خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل
خُطْبَةُ الجُمُعَةِ القَادِمَةِ: ((نِعْمَةُ الْمَاءِ مُقَوِّمٌ أَسَاسَ الْحَيَاةِ)) — د. مُحَمَّدٌ حِرْزٌ

خُطْبَةُ الجُمُعَةِ القَادِمَةِ: ((نِعْمَةُ الْمَاءِ مُقَوِّمٌ أَسَاسَ الْحَيَاةِ)) — د. مُحَمَّدٌ حِرْزٌ — بِتَارِيخِ: ٧ صَفَر ١٤٤٧هـ / ١ أُغُسْطُس ٢٠٢٥م
خُطْبَةُ الجُمُعَةِ القَادِمَةِ WORD : ((نِعْمَةُ الْمَاءِ مُقَوِّمٌ أَسَاسَ الْحَيَاةِ)) — د. مُحَمَّدٌ حِرْزٌ
خُطْبَةُ الجُمُعَةِ القَادِمَةِ PDF : ((نِعْمَةُ الْمَاءِ مُقَوِّمٌ أَسَاسَ الْحَيَاةِ)) — د. مُحَمَّدٌ حِرْزٌ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ، نَقِيًّا مِنَ الشَّوَائِبِ وَالْكَدَرِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الْقَائِلِ فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ [الأنبياء: ٣٠] وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، القَائِلُ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي إِذَا رَأَيْتُكَ طَابَتْ نَفْسِي، وَقَرَّتْ عَيْنِي، فَأَنْبِئْنِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، فَقَالَ: كُلُّ شَيْءٍ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ) رَوَاهُ أَحْمَدُ. فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَزِدْ وَبَارِكْ عَلَى النَّبِيِّ الْمُخْتَارِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الْأَطْهَارِ، وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ
. أَمَّا بَعْدُ… فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي أَيُّهَا الْأَخْيَارُ بِتَقْوَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ، وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢]
عِبَادَ اللهِ، إنَّ ((نِعْمَةَ الْمَاءِ مُقَوِّمٌ أَسَاسِيٌّ لِلْحَيَاةِ)) هُوَ عُنْوَانُ وَزَارَتِنَا وَخُطْبَتِنَا.
عَنَاصِرُ اللِّقَاءِ:
أولًا : نِعْمَةُ الْمَاءِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا نِعْمَةُ الْمَاءِ؟
ثانيًا: هَلْ شَكَرْنَا اللهَ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ، وَالْمِنَّةِ الْكَبِيرَةِ؟
ثالثــــًا : إِيَّاكَ وَالإِسْرَافَ فِي الْمَاءِ.
رابعًا وَأَخِيرًا: الإِجَازَةُ الصَّيْفِيَّةُ جُزْءٌ مِنْ عُمْرِكَ وَحَيَاتِكَ.
أَيُّهَا السَّادَةُ، مَا أَحْوَجَنَا فِي هَذِهِ الدَّقَائِقِ الْمَعْدُودَةِ إِلَى أَنْ يَكُونَ حَدِيثُنَا عَنْ نِعْمَةِ الْمَاءِ، وَخَاصَّةً أَنَّهَا نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ، وَمِنَّةٌ كَبِيرَةٌ، فَلَا حَيَاةَ دُونَ الْمَاءِ، وَهِيَ الْمُقَوِّمُ الأَسَاسِيُّ لِلْحَيَاةِ، وَهِيَ أَرْخَصُ مَوْجُودٍ وَأَغْلَى مَفْقُودٍ، وَإِنَّ الْحِفَاظَ عَلَى كُلِّ قَطْرَةِ مَاءٍ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ. وَنَجِدُ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ -إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ- يُسْرِفُونَ فِي الْمَاءِ بِطَرِيقَةٍ غَرِيبَةٍ، لَا تُرْضِي اللهَ -جَلَّ وَعَلَا-، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ تَعَوَّدُوا وُجُودَ النِّعْمَةِ وَأَلِفُوهَا، فَهُمْ تَحْتَ تَأْثِيرِ الْإِلْفِ وَالْعَادَةِ، قَدْ يَنْسَوْنَ قَدْرَ النِّعْمَةِ عَلَيْهِم؛ لِأَنَّهَا دَائِمًا حَاضِرَةٌ بَيْنَ أَيْدِيهِم. وَمِنْ هَذِهِ النِّعَمِ الَّتِي قَدْ يَنْسَى الْبَعْضُ أَهَمِّيَّتَهَا: نِعْمَةُ الْمَاءِ، فَلْيَتَخَيَّلْ أَحَدُكُمْ فَقْدَهَا وَلَوْ لِزَمَنٍ يَسِيرٍ، حِينَئِذٍ يَعْلَمُ أَنَّ فَضْلَ اللهِ عَلَيْهِ بِهَا عَظِيمٌ، وَأَنَّ فَقْدَهَا خَطَرٌ جَسِيمٌ. قَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا، فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾ [الملك: ٣٠] فَكَانَ لِزَامًا عَلَيْنَا نَحْنُ الدُّعَاةَ تَحْذِيرُ النَّاسِ مِنَ الإِسْرَافِ فِي الْمَاءِ، وَالنِّدَاءُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ. وَالتَّنْبِيهُ عَلَى اسْتِغْلَالِ الِاجَازَةِ الصَّيْفِيَّةِ فِي طَاعَةِ الرَّحْمَنِ قَبْلَ فَوَاتِ الْاوَانِ
وَالتَّنْبِيهُ عَلَى اسْتِغْلَالِ الْإِجَازَةِ الصَّيْفِيَّةِ فِي طَاعَةِ الرَّحْمَنِ قَبْلَ فَوَاتِ الْأَوَانِ.
