خطبة الجمعة القادمة 6 يونيو 2025 (أيام الرحمة والمغفرة)

خطبة الجمعة القادمة بتاريخ 10 من ذي الحجة 1446 هـ الموافق 6 يونيو 2025 م تحت عنوان (أيام الرحمة والمغفرة)، ثروت سويف ( الله رفيق يحب الرفق ) للشيخ ثروت سويف
خطبة الجمعة القادمة word 6 يونيو 2025 (أيام الرحمة والمغفرة)
خطبة الجمعة القادمة pdf 6 يونيو 2025 (أيام الرحمة والمغفرة)
اقرأ في هذه الخطبة
أولا: فضل عيد الأضحى وايام التشريق
ثانياً: من دروس يوم العيد وأيام التشريق الرفق
ثالثا : عليكم بالتسامح
الخطبة الأولي
الحمد لله رب العالمين يا رب: تم نورك فهديت، فلك الحمد، عظم حلمك فغفرت فلك الحمد، بسطت يدك فأعطيت فلك الحمد، ربنا وجهك أكرم الوجوه، وجاهك أعظم الجاه، وعطيتك أفضل العطايا وأهناها، تطاع ربنا فتشكر، وتعصى فتغفر، وتجيب المضطر، وتكشف الضر، وتشفي السقيم، وتغفر الذنب، وتقبل التوبة، ولا يجزي بآلائك أحدٌ، ولا يبلغ مدحتك قول قائل.
فليتك تحلو والحياة مريرة……وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامرُ……وبيني وبين العالمين خرابُ
إذا صح منك الود فالكل هين……وكل الذي فوق التراب ترابُ
وأشهد أن لا إله إلا الله ذو العرش رفيع الدرجات، المنزه الذات عن الاختصاص بالجهات خضعت لسلطان قهره كل الموجودات، سميع بصير تستوي في كمال سمعه الأصوات، ولا تختلف عليه اللغات، ولا تحجب رؤيته الظلمات، عليٌّ كبير لا تضره المعاصي ولا تنفعه الطاعات.
وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله المعصوم من كل الشهوات، المبرأ من الهوى والمنزه عن النزغات والخطرات
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على أكمل المخلوقات، عدد ما في الكون من معلومات، ومداد ما خطه القلم من كلمات، ما دامت الكواكب في أفلاكها والنجوم سابحات
أما بعد:
فمن لم يستطع الوقوف بعرفة فليقف عند حدود الله الذى عرفه.
ومن لم يستطع المبيت بمزدلفة فليبت عزمه على طاعة الله، وقد قربه وأزلفه.
ومن لم يمكنه القيام بأرجاء الخيف، فليقم لله بحق الرجاء والخوف.
ومن لم يقدر على نحر هديه بمنى فليذبح هواه هنا وقد بلغ المنى.
ومن لم يصل إلى البيت لأنه منه بعيد فليقصد رب البيت؛ فإنه أقرب إلى من دعاه ورجاه من حبل الوريد
لئن لم أحج البيت إذ شط ربعه … حججت إلى من لا يغيب عن الذكر
فأحرمت من وقتي بخلع نقائصي … أطوف وأسعى في اللطائف والبر
أولا: فضل عيد الأضحى وايام التشريق
فهذا هو يوم النحر يوم الحج الأكبر، وسُمي بذلك لكثرة أعمال الحج فيه، وهو أفضل أيام الدنيا، فروى الإمام أحمد في مسنده من حديث عبدالله بن قرط رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَعْظَمُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ»، وفي رواية: «إنَّ أفضلَ الأيامِ عند اللهِ يومُ النحرِ ثمَّ يومُ القرِّ» المعجم الأوسط للطبراني
أما وقد كمل يوم عرفة، وأعتق الله عباده المؤمنين من النار، جاء هذا اليوم فاشترك المسلمون كلهم في العيد ، وشرع للجميع التقرب إليه بالنسك، وهو إراقة دماء القرابين، فأهل الموسم يرمون جمرة العقبة، ثم يشرعون في التحلل من إحرامهم بالحج، ويقضون تفثهم ويوفون نذورهم، ويقربون قرابينهم من الهدايا، ثم يطوفون بالبيت العتيق
أما غير الحجاج من أهل الأمصار، فيجتمعون على ذكر الله والصلاة، فإذا قضوا صلاتهم تقربوا إلى الله بذبح ضحاياهم شكرًا لله تعالى ورجاءً له أن يجعلهم من المتقين؛ قال تعالى ( لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَآؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقۡوَىٰ مِنكُمۡۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمۡ لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُحۡسِنِينَ (37) الحج
وأيام التشريق أيام فاضلة وعظيمة، وتُعرف أيام التشريق بهذا الاسم نسبةً إلى عادة قديمة لدى العرب كانوا يشرّقون فيها لحوم الأضاحي، أي يقطعونها ويبرزونها للشمس حتى تجفّ، مما يجعلها تُشْرَق على شكل شرائح أو أصابع.
