خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل

خطبة الجمعة ثروت سويف : العشر الأوائل من ذي الحجة فضائل ومناسك

خطبة الجمعة القادمة بتاريخ 3 من ذي الحجة 1446 هـ – 30 مايو 2025 م تحت عنوان : العشر الأوائل من ذي الحجة فضائل ومناسك للشيخ / ثروت سويف

خطبة الجمعة القادمة word بتاريخ 3 من ذي الحجة 1446 هـ – 30 مايو 2025 م تحت عنوان : العشر الأوائل من ذي الحجة فضائل ومناسك

خطبة الجمعة القادمة pdf بتاريخ 3 من ذي الحجة 1446 هـ – 30 مايو 2025 م تحت عنوان : العشر الأوائل من ذي الحجة فضائل ومناسك

اقرأ في هذه الخطبة

اولا : العمل الصالح في العشر الاوائل من ذي الحجه : الصلاة – القرآن – الصوم – الصدقة – الحج الأضحية والسنة فيها

ثانيا : من فضائل عشر ذي الحجة ثالثا : العشر الاوائل من ذي الحجة ايام مناسك

الخطبة الأولي

الحمد لله الذي اقسم بالفجر فَجْرُ يَوْمِ النَّحْرِ ، وَهُوَ خَاتِمَةُ اللَّيَالِي الْعَشْرِ فقال ( وَالْفَجْرِ) ثم اكمل القسم بها فقال ( وَلَيَالٍ عَشْرٍ ) وهي عشر ذي الحجة واقسم بالشفع وهو يوم النحر واقسم بالوتر وهو يوم عرفة اعظم فجر ثم اقسم بلَيْلَةَ جَمْع فقال (وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ) ثم بين فضل الطاعة فيها لأصحاب العقول فقال (هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5) الفجر

واشهد ان لا اله الا الله اكمل الدين في هذه العشر واتم النعمة وفتح مكة ، واتم السلطان في العرب، وازال دولة الأوثان، وجعل الكلمة العليا هي كلمة التوحيد والقران واتم النصر ورضي لنا الاسلام دينا دين عز ويسر سبحانه واعد موسي ثلاثين ليلة في ذي القعدة واتمها اربعين في ذي الحجة بعشر فقربه نجيا واسمعه جليا وجعل معه اخاه هارون نبيا وصعق علي جبل الطور يوم عرفة وآفاق واعطي الألواح بقوة يوم النحر اللهم اجعلنا ممن أحيا هذه العشر

واشهد ان سيدنا سيدنا محمدا سيد البشر رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي قال مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وصحبه السادة الغر الميامين ما تعاقب الليل والنهار وغربت شمس وبزغ فجر

أمّا بعد :

فان من فضائل الله علينا أنه ضاعف أجورنا بأسباب، منها شرف الزمان، وجعل من الزمن الفاضل ساعة في جوف الليل، وساعة في الأسبوع يوم الجمعة، وليلة في العام وهي ليلة القدر، ويوما في العام وهو يوم عرفة ويوما في الأسبوع وهو يوم الجمعة، وشهرا في العام وهو شهر رمضان، وجعل أفضل الزمن على الإطلاق هو أيام عشر ذي الحجة، وجعل منها يوم عرفة خير ايام الدنيا لمن احرم ومن لم يحرم بحج

فأيام العشر الاوائل أيام فاضلة للفضلاء، وأيام عظيمة للعظماء، وأيام صالحة للصالحين، وأيام غنيمة للسابقين، وأيام ربح للمتنافسين، وأيام جد للمجتهدين، وأيام عمل للعاملين، وهي أيام تقبل النية الحسنة من المحسنين، وتقبل القول الطيب من الطيبين، وتقبل العمل الصالح من الصالحين، وتقبل الخلق الحسن من الصادقين.