أَوَّلًا: نِعْمَةُ الْمَاءِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا نِعْمَةُ الْمَاءِ؟
أَيُّهَا السَّادَةُ: إِنَّ نِعَمَ اللهِ عَلَى الْإِنْسَانِ كَثِيرَةٌ وَعَدِيدَةٌ، لَا يَحُدُّهَا حَدٌّ، وَلَا يُحْصِيهَا عَدٌّ، وَلَا يُسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِهَا أَحَدٌ، فَهِيَ نِعَمٌ عَامَّةٌ، سَابِغَةٌ تَامَّةٌ، ظَاهِرَةٌ وَبَاطِنَةٌ، قَالَ جَلَّ وَعَلَا: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النَّحْلِ: 18]، وَيَقُولُ جَلَّ شَأْنُهُ: ﴿وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾ [لُقْمَانَ: 20]، وَمِنْ أَجَلِّ نِعَمِ اللهِ عَلَى الْإِنْسَانِ وَأَعْظَمِهَا – وَكُلُّهَا جَلِيلَةٌ وَعَظِيمَةٌ – نِعْمَةُ الْمَاءِ.
الْمَاءُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْمَاءُ؟ مَصْدَرُ الْحَيَاةِ، وَأَعْظَمُ مَخْلُوقَاتِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا وَمِنْ أَوَّلِهَا فِي الْوُجُودِ، وَقَدْ جَعَلَهُ اللهُ أَسَاسَ الْحَيَاةِ وَعُنْصُرَهَا، الَّذِي تَقُومُ عَلَيْهِ وَتَبْدَأُ مِنْهُ، قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: 30]. وَكَيْفَ لَا؟ وَقَدْ قَرَنَ اللهُ ذِكْرَ خَلْقِ الْمَاءِ بِخَلْقِ الْعَرْشِ، قَالَ جَلَّ وَعَلَا: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ﴾ [هُود: 7]. وَكَيْفَ لَا؟ وَلَوْلَا الْمَاءُ مَا كَانَ إِنْسَانٌ، وَمَا عَاشَ حَيَوَانٌ، وَمَا نَبَتَ زَرْعٌ أَوْ شَجَرٌ، فَمِنَ الْمَاءِ يَشْرَبُ الْإِنْسَانُ، وَمِنْهُ يَخْرُجُ الْمَرْعَى، وَبِهِ تُكْسَى الْأَرْضُ بِسَاطًا أَخْضَرَ، فَتَبْدُو لِلنَّاظِرِينَ أَجْمَلَ وَأَنْضَرَ، قَالَ جَلَّ وَعَلَا: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النَّحْلِ: 10-11]، وَقَالَ جَلَّ وَعَلَا: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا * لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا﴾ [النَّبَإِ: 14–15]. الْمَاءُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْمَاءُ؟ يُلَازِمُ الْمَاءُ عِبَادَ اللهِ الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى دُخُولِ الْجَنَّةِ، فَيَجِدُونَ فِيهَا الْأَنْهَارَ وَالْعُيُونَ الْعَذْبَةَ ذَاتَ الْحُسْنِ وَالْبَهَاءِ، يَقُولُ رَبُّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ﴾ [مُحَمَّد: 15]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ﴾ [الْمُرْسَلَاتِ: 41]. الْمَاءُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْمَاءُ؟ وَلِعَظِيمِ حَاجَةِ النَّاسِ لِلْمَاءِ، وَتَشَوُّفِهِمْ لِنُزُولِهِ، ضَرَبَ اللهُ بِالْمَاءِ أَمْثَالًا مُتَعَدِّدَةً فِي الْقُرْآنِ، فَلَقَدْ شَبَّهَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا الدُّنْيَا بِالْمَاءِ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، قَالَ جَلَّ وَعَلَا: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا﴾ [الْكَهْفِ: 45]. وَجَوَامِعُ التَّشْبِيهِ بَيْنَهُمَا مُتَعَدِّدَةٌ، مِنْهَا: الْمَاءُ لَيْسَ لَهُ قَرَارٌ، وَالدُّنْيَا لَيْسَتْ دَارَ قَرَارٍ، وَقِيلَ: لِأَنَّ الْمَاءَ إِنْ أَمْسَكْتَهُ نَتِنَ وَتَغَيَّرَ، وَكَذَلِكَ الدُّنْيَا لِمَنْ أَمْسَكَهَا بَلِيَّةٌ! وَقِيلَ: لِأَنَّ الْمَاءَ يَأْتِي قَطْرَةً قَطْرَةً، وَيَذْهَبُ دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَكَذَلِكَ الدُّنْيَا، وَالْمَاءُ طَبْعُهُ النُّقْصَانُ، وَكَذَلِكَ الدُّنْيَا
نِعْمَةُ الْمَاءِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا نِعْمَةُ الْمَاءِ؟ جُنْدٌ مِنْ جُنْدِ اللهِ، وَرَحْمَةٌ مِنْ رَحَمَاتِهِ، فَلَقَدْ رَحِمَ اللهُ بِالْمَاءِ نُوحًا، وَنَجَّاهُ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى ظَهْرِ سَفِينَةٍ، وَحَمَلَ مُوسَى الرَّضِيعَ وَهُوَ فِي التَّابُوتِ عَلَى مَائِهِ، وَرَحِمَ اللهُ بِهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ لَمَّا اسْتَسْقَوْهُ، وَرَحِمَ بِهِ رَسُولَنَا ﷺ وَصَحْبَهُ الْكِرَامَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَثَبَّتَهُمْ، وَرَبَطَ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَحَمَلَ جُنْدَ الْإِسْلَامِ فِي ذَاتِ الصَّوَارِي زَمَنَ ذِي النُّورَيْنِ عُثْمَانَ، وَالْغَيْثُ فِي عَامَّتِهِ خَيْرٌ وَرَحْمَةٌ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [الشُّورَى: 28]. وَالْمَاءُ جُنْدٌ مِنْ جُنْدِ اللهِ عَذَّبَ اللهُ بِهِ أَقْوَامًا، فَأَغْرَقَ بِالْمَاءِ قَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَفَرُوا بِاللهِ وَخَالَفُوا أَمْرَهُ، وَأَغْرَقَ بِهِ الطَّاغِيَةَ فِرْعَوْنَ بَعْدَ تَفَاخُرِهِ بِالْمَاءِ، فَأَعْلَمَهُ اللهُ قَدْرَهُ، وَنَجَّاهُ بِبَدَنِهِ؛ لِيَكُونَ لِلنَّاسِ عِبْرَةً، وَأَغْرَقَ سَبَأَ بِالسَّيْلِ الْعَرِمِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ﴾ [سَبَأ: 15–16]. نِعْمَةُ الْمَاءِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا نِعْمَةُ الْمَاءِ؟ أَفْضَلُ صَدَقَةٍ يَتَصَدَّقُ بِهَا الْإِنْسَانُ سَقْيُ الْمَاءِ، سَقْيُ الْمَاءِ عِبَادَةٌ مِنْ أَفْضَلِ الْعِبَادَاتِ وَالْأَعْمَالِ، فَعَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: “أَنَّ أُمَّهُ مَاتَتْ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ، أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا؟” أَيْ: أَتَنْفَعُهَا صَدَقَتِي لَهَا، فَيَعُودُ عَلَيْهَا ثَوَابُهَا وَتُؤْجَرُ بِهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “نَعَمْ”، فَقَالَ سَعْدٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: “فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟” أَيْ: أَيُّ أَعْمَالِ الصَّدَقَاتِ تَكُونُ أَكْثَرَ أَجْرًا وَأَنْفَعَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “سَقْيُ الْمَاءِ”. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – حَبْرُ الْأُمَّةِ وَتُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ – حِينَ سُئِلَ عَنْ أَفْضَلِ الصَّدَقَةِ، قَالَ: الْمَاءُ؛ أَلَمْ تَرَوْا إِلَى أَهْلِ النَّارِ حِينَ اسْتَغَاثُوا بِأَهْلِ الْجَنَّةِ: ﴿أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾ [الْأَعْرَافِ: 50]. الْمَاءُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْمَاءُ؟ بِهِ تَتَحَقَّقُ الطَّهَارَةُ، وَالطَّهَارَةُ مِنْ أَهَمِّ الْمُهِمَّاتِ فِي دِينِ اللهِ – جَلَّ وَعَلَا –، وَأَهَمِّيَّتُهَا دَلَّتْ عَلَيْهَا نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، قَالَ رَبُّنَا – جَلَّ وَعَلَا –: ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ [التَّوْبَةِ: 108]. وَقَالَ – جَلَّ وَعَلَا –: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [الْمَائِدَةِ: 6]
فَالطَّهَارَةُ هِيَ مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ، الطَّهَارَةُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ، فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ. أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ)) مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ – أَيْ نِصْفُهُ)). الْمَاءُ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْمَاءُ؟ قَالَ جَلَّ وَعَلَا: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾ [نوح: ١٠–١٢]. وَأَخْبَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أَنَّ مِنْ عُقُوبَاتِ الذُّنُوبِ: مَنْعَ الْمَطَرِ أَوْ نُدْرَتَهُ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ جَدْبٍ وَقَحْطٍ. فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: ((يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ – وَذَكَرَ ﷺ مِنْهَا -: وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا)) الْمَاءُ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْمَاءُ؟! مُلْكٌ عَظِيمٌ لَا يُسَاوِي شَرْبَةَ مَاءٍ. يَا الله! لَمَّا دَخَلَ ابْنُ السَّمَّاكِ عَلَى هَارُونَ الرَّشِيدِ، وَكَانَ فِي يَدِهِ جَامٌ مِنْ مَاءٍ – أَيْ: كُوبٌ أَوْ كَأْسٌ فِيهِ مَاءٌ – فَقَالَ لَهُ الرَّشِيدُ: عِظْنِي. فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّكَ كُنْتَ فِي صَحْرَاءَ مُجْدِبَةٍ، وَانْقَطَعَتْ بِكَ السَّبِيلُ، وَلَمْ تَجِدْ مَاءً وَلَا غِذَاءً، أَكُنْتَ تُعْطِي مَنْ يُعْطِيكَ هَذِهِ الشَّرْبَةَ الَّتِي فِي يَدِكَ نِصْفَ مُلْكِكَ؟!! وَمُلْكُهُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ هُوَ الَّذِي كَانَ يُقَالُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ: لَا تَغِيبُ عَنْهُ الشَّمْسُ. فَإِنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ إِلَى السَّحَابَةِ فِي السَّمَاءِ، وَيَقُولُ لَهَا مُخَاطِبًا: ((اِمْطُرِي حَيْثُ شِئْتِ، فَسَوْفَ يَأْتِينِي خَرَاجُكِ)). فَمَهْمَا نَزَلَ قَطْرُكِ، فَسَيَنْزِلُ عَلَى أَرْضٍ عَلَيْهَا تُرَفْرِفُ رَايَةُ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ. هَذَا الْمُلْكُ الْفَسِيحُ لَمَّا سَاوَمَ عَلَيْهِ ابْنُ السَّمَّاكِ بِكَأْسٍ مِنْ مَاءٍ، أَوْ سَاوَمَ عَلَى نِصْفِهِ بَدْءًا، قَالَ: أَكُنْتَ تُعْطِي لِمَنْ يُعْطِيكَ هَذِهِ الشَّرْبَةَ الَّتِي فِي يَدِكَ نِصْفَ مُلْكِكَ؟!! قَالَ: بَلْ أُعْطِيهِ مُلْكِي كُلَّهُ، لِأَنَّهُ لَا يُسَاوِي حِينَئِذٍ شَيْئًا، وَهَذِهِ الشَّرْبَةُ تُسَاوِي الْحَيَاةَ. حِينَئِذٍ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّكَ شَرِبْتَهَا فَاحْتُبِسَتْ فِيكَ، أَكُنْتَ تُعْطِي لِمَنْ يُخْرِجُهَا مِنْكَ نِصْفَ الْمُلْكِ الْآخَرَ؟!! قَالَ: بَلْ أُعْطِيهِ مُلْكِي كُلَّهُ. قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! فَانْظُرْ إِلَى مُلْكٍ لَا يُسَاوِي عِنْدَ نِعَمِ اللهِ بَوْلَةً وَلَا شَرْبَةً. الْمَاءُ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْمَاءُ؟! الْمَاءُ حَقٌّ لِلْجَمِيعِ. قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: الْمَاءِ، وَالْكَلَإِ، وَالنَّارِ)). الْمَاءُ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْمَاءُ؟! الْمَاءُ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللهِ، وَدَلِيلٌ عَلَى قُدْرَةِ اللهِ الْوَاحِدِ الدَّيَّانِ. قَالَ جَلَّ وَعَلَا: ﴿أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً، فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ، مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا، أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ؟! بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ﴾ [النمل: ٦٠]. وَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ:
فَيَا عَجَبًا كَيْفَ يُعْصَى الإِلَهُ * أَمْ كَيْفَ يَجْحَدُهُ الْجَاحِدُ؟
وَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ * تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدُ
ثَانِيًا: هَلْ شَكَرْنَا اللهَ عَلَى هذِهِ النِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ وَالْمِنَّةِ الْكَبِيرَةِ؟