وهي أيام ذكر الله تعالى، ويُسن فيها التكبير والدعاء وقد خصها الله بالذكر؛ قال تعالى (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)
قال ابن عباس رضي الله عنهما: الأيام المعدودات: أيام التشريق، والأيام المعلومات: أيام العشر، والأيام المعدودات هي ثلاثة أيام بعد يوم النحر
رمز للتضحية:
الأضحية هي رمز للتضحية والإيثار، وهي تجسد حب الله تعالى والبعد عن الدنيا عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ يَوْمَ النَّحْرِ عَمَلًا أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ عز وجل، مِنْ هِرَاقَةِ دَمٍ، وَإِنَّهُ لَيَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بِقُرُونِهَا، وَأَظْلَافِهَا، وَأَشْعَارِهَا، وَإِنَّ الدَّمَ، لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ عز وجل، بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا» (سنن ابن ماجه).
أيام فرح وسرور ومغفره:
عيد الأضحى هو يوم فرح وسرور للمسلمين، ويتم فيه تبادل التهاني والصلوات عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كِنَانَةَ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيُّ، أَنَّ أَبَاهُ، أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «دَعَا لِأُمَّتِهِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، بِالْمَغْفِرَةِ» فَأُجِيبَ: «إِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، مَا خَلَا الظَّالِمَ، فَإِنِّي آخُذُ لِلْمَظْلُومِ مِنْهُ» قَالَ: «أَيْ رَبِّ إِنْ شِئْتَ أَعْطَيْتَ الْمَظْلُومَ مِنَ الْجَنَّةِ، وَغَفَرْتَ لِلظَّالِمِ» فَلَمْ يُجَبْ عَشِيَّتَهُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ بِالْمُزْدَلِفَةِ، أَعَادَ الدُّعَاءَ، فَأُجِيبَ إِلَى مَا سَأَلَ، قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَوْ قَالَ تَبَسَّمَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إِنَّ هَذِهِ لَسَاعَةٌ مَا كُنْتَ تَضْحَكُ فِيهَا، فَمَا الَّذِي أَضْحَكَكَ؟ أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ قَالَ: «إِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إِبْلِيسَ، لَمَّا عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ عز وجل، قَدِ اسْتَجَابَ دُعَائِي، وَغَفَرَ لِأُمَّتِي أَخَذَ التُّرَابَ، فَجَعَلَ يَحْثُوهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَيَدْعُو بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ، فَأَضْحَكَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ جَزَعِهِ» سنن ابن ماجة
يوم العيد أيام التشريق: أيام عيد و أكل وشرب:
أيام التشريق أيام ذكر الله تعالى وشكره وإن كان الحق أن يذكر الله ويشكر في كل وقت وحين، لكن يتأكد في هذه الأيام المباركة. روى نبيشة الهذلي أن النبي ﷺ قال: «أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله». أخرجه مسلم وفي رواية الإمام أحمد (من كان صائماً فليفطر فإنها أيام أكل وشرب) صحيح مسلم
روي أحمدعن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ” يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ، عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَهُنَّ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ
العبادة في هذه الأيام .
