خطبة الجمعة للدكتور مسعد الشايب ، إنَّ ما أتخوف عليكم رجلٌ آتاه اللهُ القرآنَ فغيّر معناه

خطبة الجمعة للدكتور مسعد الشايب ، نماذج من مواجهة القرآن للشبهات الفكرية “إنَّ ما أتخوف عليكم رجلٌ آتاه اللهُ القرآنَ فغيّر معناه” الجمعة 11من ذي القعدة 1446هـ الموافق 9من مايو 2025م
===========================================
خطبة الجمعة للدكتور مسعد الشايب WORD ، إنَّ ما أتخوف عليكم رجلٌ آتاه اللهُ القرآنَ فغيّر معناه
خطبة الجمعة للدكتور مسعد الشايب PDF ، إنَّ ما أتخوف عليكم رجلٌ آتاه اللهُ القرآنَ فغيّر معناه
أولا: العناصر:
- مقدمة ومدخل.
- ادعاء بشرية القرآن الكريم.
- ادعاء أن الذبيح هو إسحاق (عليه السلام)).
- الخطبة الثانية: (ادعاء أن التكرار جاء بدون فائدة في القرآن الكريم).
ثانيا: الموضوع:
الحمد لله ربّ العالمين، هدانا إلى الحق وإلى طريق مستقيم، سبحانه سبحانه نوّر بكتابه القلوب، وأنزله في أوجز لفظ، وأعذب أسلوب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، النبي الأميّ الكريم، الذي علًم جميع العلماء والمتعلمين، فاللهم صلْ وسلمْ وباركْ عليه، وعلى آله وأصحابه وأنصاره وأزواجه، وأتباعه أجمعين إلى يوم الدين، وبعد:
===========================================
(1) ((مقدمة ومدخل))
===========================================
أيها الأحبة الكرام: لما فشل أعداء الإسلام في إخضاع المسلمين، وإخراجهم من دينهم بقوة السيف والسلاح؛ لجأوا إلى حيلة ماكرة خبيثة، فأعوزوا إلى طلائعهم من المبشرين والمستشرقين، وذيولهم من المفكرين المنسوبين، أوعزوا لكلتا الطائفتين بزعزعة المسلمين في إيمانهم، وتشكيكهم في أمور دينهم بأساليب متعددة متنوعة، وطرق مختلفة، ومنها: إلقاء وإثارة الشبه الفكرية.
فقد ألف هؤلاء وأولاء رسائل، وكتب عريضة للطعن في الإسلام، وثوابته: من القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، بل وصل الطعن لشخص سيدنا رسول الله ﷺ، وآل بيته الأطهار الأخيار، وامتد ليصل إلى صحابته ﷺ.
فتعالوا بنا أحبتي في الله بإذن من الحق تبارك وتعالى في لقاء الجمعة الطيب المبارك لنعيش مع بعض الشبه الفكرية التي أثارها أعداء الإسلام، والمتربصون به، ونرى كيف واجهها القرآن الكريم، وكيف ردّ عليها، فأعروني يا عباد الله القلوب وأصغوا إلي بالآذان، والأسماع، فأقول وبالله التوفيق، من الشبه الفكرية التي أثاره أعداء الإسلام، والمتربصون به:
===========================================
(2) النموذج الأول: (ادعاء بشرية القرآن الكريم)
_ وهذه شبهة فكرية قديمة منذ نزول الوحي على قلب سيدنا رسول الله ﷺ، اتهمه بها الكفرة والمشركون من قريش أولا، وتلقفها المستشرقون، وأعداء الإسلام، والمتربصون به من بعدهم، ومفادها:
أن القرآن الكريم من تأليف سيدنا رسول الله ﷺ، وليس وحيًا ربانيًا، وأعانه في تأليفه بشرٌ مثله، فقالوا: جبر الرومي مولى عامر بن الحضرمي.
وقالوا: رجلان من الموالي يعملان السيوف بمكة، وقالوا: سيدنا عبد الله بن سلام اليهودي (رضي الله عنه)، ومعه وهب بن منبه، وكعب الأحبار، وقالوا: بحيرا الراهب (سرجيس بالرومية) (فيليكس باللاتينية):
_ والغرض من تلك الشبهة: الطعن في نبوة سيدنا رسول الله ﷺ، ورسالته، وكتابه، واستدلوا على ذلك: بما جاء من آيات قرآنية يتكلم فيها سيدنا رسول الله ﷺ على نفسه، كقول الله (عز وجل): {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [الأنعام:114].
