خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل

خُطْبَةُ الجُمُعَةِ القَادِمَةِ: (فَظلَّلتُ أَستَغفِرُ اللّهَ مِنها ثَلاثينَ مَرَّةً) د. مُحَمَّدُ حِرْزٍ

خُطْبَةُ الجُمُعَةِ القَادِمَةِ: (فَظلَّلتُ أَستَغفِرُ اللّهَ مِنها ثَلاثينَ مَرَّةً) د. مُحَمَّدُ حِرْزٍ بِتَارِيخِ 28 جُمَادَى الأُخْرَى 1447هـ – 19دِيسَمْبَرَ 2025م

خُطْبَةُ الجُمُعَةِ القَادِمَةِ word: (فَظلَّلتُ أَستَغفِرُ اللّهَ مِنها ثَلاثينَ مَرَّةً) د. مُحَمَّدُ حِرْزٍ

خُطْبَةُ الجُمُعَةِ القَادِمَةِ pdf : (فَظلَّلتُ أَستَغفِرُ اللّهَ مِنها ثَلاثينَ مَرَّةً) د. مُحَمَّدُ حِرْزٍ

الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَمَرَ بِالْإِصْلَاحِ وَنَهَى عَنِ الْإفْسَادِ، نَحْمَدُهُ عَلَى فَضْلِهِ وَإِنْعَامِهِ، الحمدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) النِّسَاءِ: 29،وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه، وَأشهدُ أَنَّ سيدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ القائلُ ﷺ-: تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلاَ انْتَقَشَ )، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ… أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ يَقُولُ جَلَّ وَعَلا: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133].عِبَادَ اللَّهِ:(( فَظلَّلتُ أَستَغفِرُ اللّهَ مِنها ثَلاثينَ مَرَّةً)) بلْ إِنْ شِئْتَ فَقُلْ ((دَعْوَةٌ لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى الْمَالِ الْعَامِّ وَكَثْرَةِ الْاِسْتِغْفَارِ مِنْ ذَنْبِهِ))عُنْوَانُ وَزَارَتِنَا وَعُنْوَانُ خُطْبَتِنَا.
عَنَاصِرُ اللِّقَاءِ:
❖ أَوَّلًا: الاستغفارُ عِلاجٌ لِلذُّنُوبِ وَالمَعَاصِي وَالآثَامِ.
❖ ثَانِيًا: المَالُ العَامُّ وَمَا أَدْرَاكَ مَا المَالُ العَامُ؟
❖ ثَالِثًا وَأَخِيرًا: التَّفَكُّكُ الأُسَرِيُّ خَطَرٌ يُهَدِّدُ المُجْتَمَعَاتِ.
أَيُّهَا السَّادَةُ: مَا أَحْوَجَنَا فِي هَذِهِ الدَّقَائِقِ الْمَعْدُودَةِ إِلَى أَنْ يَكُونَ حَدِيثُنَا عَنْ :(( فَظلَّلتُ أَستَغفِرُ اللّهَ مِنها ثَلاثينَ مَرَّةً)) بلْ إِنْ شِئْتَ فَقُلْ ((دَعْوَةٌ لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى الْمَالِ الْعَامِّ وَكَثْرَةِ الْاِسْتِغْفَارِ مِنْ ذَنْبِهِ)) وَخَاصَّةً وَنَحْنُ عَلَى أَعْتَابِ شَهْرِ رَجَبٍ الْمُبَارَكِ الْعَظِيمِ شَهْرٌ مِنَ الْأَشْهُرِ الْحُرمِ ،شَهْرُ الْاستِعْدَادِ وَالتَّهَيُّؤِ لِاسْتِقْبَالِ مَوَاسِمِ الْخَيْرَاتِ وَالطَّاعَاتِ وَالِاقْبَالِ عَلَى اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا فِي شَهْرِ رَجَبٍ وَجَمِيعِ الشُّهُورِ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ بِالنِسْبَةِ لِلْإِنْسَانِ مِنَّا وَلَيْسَ أَمْرًا ضَرُورِيًّا بالِنِسْبَةِ لِلَّهِ جَلَّ وَعَلَا ، وَخَاصَّةً وَاللَّهُ جَلَّ وَعَلَا غَنِيٌّ عَنَّا وَعَنْ عِبَادَتِنَا ، فَاللَّهُ جَلَّ وَعَلَا لَا تَضُرُّهُ مَعْصِيَةُ الْعَاصِينَ وَلَا تَنفَعُهُ طَاعَةُ الطَّائِعِينَ إِنَّمَا ضَرَرُ الْمَعْصِيَةِ لِصَاحِبِهَا، وَنَفْعُ الطَّاعَةِ لِفَاعِلِهَا، ((مَن عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلعَبِيدِ)). خَاصَّةً وَنَحْنُ نَعِيشُ زَمَانًا انْتَشَرَ فِيهِ التَّعَدِّي عَلَى الْمَالِ الْعَامِّ بِصُورَةٍ مُخْزِيَةٍ يَمْلَأُ الرَّجُلُ بَطْنَهُ مِنَ الْحَرَامِ، بَلْ رَبَّمَا رَبَّى الرَّجُلُ أَوْلَادَهُ عَلَى الْحَرَامِ، وَلَا يُفَكِّرُ فِي الْمَوْتِ وَشِدَّتِهِ، وَلَا فِي الْقَبْرِ وَضَمَّتِه، وَلَا فِي الْحِسَابِ وَدَقَّتِهِ، وَلَا فِي الصِّرَاطِ وَحَدَّتِهِ، وَلَا فِي النَّارِ وَلَا فِي الْأَهْوَالِ وَالْأَغْلَالِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. وَصَدَقَ النَّبِيُّ ﷺ إِذْ يَقُولُ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يُبَالِي الْمَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ أَمِنَ الْحَلَالِ أَمْ مِنَ الْحَرَامِ)) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
وَخَاصَّةً وَنَحْنُ نَعِيشُ زَمَانًا اسْتَبَاحَ فِيهِ الْكَثِيرُ مِنَ النَّاسِ إِلَّا مَا رَحِمَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا الْمَالَ الْعَامَّ وَالْمُلْكَ الْعَامَّ وَالْحَقَّ الْعَامَّ بِصُورَةٍ مُخْزِيَةٍ، ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ هَذِهِ شَطَارَةٌ وَذَكَاءٌ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لِهَذَا الْمَالِ صَاحِبٌ وَلَيْسَ عَلَيْهِ رَقِيبٌ، وَنَسَى الْمَسْكِينُ أَنَّ اسْتِبَاحَةَ الْمَالِ الْعَامِّ أَخْطَرُ بِكَثِيرٍ مِنْ اسْتِبَاحَةِ الْمَالِ الْخَاصِّ، فَالْمَالُ الْخَاصُّ صَاحِبُهُ وَاحِدٌ يُمْكِنُ الْاعتِذَارُ مِنْهُ، أَمَّا الْمَالُ الْعَامُّ مِلْكٌ لِلْجَمِيعِ وَالاعتِذَارُ مِنْهُ صَعْبٌ لِلْغَايَةِ فَنَفْعُهُ يَعُودُ عَلَى كُلِّ النَّاسِ، وَنَسَى الْمَسْكِينُ أَنَّ اللَّهَ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ وَيَرَاهُ، وَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ:
إِذا مَا خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَوْمًا فَلا *** تَقُلْ خَلَوْتُ وَلَكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ
وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ يَغْفُلُ سَاعَةً *** وَلَا أَنَّ مَا يَخْفَى عَلَيْهِ يَغِيبُ
❖ أَوَّلًا: الاستغفارُ عِلاجٌ لِلذُّنُوبِ وَالمَعَاصِي وَالآثَامِ.