يسن التكبير في أيام عشر ذي الحجة وعيد الأضحى وأيام التشريق، والتكبير ينقسم إلى قسمين:
الأول: تكبير مطلق: وهو الذي لا يتقيد بشيء، فيُسن دائماً، في الصباح والمساء، قبل الصلاة وبعد الصلاة، وفي كل وقت، ومكان يجوز ذكر الله فيه. ويجهر به الرجل، وتسر به المرأة أمام الرجال الأجانب. ويبدأ وقته في عشر ذي الحجة وسائر أيام التشريق من غروب شمس آخر يوم من شهر ذي القعدة إلى غروب شمس اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة وهو آخر أيام التشريق، وذلك للأدلة الآتية:
1- قوله تعالى: (۞وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡدُودَٰتٖۚ) [البقرة الآية 203].
2- قوله تعالى: ( لِّيَشۡهَدُواْ مَنَٰفِعَ لَهُمۡ وَيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡلُومَٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِۖ) [الحج الآية 28].
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:” الأيام المعلومات أيام العشر، والأيام المعدودات أيام التشريق”. رواه البخاري
الثاني: تكبير مقيد: وهو الذي يتقيد بأدبار الصلوات، ويبدأ وقته من فجر يوم عرفة إلى غروب شمس آخر أيام التشريق؛ وذلك للأدلة الآتية:
1- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه:” أنه كان يكبر دبر صلاة الغداة من يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق”. رواه ابن المنذر في الأوسط والبيهقي
2- عن ابن عمر رضي الله عنهما:” أنه كان يكبر بمنى تلك الأيام، وخلف الصلوات، وعلى فِراشِه، وفي فسطاطه ومجلسه، وممشاه تلك الأيام جميعا”. رواه البخاري معلقا
3- قال النووي في المجموع (5/32):” وأما التكبير المقيد فيشرع في عيد الأضحى بلا خلاف لإجماع الأمة”.
والصحيح أن التكبير المقيد يستحب للرجال والنساء بعد الصلوات المفروضة سواء صلى في جماعة، أو منفردا. فإذا سَلَّم من الفريضة واستغفر ثلاثاً وقال:” اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام” بدأ بالتكبير.
صيغة التكبير:
لا تلزم في التكبير صيغة معينة، بل الأمر في ذلك واسع، وأفضل صيغهِ ما أُثر عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه:” أنه كان يكبر أيام التشريق: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد”. رواه ابن أبي شيبة
وقد هُجِر التكبير في هذا الزمان – خاصة في أول العشر- فلا تكاد تسمعه إلا نادرًا، فلنحرص على العمل به في مواضعه لإحياء السنة وتذكير الغافلين.
وينبغي أن يكبر كل واحد بمفرده، وأما التكبير الجماعي بصوت واحد أو يكبر شخص ثم ترد المجموعة خلفه فلا يجوز لعدم ورود ذلك في الشريعة، والعبادات توقيفية مبناها على الاتباع لا على الابتداع.
أيام رمي الجمرات:
بالنسبة للحجاج، فإن أيام التشريق هي أيام رمي الجمرات في منى، وهي من شعائر الحج.
أيام إتمام أعمال الحج:
تُعتبر أيام التشريق جزءًا مهمًا من أعمال الحج، ويتم فيها إكمال بعض مناسك الحج.
عيد الأضحى وأيام التشريق هما مناسبتان عظمتان للمسلمين، وهما يمثلان فرصة عظيمة للتقرب إلى الله عز وجل، والتمتع بأجر كبير، وقد يجب على المسلمين الاستفادة من هذه الأيام المباركة بإحياء شعائر الدين، وتذكر الله عز وجل، والتقرب إليه
ثانياً: من دروس يوم العيد وأيام التشريق الرفق
هذه مدرسة شهر ذي الحجة، نتعلم فيها الرفق والمراقبة والخشية من الله الواحد الأحد، والجود والذكر وحفظ اللسان وغض البصر، وحفظ الفرج والجوارح فمن وجد نفسه في هذه الأيام المباركة أنه لم يحدث له شيء ولا تغير وأنه إذا نزل إلى الأسواق نظر إلى عورات المسلمين والمحرمات والأجنبيات فليعلم أنه لم يصم، وأنه ما استفاد منها شيئاً وسنكتفي هنا بدرس واحد إلا وهو الرفق .
فمن دروسه التربوية الرفق بالناس عامة وبالضعفاء خاصة والرفق بالمساكين والمحتاجين لأن الرفق زينة روي الإمام مسلم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : أَنَّ النبيَّ ﷺ قَالَ: إِنَّ الرِّفقَ لا يَكُونُ في شيءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيءٍ إِلَّا شَانَهُ . رواه مسلم.