اولا : العمل الصالح في العشر الاوائل من ذي الحجة

ايها الاخوة : بالعمل الصالح تتنزل البركات ويحل الأمن وتتآلف القلوب وتغفر الزلات وترفع الدرجات ويطيب العيش

قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) البقرة

وكذلك فإن للعمل الصالح أثر ودور كبير في تفريج الكربات ودفع البلاء والفتن ودفع الهموم وشرح الصدور وما أكثر همومنا وكرباتنا نحن المسلمين فما من بلد إلا وتجد فيه حروب وصراعات ونزاعات وفقر وأمراض ومشاكل اجتماعية وسياسية واقتصادية وكلها بسبب سوء أعمالنا وجرأتنا على حدود الله وحرماته قال تعالى (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30) الشوري

وقال سبحانه (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) الروم

فكان لا بد من العمل الصالح بكل صوره من صلاة وصيام وقراءة للقرآن وذكر ودعاء وصدقة وبذل المعروف وتقديم النفع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونشر ثقافة الحب والتراحم واستغلال مواسم الطاعات التي تتضاعف فيها الحسنات لعل الله أن يفرج كرباتنا ويدفع عنا البلاء

وقال سبحانه مبيناً أثر الذكر والعمل الصالح في هدوء النفس وطمأنينة القلب: ( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الرعد

والعمل الصالح في العشر الأوائل من ذي الحجة أحب إلى الله تعالى، فهي موسم للربح، وهي طريق للنجاة، وهي ميدان السبق إلى الخيرات

فالعمل الصالح فيها يتضاعف إلى أضعاف كثيرة ومن أراد أن يستشعر فضل هذه الأيام ويتصور ذلك فليتدبر ما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روي الإمام الترمذي عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ»، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ» رواه احمد والترمذي واللفظ له

قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله : “وقد دل هذا الحديث على أن العمل الصالح في أيام العشر أحبُ إلى الله من العمل في أيام الدنيا من غير استثناء شيء منها، وإذا كان أحبَّ إلى الله فهو أفضل عنده، وإذا كان العمل في أيام العشر أفضلَ وأحبَّ إلى الله من العمل في غيره من أيام السنة كلِّها صار العمل فيه وإن كان مفضولاً أفضلَ من العمل في غيره وإن كان فاضلاً”.

وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَذُكِرَتِ الْأَعْمَالُ، فَقَالَ: ” مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ فِيهِنَّ أَفْضَلُ مِنْ هَذِهِ الْعَشْرِ ” قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ: فَأَكْبَرَهُ فَقَالَ: ” وَلَا الْجِهَادُ، إِلَّا أَنْ يَخْرُجَ رَجُلٌ بِنَفْسِهِ، وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، ثُمَّ تَكُونَ مُهْجَةُ نَفْسِهِ فِيهِ ” [رواه أحمد].

فدل هذان الحديثان وغيرهما على أن كل عمل صالح يقع في أيام عشر ذي الحجة أحب إلى الله تعالى من نفسه إذا وقع في غيرها، وإذا كان العمل فيهن أحب إلى الله فهو أفضل عنده.

ودل الحديثان أيضاً على أن العامل في هذه العشر أفضل من المجاهد في سبيل الله الذي رجع بنفسه وماله، وأن الأعمال الصالحة في عشر ذي الحجة تضاعف من غير استثناء شيء منها.

وهذا يدل على أن العمل في أيام العشر أفضل من الجهاد بالنفس، وأفضل من الجهاد بالمال، وأفضل من الجهاد بهما والعودة بهما أو بأحدهما، لأنه لا يفضل العمل فيها إلا من خرج بنفسه وماله ولم يرجع لا بالنفس ولا بالمال

وروي عن الأوزاعي قال: بلغني أن العمل في يوم من أيام العشر كقدر غزوة في سبيل الله، يصام نهارها ويحرس ليلها، إلا أن يختص امرؤ بالشهادة.

ثالثا : من فضائل عشر ذي الحجة ما يلي :-

لقد كان السلف يعظمون ثلاثة أعشار، عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان، والعشر الأول من شهر الله المحرم.

لقد وردت أحاديث مُفصِّلة لفضل هذه الأيام العشر وتلك الأحاديث المفصلة بثواب الاعمال الصالحة في هذه الايام مروية عن نبينا صلى الله عليه وسلم وهي متصلة من ذلك ما رواه البزار في البحر الزخار عَن أَبِي هُرَيرة، عَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم؛ أَنَّه قال: ما من أيام العمل فيه أفضل من أيام العشر، يعني: عشر ذي الحجة – صيام يوم منها يعدل صيام سنة وقيام ليلة منها يعدل قيام ليلة القدر فأكثروا من التسبيح والتكبير وذكر اللَّهِ. مسند البزار المنشور باسم البحر الزخار