_ وقد سجل القرآن الكريم عليهم تلك الشبهة، وردّ عليها ردّا مباشرًا، فقال سبحانه وتعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ*قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ*وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل:101 – 103].
فالقرآن الكريم يرد عليهم مبينًا أن لغة مَنْ ادعوا أنهم علموا سيدنا رسول الله ﷺ، وساعدوه في تأليف القرآن الكريم لغتهم أعجمية (غير عربية) أما القرآن فقد جاء بلسان سيدنا محمد ﷺ لسانٍ عربيٍ مبين، وكيف يتأتى لأعجمي لا يتكلم العربية أن يعلم رجلا لا يتكلم إلا باللغة العربية، وكيف يتأتى لرجلٍ أمي (سيدنا رسول الله ﷺ) لا يقرأ ولا يكتب أن يأتي بمثل هذا القرآن في علومه، ومعارفه، وأسراره، وبنظمه المعجز الذي يغاير أسلوب العرب ونظمهم في كلامهم من عند نفسه؟
زدّ على ذلك في الردّ: أن القرآن الكريم لو كان من تأليف سيدنا رسول الله ﷺ، ومن تصنيفه لما عجز العرب عن الإتيان بمثله، وهم أرباب الفصاحة، والبلاغة، واللسان وقتها، وبعضهم أقر بهذا العجز، وصدق الله إذ يقول: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء:88].
زدّ على ذلك في الردّ: أن القرآن الكريم لو كان من تأليف سيدنا رسول الله ﷺ، ومن تصنيفه لما جاء بالقصص القرآني الذي لا يوجد إلا في الكتب السماوية الأخرى، كقصة ابني آدم (عليه السلام)، وقصة يعقوب (عليه السلام) وأبنائه وخصوصًا يوسف (عليه السلام)، وقصص موسى (عليه السلام) مع بني إسرائيل، والفراعنة.
بل إن القرآن الكريم في بعض قصصه وأخباره يخالف ما عند أهل الكتاب، فالكتاب المقدس عند اليهود يسجل أن التي التقطت سيدنا موسى (عليه السلام) وتبنته وهو رضيع ابنة الفرعون (سفر الخروج، الإصحاح الثاني، الفقرة:5)، في حين أن القرآن الكريم يقرر أنها امرأة الفرعون، فقال تعالى: {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [القصص:9].
بل إن بعض القصص في القرآن الكريم لا مصدر له إلا القرآن الكريم، كقصة هود (عليه السلام) مع عاد، وصالح (عليه السلام) مع ثمود، وشعيب (عليه السلام) مع مدين. فأنى لرجل أمي، لا يقرأ ولا يكتب، ولا جلس إلى معلم، ولا سافر خارج مكة إلا مرة واحدة وهو صغير أنى له أن يأتي بكل ذلك؟ إنه القرآن الكريم تنزيل من الله العزيز الحكيم، نزل به الروح الأمين على قلب سيدنا رسول الله، ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين.
=====
(3) النموذج الثاني (ادعاء أن الذبيح هو إسحاق (عليه السلام))
_ شبهة فكرية قديمة أيضًا مصدرها اليهود ولا يستبعد على أعداء الدين والإسلام أن يدسوا تلك الروايات على الصحابة وغيرهم ترويجًا لهذا القول الزائف، ولعداوتهم المتأصلة للنبي ﷺ، وحسدًا لأمة العرب على هذا الفضل العظيم، فقد أرادوا أن يستحوذوه لأنفسهم. وانتقلت تلك الفرية إلى الفكر الإسلامي عن طريق الإسرائيليات والدخيل المدسوس في تفسير كتاب الله، والاغترار بروايات أهل الكتاب، أو الدس على علماء الإسلام أو الجهل بعلم الأسانيد فمن أسندك فقد أحالك.
=====
وقد ردّ القرآن الكريم تلك الفرية ردّا غير مباشر، يحتاج إلى إعمال عقل وفكر وتدبر في النظم القرآني، فقد استدل العلماء والفقهاء والمحققون على أن الذبيح هو سيدنا إسماعيل (عليه السلام) بالعديد من الأدلة من النظم القرآني، وغيره كالآتي:
=====
الدليل الأول: قوله تعالى: {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ*رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ*فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} [الصافات:99 ـ 101].
فالعطف بالفاء في قوله تعالى: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} يدل على أن الذبيح هو سيدنا إسماعيل (عليه السلام)؛ لأنه يدل على الترتيب مع التعقيب (مجيء الإجابة عقب الدعاء مباشرة)، فإسماعيل (عليه السلام) هو الذي وهب لإبراهيم (عليه السلام) عقب هجرته من بلاد العراق، وكان أكبر من إسحاق (عليه السلام) بأربعة عشر عامًا بنص الكتاب المقدس كما في سفر التكوين في الإصحاح السادس عشر، والحادي والعشرين، والثاني والعشرين.
الدليل الثاني: قوله تعالى: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات:112]، فقد عطفت البشارة بإسحاق (عليه السلام) في الآية بحرف (الواو) على البشارة بالغلام الحليم، والعطف بالواو يقتضي المغايرة فلزم أن يكون الحليم غير إسحاق (عليه السلام)، فتعين كونه إسماعيل (عليه السلام)، وإلا لكان تكرارًا.
كما أن إسحاق (عليه السلام) لم يوصف بالحليم وإنما وصف بالعليم في موضعين من القرآن الكريم قال تعالى: {قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} [الحِجر:53]، وقال تعالى: {فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} [الذاريات:28].
=====
الدليل الثالث: قوله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [هود:71]، والمقصود أن البشارة بإسحق (عليه السلام) كانت مقرونة بولادة يعقوب منه فلا يناسبه الأمر بذبحه مراهقًا، إذ كيف يبشر إبراهيم (عليه السلام) بإسحاق (عليه السلام) ويبشر بأن إسحاق (عليه السلام) سيولد له ثم يؤمر بذبحه مراهقًا قبل أن يبلغ ويتزوج.
وهذا من أقوى الأدلة على أن الذبيح هو سيدنا إسماعيل (عليه السلام) وإلا لكان الابتلاء بالذبح ابتلاءً صوريًا، ولما بُشر سيدنا إبراهيم (عليه السلام) بسيدنا إسماعيل (عليه السلام) لم يعده بأنه سيولد له وذلك توطئة لذبحه، ولذا جاء في سفر التكوين الإصحاح السابع عشر: (18وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ للهِ: (لَيْتَ إِسْمَاعِيلَ يَعِيشُ أَمَامَكَ!). اهـ
الدليل الرابع: أن الأبلغ في الابتلاء الأمر بذبح الولد الوحيد وهو إسماعيل (عليه السلام) بنص التوراة، وهو الذي وصف بالحلم كما في قوله تعالى: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} [الصافات:101]، وهو المناسب للذبح، فأي حلم أعظم من الصبر على الذبح؟!
كما أن الله (عزّ وجلّ) وصفه بصدق الوعد في سورة مريم، فقال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا} [مريم:54]، لقوله: {يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات:102]، حينما قال له أبوه: {يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} [الصافات:102]، فصبر إسماعيل (عليه السلام) ولم يفر بل حتى لم يضطرب ولم يتحرك عند الذبح.
=====
الدليل الخامس: أن البشارة وقعت مرتين لإبراهيم (عليه السلام)، مرة في قوله تعالى: {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ*رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ*فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} [الصافات:99 ـ 101]. وهذه البشارة كانت بعد انتقاله من العراق إلى الشام كما تقدم، وجاءت بعد سؤال منه (عليه السلام) حيث كان سنه لا يستغرب فيه الولد.
والبشارة الثانية كانت في قوله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [هود:71]. وهذه البشارة صُرح فيها أن المبشر به هو إسحاق (عليه السلام) ولم تكن بسؤال من إبراهيم (عليه السلام) لأنه كان شيخًا وكانت امرأته عجوزًا كما قالت سارة (عليها السلام). فعلم بذلك أنهما بشارتان في وقتين مختلفين بغلامين: أحدهما: بغير سؤال وهو إسحاق (عليه السلام) صريحا، والثانية: بسؤال فتعين كونه إسماعيل (عليه السلام).
=====
الدليل السادس: أن القرابين والهدى والأضاحي تذبح في موسم الحج كل عام بمنى بالقرب من البيت الحرام، وما ذاك إلا تذكرة لأول مرة أُمر فيها إبراهيم (عليه السلام) بذبح ولده، وثبت أن إسماعيل (عليه السلام) كان مقيمًا بمكة بنص القرآن، وبالكتاب المقدس ففي سفر التكوين الإصحاح الحادي والعشرين: (وسكن في برية فاران)، ولم يثبت أن إسحاق (عليه السلام) قدم مكة فتعين كون الذبيح إسماعيل (عليه السلام).
=====
الدليل السابع: تعارض الروايات عن ابن عمر، وابن عباس، ومجاهد، وعلقمة، والشعبي وغيرهم ولا شك أن هذا التعارض دليل على كذب القول بأن الذبيح هو إسحاق (عليه السلام).
عباد الله: البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والدّيّان لا يموت، اعمل ما شئت كما تدين تدان، فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فالتائب من الذنب كمَنْ لا ذنب له.
===========================================
(الخطبة الثانية)
((ادعاء أن التكرار جاء بدون فائدة في القرآن الكريم))
===========================================
الحمد لله ربّ العالمين، أعد لمن أطاعه جنات النعيم، وسعر لمن عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الصادق الوعد الأمين، اللهم صلّ عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
=====
أيها الأحبة الكرام: ما زلنا نعيش مع بعض الشبه الفكرية التي أثارها أعداء الإسلام، والمتربصون به، وأذيالهم من بعدهم، والتي واجهها القرآن الكريم، وردّ عليها، ومن تلك الشبه الفكرية:
=====
الادعاء أن التكرار في القرآن الكريم جاء لغير فائدة تذكر، ولغير داع تقتضيه اللغة العربية:
كأكبر وأعجب تكرار في القرآن الكريم عند الخاصة والعامة، قوله تعالى: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} في سورة الرحمن، فقد ذكر فيها هذا الاستفهام الإنكاري التوبيخي إحدى وثلاثين مرة، فادعوا أنه تكرار لا داعي له، ولا فائدة له تذكر.
=====
وللردّ عليهم أقول: سورة الرحمن سورة مكية (نزلت قبل الهجرة) على الأرجح، وهي تذكر الإنسان بصنوف وألوان النعم التي أنعم الله بها عليه في الدنيا، وسينعم بها في الأخرة إذا آمن وانضم لصفوف الموحدين.
وقد جمعت تلك النعم بين النعم الأرضية، والنعم السماوية ونعمة الخلق، والتعلم، والبيان، وتسخير العوالم والكائنات…الخ، وقد تكرر قوله تعالى: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:13]، بعد ذكره أول مرة في الآية الثالثة عشر ـ تكرر ثَلاثِينَ مرّة:
=====
_ ثَمَانِيَة مِنْهَا ذكرت عقب الآيَات التي تحدثت عن عجائب خلق الله من الآية (16) السادسة عشر إلى الآية (32) الثانية والثلاثين.
_ ثمَّ ذكرت ستة مِنْهَا عقب الآيَات التي تحدثت عن النَّار وشدائدها، وَحسُن ذكر الاستفهام عقيبها؛ لأَن فِي صرفهَا وَدفعهَا نعمًا توازي النعم الْمَذْكُورَة، أَو لأَنَّهَا حلت بالأعداء وَذَلِكَ يعد أكبر النعماء من الآية (34) الرابعة والثلاثين إلى الآية (45) الخامسة والأربعين.
_ ثم ذكرت ثَمَانِيَة منها فِي وصف الْجنان وَأَهْلهَا من الآية (47) السابعة والأربعين إلى الآية (61) الحادية والستين، ثم ثَمَانِيَة أُخْرَى بعْدهَا للجنتين اللَّتَيْنِ دونهمَا من الآية (63) الثالثة والستين إلى الآية (77) السابعة والسبعين.
_ فَمن اعْتقد الثَّمَانِية الأولى وَعمل بموجبها تفضل الله عليه، أو تكرم عليه بكلتا الثمانيتين في وصف الجنان من الله، ووقاه الستة التي جاءت في النيران.
والسر في ذلك التكرار: أن الله تعالى خاطب في تلك السورة الثقلين (الإنس والجنّ)، وعدّد عليهم نعمه وآلاءه فكلما ذكر نعمة من نعمه أعقبها بهذا الاستفهام طلبًا لإقرارهم واقتضاء لشكرهم، أو توبيخًا وإنكارًا على المكذبين بها، فالتكرار هنا لتعدد المتعلق.
فاللهم ارفع عنا الوباء والبلاء والغلاء، وأمدنا بالدواء والغذاء والكساء، اللهم اصرف عنّا السوء بما شئت، وكيف شئت إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير، اللهم ارفع مقتك وغضبك عنّا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا، اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.
كتبها الشيخ الدكتور/ مسعد أحمد سعد الشايب