خطبة الجمعة ((التطرف ليس في التدين فقط)) للدكتور مسعد الشايب

خطبة الجمعة ((التطرف ليس في التدين فقط)) (أول مرة) الجمعة الموافقة 21 من جماد ثاني 1447هـ الموافقة 12/12/2025م للدكتور مسعد الشايب
===========================================
خطبة الجمعة word ((التطرف ليس في التدين فقط)) للدكتور مسعد الشايب
خطبة الجمعة pdf ((التطرف ليس في التدين فقط)) للدكتور مسعد الشايب
أولا: العناصر:
- بيان ماهية التطرف اللاديني، وتحذير الشريعة منه.
- أربعة من صور التطرف اللاديني.
- الخطبة الثانية: (من صور التطرف اللاديني التعصب الكروي).
ثانيا: الموضوع:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وحنيفيته، ووهب لنا الأزهر، ووسطيته، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله صادق الوعد الأمين، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
===========================================
(1) ((بيان ماهية التطرف اللاديني، وتحذير الشريعة منه))
===========================================
أيها الأحبة الكرام: فعند الحديث عن التطرف غالبًا ما ينصرف إلى ظاهرة التطرف الديني، إلا أن ثمة نوع آخر ـ ربما أقل اشتهارًا لكنه ـ لا يقل خطورة عن التطرف الديني، ألا وهو التطرف اللاديني، الذي يعدُّ أخطرَ التحديات الوجودية التي يواجهها عالمُنا المُعاصر.
===
والتطرف: مصدرٌ، مأخوذ من مادة (ط ر ف)، ومن معانيها: البعد، ومنه، أطراف الارض: أي: نواحيها. وناقةٌ طَرِفة: لا تَثْبُتُ في مَرْعى واحدٍ، إنّما تتطرّف من النّواحي. (العين للخليل).
والمعنى هنا مجازي، والمراد به: البعد عن حد الوسطية، والاعتدال، وقد يكون هذا التطرف إفراطًا، أي: غلوًا وتشددًا، وقد يكون تفريطًا، أي: تسيبًا، واستهتارًا وتهتكًا.
===
واللاديني: هو الذي لا ينسب لدين، أو لرسالة سماوية. ويقصد بالتطرف اللاديني هنا: ما يعتقده، ويقول به جماعات الملاحدة الذين لا يعترفون بوجود الإله على اختلاف أنواعهم، وكذلك ما يعتقده، ويقول به طوائف الليبراليين، والعلمانيين، وكل من نحا نحوهم، وشاركهم فكرهم من مضادة الدين، وإنكار ثوابته، ومجابهة القيم والمبادئ والأخلاقية.
===
هذا التطرف اللاديني مخالف للوسطية التي تميز بها الإسلام، ودعا لها، فالحق تبارك وتعالى يقول: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}[البقرة:143]، والوسطية تعني: العدل والاعتدال، والبعد عن الغلو والتنطع، والتشدد، بكافة صوره وألوانه.
===
والتطرف اللاديني، هو الوجه الآخرُ، أو الشقُّ الثاني، أو الطرفُ المقابل للتطرف الديني، فالتطرف لا يقتصر على تنسكٍ ديني، أو أيدلوجية معينة، بل يتجلى في أشكال متناقضة ظاهريًا: فمن تطرف ديني يقدس النصوص ويحولها إلى سجون فكرية، إلى تطرف لا ديني يهدم المقدسات باسم العقلانية المطلقة، هذا التطرف اللاديني الذي يفرغ الإنسان من قيمه وأخلاقه ويدفعه للهوى والعدمية، مما يقوض أسس الدين والمجتمع، ويُعتبر خطراً يهدد الإنسان والمجتمع مثل التطرف الديني تمامًا.
===
وإذا كانت الشريعة الإسلامية حذرتنا من التطرف الديني على لسان المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقد جاء القرآن الكريم وحذر من التطرف اللاديني، فقال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[الأنعام:١٥٣]، فهذا تحذير من سلوك الطرق المختلفة عدا طريق الإسلام، مثل طرق الملاحدة بأنواعهم، وطرق العلمانيين، والليبراليين، ومن يسمون أنفسهم بالقرآنيين اليوم، وسائر الملل، والنحل، والأهواء والبدع.
===
وقال سبحانه وتعالى عن أصحاب الحرية المطلقة: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا*أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}[الفرقان:44،43]، قال ابن عباس: كان أحدهم يعبد الحجر، فاذا رأى ما هو أحسن منه رمى به وعبد الآخَر. وقال قتادة: هو الكافر لا يهوى شيئاً إِلا ركبه. وقال ابن قتيبة: المعنى: يتَّبع هواه ويدع الحقَّ، فهو له كالإِله، وقوله تعالى: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}، وشبههم بالبهائم؛ لأن البهائم تهتدي لمراعيها ومشاربها وتنقاد لأربابها الذين يتعهدونها، وهؤلاء لا يعرفون طريق الحق، ولا يطيعون ربهم الذي خلقهم ورزقهم، ولأن الأنعام تسجد وتسبح لله وهؤلاء لا يفعلون ذلك.