وقد روي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ كَانَ يُقَالُ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ: «كُلُّ يَوْمٍ أَلْفُ يَوْمٍ وَيَوْمُ عَرَفَةَ عَشَرَةُ آلَافٍ» يعني في الفضل ( فضائل الأوقات للبيهقي )

وفضل هذه العشر كبير لا يحصى فلنذكر شيئا من فضائلها

أولا : أن الله أقسم بها في كتابه، العظيم فقال تعالى وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5) الفجر

قال ابن كثير رحمه الله: المراد بها عشر ذي الحجة والشفع يوم الأضحى والوتر يوم عرفه

وقال تعالى ( وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ ) ، قال ابن عباس: أيام العشر والعظيم لا يقسم إلا بعظيم ، ومما يدل على ذلك أن الله لا يقسم إلا بأعظم المخلوقات، كالسموات والأرض والشمس والقمر والنجوم والرياح، ولا يقسم إلا بأعظم الأزمان، كالفجر والعصر والضحى والليل والنهار والعشر، ولا يقسم إلا بأعظم الأمكنة، كالقسم بمكة، وله أن يقسم من خلقه بما يشاء، ولا يجوز لخلقه أن يقسموا إلا به، فالقسم بها يدل على عظمتها ورفعة مكانتها وتعظيم الله لها.

ثانيا : ان عشركم هذه هي في صدر ذي الحجة خاتم الأشهر المعلومات، أشهرِ الحج التي قال الله فيها: الحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ، وهي شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة.

إنها في الأشهر الحرم، فذو الحجة من الأشهر الحرم قال تعالى ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماوات وَالأرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذالِكَ الدّينُ الْقَيّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [التوبة:36]..

فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ: لا تظلموا فيهن أنفسكم بالقتال, ولا تظلموا فيهنّ أنفسكم بارتكاب الذنوب والآثام لأن الله سبحانه إذا عظّم شيئاً من جهة واحدة صارت له حُرمة واحدة, وإذا عظّمه من جهتين أو جهات صارت حرمته متعدّدة فيضاعف فيه العقاب بالعمل السيّء كما يضاعف الثواب بالعمل الصالح، فإنّ من أطاع الله في الشهر الحرام في البلد الحرام ليس ثوابه ثوابَ من أطاعه في الشهر الحلال في البلد الحرام، ومن أطاعه في الشهر الحلال في البلد الحرام ليس ثوابه ثوابَ من أطاعه في شهر حلال في بلد حلال.

ثالثا : أن الله تعالى قرنها بأفضل الأوقات، والقرين بالمقارن يقتدي، فقد قرنها بالفجر وبالشفع والوتر وبالليل.

وجعلها الأيام المعلومات التي شرع فيها ذكره : فقال تعالى: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) [الحج:28] وجمهور العلماء على أن الأيام المعلومات هي عشر ذي الحجة، منهم ابن عمر وابن عباس.

انها ايام ذكر وصدقة وصلاة فقد روى الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ، وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ، وَالتَّكْبِيرِ، وَالتَّحْمِيدِ ” قال الشيخ أحمد شاكر (7/224): “وإسناده صحيح”،

ويسن التكبير أيام العشر، وإظهار ذلك في المساجد والمنازل والطرقات اخرج البخاري كَانَ ابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ: « يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ العَشْرِ يُكَبِّرَانِ، وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا» وَكَبَّرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ خَلْفَ النَّافِلَةِ

فكان أبو هريرة وابن عمر ـ وهما أكثر الصحابة رواية للحديث وأكثر اتباعاً للسنة ـ إذا دخلت عشر ذي الحجة يخرجان إلى السوق يكبران كل على حدته، فإذا سمعهم الناس تذكروا التكبير فكبروا كل واحد على حدته، وهذا التكبير المطلق، ويُكثر مع التكبير من التسبيح والتهليل والتحميد والذكر، ويكثر من قراءة القرآن فإنه أفضل الذكر، وفيه الهدى والرحمة والبركة والعظمة والتأثير والشفاء، وليعلم المسلم بأن الذكر هو أحب الكلام إلى الله تعالى، وهو سبب النجاة في الدنيا والآخرة، وهو سبب الفلاح، وحفظ لصاحبه من الكفر ومن الشيطان ومن النار، به يذكر العبد عند الله، ويصلي الله وملائكته على الذاكر، وهو أقوى سلاح، وهو خير الأعمال وأزكاها وأرفعها في الدرجات، وخير من النفقة، به يضاعف الله الأجر، ويغفر الوزر، ويثقل الميزان، ومجالسه هي مجالس الملائكة ومجالس الرسل ومجالس المغفرة والجنة والإيمان والسعادة والرحمة والسكينة، وفضائله كثيرة، قرنه الله بالصلاة فقال: فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصلاةَ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ [النساء:103]، وقرنه بالجمعة فقال: فَإِذَا قُضِيَتِ الصلاةُ فَانتَشِرُواْ فِى الأَرْضِ وَابْتَغُواْ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ [الجمعة:10]، وقرنه بالصوم فقال: وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ [البقرة:185]، وقرنه بالحج فقال: فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ ءابَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا [البقرة:200]، وقرنه بالجهاد فقال: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ [الأنفال:45]، ولا يتقيد بزمن ولا حال، أمر الله به على جميع الأحوال فقال: فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصلاةَ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ [النساء:103].