إن أحد الصالحين كان ينام ثم يستيقظ في وسط الليل فقالوا: مالك لا تنام؟ قال: أتذكر المساكين واليتامى والمحتاجين
فيا من نام على الفراش الوثير! غيرك ينام على الرصيف، يا من أكل الموائد الشهية! غيرك لا يجد كسرة الخبز، يا من يسكن القصور البهية! غيرك يسكن في خيمة أو في الصحراء، غطاؤه السماء ولحافه الأرض، وأقرب الناس إلى الله أنفعهم لعياله،
فكأنما الصوم يقول للصائمين مقالة عبد الملك بن مروان، رحمه الله: لبني أمية ( ابذلوا نداكم، وكفوا أذاكم، واعفوا إذا قدرتم، ولا تبخلوا إذا سئلتم، فإن خير المال ما أفاد حمداً أو نفى ذماً، ولا يقولن أحدكم ابدأ بمن تعول، فإنما الناس عيال الله قد تكفّل الله بأرزاقهم، فمن وسّع أخلف الله عليه، ومن ضيّق ضيّق الله عليه ثم تلا قوله تعالى ( وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39) سبأ “الأمالي 2: 32”.
أخي الحبيب : اعْلَمْ أَنَّ الرِّفْقَ مَحْمُودٌ وَيُضَادُّهُ الْعُنْفُ وَالْحِدَّةُ، وَالْعُنْفُ نَتِيجَةُ الْغَضَبِ وَالْفَظَاظَةِ، وَالرِّفْقُ وَاللِّينُ نَتِيجَةُ حُسْنِ الْخُلُقِ وَالسَّلَامَةِ، وَلَا يَحْسُنُ الْخُلُقُ إِلَّا بِضَبْطِ قُوَّةِ الْغَضَبِ وَحِفْظِهَا عَلَى حَدِّ الِاعْتِدَالِ
والرفق : هو لين الجانب بالقول والفعل والأخذ بالأسهل، وهو ضدّ العنف
روي الامام أَحْمَدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَغُرَفًا يُرَى بُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا، وَظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا» فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَنْ هِيَ؟ قَالَ: «لِمَنْ أَطَابَ الْكَلامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَصَلَّى لِلَّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ »
ان الصيام يعودنا الرفق روي البخاري عن ابي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ “
ان الصوم يهذب النفوس ومن أذاه الخلق بالأقوال البشعة وصان لسانه عن مشاتمتهم، ودافع عن نفسه برفق ولين، اندفع عنه من أذاهم ما لا يندفع بمثل مقالهم وفعالهم، ومع ذلك فقد كسب الرحمة والطمأنينة والرزانة والحلم وفي الذكر الحكيم: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} فصلت
إِنَّ الرِّفْقَ ـ عباد الله ـ سببٌ للخيرِ كُلِّهِ؛ إذْ يتأتَّى معه من الأمورِ ما لا يتأتَّى مع غيرِه، ويُثيبُ اللهُ تعالى عليه ما لا يُثيبُ على ما سواه، وهو من أقوى الأسبابِ الموصلَةِ إلى محبَّةِ اللهِ سبحانه وتعالى ومرضاتِه، وسببٌ عظيمٌ للنجاةِ وَالفَلاَحِ في الدُّنيا والآخرةِ. عن عائشةَ قالت: قال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لاَ يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لاَ يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ)) رواه مسلمٌ. وَعِنْدَهُ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرِ بن عَبْدِ اللهِ البَجَلِيِّ أَنَّهُ قَالَ: ((مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمِ الْخَيْرَ)) رواه مسلم.
ولقد كَانَ مِنَ الصِّفَاتِ العَظِيمَةِ والشَّمَائِلِ الكَرِيمَةِ التي امتنَّ اللهُ تعالى على رَسُولِهِ وَخَلِيلِهِ مُحَمَّدٍ أَنْ جَعَلَهُ رَقيقًا رحيمًا بالعبادِ رَفِيقًا هَيِّنًا سَهْلاً لَيِّنًا قريبًا مِنَ النَّاسِ حَرِيصًا عَلَى مَحَبَّتِهِمْ وَهِدَايَتِهِمْ بَعِيدًا عَنِ التَّكَلُّفِ مَعَهُمْ وَالفَظَاظَةِ بِهِمْ، وَيَكْفِيهِ نَعْتُ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ لَهُ فِي كِتَابِهِ الكَرِيمِ بِقَوْلِهِ: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159].
