خطبة الحمعة ، إذا أردت السلامة من غيرك؛ فاطلبها في سلامة غيرك منك- للدكتور مسعد الشايب

خطبة الحمعة ، إذا أردت السلامة من غيرك؛ فاطلبها في سلامة غيرك منك- للدكتور مسعد الشايب الجمعة 24 من ذي الحجة 1446ه الموافق 20 من يونيه 2025م
خطبة الحمعة word ، إذا أردت السلامة من غيرك؛ فاطلبها في سلامة غيرك منك- للدكتور مسعد الشايب
خطبة الحمعة pdf ، إذا أردت السلامة من غيرك؛ فاطلبها في سلامة غيرك منك- للدكتور مسعد الشايب
===========================================
أولا: العناصر:
- تعريف الاحترام، وبيان ماهيته.
- من صور الاحترام المتعددة والمتنوعة (تسعة من الكتاب والسنة).
- الخطبة الثانية: (كيف تكسب احترام الأخرين).
===========================================
ثانيا: الموضوع:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشانه، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، وأتباعه وأحبابه، وجميع إخوانه، وبعد:
===========================================
(1) ((تعريفُ الاحترام، وبيانُ ماهيته))
===========================================
أيها الأحبة الكرام مازلنا نعيش ومع الخطبة الرابعة على التوالي مع قيمنا وأخلاقنا الإسلامية، بدأناها بجبر الخواطر، ثم الوفاء وحفظ الجميل، ثم السلام النفسي، والكوني، واليوم بإذن من الحق تبارك وتعالى في لقاء الجمعة الطيب المبارك، نعيش مع قيمة جديدة، من قيمنا الإسلامية، وخلق أخر من أخلاقنا الجميلة، ألا وهو الاحترام.
=====
والاحترام في اللغة العربية: مصدرٌ مأخوذٌ من مادة (حَ رُ مَ)، التي تعني عدمَ استحلالِ الشيء، وعدم انتهاكَه، ومنه قولهم: راعى حرمته، وصار الرجل ذا حرمة، أي: مكانة ومنزلة لا يحل انتهاكها.
والاحترام في شريعتنا الإسلامية الغراء: خلق يدفع صاحبه إلى إظهار المهابة والإجلال للآخرين، ومعاملتهم باعتبار ما يوجبه أدب المجتمع، وأصول اللباقة بإظهار الاعتبار والوقار، فالاحترام نوعٌ من أنواع الإحسان الأدبي والمعنوي للغير في شريعتنا الغراء.
===========================================
(2) ((من صور الاحترام المتعددة والمتنوعة))
===========================================
احترام النفس والذات، أي: الابتعاد عن كل ما يسئ إليها، تجنب القيام بما يسئ إلى السمعة والعرض والشرف، انظروا إلى قريش وهي تريد قتل النبي (صلى الله عليه وسلم)، وقد همّ بعضهم بتسلق جدار البيت والدخول على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فصاحت (صرخت) امرأة من البيت، فقال بعضهم لبعض: (وَاَللهِ إنّهَا لَلسّبّةُ فِي الْعَرَبِ أَنْ يُتَحَدّثَ عَنّا أَنّا تَسَوّرْنَا الْحِيطَانَ عَلَى بَنَاتِ الْعَمّ وَهَتَكْنَا سِتْرَ حُرْمَتِنَا)(الروض الأُنف)، فهذا نموذج لاحترام النفس الجماعي، احترمت قريش فيه نفسها، وخافت أن تسبها العرب بتسور الجدران، واقتحام الحرمات، وهتك الأعراض.
==
وانظروا إلى هذا النموذج الفردي في احترام النفس، انظروا إلى أبي سفيان بن حرب (رضي الله عنه) وهو لا يزال على شركه، وقد أراد هرقل عظيم الروم سؤاله عن النبي (صلى الله عليه وسلم) وأمره، فجاء بأصحاب أبي سفيان وجعلهم خلفه مخافة أن يكذب عليه، يقول أبو سفيان: (وَاللَّهِ لَوْلاَ الحَيَاءُ يَوْمَئِذٍ، مِنْ أَنْ يَأْثُرَ أَصْحَابِي عَنِّي الكَذِبَ، لَكَذَبْتُهُ حِينَ سَأَلَنِي عَنْهُ، وَلَكِنِّي اسْتَحْيَيْتُ أَنْ يَأْثُرُوا الكَذِبَ عَنِّي، فَصَدَقْتُهُ)(رواه البخاري)، إن احترام النفس مدعاة لكل صور الاحترام التي سنراها، ونتحدث عنها بعد ذلك.
======
ومنها: احترام الوالدين، فهما أولى الناس وأحقهم بالاحترام بعد احترام النفس والذات؛ لأنه لا فضل كفضلهما على المرء بعد فضل الله (عزّ وجلّ)، ولذا قرن سبحانه وتعالى الدعوة إلى برهما والإحسان إليهما مع الدعوة إلى عبادته (سبحانه وتعالى)، وعدم الإشراك به شيئًا، فقال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا*وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}[الإسراء:23،24]، إن هذه الآية كما تعلمنا برّ الوالدين والإحسان إليهما، فهي تعلمنا أيضا التقدير والاحترام لهما، فقال تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}، فقد يكون الإنسان بارًا بوالديه، ومحسنًا إليهما ولكنه لا يكون محترمًا.
==
وكما جاء القرآن الكريم وعلمنا الأدب والاحترام والتقدير للوالدين كذلك جاء السنة النبوية المطهرة، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) رأى رجلا معه غلام، فقال للغلام: (مَنْ هَذَا؟). قال: أبي. قال: (فَلَا تَمْشِ أَمَامَهُ، وَلَا تَسْتَسِبَّ لَهُ (لا تكن سببا في سبه ولعنه، وشتمه)، وَلَا تَجْلِسْ قَبْلَهُ، وَلَا تَدْعُهُ بِاسْمِهِ)(رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة).
=======
ومن صور الاحترام المتنوعة والمتعددة، احترام العلم والعلماء، فالحق تبارك وتعالى يقول: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ}[الزمر:9]، ويقول تعالى أيضًا: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}[المجادلة:11]، فكما رفع المولى تبارك وتعالى من درجاتهم كذلك ينبغي أن نرفع من احترامهم، وألا نساويهم بمَنْ هم دونَهم.
ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا، وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ)(مكارم الأخلاق للطبراني)، وعن ابن عباسٍ (رضي الله عنهما) قال: (لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، قُلْتُ لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ يَا فُلَانُ هَلُمَّ فَلْنَسْأَلْ أَصْحَابَ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَإِنَّهُمُ الْيَوْمَ كَثِيرٌ). فقال الرجل: واعجبًا لك يا ابن عباس، أترى الناس يحتاجون إليك، وفي الناس من أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) مَنْ ترى؟. يقول ابن عباس: (فَتَرَكَ ذَلِكَ، وَأَقْبَلْتُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ، فَإِنْ كَانَ لَيَبْلُغُنِي الْحَدِيثُ عَنِ الرَّجُلِ فَآتِيهِ، وَهُوَ قَائِلٌ، فَأَتَوَسَّدُ رِدَائِي عَلَى بَابِهِ، فَتَسْفِي الرِّيحُ عَلَى وَجْهِي التُّرَابَ، فَيَخْرُجُ، فَيَرَانِي، فَيَقُولُ: يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ مَا جَاءَ بِكَ؟ أَلَا أَرْسَلْتَ إِلَيَّ فَآتِيَكَ؟). فأقول: (لَا، أَنَا أَحَقُّ أَنْ آتِيَكَ. فَأَسْأَلُهُ عَنِ الْحَدِيثِ). قال: (فَبَقِيَ الرَّجُلُ حَتَّى رَآنِي، وَقَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيَّ). فقال: كان هذا الفتى أعقل مني. (سنن الدارمي)، فابن عباسٍ من احترامه للعلماء أنه كان يذهب إليهم، ورفض مجيئهم إليه، ومن احترامه للعلم أنه تعب في سبيل تحصيله.