فشريعتنا الإسلامية الغراء هي شريعة الوسطية، وحذرتنا من التلبس بالغلو والتطرف الديني واللاديني، ومن صور هذا التطرف اللاديني، ما يعرف ويسمى بـ:
===========================================
(2) ((أربعة من صور التطرف اللاديني))
===========================================
1ـ التنمر، والتنمر في اللغة العربية: يعني التشبه بالنمر في شراسة الأخلاق، فالنمر من أشرس الحيوانات وأخبثها، ولذا يقال: للرجل السيئ الخلق نَمِر، وتنمر لفلان أي: تنكر له، وتغير وأوعده، لأن النمر لا تلقاه أبدا إلا متنكرا غضبان، وكانت ملوك العرب إذا جلست لقتل إنسان لبست جلود النمر، ثم أمرت بقتل من تريد قتله.
===
والتنمر اصطلاحًا: سلوك غير سوي (اضطهاد، عدوان، إساءة) يقوم به فرد أو مجموعة بشكل متعمد، ومتكرر لإيقاع الأذى بفرد أخر أو أخرين، بأشكال مختلفة (نفسية، جسدية، لفظية، اجتماعية، جنسية، الكترونية)، معتمدين على اختلاف ميزان القوى بينهم وبين المتنمر عليه.
===
والتنمر حرامٌ للعديد من الأدلة القرآنية، والنبوية، منها: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[الحجرات:11]، عن أبي جبيرة بن الضحاك (رضي الله عنه) قال: فينا نزلت في بني سلمة {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ}، قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وليس منا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة، فكان إذا دعا أحدا منهم باسم من تلك الأسماء، قالوا: يا رسول الله إنه يغضب من هذا: قال: فنزلت: {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ}. (رواه أحمد).
===
وعن السيدة عائشة (رضي الله عنها)، قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفية كذا وكذا، تعني قصيرة، فقال صلى الله عليه وسلم: (لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ). قالت: وحكيت له إنسانا، فقال: (مَا أُحِبُّ أَنِّي حَكَيْتُ إِنْسَانًا وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا)(رواه أبو داود)، (لمزجته) أي: غلبته وغيرته وأفسدته، (وحكيت له إنسانا) أي فعلت مثل فعله تحقيرا له. (ما أحب أني حكيت إنسانا) أي: ما يسرني أن أتحدث بعيبه، أو ما يسرني أن أحاكيه، بأن أفعل مثل فعله، أو أقول مثل قوله على وجه التنقيص. (وإن لي كذا وكذا) أي: ولو أعطيت كذا وكذا من الدنيا أي: شيئا كثيرا على ذلك، ومن صور التطرف اللاديني أيضًا:
===========================================
2ـ التحرش الجنسي: وهو عبارة عن مضايقات بالقول أو الفعل تحمل إشارات وتلميحات جنسية قد تصل إلى تحسس مناطق الحياء بالجسد، وقد تتطور إلى التعدي والاغتصاب، جاء في معجم اللغة العربية المعاصرة: التحرش الجنسي هو: تقديم مفاتحات جنسيّة مهينة وغير مرغوبة ومنحطّة وملاحظات تمييزيّة.
===
والتحرش الجنسي حرامٌ لقوله صلى الله عليه وسلم: (بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ)(رواه مسلم)، أي: حسبه وكافيه من خلال الشر ورذائل الأخلاق احتقار أخيه المسلم، فلا يستصغره ولا يستقله، ولا يعتدي على ماله وعرضه، ومن الوقوع في العرض والاعتداء عليه التحرش الجنسي، ومن صور التطرف اللاديني أيضًا:
===========================================
3ـ تشويه السمعة، والسمعة: هي ما يقابل العرض والشرف من الإنسان، والمراد بالشرف: كرم النسب وطهارته من التدنس بالسفاح والزنا، والمراد بالعِرض: ما ينال الإنسان ويمسّه في شرفه وشرف أهله.
===
وتشويه السمعة يعني: تشويه العرض والشرف باختلاق الأكاذيب، وافتراء ما لا يصح على الأفراد والجماعات، بل وعلى دول والأوطان، والأمم، بل وعلى الديانات أيضًا، وهو في تلك الحالة الثانية يكون من قبيل المجاز.