وأصحُّ ما ورد في صيغِ التكبير ما أخرجَه عبد الرزاق بسندٍ صحيح عن سلمان قال: (كبّروا الله: الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيرًا)، وصحّ عن عمر وابن مسعود صيغة: (الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد) ويصح التكبير بكل صيغة.

رابعا : ان العبادات تجتمع فيها ولا تجتمع في غيرها، فهي أيام الكمال، ففيها الصلوات كما في غيرها، وفيها الصدقة لمن حال عليه الحول فيها، وفيها الصوم لمن أراد التطوع، أو لم يجد الهدي، وفيها الاضحية وفيها الحج إلى البيت الحرام ولا يكون في غيرها، وفيها الذكر والتلبية والدعاء الذي تدل على التوحيد، واجتماع العبادات فيها شرف لها لا يضاهيها فيه غيرها ولا يساويها سواها

وأن الله تعالى أكمل فيها الدين ؛ واتم النعمة ورضي لنا الاسلام دينا إذ تجتمع فيها العبادات كلها، وبكمال الدين يكمل أهله، ويكمل عمله، ويكمل أجره، ويعيشون الحياة الكاملة التي يجدون فيها الوقاية من السيئات، والتلذذ بالطاعات، ومحبة المخلوقات، وبكمال الدين تنتصر السنة، وتنهزم البدعة، ويقوى الإيمان، ويموت النفاق، وبكمال الدين ينتصر الإنسان على نفسه الأمارة بالسوء لتكون نفساً مطمئنة تعبد الله كما أراد، وتقتدي بالأنبياء، وتصاحب الصالحين، وتتخلق بالأخلاق الحسنة وقد كمل الدين حتى تركنا الرسول صلى الله عليه وسلم على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك شقي.

روي البخاري ومسلم عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، أَنَّ رَجُلًا، مِنَ اليَهُودِ قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا، لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ اليَهُودِ نَزَلَتْ، لاَتَّخَذْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ عِيدًا. قَالَ: أَيُّ آيَةٍ؟ قَالَ: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} [المائدة: 3] قَالَ عُمَرُ: «قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ، وَالمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ» وأنهما لنا عيدين وكمال الدين يدل على كمال الأمة وخيريتها.

خامسا : عشركم هذه من جملة الأربعينَ التي واعدها الله عز وجل لموسى عليه السلام، قال الله تعالى: ( وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً [الأعراف: 142]. عن مجاهد قال: ذو القعدة، وعشر ذي الحجة. رواه عبد الرزاق عن مجاهد رحمه الله.

إِنَّهَا عَشْرٌ مِنْ أَوَّلِ ذِي الْحِجَّةِ وفيها {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] وَقَرَّبَهُ نَجِيًّا فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ وَكَتَبَ لَهُ الْأَلْوَاحَ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ.