قال قتادةُ: “إي واللهِ، طهَّرَه اللهُ من الفظاظَةِ والغِلْظَةِ، وجعلَه قريبًا رحيمًا رؤوفًا بالمؤمنين”. وَصَدَقَ اللهُ العَزِيزُ حِينَ قَالَ: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ [التوبة:128].
وعن عائشةَ رضي اللهُ عنها أَنَّ يَهُودَ أَتَوُا النَّبِيَّ فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ ـ يعني: الموتُ عليكم ـ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: عَلَيْكُمْ، وَلَعَنَكُمُ اللهُ وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْكُمْ، قَالَ: ((مَهْلاً يَا عَائِشَةُ، عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، وَإِيَّاكِ وَالْعُنْفَ وَالْفُحْشَ))، قَالَتْ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟! قَالَ: ((أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قُلْتُ؟! رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ، فَيُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ، وَلاَ يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ)) رواه البخاريُّ ومسلمٌ.
وعن أبي هريرة أنَّ رجلاً أتى النبيَّ يتقاضاه، فأغلَظَ، فهمَّ به أصحابُه، فقال رسولُ اللهِ : ((دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالاً))، ثُمَّ قَالَ: ((أَعْطُوهُ سِنًّا مِثْلَ سِنِّهِ))، قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، إِلاَّ أَمْثَلَ مِنْ سِنِّهِ، فَقَالَ: ((أَعْطُوهُ فَإِنَّ مِنْ خَيْرِكُمْ أَحْسَنَكُمْ قَضَاءً)) رواه البخاريُّ.
وقال ((حُرِّمَ عَلَى النَّارِ كُلُّ هَيِّنٍ لَيِّنٍ سَهْلٍ قَرِيبٍ مِنَ النَّاسِ)) رواه أحمدُ وسندُه صحيحٌ. وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: ” إِنَّهُ مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ، فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَحُسْنُ الْجِوَارِ يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ، وَيَزِيدَانِ فِي الْأَعْمَارِ “
والرفق يكون في كل شيء، فالرفق مطلوب حتى مع الحيوان، جاء في الصحيحين عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه قال: ((بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشي بِطَرِيقِ اشْتَدَ عَلَيْهِ الْعَطَشُ، فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ ثُمّ خَرَجَ، فَإذَا كَلْبٌ يَلْهَثْ يَأْكُلُ الثّرىَ مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ الرّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلُ الّذِي كَانَ بَلَغَ مِنّي، فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلأَ خُفَهُ مَاءً، ثُمّ أَمْسَكَهُ بِفيهِ حَتّىَ رَقِيَ، فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ)).
عباد الله : إن كان الرفق مع البهائم مطلوبا فهو مع البشر عامة والمسلمين خاصة من باب أولى.
والرفق مطلوب مع النفس أيضا، فيجب على الإنسان أن يرفق بنفسه؛ لأن الله تعالى يقول: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ [النساء:29]، وأولى ما يكون رفق الإنسان بنفسه عند الأخذ بتعاليم الدين وتطبيقها؛ لأن من أخذ هذا الدين بعنف وبصورة غير طبيعية كانت نهايته محزنة مؤلمة وسريعة، لذلك حذرنا نبينا من ذلك فقال: ((إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق)). وهذا الحديث ليس فيه حجة لمن يستمر في فعل المحرمات بحجة الرفق، أو يترك صلاة الفجر مع الجماعة بحجة أن ذلك أرفق به؛ لأن النبي يقول: ((ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم)).
فما حرمه الله تعالى ورسوله فأنت مطالب بالامتناع عنه فورًا وبدون تردد، وما أمرنا الله تعالى ورسوله به فعليك أن تفعله بحسب استطاعتك.
روي البيهقي في الشعب عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” الِاقْتِصَادُ فِي النَّفَقَةِ نِصْفُ الْمَعِيشَةِ، وَالتَّوَدُّدُ إِلَى النَّاسِ نِصْفُ الْعَقْلِ، وَحُسْنُ السُّؤَالِ نِصْفُ الْعِلْمِ “
نعم ايها الاخوة ان رَأْسُ الْعَقْلِ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ، الرفق، وَالتَّوَدُّدُ إِلَى النَّاسِ وَإِنَّ أَهْلَ الْمَعْرُوفِ فِي الدُّنْيَا، هُمْ أَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الْآخِرَةِ، وَإِنَّ أَهْلَ الْمُنْكَرِ فِي الدُّنْيَا، هُمْ أَهْلُ الْمُنْكَرِ فِي الْآخِرَةِ
وقال عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز لأبيه عمر: يا أبت، مالك لا تنفذ في الأمور، فو الله لا أبالي في الحق لو غلت بي وبك القدور. قال له عمر: لا تعجل يا بني، فإن الله تعالى ذم الخمر في القرآن مرتين وحرّمها في الثالثة، وأنا أخاف أن أحمل الناس على الحق جملة فيدفعوه وتكون فتنة.
وقالت الحكماء: يدرك بالرفق ما لا يدرك بالعنف، ألا ترى أن الماء على لينه يقطع الحجر على شدّته.
فمن تحلى بالرفق أقال العثرات، وأغضى عن الهفوات وفي الهدي النبوي عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” ” أَقِيلُو ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ إِلَّا الْحُدُودَ ” مسند احمد.
فالمؤمن رفيق في أخلاقه، رفيق في أعماله وتعامله، رفيق مع أهله وإخوانه، رفيق في رعيته، رفيق في شجاعته وسياسته، رفيق في وصيته وجميع أحواله، ويرحم الله أبا العتاهية حيث يقول:
الرِفقُ يَبلُغُ ما لا يَبلُغُ الخَرَقُ … وَقَلَّ في الناسِ مَن يَصفو لَهُ خُلُقُ
نختم بهذا الحديث الذي رواه ابن ماجة عَنْ جَابِر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قَالَ: لَمَّا رَجَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مُهَاجِرَةُ الْبَحْرِ، قَالَ: «أَلَا تُحَدِّثُونِي بِأَعَاجِيبِ مَا رَأَيْتُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ»؟ قَالَ فِتْيَةٌ مِنْهُمْ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَرَّتْ بِنَا عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِ رَهَابِينِهِمْ، تَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهَا قُلَّةً مِنْ مَاءٍ، فَمَرَّتْ بِفَتًى مِنْهُمْ، فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْهَا ثُمَّ دَفَعَهَا، فَخَرَّتْ عَلَى رُكْبَتَيْهَا، فَانْكَسَرَتْ قُلَّتُهَا، فَلَمَّا ارْتَفَعَتْ الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: سَوْفَ تَعْلَمُ يَا غُدَرُ إِذَا وَضَعَ اللَّهُ الْكُرْسِيَّ، وَجَمَعَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَتَكَلَّمَتْ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، فَسَوْفَ تَعْلَمُ كَيْفَ أَمْرِي وَأَمْرُكَ عِنْدَهُ غَدًا. فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «صَدَقَتْ صَدَقَتْ، كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ أُمَّةً لَا يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ»
اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية
الحمد لله على آلائه وصلاته وسلامه على خاتم أنبيائه، وعلى آله وصحبه وأوليائه، وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمدًا رسول الله، خاتم الأنبياء والمرسلين وهداية للمتبصرين ونورًا للسائرين، صلي الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين
أما بعد
فاعلموا – يا رعاكم الله أن شهر ذي الحجة من الاشهر الحرم وهو شهر التسامح وهذا من دروس مدرسة الحج
.ثالثا : عليكم بالتسامح
إنها قضيَّةُ “التسامح”، ونَمِيرُ الأمنِ والأمانِ بين الأنام التي جلَّاها دينُ الإسلام في وَرِيفِ أحكامِه ومقاصِدِه العِظام، التي شمِلَت المعانِيَ الإنسانيَّةَ الرائِقة، والخُلُقيَّة الرائِعة، لاسيَّما في زمنٍ رفَعَت فيه الفِتنُ أجيادَها، وجمَعَت للشرِّ أجنادَها، وتنامَى الغلُوُّ والإرهابُ، والقتلُ والطائفيَّةُ والإرهابُ.
دِينِي هو الإسلامُ دينُ محبَّةٍ *** دِينُ السلامَةِ سَالِمُ البُنيَانِ
دِينُ المَودَّةِ والتسامُحِ والهُدَى *** شَتَّانَ بين الحَقِّ والبُهتَانِ
فاعبدوا ربكم على الدوام وخذوا بكل خصلة تنشر بينكم المودة والتسامح والوئام وتورثكم الجنة دار السلام وكل ذلك موجود فيما هداكم الله له من ملة الإسلام.
والتسامح مطلوب في جميع المعاملات العامة بين أفراد المجتمع؛ بالعفوِ عمَّن أساء، وصِلَةِ مَنْ قَطَع، وإعطاءِ مَنْ مَنَع، قال الله -تعالى -: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)[فصلت:34-35].
أخي الكريم: إنَّ الحِلمَ عن الجاهل، والعفوَ عن السَّفيه، وتحمُّل الأذى؛ يُكسبك خُلُقاً كريماً، ومكانةً ساميةً في المجتمع، يقول الله -تعالى-: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَمًا)[الفرقان:63].
فالسماحة والتسامح مطلوب في التعامل مع الأهل والأصحاب، فلا يُعاتِب على كلِّ خطأ؛ بل يعفو ويتناسَى ويتجاهَل كثيراً من الأشياء لتدومَ المودَّةُ والإخاء.
عليكم بالتسامح
وان القرآن الكريم يدعو المجتمع المسلم أن يتصف بالسماحة مع الفقراء و المساكين و اليتامى و من على شاكلتهم فهو يدعو إلى التكافل الاجتماعي بين الأغنياء والفقراء فيقول تعالى: {وَلَا يَاتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 22].
وأعظم التسامح هو مع المُسيء، ومن أبرز مواقف الرِّجال في ذلك؛ موقف أبي بكرٍ الصديق -رضي الله عنه- حين كان يُنفِق على ابنِ عَمِّه مِسْطَحِ بنِ أُثَاثَةَ -رضي الله عنه- وكان من فقراء الصحابة، فلمَّا أثار المنافقون على عائشة -رضي الله عنها- ما أثَاروه من قضية الإفكِ، واتَّهموها بما هي منه بريئة؛ كان مِسْطَحٌ ممَّن تورَّطَ في حديث الإِفك، فَحلَف أبو بكرٍ -رضي الله عنه- أن لا يُنفقَ عليه بعد ذلك، فلمَّا أمَرَ الله -تعالى- بالصَّفْح بادر أبو بكر -رضي الله عنه- وكفَّرَ عن يَمينه، وعفا وصَفَحَ، وعاد يُنفِقُ على مِسْطَحٍ فكان سببا لنزول هذه الاية الكريمة {وَلَا يَاتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ —– الاية
فرضيَ اللهُ عنه ما أسمَحَه وأنبَلَه! فقد كان ممَّن قال الله فيهم( وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ)[الشورى:37].
هل أنتَ -يا عبدَالله- إذا غَضِبْتَ تُسامح؟
وقال رسولنا ﷺ كما جاء في صحيح مسلم: “وعن أبي هُريرة رضي الله عنه : أَنَّ رسولَ اللَّه ﷺ قَالَ: مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ ) رواه مسلم. رواه الترمذي
فها هو صلى الله عليه و سلم يصفه ربه بالسماحة فيقول {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهﷺ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159].