===
وتشويه السمعة نوعٌ من أنواع الغيبة، والبهتان والكذب، وكل من الكبائر ومن أقبح الذنوب، ولكلّ وزره وعقابه، فإن كان ما يذكر في التشويه حقيقًا فهو غيبة، وإن كان كذبًا فهو بهتان وافتراء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟). قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: (ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ). قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: (إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ، فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ)(رواه مسلم)، وقال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ فِرْيَةً لَرَجُلٌ هَاجَى رَجُلًا، فَهَجَا الْقَبِيلَةَ بِأَسْرِهَا…) (رواه ابن ماجه).
===
وتشويه السمعة تشبه بالكفرة والمنافقين، الذين كانوا يشوهون سمعة النبي صلى الله عليه وسلم بأكاذيبهم، ومن تشبه بقوم حشر معهم. والسرُّ في تلبس الكفرة والمنافقين بذلك أن تشويه السمعة يؤدي إلى إساءة الظن بالأخرين، وهذا فيه ما فيه وهو منهي عنه كما تقدم في سورة الحجرات، كما أنه يؤدي إلى الصدّ والابتعاد عن الأفراد والمجتمعات، بل والديانات أيضًا، ولنا في ما يحارب به الإسلام اليوم درسٌ وعبرة، فقد حاولوا ويحاولون تشويه صورة الإسلام تارة بأنه انتشر بحدّ السيف، وتارة بأنه ظلم المرأة وبخسها حقها، وتارة بالطعن في نبيه، وتارة بالطعن في كتابه…إلخ.
===
ونحن مأمورون بالتوقف عن سماع هذه الأشياء والتثبت منها، وإحسان الظنّ بالأخرين، قال تعالى في معرض الحديث أيضًا عن حادثة الإفك: {وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ}[النور:16]، وقال سبحانه وتعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}[الإسراء:36]، أي: لا تقل ما ليس لك به علم فلا تقل رأيت , ولم تر , ولا سمعت , ولم تسمع , ولا علمت ولم تعلم، ولا ترم أحدًا بما ليس لك به علم، قال تعالى: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ}[النور:12]، وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ)(اللفظ لمسلم)، ومن صور التطرف اللاديني أيضًا:
===========================================
4ـ الطعن في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فبعضهم يعدّ السنة النبوية من نافلة القول، والقرآن الكريم يغني عنها، وهؤلاء يعرفوا بطائفة (القرآنيين)، وقولتهم هذه: تنمّ عن جهلٍ وحقدٍ دفين تجاه السنة النبوية، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الصنف، فقال: (يُوشِكُ الرَّجُلُ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ، يُحَدَّثُ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِي، فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ)، فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلَالٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ، أَلَّا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ)(رواه الترمذي).
===
وبعضهم ينظر إلى السنة على أنها منتج بشري (وما أكثرهم اليوم) يفسرونه بعقولهم مع غض النظر عن تفسير السابقين من الصحابة والتابعين والأئمة من المفسرين والمحدثين والفقهاء وغيرهم، وهؤلاء لا يدركون مكانة السنة النبوية، ولا يدركون وظيفتها عن عمدٍ أو جهلٍ.
===
كما أن بعضهم ينظر إليها وإلى التراث الإسلامي كله على أنه نصوصٌ واجتهاداتٌ مرتبطة بأزمانها وأماكنها الغابرة، ويعاملونه على أنه تاريخ ينقل لنا تجربة بشرية قابلة للنقد والنقض والتعديل والتطوير بما يتناسب مع الزمان والمكان والظروف الخاصة بكل عصر.
===
وكل ذلك مطية وبداية للطعن في الدين الإسلامي بنصوصه المقدسة من الكتاب والسنة، وبداية للطعن في كل ما فيه من تراثٍ كتبه وخطّه علماؤه وفقهاؤه.
عباد الله: البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والدّيّان لا يموت، اعمل ما شئت كما تدين تدان، فادعوا الله وأنتم موقنون…………
===========================================
(الخطبة الثانية)
((من صور التطرف اللاديني التعصب الكروي))
===========================================
الحمد لله رب العالمين، أعدّ لمَنْ أطاعه جنات النعيم، وسعرّ لمَنْ عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
===
أيها الأحبة الكرام: ما زلنا مع صور التطرف اللاديني، ومن هذه الصور التي فشت وانتشرت في مجتمعنا المصري، وتتنافى مع قيمنا الإسلامية وشهامتنا المصرية ـ التعصب الكروي لفريق ما من الفرق المتنافسة.
===
وإذا كان التعصب محرمٌ ومذمومٌ في شريعتنا الإسلامية الغراء ـ إذا كان بغير وجه حق ـ سواء أكان لمذهب فقهي، أو لجماعة، أو لعصبة أو قبيلة، أو عائلة، فما بالنا إذا كان لفريق كروي وللعبة كل فائدتها الترفيه وحسب.
===
فعن ابن مسعود (رضي الله عنه) قال: انتهيت إلى النبي ﷺ وهو في قبة من أدم (جلد)، فقال: (مَنْ نَصَرَ قَوْمَهُ عَلَى غَيْرِ الْحَقِّ، فَهُوَ كَالْبَعِيرِ الَّذِي رُدِّيَ، فَهُوَ يُنْزَعُ بِذَنَبِهِ)(رواه أبو داود)، ومعناه: إنه قد وقع في الإثم، وهلك كالحيوان الذي سقط في بئر، فصار ينزع بذيله ولا يستطيع الخروج.
===
وعن جبير بن مطعم، أن رسول الله ﷺ، قال: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ)(رواه أبو داود).
===
وعن واثلة بن الأسقع قال: سألت النبي ﷺ فقلت: يا رسول الله أمن العصبية أن يحب الرجل قومه؟. قال: (لَا، وَلَكِنْ مِنَ الْعَصَبِيَّةِ أَنْ يُعِينَ الرَّجُلُ قَوْمَهُ عَلَى الظُّلْمِ)(رواه ابن ماجه).
===
وفي غزوة المريسيع (بني المصطلق) كسع رجل من المهاجرين، رجلًا من الأنصار (لطمه على وجهه)، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فسمع ذلك رسول الله ﷺ، فقال: (مَا بَالُ دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ). قالوا: يا رسول الله، كسع رجل من المهاجرين رجلًا من الأنصار، فقال: (دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ)(متفق عليه).
===
فالتعصب بكل صوره وأشكاله وأنواعه ـ ومنه التعصب الكروي ـ محرمٌ ومذموم؛ لأجل هذه النصوص الشرعية المتقدمة، ولما يترتب عليه من آثار سيئة، كالتالي:ـ
=====
1ـ التعصب عمومًا من خصال الجاهلية، وينافي ما دعت إليه الشريعة الإسلامية من التآخي والترابط والتلاحم؛ لأنه يقطع أواصر الودّ والمحبة والترابط بين الأفراد والمجتمعات، بل وبين الدول وبعضها البعض كما رأينا ونرى على أرض الواقع، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[الحجرات:10]، وقال صلى الله عليه وسلم: (إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ، وَلاَ تَحَسَّسُوا، وَلاَ تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَنَاجَشُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا)(متفق عليه).
=====
2ـ التعصب الكروي قد يؤدي إلى الموت، وقد رأينا ذلك في بعض مباريات كرة القدم، والموت على تلك الحالة من خصال الجاهلية، وقد حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (…وَمَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ، يَغْضَبُ لِلْعَصَبَةِ، وَيُقَاتِلُ لِلْعَصَبَةِ، فَلَيْسَ مِنْ أُمَّتِي…) (رواه مسلم).
=====
3ـ التعصب الكروي يؤدي إلى مجموعة من الأخلاق السيئة التي تنافي تعاليم الإسلام، وتضيع أجر وثواب العبادات والطاعات، كالسباب والشتائم، والهمز واللمز، والسخرية، والاستهزاء، والاحتقار، والازدراء أو ما يسمى ويعرف بين الشباب بـــــ (التحفيل)، وخصوصًا على صفحات التواصل الاجتماعي، قال ﷺ: (إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ)(مسند أحمد)، وقال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ)(رواه البخاري)، وقال صلى الله عليه وسلم: (وَإِنَّ سُوءَ الْخُلُقِ لَيُفْسِدُ الْعَمَلَ كَمَا يُفْسِدُ الخل العسل)(اصطناع المعروف لابن أبي الدنيا).
=====
4ـ المتعصب مردود الشهادة عند فقهاء الشافعية، قال الإمام الشافعي (رحمه الله): (من أظهر العصبية بالكلام وتألف عليها ودعا إليها فهو مردود الشهادة؛ لأنه أتى محرمًا لا اختلاف فيه بين علماء المسلمين علمته). واحتج بقول الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}، وبقول رسول الله ﷺ: (وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا)(السنن الكبرى للبيهقي).
===========================================
فاللهمّ أرنا الحق حقًا، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا، وارزقنا اجتنابه، اللهمّ علمنا من لدنك علمًا نصير به خاشعين، وشفّع فينا سيّد الأنبياء والمرسلين، واكتبنا من الذاكرين، ولا تجعلنا من الغافلين ولا من المحرومين، ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم في جنات النّعيم اللهمّ آمين، اللهمّ آمين. اللهم ارفع عنا الوباء والبلاء والغلاء، وأمدنا بالدواء والغذاء والكساء، اللهم اصرف عنّا السوء بما شئت، وكيف شئت إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير، اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.
كتبها الشيخ الدكتور/ مسعد أحمد سعد الشايب