فطلب الرؤية يوم عرفة وصعق وافاق ثم اعطي الألواح يوم النحر فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَدْ كَمَّلَ الْمِيقَاتَ يَوْمَ النَّحْرِ، وَحَصَلَ فِيهِ التَّكْلِيمُ لِمُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ

سادسا : أنها أفضل أيام الدنيا على الإطلاق، دقائقها وساعاتها وأيامها وأسبوعها، فهي أحب الأيام إلى الله تعالى، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد لها بأنها افضل أيام الدنيا: فعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :أفضل أيام الدنيا أيام العشر ـ يعني عشر ذي الحجة ـ قيل: ولا مثلهن في سبيل الله؟ قال : ولا مثلهن في سبيل الله إلا رجل عفر وجهه بالتراب( [ رواه البزار وابن حبان ]

سابعا : ان فيها يوم عرفة الذي فيه وقوف الحجاج في هذا المشعر العظيم، وهو ركن الحج الأعظم وهو اليوم المشهود، : ((اليوم الموعود يوم القيامة، واليوم المشهود يوم عرفة، وهو أفضل الأيام)) وقال النبي صلي الله عليه وسلم : ((الحج عرفة)) مسند احمد ويوم عرفة هو يوم العتق من النار، وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي قال: ((ما من يوم أكثر من أن يعتق الله في عبيداً من النار من يوم عرفة، وأنه ليدنوا ثم يباهي بهم الملائكة))، والسنة لمن لم يحج أن يصوم يوم عرفة فهذه كفارة لسنتين سابقة ولاحقة.

ويعرف الإنسان ضعف نفسه إذ يكثر من الدعاء ويلح على الله في الدعاء، وفي الحديث الذي رواه الترمذي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ” ويعرف إخوانه المسلمين الذين اجتمعوا من كل مكان في صعيد واحد، ويعرف عدوه الذي ما رئي أصغر ولا أحقر منه في مثل يوم عرفة، ويعرف كثرة مغفرة الله في هذا اليوم لكثرة أسباب المغفرة من توحيد الله ودعائه وحفظ جوارحه وصيامه لغير الحاج، وهو يوم الحج الأعظم، روي الحاكم عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمَرَ الدِّيلِيُّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” الْحَجُّ عَرَفَةُ – أَوْ عَرَفَاتٌ – فَمَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَأَيَّامُ مِنًى ثَلَاثٌ: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ} [البقرة: 203] عَلَيْهِ، وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. . . .»

وصوم عرفة تطوعاً يكفر ذنوب سنتين: سنة ماضية وسنة مقبلة، وما علمت هذا الفضل لغيره فكأنه حفظ للماضي والمستقبل.

ثامنا : وفي تلك العشر يوم عيد الأضحى المبارك الذي هو يوم الحج الأكبر، لما انتهى يوم عرفة يتقربون إليه بذبح الهدي والأضاحي، فأهل الحج في ذلك اليوم يرمون الجمرة ويكملون مناسكهم، وأهل الأمصار يجتمعون على ذكر الله وتكبيره والصلاة في اليوم العاشر من ذي الحجة، وهو أفضل الأيام كما في الحديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْضَلُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمُ النَّحْرِ، وَيَوْمُ الْقَرِّ» صحيح ابن حبان

يوم النحر هو علم وشريعة من شرائع الملة المحمدية الإبراهيمية، فيه ركن من أركان الإسلام العظيمة الحج وفيه معظم أعمال النسك من رمي الجمرة وحلق الرأس وذبح الهدي والطواف والسعي وصلاة العيد وذبح الأضحية واجتماع المسلمين في صلاة العيد وتهنئة بعضهم بعضاً.

ويوم القرِ: هو اليوم الذي يلي يوم النحر، سمِي بذلك، لأن الناس يقرُون فيه بمنى، وقد فرغوا من طواف الإفاضة والنحر، فاستراحوا وقرُوا.

تاسعا : من فضلها ان عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ وَعشر شَهْرَ رَمَضَانَ فِي الْفَضْلِ يَكُونَانِ سِيَّانَ

فعن ابي بكرة عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ رَمَضَانُ وذو الحجة” إسناده اخرجه ابن حبان في صحيحه و صحيح أبي داود الطيالسي

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ” بَلَغَنَا أَنَّ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ أَهْدَى إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ خَمْسَ دَعَوَاتٍ يَدْعُو بِهِنَّ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ وَقَالَ: يَا مُوسَى ادْعُ بِهَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ فَإِنَّهُ لَيْسَ عِبَادَةٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ عِبَادَةٍ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ أَوَّلُهُنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَالثَّانِيَةُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، أَحَدًا صَمَدًا لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا، وَالثَّالِثَةُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، أَحَدًا صَمَدًا لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، وَالرَّابِعَةُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيُّ لَا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَالْخَامِسَةُ حَسْبِيَ اللَّهُ وَكَفَى، سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ دَعَا، لَيْسَ وَرَاءَ اللَّهِ مُنْتَهَى ” الدعاء للطبراني