==
وعن الإمام الشعبي قال: صلى زيد بن ثابت (رضي الله عنه) على جنازة (جنازة أمّه)، ثم قُربت له بغلة ليركبها فجاء ابن عباس (رضي الله عنهما) فأخذ بركابه، فقال له زيد: (خَلِّ عَنْهُ يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)). فقال ابن عباس (رضي الله عنهما): (لَا هَكَذَا نَفْعَلُ بِالْعُلَمَاءِ وَالْكُبَرَاءِ)(المعجم الكبير، والمدخل إلى السنن الكبرى)، زاد بعضهم في هذا الحديث: إن سيدنا زيد بن ثابت كافأ ابن عباس على أخذه بركابه أن قبل يده وقال: (هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَفْعَلَ بِأَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ))(جامع بيان العلم وفضله)، وعن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) قال: (ثَلَاثَةٌ لَا يَسْتَخِفُّ بِحَقِّهِنَّ إِلَّا مُنَافِقٌ: إِمَامٌ مُقْسِطٌ، وَمُعَلِّمُ الْخَيْرِ، وَذُو الشَّيْبَةِ فِي الْإِسْلَامِ)(مصنف ابن أبي شيبة).
هكذا دعتنا شريعتنا الإسلامية إلى احترام العلم والعلماء، ومن عجيب أمر الناس اليوم أن يتكلم الرويبضة، والتافه، والجاهل في شأن العلماء، ويساوي نفسه بهم، ولا يتأدب عند ذكرهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
======
ومن صور الاحترام المتنوعة والمتعددة، احترام كلا من الزوجين للأخر، فالنبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: (لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لِأَزْوَاجِهِنَّ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنَ الْحَقِّ)(رواه أبو داود)، فهذه دعوة عالية للنساء أن يحترمن أزواجهن لعظيم حقهم عليهنّ، وبالمثل يدعو النبي (صلى الله عليه وسلم) الأزواج أن يحترمن الزوجات فيقول: (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ)(متفق عليه واللفظ للبخاري)، وفي حجة الوداع يوصي كلا من الطرفين ببعضهما البعض فيقول: (…أَلَا فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّهُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ، لَا عَلَيْكُمْ مِنْ أَمْرِهِنَّ شَيْءٌ، إِنَّمَا آتَيْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَهُنَّ حَقٌّ عَلَيْكُمْ فِي بُضْعِهِنَّ، وَرِزْقِهِنَّ، وَكِسْوَتِهِنَّ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ حَقٌّ أَلَّا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ، وَلَا يُدْخِلْنَ بُيُوتَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ إِلَّا بِإِذْنِكُمْ، فَإِنْ فَعَلْنَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ حَلَّ أَنْ تَهْجُرُوهُنَّ وَتَضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟). قالوا: نعم. قال: (اللَّهُمَّ اشْهَدْ…)(رواه الترمذي، وابن ماجه، وأحمد، واللفظ لهشام بن عمار).
=======
ومن صور الاحترام المتنوعة والمتعددة، احترام الوجهاء، والكبراء، وكبار السن، قال (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ)(رواه أبو داود)، وعن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: جاء شيخ يريد النبي (صلى الله عليه وسلم) فأبطأ القوم عنه أن يوسعوا له، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا)(رواه الترمذي)، وعن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنهما) قال: لما نزلت بنو قريظة على حكم سعد بن معاذ (رضي الله عنه)، بعث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وكان قريبًا منه، فجاء على حمار، فلما دنا قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ…)(اللفظ البخاري).
==
وانظروا إلى هذا المثال النادر لاحترام الكبراء والوجهاء، فعن ابن عمر (رضي الله عنهما) قال: كنا عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: (أَخْبِرُونِي بِشَجَرَةٍ تُشْبِهُ أَوْ: كَالرَّجُلِ المُسْلِمِ لاَ يَتَحَاتُّ وَرَقُهَا، وَلاَ وَلاَ وَلاَ تُؤْتِي أُكْلَهَا كُلَّ حِينٍ). قال ابن عمر: فوقع في نفسي أنها النخلة، ورأيت أبا بكر، وعمر لا يتكلمان، فكرهت أن أتكلم فلما لم يقولوا شيئا، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (هِيَ النَّخْلَةُ). فلما قمنا قلت لعمر: يا أبتاه، والله لقد كان وقع في نفسي أنها النخلة، فقال: (مَا مَنَعَكَ أَنْ تَكَلَّمَ؟). قال: لم أركم تكلمون، فكرهت أن أتكلم أو أقول شيئا. فقال عمر: (لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا)(اللفظ للبخاري)، وعن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) قال: كان عمر يقول: (أَبُو بَكْرٍ سَيِّدُنَا، وَأَعْتَقَ سَيِّدَنَا يَعْنِي بِلاَلًا)(رواه البخاري).
======
ومن صور الاحترام المتنوعة والمتعددة، الاحترام المتبادل بين أفراد المجتمع، بدون سخرية أو استهزاء أو تكبر…الخ، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ* يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ}[الحجرات:12،11]، وقال تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ}[الهمزة:1]، وقال (صلى الله عليه وسلم): (يُحْشَرُ المُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، فَيُسَاقُونَ إِلَى سِجْنٍ فِي جَهَنَّمَ يُسَمَّى بُولَسَ تَعْلُوهُمْ نَارُ الأَنْيَارِ يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ طِينَةَ الخَبَالِ)(رواه الترمذي)، فهذه النصوص دعوة لتبادل الاحترام بين أفراد المجتمع.
=======
ومن صور الاحترام المتنوعة والمتعددة، احترام الأطفال، لتعويدهم وتربيتهم على الاحترام، فهم رجال المستقبل بعد ذلك، وهم حاملو راياته، فقد كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يقف ويسلم على الصبية بدون نظر لصغر سنهم. (متفق عليه)، وكان يناديهم بالكني الجميلة المحببة إليهم، كما فعل مع أخي أنس بن مالك (رضي الله عنهما) أبا عمير عند تعزيته في موت طائره. (رواه أبو داود)، وعن سهل بن سعد (رضي الله عنه): أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أُتي بشراب فشرب منه، وعن يمينه غلام، وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام: (أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلاَءِ؟). فقال الغلام: والله يا رسول الله، لا أوثر بنصيبي منك أحدا، قال: (فَتَلَّهُ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِي يَدِهِ)(متفق عليه)، أي: ألقاه ووضعه في يده.
=======
ومن صور الاحترام المتنوعة والمتعددة، احترام قوانين الوطن الذي نحيا ونعيش على أرضه، ونستظل بسمائه، القوانين التي سكت عنها الشرع، ولا مخالفة له فيها للدين، حتى وإن سنحت الفرصة للإفلات منها، والتحايل عليها، وهو ما يعرف اليوم بالمصالح المرسلة، فلاشك أن الأنظمة والقوانين الوضعية الإدارية في أي بلدٍ تنظم شؤون الناس وحياتهم، كقوانين المرور، والسكن، والزراعة، والتجارة، والصناعة، وأمور البيع والشراء، وتنظيم شؤون العاملين، وتنظيم إدارة الأعمال. وغيرها من المصالح المرسلة.
فالحاكم مسؤول مسئولية كاملة عن المصالح العامة فإذا وضع نظامًا أو قانونًا يجلب مصلحةً عامةً، أو يدرأ مفسدةً، غير مخالف للشريعة الإسلامية يجب على الجميع الالتزام به، قال (صلى الله عليه وسلم): (الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ, إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا) (السنن الكبرى للبيهقي)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (…كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ، فَهُوَ بَاطِلٌ…) (رواه ابن ماجه)، والقاعدة الفقهية تقول: (المعروفُ عرفًا كالمشروط شرطا)، فطالما ارتضيت أرضًا وطنًا فعليك أن تلتزم بنظامه وقوانينه طالما أنها لا تخالف شرع الله (عزّ وجلّ)، فكيف تقام دولة داخل دولة، وجماعة داخل وطن لا تلتزم بتوقيت الصلوات والأعياد فيه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
=======
ومن صور الاحترام المتنوعة والمتعددة، احترام الدين وتعاليمه، احترام أوامر القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[النساء:65]، نزلت هذه الآية في خصومة كانت بين الزبير بن العوام (رضي الله عنه) وبين رجل من الأنصار في شراج الحرة (مسيل الماء من الحرة إلى الوادي)، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) للزبير: (اسْقِ يَا زُبَيْرُ، ثُمَّ أَرْسِلْ إِلَى جَارِكَ). فغضب الأنصاري، قال: يا رسول الله، أن كان ابن عمتك! فتلون وجه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تغيّر غضبًا، ثم قال للزبير: (اسْقِ، ثُمَّ احْبِسْ حَتَّى يَبْلُغَ الجَدْرَ). (أي: حتى يبلغ أصول الحائط، وقيل: أصول الشجر) قال الزبير: فو الله ما أحسب هذه الآية نزلت إلا في ذلك. (متفق عليه)، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}[النساء:208]، فالله (جلّ ثناؤه) أمر المؤمنين بالعمل بشرائع الإسلام كلها، والالتزام بحدوده، والمحافظة على فرائضه التي فرضها، ونهاهم عن تضييع شيء من ذلك، فالآية عامة لكل من شمله اسم الإيمان.
==
وعن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما)، أن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، أتى النبي (صلى الله عليه وسلم) بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه على النبي (صلى الله عليه وسلم)، فغضب وقال: (أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا (سؤال استنكاري أي: أمتحيرون في الإيمان بشريعتي واتباعها والعمل بها) يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ، أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى كَانَ حَيًّا، مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي)(رواه أحمد)، فهل ما يحدث في أفراحنا اليوم من التبذير في الإنفاق، وشرب المخدرات، وضرب الصواريخ…الخ، من احترام الدين وتعاليمه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
عباد الله أقول قولي هذا، وأستغفر الله العليّ العظيم لي ولكم، فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له.
===========================================
(الخطبة الثانية)
((كيف تكسب احترام الأخرين))
===========================================
الحمد لله ربّ العالمين، أعد لمن أطاعه جنات النعيم، وسعر لمن عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الصادق الوعد الأمين، اللهم صلّ عليه ، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
أيها الأحبة الكرام: فقد علمنا معنى الاحترام، ورأينا صورًا متعددة ومتنوعة له، بقي لنا في تلك الجمعة المباركة أن نتحدث عن كيفية كسب احترام الأخرين؟.
وأقول: إن كسب احترام الأخرين يتلخص في التحلي بجملة من مكارم الأخلاق، بيانها كالتالي:
=====
احترام الشخص لنفسه أولا، وابتعاده عن كل ما يسيئ إليها ويشينها من معصية الله (عزّ وجلّ) ومخالفة رسوله (صلى الله عليه وسلم)، فعن شداد بن أوس (رضي الله عنه) أنه كان في سفر، فنزل منزلا، فقال لغلامه: (ائْتِنَا بِالسُّفْرَةِ نَعْبَثْ بِهَا)، وفي رواية: (بالشفرة). فأنكرت عليه، فقال: (مَا تَكَلَّمْتُ بِكَلِمَةٍ مُنْذُ أَسْلَمْتُ إِلَّا وَأَنَا أَخْطِمُهَا وَأَزُمُّهَا غَيْرَ كَلِمَتِي هَذِهِ، فَلَا تَحْفَظُوهَا عَلَيَّ، وَاحْفَظُوا مِنِّي مَا أَقُولُ لَكُمْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ: (إِذَا كَنَزَ النَّاسُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، فَاكْنِزُوا هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ حُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا، وَأَسْأَلُكَ لِسَانًا صَادِقًا، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ، إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ)(رواه أحمد)، فسيدنا شداد (رضي الله عنه) خاف أن تعاب عليه كلمةٌ واحدة كانت على سبيل الهزل والممازحة، فكيف بمن يتكلم بسوء الكلام وفحشه ليل نهار. كيف يكسب الإنسان احترام الأخرين؟ وهو قد أهان نفسه ولم يحترمها.
=====
ومنها: احترام الشخص للأخرين، كما بينت ووضحت في تلك الخطبة المباركة، فالجزاء من جنس العمل، والحق تبارك وتعالى يقول: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}[الرحمن:60]، ومن فقد التحلي باحترام الأخرين لن يحظى بأي احترامٍ منهم.
=====
ومنها: التحلي بالصدق والأمانة، ولنا في سيرة النبي (صلى الله عليه وسلم) وحياته درسٌ وعبرة، فقد كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يتحلى بالصدق والأمانة قبل بعثته، ولذا حظي بالاحترام عند الجميع، فلقب بالصادق الأمين في مكة وضواحيها، واختاروه في التحكيم بينهم عند الخلاف في وضع الحجر الأسود بعد تجديد بناء الكعبة، ووضعه (صلى الله عليه وسلم) بيديه، واختارته السيدة خديجة (رضي الله عنها) ليتاجر في مالها، بل واختارته زوجًا لها، وكل ذلك لكسبه (صلى الله عليه وسلم) احترام الأخرين لصدقه وأمانته.
=====
ومنها: العلاقات الصحية السليمة مع الأخرين، وهي بداية السلام الكوني الذي تحدثت عنه، وعن صوره، ومظاهره المتعددة، في الجمعة الماضية، والذي يتلخص في إعطاء كل ذي حقٍ حقه، قال سيدنا سلمان الفارسي لسيدنا أبي الدرداء (رضي الله عنهما): (إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ). قال النبي (صلى الله عليه وسلم) معقبًا على ذلك: (صَدَقَ سَلْمَانُ)(رواه البخاري)، ومحبة الخير للغير، والسعي له، والعمل من أجله، وبغض الشرّ، والكف عنه، وإغلاق أبوابه، قال (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ، مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ)(رواه ابن ماجه).
=====
ومنها: المشاركة للمجتمع وللناس في أتراحهم وأفراحهم، والقيام على خدمة المجتمع، وقضاء حوائج أفراده، فقد جُبِل الناس على حب الإحسان إليهم، ومشاركتهم في أتراحهم وأفراحهم، ولعل هذا أيضًا من أسباب كسب النبي (صلى الله عليه وسلم) لاحترام مكة وضواحيها قبل بعثته، وها هي السيدة خديجة (رضي الله عنها) تصرح بذلك، وتشهد على رعاية النبي (صلى الله عليه وسلم) لمجتمعه، ومشاركته (صلى الله عليه وسلم) في أتراحه وأفراحه، فتقول: (…أَبْشِرْ فَوَ اللَّهِ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، فَوَ اللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ…)(متفق عليه)، وكيف لا يحظى باحترام الناس مَنْ أحبه الله (عزّ وجلّ)؟، قال (صلى الله عليه وسلم ): (أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ, وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تَدْخِلُهُ عَلَى مُؤْمِنٍ: تَكْشِفُ عَنْهُ كَرْبًا، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلَأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخِي الْمُسْلِمِ فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ شَهْرَيْنِ فِي مَسْجِدٍ، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ، مَلَأَ اللَّهُ قَلْبَهُ رِضًى، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يُثْبِتَهَا لَهُ ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ تَزِلُّ الْأَقْدَامُ، وَإِنَّ سُوءَ الْخُلُقِ لَيُفْسِدُ الْعَمَلَ كَمَا يُفْسِدُ الْخَلُّ الْعَسَلَ)(قضاء الحوائج لابن أبي الدنيا).
=====
ومنها: مصاحبة المحترمين، قال (صلى الله عليه وسلم): (الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِطُ)(مسند أحمد)، فلنحرص على مصاحبة المحترمين حتى يجرونا إلى الاحترام أو يذكروننا به أو ينهونا عن ضده على الأقل، فالصاحب كما يقولون: ساحب.
=====
ومنها: التحلي بالوفاء، بمعنى أن تعطي الأشياء والأشخاص حقها عند الحديث عنها ـ ولو كانوا ألدّ أعدائك ـ من غير تنقيص أو تجريح، أو كتمٍ لمناقبها وفضلها، وهو بهذا المعنى يساوي الاعتراف بالفضل، وحفظ الجميل، وقيل: الوفاء هو: الثبات على الحب وإدامته إلى موت المحبوب، قال قيصر الروم بعد استماعه لأبي سفيان وإجاباته لأسئلته عن النبي (صلى الله عليه وسلم): (وَهَذِهِ صِفَةُ النَّبِيِّ، قَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ، وَلَكِنْ لَمْ أَظُنَّ أَنَّهُ مِنْكُمْ، وَإِنْ يَكُ مَا قُلْتَ حَقًّا، فَيُوشِكُ أَنْ يَمْلِكَ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ وَلَوْ أَرْجُو أَنْ أَخْلُصَ إِلَيْهِ، لَتَجَشَّمْتُ لُقِيَّهُ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ قَدَمَيْهِ)(رواه البخاري)، فقيصر الروم يحظى بالاحترام عندنا وذلك لوفائه لسيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، عكس كسرى عظيم الفرس الذي مزق رسالة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وتطاول قائلًا لما بلغته رسالة النبي (صلى الله عليه وسلم): (عبد حقير من رعيتي يكتب اسمه قبلي) (الرحيق المختوم).
===========================================
فاللهم ارفع عنا الوباء والبلاء والغلاء، وأمدنا بالدواء والغذاء والكساء، اللهم اصرف عنّا السوء بما شئت، وكيف شئت إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير، اللهم ارفع مقتك وغضبك عنّا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا، اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.
كتبها الشيخ الدكتور/ مسعد أحمد سعد الشايب