أَيُّهَا السَّادَةُ الْكِرَامُ: الْوُقُوعُ فِي الْمَعَاصِي بِصِفَةٍ عَامَّةٍ وَالتَّعَدِّي عَلَى مَالِ الْغَيْرِ وَالْمَالِ الْعَامِّ بِصِفَةٍ خَاصَّةٍ يَحْتَاجُ إِلَى الْكَثِيرِ وَالْكَثِيرِ مِنَ الاسْتِغْفَارِ أَضَافَةً إِلَى رَدِّ الْحَقِّ لِأَصْحَابِهِ قَبْلَ فَوَاتِ الْأَوَانِ وَالتَّخَلُّصِ مِنَ الْمَالِ الْحَرَامِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا يَنْفَعُ فِيهِ النَّدَمُ وصدَقَ الْمَعْصُومُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ يَقُولُ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ )) مَن كَانَتْ له مَظْلِمَةٌ لأخِيهِ مِن عِرْضِهِ أَوْ شيءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ منه اليَومَ، قَبْلَ أَنْ لا يَكونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إنْ كانَ له عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ منه بقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ، وإنْ لَمْ تَكُنْ له حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِن سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عليه)) يَا رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ وَلِلَّهِ دَرُّ القَائِلِ:
رَأَيْتُ الذُّنُوبَ تُميتُ القُلُوبَ****وَقَدْ يُورِثُ الذُّلُّ إِدْمَانَهَا
وَتَرْكُ الذُّنُوبِ حَيَاةُ القُلُوبِ****وَخَيْرٌ لِنَفْسِكَ عَصِيَانَهَا
فَكُلُّنَا ذُو ذَنْبٍ، وَكُلُّنَا ذُو خَطِيئَةٍ، وَكُلُّنَا ذُو مَعْصِيَةٍ، هَذِهِ هِيَ الْحَقيقَةُ الَّتِي بَيَّنَهَا لَنَا الْمَعْصُومُ ﷺ حَيْثُ قَالَ كَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ – رَضيَ اللَّهُ عَنْهُ – : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ :« كُلُّ بَني آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَابُونَ » وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ « وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ » وَمَا مَعْصُومٌ إِلَّا الْمَعْصُومُ ﷺ، وَمَاتَتِ الْعِصْمَةُ يَوْمَ مَاتَ الْمَعْصُومُ ﷺ لَكِنَّ لَيْسَ مَعْنَى ذَٰلِكَ أَنْ يُفْعِلَ الْإِنْسَانُ الْمَعْصِيَةَ وَيُصِرَّ عَلَيْهَا، كُلًّا لمَاذَا ؟ لَأَنَّهُ « لَا كَبِيرَةَ مَعَ اسْتِغْفَارِ، وَلَا صَغِيرَةَ مَعَ إِصْرَارٍ » كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
لَذَا حَثَّنَا نَبِيُّنَا ﷺ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ دَوْمًا، وَسُؤَالِ اللَّهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- الْمَغْفِرَةَ، قَالَ جَلَّ وَعَلا (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا)، وَحَتَّى أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ بِمَعْصِيَةِ رَبِّهِمْ، قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى- مُبَشِّرًا إِيَّاهُم: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)، فَاللَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يُنَادِي عِبَادَهُ وَيُحَثَّهُم عَلَى سُؤَالِهِ لِمَغْفِرَةِ ذُنُوبِهِمْ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَكَيْفَ لَا؟ وَلَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ -تَعَالَى- رَسُولَهُ ﷺ وَهُوَ أَتْقَى الْخَلْقِ- بِإِخْلَاصِ الدِّينِ وَإِدَامَةِ الِاسْتِغْفَارِ، قَالَ -عَزَّ وَجَلَّ-: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَـهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) [مُحَمَّد:19]. فَكَانَ ﷺ مُلاَزِمًا لِلِاسْتِغْفَارِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ، حَتَّى قَالَ عَنْ نَفْسِهِ ﷺ: “وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِن سَبْعِينَ مَرَّةً” الْبُخَارِيُّ وَفِي رَوَايَة وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِئَةَ مَرَّةٍ ».. وكيفَ لا؟ والاستغفارُ زادُ الأبرارِ، وشعارُ الأتقياءِ، وعنوانُ الصالحين، به تسعَدُ القلوبُ، وتنشَرِحُ الصدورُ، وتنجلي الهمومُ، وتُثقَلُ الموازين، وتُرفَعُ الدرجاتُ، وتُحَطُّ الخطيئاتُ، وتُفرَّجُ الكُرُباتُ، فكم جلبَ الاستغفارُ لأهلِه مِن الخيراتِ، وكم صرفَ عنهم مِن البلايا والمُلِمَّاتِ! فهو البَلْسَمُ الشافي، والدواءُ الكافي. وكيفَ لا ؟ وللاستغفارِ ثمارٌ يانعةٌ، وفوائدُ جَمَّةٌ، وفضائلُ عظيمةٌ، فيه خيرَي الدنيا والآخرةِ، فيه السعادةُ الأبديةُ في الدنيا والآخرةِ، فيه النجاةُ في الدنيا والآخرةِ. وَكَيْفَ لَا ؟ وَالِاسْتِغْفَارُ سَبَبٌ لِّمَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ، قَالَ جَلَّ وَعَلَا ﴿أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الْمَائِدَةِ:٧٤] وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ– يَقُولُ « قَالَ اللَّهُ يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً ». فَيَا هَذَا الْأَعْمَارُ مَهْمَا طَالَتْ فَهِيَ قَصِيرَةٌ، وَالدُّنْيَا مَهْمَا طَابَتْ فَهِيَ يَسِيرَةٌ، وَالْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَل.. الْكَيِّسُ مِنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مِنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ الْأَمَانِي. فَهَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ قَبْلَ فَوَاتِ الْأَوَانِ ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ ؟ فَأَقْبِلُوا عَلَى رَبِّكُم وَأَطِيعُوه، وَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ، قَبْلَ فَوَاتِ الأَوَانِ.
دَقَاتُ قَلْبِ المُرْءِ قَالِتٌ لَه *** إِنَّ الْحَيَاةَ دَقَائِقٌ وَثَوَان
فَارْفَعْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ مَوْتِكَ ذِكْرَهَا *** فَالذِّكْرُ لِلْإِنْسَانِ عُمْرٌ ثَان
❖ ثَانِيًا: المَالُ العَامُّ وَمَا أَدْرَاكَ مَا المَالُ العَامُ؟
أيُّها السَّادةُ: لَقَدْ دَعَا الإِسْلَامُ إِلَى وُجُوبِ المُحَافَظَةِ عَلَى الْمَالِ، وَجَعَلَهُ مِنَ الضَّرُورِيَّاتِ الْخَمْسِ الَّتِي لَا قِوَامَ لِلْحَيَاةِ بِدُونِ حِفْظِهَا، وَهِيَ: حِفْظُ الدِّينِ وَالنَّفْسِ وَالنَّسْلِ وَالْعَقْلِ وَالْمَالِ وَزَادَ الْبَعْضُ الْوَطَنْ، فَحَرَّمَ الرِّشْوَةَ، وَجَرَّمَ السَّرِقَةَ، وَنَهَى عَنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَنَهَى عَنِ الْغَرَرِ وَالْغِشِّ وَالتَّدْلِيسِ وَالْكَذِبِ وَالتَّزْوِيرِ وَسَائِرِ وُجُوهِ أَكْلِ الْحَرَامِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ»؛ [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ]. وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى الْمَالِ الْعَامِّ مَطْلَبٌ شَرْعِيٌّ، وَوَاجِبٌ وَطَنِيٌّ، وَعَمَلٌ إِنْسَانِيٌّ، وَمَقْصِدٌ مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، الْكُلُّ مَطَالِبٌ بِهِ، وَالْكُلُّ مُحَاسَبٌ عَلَيْهِ بَيْنَ يَدَى اللَّهِ لِمَنْ فَرَّطَ وَأَهْمَلَ وَاسْتَبَاحَ، قَالَ رَبُّنَا:﴿ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ الأَنْفَال: 27 وَمِنْ أَعْظَمِ الأَمَانَاتِ: حِفْظُ الْمَالِ الْعَامِّ، وَخَطُورَةُ الْاعْتِدَاءَ عَلَيْهِ. وَالْمَالُ الْعَامُّ: هُوَ كُلُّ مَالٍ تَمْلُكُهُ الدَّوْلَةُ وَمُؤَسَّسَاتُهَا سَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ نَقْدًا أَوْ عَقَارًا أَوْ مَنْقُولًا أَوْ مَنْفَعَةً، فَكُلُّ ذَلِكَ مِمَّا تَجِبُ صِيَانَتُهُ، وَالْمُحَافَظَةُ عَلَيْهِ، فَالْمَالُ الْعَامُّ أَعْظَمُ خَطَرًا مِنَ الْمَالِ الْخَاصِّ؛ ذَلِكَ لأَنَّ الْمَالَ الْعَامَّ مَلِكُ الْأُمَّةِ وَهُوَ مَا اصْطَلَحَ النَّاسُ عَلَى تَسْمِيَتِهِ بِمَالِ الدَّوْلَةِ.
المَالُ العَامُّ وَمَا أَدْرَاكَ مَا المَالُ العَامُ؟ رَكِيزَةٌ لِنَهْضَةِ الشُّعُوبِ، وَاسْتِبَاحَةُ الْمَالِ الْعَامِّ دَاءٌ اجْتِمَاعِيٌّ خَطِيرٌ وَوَبَاءٌ خُلْقِيٌّ كَبِيرٌ مَا فَشَا فِي أُمَّةٍ إِلَّا كَانَ نَذِيرًا لِهَلاَكِهَا، وَ مَا دَبَّ فِي أُسْرَةٍ إِلَّا كَانَ سَبَبًا لِفَنَائِهَا، فَهُوَ مَصْدَرٌ لِكُلِّ عَدَاءِ وَيَنْبُعُ كُلِّ شَرٍّ وَتِعَاسَةٍ. المَالُ العَامُّ وَمَا أَدْرَاكَ مَا المَالُ العَامُ؟ حَرّمَ لِإِسْلَامُ الْاعْتِدَاءَ عَلَى الْمَالِ الْخَاصِّ وحَرَّمَ الْاعْتِدَاءَ عَلَى الْمَالِ الْعَامِّ، كَمَا في صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا)، وَالْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ مِنَ الْمَالِ الْعَامِّ خَطِيرٌ عَلَى دِينِ الْإِنْسَانِ، وَانْتِهَاكُهُ أَمْرٌ يُوْجِبُ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَعِنْدَمَا أَرْسَلَ أَوْ اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ ﷺ رَجُلًا مِنْ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ الْأُتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي قَالَ: “فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ فَيَنْظُرَ يُهْدَى لَهُ أَمْ لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ)) يَا رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ. فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ الْكِنْدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ:((مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا إِبْرَةً فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولًا – خِيَانَةً وَسَرِقَةً – يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). فَاسْتَبَاحَةُ الْمَالِ الْعَامِّ غُلُولٌ يَا سَادَةٌ عُقُوبَةُ الْغُلُولِ كَمَا قَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْعَظِيمِ : ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ آل عمران: 161
المَالُ العَامُّ وَمَا أَدْرَاكَ مَا المَالُ العَامُ؟ اسْتَبَاحَةُ الْمَالِ الْعَامِّ يَعْمِي الْبَصِيرَةَ، وَيُضْعِفُ الْبَدَنَ وَيُهَوِّنُ الْدِّينَ وَيَظْلِمُ الْقَلْبَ وَيُقَيِّدُ الْجَوَارِحَ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ ،لِذَا قَالَ ابْنُ أَسْبَاطٍ :إذَا تَعَبَّدَ الشَّابُّ قَالَ الشَّيْطَانُ لِأَعْوَانِهِ : اُنْظُرُوا مِنْ أَيْنَ مَطْعَمُهُ ، فَإِنْ كَانَ مَطْعَمُهُ مَطْعَمَ سُوءٍ يَقُولُ دَعُوهُ يَتْعَبُ وَيَجْتَهِدُ فَقَدْ كَفَاكُمْ نَفْسَهُ أيْ لِأَنَّ اجْتِهَادَهُ مَعَ أَكْلِهِ الْحَرَامَ لَا يَنْفَعُهُ وَعَمَلُهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ، لِذَا كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : كُنَّا نَدَعُ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الْحَلَالِ مَخَافَةً مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ. بَلْ قَالَ أَحَدُ الصَّالِحِينَ : (لَوْ قُمْتَ قِيَامَ السَّارِيَةِ مَا نَفَعَكَ حَتَّى تَنْظُرَ مَا يَدْخُلُ فِي بَطْنِكَ مِنَ الْحَلَالِ أَمْ مِنَ الْحَرَامِ). وَكَيْفَ لَا ؟ وَالنَّبِيُّ ﷺ جَعَلَ اسْتِبَاحَةَ الْمَالِ الْعَامِّ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ دُخُولِ النَّارِ، يَا رَبِّ سَلِّمْ، فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ خَوْلَةَ بِنْتِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيَّةِ، قَالَتْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: ((إنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: (قَوْلُهُ.. «فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ» أَيْ: يَتَصَرَّفُونَ فِي مَالِ الْمُسْلِمِينَ بِالْبَاطِلِ(، اللَّهَ اللَّهَ فِي الْمَالِ الْعَامِّ، اللَّهَ اللَّهَ فِي الْحَقِّ الْعَامِّ، اللَّهَ اللَّهَ فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْمَالِ، وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى الْمَالِ الْعَامِّ تَكُونُ: بِتَرْبِيَةِ النَّفْسِ عَلَى مُرَاقَبَةِ اللَّهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ وَالْخَشْيَةِ مِنْهُ، فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْإِحْسَانِ قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ)، وَأَنْ تَعْتَقِدَ أَنَّ اللَّهَ سَيُجَازِيكَ وَيُحَاسِبُكَ عَلَى مَا فَعَلْتَ فِي وَظِيفَتِكَ وَعَلَى مَا فَعَلْتَ فِي الْمَالِ الْعَامِّ وعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا، طَوَّقَهُ اللهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» [رواه مسلم]. فَلْيُوقِنِ العَبْدُ أَنَّهُ مَسْئُولٌ، وَمَوْقُوفٌ أَمَامَ اللَّهِ لِيُحاسِبَهُ عَمَّا قَدَّمَ وَأَخَّرَ، قَالَ جَلَّ وَعَلاَ {وَلَقَدْ جِئْتِمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام: ٩٤]. وَلْيَتَذَكَّرْ حَدِيثَ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ” لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ، وَعَنْ مَالِهِ فِيمَا أَنْفَقَهُ وَمِنْ أَيْنَ كَسَبَهُ، وَعَنْ عَلِمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ؟ وَلْيَتَذَكَّرْ حَدِيثَ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ: “لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ وَلْيَعْلَمْ أَنَّ الْمَالَ الْحَرَامَ يُذْهِبُ الْمَالَ الْحَلَالَ وَيَبْقَى الْوِزْرُ وَالْعَارُ وَغَضَبُ الْجَبَّارِ ….. وَلِلَّهِ دِرُّ الْقَائِلِ:
جَمَعَ الْحَرَامَ عَلَى الْحَلَالِ لِيَكْثِرَهُ *** دَخَلَ الْحَرَامُ عَلَى الْحَلَالِ فَبَعْثَرَهُ
المَالُ العَامُّ وَمَا أَدْرَاكَ مَا المَالُ العَامُ؟ سَرِقَةُ المَرافِقِ العَامَّةِ بِحَجَّةِ أَنَّ الدَّوْلَةَ لَا تُعْطِي الْمُواطِنَ حَقَّهُ كَامِلًا، فِيَزِينُ لَهُ الشَّيْطَانُ سُوءَ عَمَلِهِ وَيُحَلِّلُ لَهُ السَّرِقَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: (لَعَنَ اللّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ) وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: (لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ) وَاسْتِعْمَالُ الْكُمبيوترِ وَالتَّلِفُونِ الْخَاصِّ بِالْعَمَلِ لِأَغْرَاضٍ شَخْصِيَّةٍ لَا تَخُصُّ الْعَمَلَ.
وَمِن صُورِ التَّعَدِّي عَلَى الْمَالِ الْعَامِّ : عَدَمُ إِتْقَانِ الْعَمَلِ، وَإِضَاعَةُ الْوَقْتِ، وَالتَّرَبُّحُ مِنَ الْوَظِيفَةِ وَإِهْمَالُ مُقَدَّرَاتِ الدَّوْلَةِ وَإِسَاءَةُ التَّعَامُلِ مَعَهَا. وَتَخْرِيبُ وَتَدْمِيرُ الْمَنْشَآتِ الْعَامَّةِ: فَإِنَّ مَن يَقُومُ بِذَلِكَ مِنْ حَرْقِ الْمَنْشَآتِ الْعَامَّةِ وَإِتْلَافِ الْأَشْجَارِ وَالْحَدَائِقِ يُعَدُّ مِن صُورِ التَّعَدِّي عَلَى الْمَالِ الْعَامِّ، وَقَدْ تَوَعَّدَ اللَّهُ هَؤُلَاءِ بِقَوْلِهِ جَلَّ وَعَلَا :﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ الْمَائِدَةُ: 33. وَمِنْهَا: الْاخْتِلَاسُ وَالرَّشْوَةُ وَالسَّرِقَةُ وَالنَّصْبُ وَالاحْتِيَالُ وَجَعْلُهَا سُلمًا لِلْغِنَى، وَالرَّشْوَةُ مِن كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ (الْبَقَرَةُ: 188) وَمِن صُورِ التَّعَدِّي عَلَى الْمَالِ الْعَامِّ مَا يَحْدُثُ فِي بَعْضِ الْمُؤَسَّسَاتِ: أَنْ يَقُومَ الطَّبِيبُ بِوَصْفِ أَدْوِيَةٍ لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهَا الْمَرِيضُ مِنْ حَيْثُ النَّوْعِيَّةِ وَالْكَمِّيَّةِ، وَإِعْطَاءُ هَذِهِ الْأَدْوِيَةِ لِلصَّيْدَلِيَّةِ الْمُتَعَامِلَةِ بِالْمَسْرُوقَاتِ، فَتُبَاعُ بِسِعْرٍ أَقَلٍّ مِنْ سِعْرِ التَّكْلِفَةِ لِدَوَاءٍ مُشْتَرًى بِشَكْلٍ رَسْمِيٍّ، وَمَدُوَّنٌ عَلَيْهِ التَّسْعِيرَةُ (لاَصِقُ النّقَابَةِ)، وَيَقُومُ الصَّيْدَلَانِيُّ بتَغْيِيرِ كَمِّيَّةِ الْأَدْوِيَةِ الْمَكْتُوبَةِ فِي الْوَصْفَةِ بِطُرُقٍ غَيْرِ مَكْشُوفَةٍ، كَأَنْ يَكُونَ مَكْتُوبٌ فِي الْوَصْفَةِ عُلْبَةً واحِدَةً، فَيُغَيِّرُ الصَّيْدَلِيُّ الرَّقْمَ إِلَى عُلْبَتَيْنِ، وَيَأْخُذُ الْعُلْبَةَ الْأُخْرَى لَهُ. وَهَذَا مِنَ النَّصْبِ وَالاحْتِيَالِ عَلَى سَرِقَةِ حُقُوقِ الْآخَرِينَ وَالتَّعَدِّي عَلَى الْمَالِ الْعَامِّ بِدُونِ وَجْهِ حَقٍّ. فَالْاعْتِدَاءُ عَلَى الْمَالِ الْعَامِّ ذَنبٌ عَظِيمٌ، وَجُرْمٌ كَبِيرٌ، وَخِزْيٌ وَعَارٌ، وَخَرَابٌ وَدَمَارٌ، وَالْاعْتِدَاءُ عَلَى الْمَالِ الْعَامِّ إِفْسَادٌ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا، وَاللَّهُ يَقُولُ: (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) الْبَقَرَةُ:205 فَالتَّعَدِّي عَلَى الْمَالِ الْعَامِّ شِيمَةُ الْمُجْرِمِينَ، وَطَبِيعَةُ الْمُخَرِّبِينَ، وَعَمَلُ الْمُفْسِدِينَ، فِيْهِ ضَياعٌ لِلْأَمْلَاكِ، وَضِيقٌ فِي الْأَرْزَاقِ، وَسُقُوطٌ لِلْأَخْلَاقِ، إِنَّهُ إِخْفَاقٌ فَوْقَ إِخْفَاقٍ، يُحَوِّلُ الْمُجْتَمَعَ إِلَى غَابَةٍ يَأْكُلُ الْقَوِيُّ فِيهِ الضَّعِيفَ، وَيَنْقَضُّ الْكَبِيرُ عَلَى الصَّغِيرِ، وَيَنْتَقِمُ الْغَنِيُّ مِنَ الْفَقِيرِ، فَيَزْدَادُ الْغَنِيُّ غِنًى، وَيَزْدَادُ الْفَقِيرُ فَقْرًا، وَيَقْوَى الْقَوِيُّ عَلَى قُوَّتِهِ، وَيَضْعُفُ الضَّعِيفُ عَلَى ضُعْفِهِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ.
إِذَا لَمْ تَخْشَ عَاقِبَةَ اللَّيَالِي *** وَلَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا تَشَاءُ
فَلَا وَاللَّهِ مَا فِي الْعَيْشِ خَيْرٌ *** وَلَا الدُّنْيَا إِذَا انْعَدَمَ الْحَيَاءُ
انظُروا يَا سَادَةٌ إِلَى فَارُوقِ الأُمَّةِ وَعَمْلَاقِ الإِسْلَامِ عُمَرَ بنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَرِبَ مِن لَبَنِ إِبِلِ الصَّدَقَةِ غَلْطًا، فَأَدْخَلَ إِصْبَعَهُ وَتَقَيَّأَ. بَلْ خَرَجَ يَوْمًا إِلَى السُّوقِ فِي جَوْلَةٍ تَفْتِيشِيَّةٍ فَيُرَى إِبِلًا سَمِينَةً تَمْتَازُ عَنْ بَقِيَّةِ الإِبِلِ بِنُمُوِّهَا وَامْتِلَائِهَا، يَسْأَلُ عُمَرُ بنُ الْخَطَّابِ: (إِبِلُ مَن هَذِهِ؟ فَقَالُوا: هِيَ إِبِلُ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ ابْنُكَ، وَانْتَفَضَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَكَأَنَّ الْقِيَامَةَ قَدْ قَامَتْ، وَقَالَ: عَبْدَ اللَّهِ بنَ عُمَرَ!! بَخٍ بَخٍ يَا ابْنَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ” (أي اللَّهُ يُعِينُكَ)، وَأَرْسَلَ فِي طَلَبِهِ فَوْرًا، وَأَقْبَلَ عَبْدُ اللَّهِ يَسْعَى، وَحِينَ وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْ وَالِدِهِ أَخَذَ عُمَرُ يَفْتُلُ سَبْلَةَ شَارِبِهِ، وَتِلْكَ عَادَتُهُ إِذَا أَهَمَّهُ أَمْرٌ خَطِيرٌ، فَأَحْيَانًا الإِنْسَانُ يَحُكُّ رَأْسَهُ، أَوْ يُحَرِّكُ ثِيَابَهُ، كُلُّ إِنْسَانٍ لَهُ طَرِيقَةٌ إِذَا أَمْرٌ خَطِيرٌ وَهُوَ يُفَكِّرُ، فَقَالَ: ” بَخٍ بَخٍ يَا ابْنَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، مَا هَذِهِ الإِبِلُ يَا عَبْدَ اللَّهِ؟ ” فَأَجَابَ: ” إِنَّهَا إِبِلٌ أَمْضَاءٌ (يَعْنِي هَزِيلَةٌ) اشْتَرَيْتُهَا بِمَالِي، وَبَعَثْتُ بِهَا إِلَى الْحِمَى (أَي إِلَى الْمَرْعَى) أُتَاجِرُ فِيهَا، وَأَبْتَغِي مَا يَبْتَغِي الْمُسْلِمُونَ فَمَاذَا صَنَعْتُ؟ وَأَيُّ ذَنْبٍ ارْتَكَبْتُهُ، وَأَيَّةُ خَطِيئَةٍ وَقَعَتْ؟ اشْتَرَيْتُ إِبِلًا أَمْضَاءً يَعْنِي هَزِيلَةً، اشْتَرَيْتُهَا بِمَالِي، وَمَالُهُ حَلَالٌ، وَبَعَثَ بِهَا إِلَى الْحَمَى، أَي إِلَى الْمَرْعَى لِتَسْمَنَ حَتَّى يُبِيعَهَا فَيَبْتَغِي مَا يَبْتَغِي الْمُسْلِمُونَ، فَقَالَ عُمَرُ مُتَهَكِّمًا تَهَكُّمًا لَاذِعًا: “وَيَقُولُ النَّاسُ حِينَ يَرَوْنَهَا: ارْعَوْا إِبِلَ ابْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، اسْقُوا إِبِلَ ابْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَتَسْمُنُ إِبِلُ ابْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَبِعْ هَذِهِ الْإِبِلَ، وَخُذْ رَأْسَ مَالِكَ مِنْهَا، وَاجْعَلْ الرَّبْحَ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ”. هَذَا إِدْرَاكٌ نَادِرٌ أَنَّ هَذَا هُوَ ابْنُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَعَلَّ النَّاسَ أَعْطَوْهُ فَوْقَ مَا يَسْتَحِقُّ وَاسْتَغَلَّ مَنْصَبَ أَبِيهِ، وَلَعَلَّهُم أَكْرَمُوهُ، فَقَالَ: بِعْ هَذِهِ الْإِبِلَ، وَخُذْ رَأْسَ مَالِكَ، وَرُدَّ الْبَاقِي لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ.
فَمَن يُجارِي أبا حَفصٍ وسيرتَهُ *** أَو مَن يُحاوِلُ للفاروقِ تَشبيهًا
لمَّا اشتهَتْ زَوْجَتُهُ الحَلوَى قالَ لَها *** مِن أَيْنَ لِي ثَمنُ الحَلوَى فَأَشْرِيها
ما زادَ عن قُوتِنَا فالمُسلمونَ بِه *** أَوْلَى فَقُومِي لَبيتِ المَالِ رَديهَا
كَذَلِكَ أَخْلاقُهُ كانتْ وَما عُهِدتْ *** بَعْدَ النُّبُوَّةِ أَخْلاقٌ تُضَاهيهَا
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ…. الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ أَعَزَّ الطَّائِعِينَ بِرِضَاهُ، وَأَذَلَّ الْعَاصِينَ بِسَخَطِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا
❖ ثَالِثًا وَأَخِيرًا: التَّفَكُّكُ الأُسَرِيُّ خَطَرٌ يُهَدِّدُ المُجْتَمَعَاتِ.
أَيُّهَا السَّادَةُ: لَقَدْ حَدَّدَتْ وِزَارَةُ الأَوْقَافِ فِي ظِلِّ مُبَادَرَةِ صَحِّحْ مَفَاهِيمَكَ قَضِيَّةً مُهِمَّةً لَغَايَةً أَلَّا وَهِيَ التَّفَكُّكُ الأَسَرِيُّ خَاصَّةً وَتُوَاجِهُ الْأُسْرَةُ الْمُسْلِمَةُ الْيَوْمَ تَحَدِّيَاتٍ وَمَخَاطِرَ كَثِيرَةً، تَسْتَهْدِفُ كِيَانَهَا وَقِيَمَهَا، وَالْمُدْرِكُ لِلْأُمُورِ يَعْلَمُ أَنَّ حَالَ الْأُسْرَةِ الْيَوْمَ لَيْسَ كَحَالِهِ بِالْأَمْسِ؛ مِنَ الْقِيَامِ بِالْمَسْؤُولِيَّةِ، وَالتَّرَابُطِ وَالتَّرَاحُمِ، وَالْوِفَاقِ بَيْنَ أَفْرَادِهَا، فَمِنَ الْمَخَاطِرِ الَّتِي تُوَاجِهُهَا الْأُسْرَةُ الْيَوْمَ: ازْدِيَادَ ظَاهِرَةِ تَفَكُّكِ الْأُسْرَةِ، وَهُوَ انْحِلَالُ رَوَابِطِ الْأُسْرَةِ، وَاضْمِحْلَالُ الْمَحَبَّةِ وَالْمَوَدَّةِ بَيْنَ أَفْرَادِ الْبَيْتِ الْوَاحِدِ؛ فَلَا يَكُونُ لِلْبَيْتِ دَوْرُهُ الرَّئِيسُ فِي تَوْجِيهِ وَضَبْطِ سُلُوكِ الْأَوْلَادِ، وَيُصْبِحُ فَقَطْ مَأْوًى لِلنَّوْمِ وَالْأَكْلِ وَإِشْبَاعِ الْحَاجَاتِ الْجَسَدِيَّةِ وَالْمَادِّيَّةِ، وَهَذَا يُفْضِي إِلَى انْفِرَاطِ عِقْدِ الْأُسْرَةِ، وَانْحِلَالِهَا وَتَشَتُّتِ أَفْرَادِهَا، خَاصَّةً وَدُخُولُ وَسَائِلِ الِاتِّصَالِ وَالتَّوَاصُلِ الْحَدِيثِ إِلَى الْبُيُوتِ دُونَ ضَوَابِطَ؛ فَالْإِفْرَاطُ فِي الْعُكُوفِ أَمَامَ شَبَكَةِ الْإِنْتَرْنِتْ، وَصَفَحَاتِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ؛ يُضْعِفُ تَرَابُطَ الْأُسْرَةِ؛ فَكُلُّ فَرْدٍ مَشْغُولٌ بِعَالَمِهِ الِافْتِرَاضِيِّ، مَعْزُولٌ عَنْ بَاقِي الْأُسْرَةِ، وَفِي دِراسَةٍ قَامَ بِهَا عَدَدٌ مِنَ الْبَاحِثِينَ عَلَى مُسْتَخْدِمِي الْإِنْتَرْنِتْ كَانَ مِنْ أَبْرَزِ نَتَائِجِهَا: تَنَاقُصُ التَّوَاصُلِ الْأُسَرِيِّ بَيْنَ أَفْرَادِ الْأُسْرَةِ، وَتَضَاؤُلُ شُعُورِ الْفَرْدِ بِالْمُسَانَدَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ مِنْ جَانِبِ الْمُقَرَّبِينَ لَهُ، وَهَذِهِ النَّتَائِجُ يُتَوَقَّعُ أَنْ يَنْتِجَ عَنْهَا خِلَافَاتٌ وَتَفَكُّكُ الْأُسْرَةِ الْوَاحِدَةِ، وَهَذَا مُشَاهَدٌ وَمَلْمُوسٌ، وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ.. وَكَيْفَ لَا؟ وَنِعْمَةُ اجْتِمَاعِ الأُسْرَةِ، مِنْ أَجْلِ هَذِهِ النِّعَمِ الَّتِي أَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَى الْبَشَرِيَّةِ كُلِّهَا فَهُوَ سُبْحَانَهُ جَلَّ شَأنُهُ يَعْلَمُ أَنَّ حَيَاةَ الْمُجْتَمَعِ لَا تَقُومُ إِلَّا بِالْأُسَرِ، فَشَرَعَ لَنَا الزَّوَاجَ فَقَالَ تَعَالَى: ((وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً)) فَالأُسْرَةُ الصَّالِحَةُ تُبْنَى عَلَى الْمَحَبَّةِ وَالْمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ، لَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَبَّاسٍـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي“(أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتُّرْمِذِي)وَ الأُسْرَةُ هِيَ اللَّبْنَةُ الأُولَى فِي بِنَاءِ المُجْتَمَعِ إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ المُجْتَمَعُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ المُجْتَمَعُ كُلُّهُ فَهِيَ كَالْقَلْبِ بِالنِّسْبَةِ لِلْجَسَدِ إِذَا صَلَحَ الْقَلْبُ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَ الْقَلْبُ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَالتَّفَكُّكُ الْأُسَرِيُّ خِزْيٌ وَعَارٌ وَهَلَاكٌ وَدَمَارٌ، التَّفَكُكُ الْأُسَرِيُّ تَدْمِيرٌ لِلْمُجْتَمَعَاتِ بَلْ لِلْأُمَّةِ بِأَسْرِهَا.
وَالتَّفَكُّكُ الأُسْرِيُّ مَسْؤُولِيَّةٌ تَقَعُ عَلَى عَاتِقِ الْجَمِيعِ بِدَايَةً مِنَ الزَّوْجَيْنِ وَالإِعْلامِ وَالْمَسَاجِدِ كُلٌّ فِي حُدُودِ قَدَرَاتِهِ وَإِمْكَانِيَّاتِهِ كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ)) (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ–قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ” مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ” وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: “إِنِّي لَأَرَى شُؤْمَ مَعْصِيَتِي فِي سُوءِ خُلُقِ امْرَأَتِي وَدَابَّتِي”.
عِبَادَ اللهِ: لِكُلِّ مُشْكِلَةٍ حُلُولٌ، وَوَسَائِلُ لِلْوِقَايَةِ؛ فَمِنْ حُلُولِ مُشْكِلَةِ التَّفَكُّكِ الْأُسَرِيِّ:
نَشْأَةُ الْأُسْرَةِ عَلَى التَّقْوَى وَالْإِيمَانِ، وَهَذَا يَقِيهَا مِنَ التَّفَكُّكِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ فَالزَّوْجُ يَخَافُ اللهَ -تَعَالَى- وَالزَّوْجَةُ كَذَلِكَ، وَكُلٌّ يَعْرِفُ حُقُوقَ زَوْجِهِ عَلَيْهِ، وَمِنْ هُنَا رَاعَى الشَّرْعُ مَبْدَأَ تَكْوِينِ الْأُسْرَةِ الصَّالِحَةِ، وَنَبَّهَ إِلَى حُسْنِ الِاخْتِيَارِ لِلزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ؛ فَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي اخْتِيَارِ الزَّوْجِ: “إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ”(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ)، وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي اخْتِيَارِ الزَّوْجَةِ: “تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ َلأرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا؛ فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَدَاكَ”(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).فَالزَّوْجَةُ الصَّالِحَةُ تُرَاعِي حَقَّ اللهِ فِي زَوْجِهَا، وَالزَّوْجُ الصَّالِحُ يُرَاعِي حَقَّ اللهِ فِي زَوْجَتِهِ؛ قَالَ رَسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً؛ إنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ”(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَفِي ظِلِّ هَذَا الصَّلَاحِ يَنْشَأُ الْأَبْنَاءُ نَشْأَةً طَيِّبَةً صَالِحَةً.
وَمِنَ الْحُلُولِ: أَنْ تُحَلَّ الْخِلَافَاتُ الزَّوْجِيَّةُ وَفْقَ شَرْعِ اللهِ -تَعَالَى-، بَعِيدًا عَنِ الَّذِينَ يَزِيدُونَ الْمَشَاكِلَ تَعْقِيدًا؛ بِتَحْرِيضِهِمْ وَتَهْيِيجِهِمْ وَإِذْكَاءِ نَارِ الْفِتْنَةِ، وَتَأَمَّلْ كَيْفَ وَجَّهَنَا الْقُرْآنُ إِلَى حَلِّ الْمَشَاكِلِ الزَّوْجِيَّةِ الْمُتَفَاقِمَةِ؛ فَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا)[النساء:35]؛ أَيْ: “رَجُلَيْنِ مُكَلَّفَيْنِ مُسْلِمَيْنِ عَدْلَيْنِ عَاقِلَيْنِ، يَعْرِفَانِ مَا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَيَعْرِفَانِ الْجَمْعَ وَالتَّفْرِيقَ… فَيَنْظُرَانِ مَا يَنْقِمُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، ثُمَّ يُلْزِمَانِ كُلًّا مِنْهُمَا مَا يَجِبُ”(تَفْسِيرُ السَّعْدِيِّ)، وَلَا بَأْسَ مِنْ مُرَاجَعَةِ الْمُخْتَصِّينَ وَالِاسْتِشَارِيِّينَ فِي مَجَالِ الْأُسْرَةِ؛ لِتَقْرِيبِ وِجْهَاتِ النَّظَرِ وَوَضْعِ حُلُولٍ لِبَعْضِ الْمُشْكِلَاتِ.