عاشرا : الصيام في أيام العشر، ولو صام التسعة الأيام لكان ذلك مشروعاً، لأن الصيام من العمل الصالح، ولأنه ثبت في الحديث أنه كان يصوم يوم عاشوراء، وتسع ذي الحجة، وثلاثة أيام من الشهر وصيام هذه الأيام أعني صيام التسع دون صيام اليوم العاشر وهو يوم النحر فيرحم علينا أن نصومه وأن نصوم الأيام التي بعده وهي أيام التشريق أيضاً مما ينبغي أن يحرص عليه العباد وصيام أيام التسع من ذي الحجة من اليوم الأول إلى نهاية التاسع وهو يوم عرفة فهي أيام أيضا مباركة جليلة عظيمة صيامها له أجر عظيم وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: عَلَيْكُمْ بِصَوْمِ أَيَّامِ الْعَشْرِ، وَإِكْثَارِ الدُّعَاءِ، وَالِاسْتِغْفَارِ، وَالصَّدَقَةِ فِيهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الْوَيْلُ لِمَنْ حُرِمَ خَيْرَ أَيَّامِ الْعَشْرِ» .

عَلَيْكُمْ بِصَوْمِ التَّاسِعِ خَاصَّةً، فَإِنَّ فِيهِ مِنَ الْخَيْرَاتِ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُحْصِيَهَا الْعَادُّونَ روي الإمام احمد عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ. فَقَالَ: ” كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ “. وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ. فَقَالَ: ” كَفَّارَةُ سَنَةٍ ” مسلم واحمد واللفظ له

اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم

الخطبة الثانية

الحمد لله أحمده سبحانه وأشكره وأثني عليه الخير كله وأستغفره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد.

فيا عباد الله فإن من أفضل الأعمال في هذه الأيام الإهلال بالحج والتقرب إلى الله جل وعلا به والتقرب إلى الله بصوم عرفة لمن لم يحج ولعل الله جل وعلا ييسر لنا الكلام عن فضلهما في الجمعة القادمة

ثالثا : العشر الاوائل من ذي الحجة ايام مناسك

انها مناسك وفضائل فمن أراد أن يضحي فلا يمس من شعره وبشرته شيئًا، روى مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها قال : ((إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره حتى يضحي)). والأمر للوجوب، وقيل مستحب والحكم متعلق بالمضحي، سواء وكَّل غيره أم لا، والوكيل لا يتعلق به نهية. والحكم أيضا خاصّ بصاحب الأضحية، ولا يعمّ الزوجة والأولاد؛ لأن النبيّ كان يضحي عن آل محمد ولم ينقل أنه نهاهم عن الأخذ.

والحكمة من النهي عن ذلك ـ كما قال ابن القيم ـ توفير الشعر والظفر ليأخذه مع الأضحية، فيكون ذلك من تمام الأضحية عند الله وكمالِ التعبد بها. وقد شهد لذلك أيضًا أنه شرع لهم إذا ذبحوا عن الغلام عقيقته أن يحلقوا رأسه، فدل على أن حلق رأسه مع الذبح أفضل وأولى.

ومن أخذ من شعره أو ظفره أول العشر لعدم إرادته الأضحية ثم أرادها في أثنائها أمسك من حين الإرادة، وإن حلق أو قلم أظافره ناسيًا فلا شيء عليه؛ لأن الله تجاوز عن الناسي، ولو تعمد إنسان وأخذ فعليه أن يستغفر الله ولا فدية عليه، ولا حرج في غَسل الرأس للرجل والمرأة أيام العشر لأن النبي إنما نهى عن الأخذ.

أسأل الله أن يوفّقني وإياكم لصالح القول والعمل، وأن يوفّقنا لما يحبّه ويرضاه، إنه على كل شيء قدير.

واعلموا ـ رحمكم الله ـ أنّ أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهديِ هدي محمّد ، وشرّ الأمور محدثاتُها، وكلّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإنّ يد الله على الجماعة، ومن شذّ شذّ في النّار.

وصلّوا ـ رحمكم الله ـ على عبد الله ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم كما أمركم بذلك ربكم، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين…

جمع وترتيب / ثروت سويف . امام وخطيب بالأوقاف المصرية

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى