ إِنَّمَا سَأَلْتُهُ لِتَكُونَ كَفَنِي؟, قَالَ سَهْلٌ : فَكَانَتْ كَفَنَهُ ” (رواه البخاري).
بل تدبر سماحته مع أمته جميعها: فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ (رضيَ الله عنهما)، أَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): تَلَا قَوْلَ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) فِي إِبْرَاهِيمَ: (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) الآيَةَ (إبراهيم: 36)، وَقَالَ عِيسَى (عَلَيْهِ السَّلَام) (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (المائدة: 118 )، فَرَفَعَ يَدَيْهِ ، وَقَالَ : اللَّهُمَّ أُمَّتِي، أُمَّتِي، وَبَكَى ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ ؟ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَسَأَلَهُ، فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ ، وَهُوَ أَعْلَمُ، فَقَالَ اللَّهُ: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ ، فَقُلْ : إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوؤُكَ ” (رواه مسلم).
فما أحوجنا إلى أن نعيش بالقلب والجوارح سماحة النبي (صلى الله عليه وسلَم) فنأخذ من مشكاته، ونقتدي به في سيرته وسريرته، حتى تستقيم دنيانا وآخرتنا، فقد قال الله (سبحانه وتعالى): ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً )(الأحزاب: 21).
إن الدين الإسلامي بمجمله قائم على السماحة وهذا ما أشار إليه ربنا سبحانه وتعالى في مواطن كثيرة من كتابه العزيز؛ منها: قوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج: 78)، وما زال الإسلام يؤكد على قيم السماحة حتى أن العبادات كلها اشتملت في تشريعها على معاني السماحة، سواء كان ذلك في أداء العبادات، أو في الغاية منها؛ فمن الغاية ما كان من دعوة الصلاة إلى التالف والمودة والتواضع وحسن الخلق، والنهى عن كل ما كان سببا للتنافر. والزكاة في جوانبها معاني المودة والرحمة والألفة والمحبة والسماحة. كما أن الصيام يدعو إلى المعاملة الطيبة وحفظ الحقوق. وفي الأداء تجد المشقة تجلب التيسير.
إن من صور السماحة في الإسلام:
– السماحة بين الزوجين: بحسن العشرة، والتغافل عن الزلات، فقد قال تعالى: (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّـهُنَّ) (البقرة187) وقال: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (النساء: 19)، ويقول النبي (صلى الله عليه وسلمَ): “خيرُكُم خيرُكم لِأهْلِهِ، وَأَنَا خيرُكم لِأَهْلِي“.
– صلة الأرحام: إذ يؤكد النبي (صَلى الله عليه وسلم) على السماحة بين الأرحام فيبين أن الواصل ليس من يعامل رحمه بالمثل، إن أحسنوا أحسن إليهم وإن أساءوا أساء، فيقول: “لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا” (رواه البخاري)، ليس ذلك فحسب، بل دعا إلى صلة ذي الرحم الكاشح بالعناية والرعاية وإجابة السؤال، فيقول صلى الله عليه وسلمَ: “أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ” (رواه الحاكم).
– حسن الجوار: فقد قال صلى الله عليه وسلمَ: “ مَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إلى جارِهِ”.
قضاء حوائج المحتاجين، وكشف الكرب عن المكروبين، والسعي في مصالح الناس، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): “مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ”.
ومن السماحة ما كان في المعاملة؛ من بيع وشراء، فقد قال صلى الله عليه وسلمَ: “رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، سَمْحًا إِذَا اشْتَرَى، سَمْحًا إِذَا اقْتَضَى” (رواه البخاري).. ومن صدق في التجارة، بعدم الغش والتدليس أو الاحتكار، فقد قال صلى الله عليه وسلمَ: “التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ”. وقال” لا يحتكِرُ إِلاَّ خاطِئٌ ” (رواه مسلم).. ومن تيسير على المعسرين، فقد قال تعالى: (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة: 280) ويقول سيدنا الحبيب النبي (صلى الله عليه وسلمَ): “إِنَّ رَجُلًا لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، وَكَانَ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَيَقُولُ لِرَسُولِهِ: خُذْ مَا تَيَسَّرَ، وَاتْرُكْ مَا عَسُرَ، وَتَجَاوَزْ؛ لَعَلَّ اللَّهَ (تَعَالَى) أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، فَلَمَّا هَلَكَ قَالَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) لَهُ: هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ قَالَ: لَا، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ لِي غُلَامٌ، وَكُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا بَعَثْتُهُ لِيَتَقَاضَى قُلْتُ لَهُ: خُذْ مَا تَيَسَّرَ، وَاتْرُكْ مَا عَسُرَ، وَتَجَاوَزْ؛ لَعَلَّ اللَّهَ يَتَجَاوَزُ عَنَّا. قَالَ اللَّهُ (تَعَالَى): نحن أحقُّ بذلك، قَدْ تَجَاوَزْتُ عَنْكَ”.
ومن صور السماحة دعوة الإسلام إلى حفظ الحقوق الناس، واحترام المشاعر، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) (الحجرات: 11-12).
بل إن من عظم السماحة في الإسلام: السماحة مع غير المسلمين من المعاهَدين وأهل الكتاب: فقد قال تعالى: (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة: 8) ويقول سيدنا الحبيب النبي (صلى الله عليه وسلمَ): “أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ” (أبو داود).
لقد دعانا الإسلام إلى تطبيق كل القيم والمبادئ النبيلة، ومن أجلها السماحة بكل معانيها، فبالسماحة تصفو القلوب، ويسود الوئام، ويسعد الأنام، فعنْ سيدنا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: “كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ. قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ” هُوَ النَّقِيُّ، التَّقِيُّ، لَا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ”.. وفيها محبة الناس، والنجاة يوم القيامة فقد قال صلى الله عليه وسلم ” مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ أَوْ يَضَعْ عَنْهُ ” (رواه مسلم).. وفيها البعد عن النار، فعن سيدنا جابر قال: قال صلى الله عليه وسلم “ألَا أُخبِرُكم على مَن تحرُمُ النَّارُ غدًا؟ على كلِّ هيِّنٍ ليِّنٍ سهلٍ قريبٍ” (رواه ابن حبان والطبراني).
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق واصرف عنا سيئها
واحفظ اللهم مصر من كل مكروه وسوء
محمد حســــــــــن داود
إمام وخطيب ومـــدرس
دكتوراة في الفقه المقارن