قصة التسامح مع القريب
النبي ﷺ خير من سامح لما دخل مكة -كما ثبت في أحاديث صحيحة- وقد كان أبو سفيان بن الحارث ابن عم الرسول ﷺ قبل ذلك ما ترك قصيدة عصماء يهجو بها الرسول ﷺ إلا نثرها في العرب، حتى أن الناس من المشركين أخذوا يهجون الرسول ﷺ بشعر أبي سفيان بن الحارث ابن عم الرسول ﷺ ، وما كفى هذا، بل نازل وصرف ماله في حرب الرسول ﷺ ، فلما فتح الرسول ﷺ مكة ونصره الله ورفع الله رايته، وأعزه وهزم الأحزاب وحده {أتى أبو سفيان بن الحارث فجمع أربعة أطفال له ما بلغوا سن التمييز وخرج بهم يريد الصحراء
فلقيه علي بن أبي طالب، وهو من بني عمومته،
فقال: يا أبا سفيان إلى أين تذهب؟
قال: أذهب بأبنائي إلى الصحراء فأموت جوعاً وعطشاً، والله لئن أدركني محمد ليقطعني إرباً إرباً، فقال علي: أخطأت يا أبا سفيان! إن رسول الله ﷺ من أحلم الناس، ومن أبر الناس، ومن أوصلهم، فعد إليه، وقل له كما قال إخوة يوسف ليوسف {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} [يوسف:91]
فعاد أبو سفيان بأطفاله، ووقف على رأس الرسول ﷺ ، والرسول ﷺ على رأسه ما يقارب اثني عشر ألفاً من الأنصار ومن قبائل العرب والمسلمين مسلحين
فقال: يا رسول الله! السلام عليك، تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين
فرفع الرسول ﷺ عينيه ودمع ﷺ وقال: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ) ، فنسي كل ما مر به عليه الصلاة والسلام}.
* ومن النماذج المُشرِقة في ذلك: سماحةُ عثمانَ بنِ عفان -رضي الله عنه
حيث اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ أَرْضًا فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ، فَلَقِيَهُ فَقَالَ لَهُ: مَا مَنَعَكَ مِنْ قَبْضِ مَالِكَ؟ قَالَ: إِنَّكَ غَبَنْتَنِي؛ فَمَا أَلْقَى مِنْ النَّاسِ أَحَدًا إِلاَّ وَهُوَ يَلُومُنِي،
قَالَ: أَوَ ذَلِكَ يَمْنَعُكَ؟
قَالَ: نَعَمْ
قَالَ: فَاخْتَرْ بَيْنَ أَرْضِكَ وَمَالِكَ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «أَدْخَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْجَنَّةَ رَجُلاً كَانَ سَهْلاً مُشْتَرِيًا وَبَائِعًا وَقَاضِيًا وَمُقْتَضِيًا”(رواه أحمد في المسند).
وفي حديث آخَر: “رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى”(رواه البخاري
فسامح الناس جميعاً، وإلا فسوف تحمل في قلبك وصدرك الغل والغضب والشك، وستجد نفسك تحمل طاقة سلبية ليس لها أي داعٍ إطلاقاً فالله يسامح عباده عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: “قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم.. إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم.. إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة” أخرجه الترمذي وأحمد.
فالمسلم لين سهل سمح فليس هو بالفظ ولا بالغليظ و لا بالسباب عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَيْسَ الْمُسْلِمُ بِالطَّعَّانِ، وَلَا اللِّعَانِ، وَلَا الْفَاحِشِ، وَلَا الْبَذِيءِ») (أخرجه الترمذي)
وكنْ رجلًا على الأهوالِ جلدًا وشيمتُكَ السَّمَاحَةُ والوفاءُ
وإن كثرت عيوبُكَ في البرايا وسَرَّك أَنْ يَكونَ لها غِطَاءُ
تَسَتَّر بالسَّخَاءِ فكُلُّ عَيْبٍ يُغطِّيه كما قيلَ السَّخاءُ
ولا ترجُ السَّمَاحَةَ مِن بخيلٍ فَما في النَّارِ لِلظْمآنِ مَاءُ
ولولا السماحة ما استقر المجتمع
ايها الموحدون : أعبدوا الله حبا من القلب، وافهموا مقاصد الشريعة، ولاقوا الله راضين مرضيين، واستزيدوا من التقوى واﻹستقامة، فالحياة قصيرة جدا وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت.
تسامحوا وإبتسموا في وجوه اﻵخرين، وأشعروهم بشوقكم لهم، وأحسنوا المعاملة، وادعوا لهم من قلوبكم، فالحياة قصيرة جدا ولا تستحق الكدر والعراك.
تسامحوا فرحلة الحياة قصيرة ، وتقاربوا فالعمر لحظة، سنرحل كلنا ، وسنختلف في الرحيل، فيارب أحسن خاتمتنا وأرزقنا جنتك
ثم إن الله أمرنا بأمر عظيم، ألا وهو الصلاة والسلام على النبي الكريم.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد..
جمع وترتيب / ثروت سويف / امام وخطيب ومدرس