أَيُّهَا السَّادَةُ: نِعْمَةُ الْمَاءِ مِنْ أَجَلِّ النِّعَمِ، وَمِنَّةٌ مِنْ أَعْظَمِ الْمِنَنِ، وَآيَةٌ مِنْ أَكْبَرِ الْآيَاتِ وَالسُّنَنِ، بِهَا تَدُومُ الْحَيَاةُ وَتَعِيشُ جَمِيعُ الْكَائِنَاتِ، فَلَا غِنَى لِمَخْلُوقٍ عَنْهَا، وَلَا عَيْشَ لَهُمْ بِدُونِهَا، فَهَلْ شَكَرْنَا اللهَ جَلَّ وَعَلَا عَلَى هذِهِ النِّعْمَةِ؟ هَلْ أَدَّيْنَا حَقَّهَا؟ قَالَ جَلَّ وَعَلَا: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: 7]. كَيْفَ بِنَا؟ لَوْ كَانَ الْمَاءُ مِلْحًا أُجَاجًا؛ حِينَهَا نَعْلَمُ أَنَّ عُذُوبَةَ الْمَاءِ نِعْمَةٌ إِلَهِيَّةٌ، وَمِنْحَةٌ رَبَّانِيَّةٌ، تَسْتَوْجِبُ حَمْدَ اللهِ وَشُكْرَهُ، وَتَسْبِيحَهُ وَذِكْرَهُ، يَقُولُ اللهُ -تَعَالَى-: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ﴾ [الْوَاقِعَةِ: 68-70]. إِنَّ الْمَاءَ فِي مَكَانِ الصَّدَارَةِ مِنَ النِّعَمِ الَّتِي يُسْأَلُ عَنْهَا الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ مِنَ النَّعِيمِ الْمَقْصُودِ فِي قَوْلِ اللهِ -تَعَالَى-: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ [التَّكَاثُرِ: 8]. وَقَدْ جَاءَ فِي الْأَثَرِ: “إِنَّ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ النَّعِيمِ أَنْ يُقَالَ لَهُ: أَلَمْ نُصَحِّ لَكَ بَدَنَكَ وَنُرْوِكَ مِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ؟” وَلَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ حَفِيًّا بِنِعْمَةِ اللهِ يُعَظِّمُهَا وَيَشْكُرُهَا، وَمَا أَكْثَرَ الدَّعَوَاتِ الَّتِي كَانَ يَدْعُو بِهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ حِينَ يَفْرُغُ مِنْ طَعَامِهِ إِذَا طَعِمَ وَشَرَابِهِ إِذَا شَرِبَ، فَكَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ قَالَ: “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَجَعَلَنَا مُسْلِمِينَ” وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ قَالَ: “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي مَنَّ عَلَيْنَا وَهَدَانَا، وَأَشْبَعَنَا وَأَرْوَانَا، وَكُلَّ الْإِحْسَانِ آتَانَا” وَكَانَ إِذَا شَرِبَ الْمَاءَ قَالَ: “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَقَانَا عَذْبًا فُرَاتًا بِرَحْمَتِهِ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ مِلْحًا أُجَاجًا بِذُنُوبِنَا” إِنَّ هذِهِ الْبَشَاشَةَ الَّتِي يَسْتَقْبِلُ بِهَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نِعْمَةَ الْمَاءِ وَشُكْرَ مُسْدِيهَا الْأَعْلَى جَلَّ شَأْنُهُ لَهِيَ أَعْظَمُ دَلَالَةٍ عَلَى أَهَمِّيَّةِ هذِهِ النِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ أَيُّهَا الْأَخْيَارُ. كَيْفَ بِنَا؟ لَوْ حُرِمْنَا نِعْمَةَ الْمَاءِ يَا سَادَةُ؟ قَالَ جَلَّ وَعَلَا: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾ [الْمُلْكِ: 30]. وَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ: سَلِ الْوَاحَةَ الْخَضْرَاءَ وَالْمَاءَ جَارِيًا … وَهذِي الصَّحَارِي وَالْجِبَالَ الرَّوَاسِيَا سَلِ الرَّوْضَ مُزْدَانًا، سَلِ الزَّهْرَ وَالنَّدَى … سَلِ اللَّيْلَ وَالْأَنْسَامَ وَالطَّيْرَ شَادِيَا وَسَلْ هذِهِ الْأَكْوَانَ وَالْأَرْضَ وَالسَّمَا … وَسَلْ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعُ الْحَمْدَ سَارِيَا فَلَوْ جَنَّ هذَا اللَّيْلُ وَامْتَدَّ سَرْمَدًا … فَمَنْ غَيْرُ رَبِّي يُرْجِعُ الصُّبْحَ ثَانِيَا؟! فَهَلْ شَكَرْنَا اللهَ عَلَى هذِهِ النِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا وَبِالْبُعْدِ عَنِ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي وَالْآثَامِ؟ إِذَا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَارْعَهَا … فَإِنَّ الْمَعَاصِي تُزِيلُ النِّعَم وَحَافِظْ عَلَيْهَا بِتَقْوَى الإِلَهِ … فَإِنَّ الإِلَهَ سَرِيعُ النِّقَم فَسُبْحَانَكَ رَبَّنَا مَا أَعْظَمَكَ، فَلَا قُدْرَةَ فَوْقَ قُدْرَتِكَ، وَلَا قُوَّةَ فَوْقَ قُوَّتِكَ، تَخْلُقُ مَا تَشَاءُ، وَتَأْمُرُ بِمَا تَشَاءُ، وَتُمْسِكُ مَا تَشَاءُ عَمَّنْ تَشَاءُ، وَتُرْسِلُ مَا تَشَاءُ إِلَى مَنْ تَشَاءُ، سُبْحَانَكَ مَا أَعْظَمَكَ! هَوَاءٌ، وَمَاءٌ، وَأَرْضٌ، وَسَمَاءٌ، وَبَرٌّ، وَبَحْرٌ، وَنُجُومٌ، وَكَوَاكِبُ، وَإِنْسٌ، وَجِنٌّ، وَمَخْلُوقَاتٌ كَثِيرَةٌ، مَا لَا نَعْلَمُهُ مِنْهَا أَكْثَرُ مِمَّا نَعْلَمُهُ، وَمَا لَا نَرَاهُ مِنْهَا أَكْثَرُ مِنَ الَّذِي نَرَاهُ، وَكُلُّهُمْ جُنُودٌ لِلَّهِ، خَاضِعُونَ لِعَظَمَةِ اللهِ جَلَّ جَلَالُهُ، فَمَنْ تَأَمَّلَ فِي هذَا كُلِّهِ عَلِمَ وَأَيْقَنَ كَمَالَ قُدْرَةِ اللهِ -تَعَالَى-، وَرَحْمَتَهُ بِعِبَادِهِ، وَعَظَمَتَهُ سُبْحَانَهُ، وَإِبْدَاعَهُ فِي خَلْقِهِ. وَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ:
بِكَ أَسْتَجِيرُ وَمَنْ يُجِيرُ سِوَاكَا … فَأَجِرْ ضَعِيفًا يَحْتَمِي بِحِمَاكَا
إِنِّي ضَعِيفٌ أَسْتَعِينُ عَلَى قُوَى … ذَنْبِي وَمَعْصِيَتِي بِبَعْضِ قُوَاكَا
أَذْنَبْتُ يَا رَبِّي وَآذَتْنِي ذُنُوبٌ … مَا لَهَا مِنْ غَافِرٍ إِلَّا كَا
دُنْيَايَ غَرَّتْنِي وَعَفْوُكَ غَرَّنِي … مَا حِيلَتِي فِي هذِهِ أَوْ ذَاكَا
يَا غَافِرَ الذَّنْبِ الْعَظِيمِ وَقَابِلًا … لِلتَّوْبِ قَلْبٌ تَائِبٌ نَاجَاكَا
أَتَرُدَّهُ وَتَرُدَّ صَادِقَ تَوْبَتِي * حَاشَاكَ تَرْفُضُ تَائِبًا حَاشَاك
فَلْيَرْضَ عَنِّي النَّاسُ أَوْ فَلْيَسْخَطُوا * أَنَا لَمْ أَعُدْ أَسْعَى لِغَيْرِ رِضَاكَا
ثَالِثًا: إِيَّاكَ وَالإِسْرَافَ فِي الْمَاءِ.
أَيُّهَا السَّادَةُ: إِنَّ شُكْرَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى نِعْمَةِ الْمَاءِ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الشُّكْرِ بِاللِّسَانِ، بَلْ يَتَعَدَّاهُ إِلَى الشُّكْرِ بِحُسْنِ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَحُسْنِ اسْتِغْلَالِهِ، وَالاقْتِصَادِ وَالتَّرْشِيدِ فِي اسْتِعْمَالِهِ، فَأَيُّ إِسْرَافٍ فِي اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ هُوَ تَصَرُّفٌ سَيِّءٌ وَسُلُوكٌ غَيْرُ حَمِيدٍ، جَاءَ النَّهْيُ عَنْهُ صَرِيحًا فِي الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ، يَقُولُ اللهُ -تَعَالَى-: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأعراف: ٣١] وَإِذَا كَانَ الإِسْرَافُ فِي اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لِلشُّرْبِ مَنْهِيًّا عَنْهُ وَمَمْنُوعًا مِنْهُ، فَإِنَّ اسْتِعْمَالَهُ بِإِسْرَافٍ فِي مَجَالَاتٍ أُخْرَى أَكْثَرُ مَنْعًا وَأَشَدُّ خَطَرًا. وَقَدْ وَرَدَ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ أَنَّهُ كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ اغْتَسَلَ بِالْقَلِيلِ، وَإِذَا تَوَضَّأَ تَوَضَّأَ بِالنَّزْرِ الْيَسِيرِ، فَعَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: “كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ، وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ”، وَالْمُدُّ: مِلْءُ الْيَدَيْنِ الْمُتَوَسِّطَتَيْنِ. وَإِذَا كَانَ الاقْتِصَادُ فِي اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِي الْعِبَادَةِ مَطْلُوبًا وَعَمَلًا مَرْغُوبًا، فَالاقْتِصَادُ فِي غَيْرِ الْعِبَادَةِ أَوْلَى وَأَحْرَى، وَإِنْ كَانَ الَّذِي يُغْرَفُ مِنْهُ نَهْرًا أَوْ بَحْرًا. وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَرَّ بِسَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَقَالَ: “مَا هَذَا السَّرَفُ يَا سَعْدُ؟” قَالَ: أَفِي الْوُضُوءِ سَرَفٌ؟ قَالَ: “نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهَرٍ جَارٍ”. فَالْمُحَافَظَةُ عَلَى الْمَاءِ مَطْلَبٌ شَرْعِيٌّ، وَوَاجِبٌ وَطَنِيٌّ، وَمَسْؤُولِيَّةٌ وَوَفَاءٌ تَقَعُ عَلَى عَاتِقِ الْجَمِيعِ، فَاللَّهَ اللَّهَ فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْمَاءِ، اللَّهَ اللَّهَ فِي عَدَمِ الإِسْرَافِ فِي الْمَاءِ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ الْحَمْدُ للهِ وَلَا حَمْدَ إِلَّا لَهُ، وَبِسْمِ اللهِ وَلَا يُسْتَعَانُ إِلَّا بِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ……… أَمَّا بَعْدُ
رَابِعًا وَأَخِيرًا: الإِجَازَةُ الصَّيْفِيَّةُ جُزْءٌ مِنْ عُمْرِكَ وَحَيَاتِكَ!!
أَيُّهَا السَّادَةُ: الْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ اسْتِغْلَالُ الإِجَازَةِ الصَّيْفِيَّةِ فِي طَاعَةِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا، وَكَيْفَ لَا؟! وَلَيْسَ فِي حَيَاةِ الْمُسْلِمِ عُطْلَةٌ، إِنَّمَا سَعْيٌ دَائِمٌ، وَعَمَلٌ مُسْتَمِرٌّ، قَالَ جَلَّ وَعَلَا: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾ لِذَا قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ – رَحِمَهُ اللهُ –: “إِضَاعَةُ الْوَقْتِ أَشَدُّ مِنَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ إِضَاعَةَ الْوَقْتِ تَقْطَعُكَ عَنِ اللهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ، وَالْمَوْتُ يَقْطَعُكَ عَنِ الدُّنْيَا وَأَهْلِهَا”. وَكَيْفَ لَا؟! وَالْوَالِدَانِ كَانَا فِي تَرَقُّبٍ وَحَذَرٍ، وَتَخَوُّفٍ وَأَمَلٍ، يَنْتَظِرَانِ عَلَى أَحَرِّ مِنَ الْجَمْرِ، مَا تَئُولُ إِلَيْهِ نَتِيجَةُ الْأَبْنَاءِ فِي الِامْتِحَانَاتِ، وَقَدْ أُبْرِمَتِ الْوُعُودُ، وَزُفَّتِ الْبَشَائِرُ، بِالْهَدَايَا الْقَيِّمَةِ وَالرِّحَلَاتِ الْمُمْتِعَةِ، إِذَا كَانَتِ النَّتَائِجُ مُرْضِيَةً مُشَرِّفَةً. وَأُعْلِنَتِ النَّتَائِجُ، وَبَدَأَتِ الإِجَازَةُ الصَّيْفِيَّةُ الطَّوِيلَةُ، تِلْكَ الإِجَازَةُ الَّتِي يَنْتَظِرُهَا مَلَايِينُ الطُّلَّابِ وَالطَّالِبَاتِ مِنْ أَبْنَائِنَا وَبَنَاتِنَا
لِيَسْتَرِيحُوا مِنْ عَنَاءِ السَّهَرِ وَالْمُذَاكَرَةِ، وَالذَّهَابِ يَوْمِيًّا إِلَى الْمَدَارِسِ وَالْجَامِعَاتِ وَالْمَعَاهِدِ. نَعَمْ .. لَقَدْ بَدَأَتِ الإِجَازَةُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا قَضَى اللهُ فِيهَا مِنَ الأَقْدَارِ وَالأَخْبَارِ .. اللَّهُ أَعْلَمُ كَمْ فِيهَا مِنْ رَحْمَةٍ تَنْتَظِرُ السُّعَدَاءَ!! وَكَمْ فِيهَا مِنْ بَلِيَّةٍ وَمُصِيبَةٍ تَنْتَظِرُ الأَشْقِيَاءَ!! نَسْأَلُ اللهَ الْعَظِيمَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ، وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، أَنْ يَجْعَلَ مَا وَهَبَ لَنَا مِنْ زِيَادَةِ الْعُمْرِ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَأَنْ يَعْصِمَنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ بَلَاءٍ وَشَرٍّ. وَالْإِجَازَةُ لَيْسَتْ كَمَا يَظُنُّ بَعْضُ النَّاسِ مَضْيَعَةً لِلأَوْقَاتِ، وَلَيْسَتْ فُرْصَةً لِلْمَعَاصِي وَالْمُنْكَرَاتِ، فَمَا دُمْنَا نَأْكُلُ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ، وَنَمْشِي عَلَى أَرْضِهِ، وَنَسْتَظِلُّ بِسَمَائِهِ، وَنَسْتَنْشِقُ مِنْ هَوَائِهِ، فَلَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَعْصِيَهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ. الإِجَازَةُ جُزْءٌ مِنْ عُمْرِكَ وَحَيَاتِكَ تُرْصَدُ فِيهَا الأَعْمَالُ وَتُسَجَّلُ الأَقْوَالُ، وَاعْلَمْ أَنَّكَ مَوْقُوفٌ لِلْحِسَابِ بَيْنَ يَدَي ذِي الْعِزَّةِ وَالْجَلَالِ، فَإِنَّ الدُّنْيَا دَارُ اخْتِبَارٍ وَبَلَاءٍ، كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ الْمُخْتَارُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ؟” (رَوَاهُ التِّرْمِذِي) فَوَظِّفْ أَنْفَاسَكَ فِي طَاعَةِ مَوْلَاكَ، وَجَاهِدْ نَفْسَكَ وَهَوَاكَ، وَابْتَعِدْ عَنْ وَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ، وَاسْمَعْ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – وَهُوَ يَقُولُ: “مَا نَدِمْتُ عَلَى شَيْءٍ نَدَمِي عَلَى يَوْمٍ غَرَبَتْ شَمْسُهُ، اقْتَرَبَ فِيهِ أَجَلِي، وَلَمْ يَزْدَدْ فِيهِ عَمَلِي” وَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ: إِذَا مَرَّ بِي يَوْمٌ وَلَمْ أَسْتَفِدْ هُدًى وَلَمْ أَكْتَسِبْ عِلْمًا فَمَا ذَاكَ مِنْ عُمْرِي واِسْتِغْلَالُ الْفَرَاغِ فِي الْإِجَازَةِ مُهِمٌّ لِلْغَايَةِ، فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا – قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ” (رَوَاهُ الْبُخَارِي) وَلِذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ” (رَوَاهُ الْحَاكِم) آهٍ مِنَ الْفَرَاغِ عَلَى شَبَابِنَا وَأَخَوَاتِنَا وَعَلَى أَنْفُسِنَا!! آهٍ مِنَ الْفَرَاغِ وَخَطَرِهِ. الْفَرَاغُ نِعْمَةٌ مِنْ أَجَلِّ النِّعَمِ، وَنَحْنُ لَا نَدْرِي. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا – قَالَ: “نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ”. وَالْفَرَاغُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: 1. الْفَرَاغُ الْقَلْبِيُّ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْقَلْبُ فَارِغًا مِنَ الْإِيمَانِ. وَعِلَاجُهُ: بِزِيَادَةِ الْإِيمَانِ. يَقُولُ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ: “تَفَقَّدْ قَلْبَكَ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ: عِنْدَ سَمَاعِ الْقُرْآنِ، وَفِي مَجَالِسِ الذِّكْرِ وَالْعِلْمِ، وَفِي الْخَلْوَةِ بَيْنَكَ وَبَيْنَ رَبِّكَ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْهُ فَابْحَثْ عَنْ قَلْبِكَ، فَإِنَّهُ لَا قَلْبَ لَكَ!” . الْفَرَاغُ النَّفْسِيُّ: النَّفْسُ إِنْ لَمْ تَشْغَلْهَا بِالْحَقِّ، شَغَلَتْكَ بِالْبَاطِلِ. كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: “وَالنَّفْسُ أَمَّارَةٌ…” وَقَالَ اللهُ: ﴿إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ﴾ 3. الْفَرَاغُ الْعَقْلِيُّ: حَيَاتُهُ دَمَارٌ، وَآخِرَتُهُ بَوَارٌ، قَالَ اللهُ: ﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [الملك: 10] يَا سَاهِيًا لَاهِيًا عَمَّا يُرَادُ بِهِ … آنَ الرَّحِيلُ وَمَا قَدَّمْتَ مِنْ زَادِ تَرْجُو الْبَقَاءَ صَحِيحًا سَالِمًا أَبَدًا … هَيْهَاتَ أَنْتَ غَدًا فِيمَنْ غَدَا غَادِ فَأَفِقْ مِنْ غَفْلَتِكَ، وَانْتَهِزِ الْفُرْصَةَ، وَاسْتَثْمِرْ وَقْتَكَ بِعَمَلِ الْخَيْرَاتِ وَالطَّاعَاتِ. بَدَلًا مِنْ أَنْ تَجْلِسَ بِالسَّاعَاتِ أَمَامَ الأَفْلَامِ، وَالْمُسَلْسَلَاتِ، وَالْمُصَارَعَةِ، وَالْمُبَارَيَاتِ… اِجْلِسْ لِتَقْرَأَ جُزْءًا مِنَ الْقُرْآنِ، اجْلِسْ مَعَ أَوْلَادِكَ تُعَلِّمُهُمُ السُّنَّةَ، اِسْتَثْمِرْ وَقْتَكَ فِي الدَّعْوَةِ، فِي الإِصْلَاحِ، فِي كَثْرَةِ الصَّلَاةِ، فِي كُلِّ طَاعَةٍ تُقَرِّبُكَ مِنْ مَوْلَاكَ. فَاتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَرَاقِبْ رَبَّكَ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ مُطَّلِعٌ عَلَيْكَ، وَيَرَاكَ. وَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ:
دَقَّاتُ قَلْبِ الْمَرْءِ قَائِلَةٌ لَهُ *** إِنَّ الْحَيَاةَ دَقَائِقٌ وَثَوَانِ
فَارْفَعْ لِنَفْسِكَ بَعْدَ مَوْتِكَ ذِكْرَهَا *** فَالذِّكْرُ لِلْإِنْسَانِ عُمْرٌ ثَانِ
حَفِظَ اللهُ مِصْرَ مِنْ كَيْدِ الْكَائِدِينَ، وَشَرِّ الْفَاسِدِينَ، وَحَقْدِ الْحَاقِدِينَ، وَمَكْرِ الْمَاكِرِينَ، وَاعْتِدَاءِ الْمُعْتَدِينَ، وَإِرْجَافِ الْمُرْجِفِينَ، وَخِيَانَةِ الْخَائِنِينَ.
كَتَبَهُ العَبْدُ الفَقِيرُ إِلَى عَفْوِ رَبِّهِ د/ مُحَمَّدٌ حِرْزٌ إِمَامٌ بِوِزَارَةِ الأَوْقَافِ