وَمِنَ الْحُلُولِ: تَخْصِيصُ وَقْتٍ كَافٍ لِجُلُوسِ الْأَبِ مَعَ زَوْجِهِ وَأَوْلَادِهِ، يُحَدِّثُهُمْ وَيُحَدِّثُونَهُ، وَيُحَاوِرُهُمْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِشُؤُونِهِمْ؛ فَإِنَّ أَفْرَادَ الْأُسْرَةِ بِحَاجَةٍ إِلَى مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْهِمْ، وَيَجْلِسُ مَعَهُمْ، وَالْأَبُ هُوَ الْمَسْؤُولُ وَالْقَائِمُ عَلَيْهَا، وَيُحِبُّ الْأَبْنَاءُ أَنْ يَتَحَلَّقُوا حَوْلَهُ وَيَسْتَمِعُوا لِحَدِيثِهِ؛ فَلَا يَنْبَغِي حِرْمَانُهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْحَنَانِ الْأَبَوِيِّ.
وَمِنْهَا: التَّوَسُّطُ فِي التَّرْبِيَةِ؛ فَلَا إِفْرَاطَ وَلَا تَفْرِيطَ، مَعَ إِشْبَاعِ الْجَانِبِ الْعَاطِفِيِّ فِي الْأُسْرَةِ، يَقُولُ أَحَدُ الْمُتَخَصِّصِينَ: “كُلَّمَا زَادَ الْحُبُّ لِلْأَبْنَاءِ؛ زَادَتْ فُرْصَةُ حِفْظِهِمْ مِنَ الضَّيَاعِ”، وَبِحَسَبِ دِرَاسَاتٍ لِوَاقِعِ انْحِرَافَاتِ كَثِيرٍ مِنَ الْفَتَيَاتِ فَإِنَّ السَّبَبَ الرَّئِيسَ هُوَ الْقَسْوَةُ الزَّائِدَةُ مِنَ الْوَالِدَيْنِ، وَعَدَمُ إِشْبَاعِ عَوَاطِفِهِنَّ وَلَوْ بِكَلِمَاتِ وُدٍّ وَمَحَبَّةٍ؛ فَسُرْعَانَ مَا تَنْجَرِفُ مَعَ مَنْ يُسْمِعُهَا ذَلِكَ مِنْ خَارِجِ الْبَيْتِ، وَيُشْعِرُهَا بِبَعْضِ الِاهْتِمَامِ، خَاصَّةً مَعَ الِانْفِتَاحِ الرَّقَمِيِّ عَبْرَ شَبَكَاتِ النِّتِّ وَالْجَوَّالِ.
فَعَلَى الْوَالِدَيْنِ أَنْ يُدْرِكَا عِظَمَ الْمَسْؤُولِيَّةِ الْمُلْقَاةِ عَلَيْهِمَا تِجَاهَ أَبْنَائِهِمْ، خَاصَّةً فِي هَذَا الْوَقْتِ؛ فَالتَّرْبِيَةُ صَعْبَةٌ، وَالْمُعَوِّقَاتُ كَثِيرَةٌ، يَقُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “كُلُّكُمْ رَاعٍ فَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ؛ فَالأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ”(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ). فَاحْفَظُوا أُسَرَكُمْ بِالْقِيَامِ بِمَا أَمَرَ اللهُ عَلَيْكُمْ مِنَ الْعَدْلِ وَالتَّسَامُحِ وَالتَّعَاوُنِ، وَلَا تَسْمَحُوا لِخِلَافَاتِكُمْ أَنْ تَظْهَرَ، فَيَتَصَدَّعَ كِيَانُ الْأُسْرَةِ، وَيَتَعَرَّضَ لِلتَّفَكُّكِ. قَالَ أَحْمَد شَوْقِي:
لَيْسَ الْيَتِيمُ مَنِ انْتَهَى أَبَوَاهُ مِنْ *** هَمِّ الْحَيَاةِ وَخَلَّفَاهُ ذَلِيلَا
إِنَّ الْيَتِيمَ هُوَ الَّذِي تَلْقَى لَهُ *** أُمًّا تَخَلَّتْ أَوْ أَبًا مَشْغُولَا
فَاللَّهَ اللَّهَ فِي إِصْلَاحِ الْأُسَرِ، اللَّـهَ اللَّـهَ فِي الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ، اللَّـهَ اللَّـهَ عَلَى السُّكْنِ وَالْمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، اللَّـهَ اللَّـهَ فِي الْاَمْتِثَالِ لِأَوَامِرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اللَّـهَ اللَّـهَ فِي تَنْشِئَةِ النَّشْءِ عَلَى كَلَامِ رَبِّنَا وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اللَّـهَ اللَّـهَ فِي التَّرْبِيَةِ الصَّحِيحَةِ. وَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْ ضِيَاعِ الْأُسْرَةِ وَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنَ التَّفَكُّكِ الْأُسَرِيِّ عِبَادَ اللَّهِ فَالأُسْرَةُ هِيَ السُّكْنُ وَالْمَوَدَّةُ وَالرَّحْمَةُ وَالْأُلفةُ وَالْمَحَبَّةُ وَالتَّعَاوُنُ وَالِاحْتِرَامُ، وَالأُسْرَةُ بِصَلاحِهَا يَصْلُحُ الْمُجْتَمَعُ وَبِفَسَادِهَا يُفْسِدُ الْمُجْتَمَعُ. فَاللَّهُمَّ أَصْلِحْ بُيُوتَنَا وَاطْرُدْ الشَّيْطَانَ مِن بُيُوتِنَا وَرَبِّي لَنَا أَوْلَادَنَا وَاحْفَظْهُمْ بِحِفْظِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ،حَفِظَ اللَّهُ مِصْرَ مِنْ كَيْدِ الْكَائِدِينَ، وَشَرِّ الْفَاسِدِينَ وَحِقْدِ الْحَاقِدِينَ، وَمَكْرِ الْمَاكِرِينَ، وَاعْتِدَاءِ الْمُعْتَدِينَ، وَإِرْجَافِ الْمُرْجِفِينَ، وَخِيَانَةِ الْخَائِنِينَ.
كَتَبَهُ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ إِلَى عَفْوِ رَبِّهِ
د/ مُحَمَّدٌ حَرْزٌ إِمَامٌ بِوَزَارَةِ الْأَوقَافِ

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى