خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل
خطبة الجمعة القادمة للدكتور مسعد الشايب 27 يونيو : بداية جديدة وأمل جديد

خطبة الجمعة القادمة للدكتور مسعد الشايب 27 يونيو : بداية جديدة وأمل جديد بتاريخ: 1 محرم 1447هــ – 27 يونيو 2025م
خطبة الجمعة القادمة WORD للدكتور مسعد الشايب 27 يونيو : بداية جديدة وأمل جديد
خطبة الجمعة القادمة PDF للدكتور مسعد الشايب 27 يونيو : بداية جديدة وأمل جديد
أولا: العناصر:
1. دعوة الشريعة الإسلامية للتحلي بالأمل، بيان ماهيته، ومكانته.
2. ستُ صورٍ، وأشكالٍ للأمل في رحمة الله.
3. الخطبة الثانية: (صورٌ من الهجرة الغير مشروعة).
ثانيا: الموضوع:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبده ورسوله، إمام المتقين، وسيد الأولين والآخرين، وقائد الغرّ المحجّلين، صلاة وسلاما عليك يا سيدى يا رسول الله، وعلى آلك، وأصحابك، وأتباعك، وأحبابك، إلى يوم الدين، وبعد:
===========================================
(1) ((دعوة الشريعة الإسلامية للتحلي بالأمل، وبيان ماهيته، ومكانته))
===========================================
أيها الأحبة الكرام: خرج نبينا (صلى الله عليه وسلم) ذات يومٍ فرحًا مسروًرا، وهو يضحك، ويقول: (لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، إِنَّ مَعَ الْعُسْرَ يُسْرًا}) (شعب الإيمان للبيهقي)، وكان سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) جالسًا ذات يوم في وسط مجموعة من أصحابه، فنظر إلى جحر، ثم قال: (لو جَاءَ الْعُسْرُ حَتَّى يَدْخُلَ هَذَا الْجُحْرِ، لَجَاءَ الْيُسْرُ حَتَّى يُخْرِجُهُ، ثُمَّ قَالَ: {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}) (رواه البزار في المسند).
===
وعن خباب بن الأرت (رضي الله عنه)، قال: شكونا إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ذات يوم، وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة (ينام على عباءة له في ظل الكعبة)، قلنا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا؟، (وكانت تلك الشكوى وقت اشتداد الإيذاء والاضطهاد للنبي (صلى الله عليه وسلم) وصحابته من كفار قريش). فقال: (كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ) (رواه البخاري)، فهذه النصوص دعوة للتحلي بالأمل والبعد عن اليأس والإحباط، وخصوصًا في أوقات الأزمات.
===
والأمل هو: انشراحُ الصدرِ، وإحسانُ الظنِّ، وتوقعُ الخيرِ، والطمعُ في رحمةِ اللهِ (عزّ وجلّ) فيما يتعلق بالأمور الحالية والمستقبلية، أو هو شوق الوصول لهدف يلوح في الأفق، باعثه الحاجة والرغبة في السعادة، فهو ضربٌ من التفاؤل.
===
والأمل هو الحياة: فالحياةُ لا تتحرك ولا تدور عجلتها إلا بالتحلي بالأمل، فالأملُ هو القوة الدافعة للإنسان في تلك الحياة، يبعثُ فيه العزيمةَ، والقوةَ، والنشاطَ، ويشرحُ صدّرَهُ للعمل، ويخلقُ فيه الصبرَ، والجِدّ، والكفاحَ، والمثابرةَ.
فلولا الأملُ ما ذاكر طالبٌ ولا اجتهد، لولا الأمل ما زرع فلاحٌ ولا حصد، لولا الأمل ما أنجب والدٌ ولد، لولا الأمل ما تناول مريضٌ دواء ليتحصّل على الشفاء، لولا الأمل ما ركب تاجرُ الأهوال والمخاطر، لولا الأمل في الجنة ما عصى مؤمن شيطانه، وخالف هواه….وهكذا.
===
فالأمل حياة؛ لأن به تدور وتتحرك عجلة الحياة، وهو الذي ينير لنا دروبها، ويخفف من ويلاتها، وهو مصدر البهجة والفرح والسرور فيها، فالإنسان لا يستطيع أن يحيا بلا أمل، فحياة بلا أمل حياة جافة, قاحلة, شاقة, شائكة, عابسة, كالحة, فلا حياة مع اليأس, ولا يأس مع الحياة.
===
أحبتي في الله، إن الأمل والإيمان قرينان: والمؤمنون الموحدون حقيقة هم أكثر الناس أملا، وأكثرهم تفاؤلًا واستبشارًا وأبعدهم عن اليأس والتشاؤم، يثقون في الله (عزّ وجلّ)، ويحسنون الظن به، ويرجون الفرج عنده، فإذا مرضوا لم ينقطع أملهم في الشفاء، وإذا وقعوا في خطأ لم ييأسوا من رحمة الله وعفوه، وإذا كانوا في ضيق أو هم أو غم وثقوا أن مع العسر يسرًا، وإذا أصابتهم مصيبة صبروا أملًا في الأجر والثواب وثقة في وعد الله لهم بالخير.
وانظروا إلى سيدنا يعقوب (عليه السلام)، فالحق تبارك وتعالى يقول على لسانه وهو يخاطب أبنائه: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87].
ويقول الحق تبارك وتعالى في قصة إبراهيم (عليه السلام): {وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ*إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ*قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ*قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ*قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ*قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر:51ـ56].
===
ولقد قرن النبي (صلى الله عليه وسلم) بين الشرك وبين اليأس والتأييس من رحمة الله (عزّ وجلّ) مبالغة في التحذير والتنفير منه، فعن ابن عباس (رضي الله عنهما): أن رجلًا قال: يا رسول الله ما الكبائر؟. فقال (صلى الله عليه وسلم): (الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالإِياسُ مِنْ رُوحِ اللَّهِ، وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) (المعجم الكبير للطبراني).
===
أيها الأخوة الأحباب إن التحلي بالأمل من أعظم صفات الأنبياء والمرسلين: انظروا إلى سيدنا نوح (عليه السلام)، وهو يتحلى بالأمل في دعوته لقومه، ويطمع في إيمانهم له، فيلبث فيهم داعيًا إلى الله ألف سنة إلا خمسين عامًا، قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} [العنكبوت:14].
===
وانظروا إلى سيدنا زكريا (عليه السلام) بالرغم من كبر سنه، ووهن عظمه، واشتعال رأسه بالشعر الأبيض، وطعن امرأته في السن لا يفقد الأمل في أن يرزقه الله (عزّ وجلّ) بالذرية التي تحمل علمه من بعده، فالحق تبارك وتعالى يقول متحدثًا عنه: {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا*إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا*قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا*وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا*يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} [مريم:2ـ6].
===========================================
(2) ((ستُ صورٍ، وأشكالٍ للأمل في رحمة الله))
===========================================
أيها الأحبة الكرام: لقد فتح الله (عزّ وجلّ) لنا باب الأمل في الشريعة الإسلامية واسعًا على مصراعيه في كل شيء, فعلى سبيل المثال:
===
1ـ الأمل في التوبة، والعفو، والصفح، وهذا بابٌ فتحه الله (عزّ وجلّ) للعصاة والمذنبين، فقال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الزمر:53]، نزلت هذه الآية في قوم قتلوا فأكثروا القتل، وزنوا فأكثرا الزنا، فقالوا: يا محمد إن الذي تقول وتدعوا إليه لحسن، لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة، فنزلت تلك الآية، وفي الحديث القدسي: (يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي ، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي ، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً) (رواه الترمذي).
ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ اللهَ (عَزَّ وَجَلَّ) يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا) (رواه مسلم)، فلا ييأس مذنب من عفو الله (عزّ وجلّ)، ومن صور الأمل أيضًا في الشريعة الإسلامية:
===
2ـ الأمل في الشفاء، وهذا بابٌ فتحه الله (عزّ وجلّ) للمرضى، فالحق تبارك وتعالى يقول على لسان خليل الأنبياء إبراهيم (عليه السلام): {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء:80]، ويقول سبحانه وتعالى عن أيوب (عليه السلام): {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ*فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} [الأنبياء:84،83].
وعن أسامة بن شريك (رضي الله عنه)، قال: أتيت النبي (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه كأنما على رءوسهم الطير، فسلمت ثم قعدت، فجاء الأعراب من ها هنا وها هنا، فقالوا: يا رسول الله، أنتداوى؟ فقال: (تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً، غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ الْهَرَمُ) (رواه أبو داود)، فلا ييأس مريض من أمر مرضه مهما كان داؤه عضالًا، ولا ييأس عقيم من عدم الإنجاب, فعليهما الأخذ بأسباب التداوي مع التعلق بحبل الله في الشفاء، ومن صور الأمل أيضًا في الشريعة الإسلامية:
===
3ـ الأمل في فك الكربات، والأزمات، وهذا بابٌ فتحه الله(عزّ وجلّ) لكل من كان في ضيق وكرب، فهذا نبي الله يونس (عليه السلام) سجين في بطن الحوت في ظلمات ثلاث ومع ذلك يتمسك بالأمل، ويأوي إلى الركن الشديد، قال تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ*فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء:88،87]، وها هي السيدة مريم (عليها السلام) لما حان وقت ولادة عيسى (عليه السلام) تمنت أن لو كانت تحت التراب خوفًا من الاتهام في شرفها، فيطمئنها الحق تبارك وتعالى فاتحًا لها باب الأمل، قال تعالى: {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا*فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا*وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا*فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} [مريم:23ـ26]، ولنا في حديث الرعاة الثلاثة دليل وشاهد، فقد انطبقت على الغار الذين يبيتون فيه صخرة فسدت عليهم بابه، فلم ييأسوا ولم يقنطوا من الخروج من هذا الغار، فتوسل كل واحد منهم بعمل صالح لله، ففرج الله عنهم وفتح لهم باب الغار. (متفق عليه)، ومن صور الأمل أيضًا في الشريعة الإسلامية:
===
4ـ الأمل في الذرية، والإنجاب، وهذا بابٌ فتحه الله(عزّ وجلّ) لكل مشتاق للذرية والإنجاب، ففي قصة إبراهيم (عليه السلام) يتدفق الأمل تدفقًا واضحًا, حيث يقول الحق سبحانه: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ*قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ*قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} [هود:71ـ73].
ولما جاءته (عليه السلام) البشرى قال كما يقص القرآن الكريم: {أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ*قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ*قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ}[الحجر:54ـ56]، ومن صور الأمل أيضًا في الشريعة الإسلامية:
===
5ـ الأمل في عودة الغائب في الدنيا، وهذا بابٌ فتحه الله(عزّ وجلّ) لمن غاب عنه أحبابه، رحمة ورأفة به، فهذا نبي الله يعقوب (عليه السلام), لا ييأس مع طول غياب يوسف (عليه السلام) الذي امتد لقرابة أربعين سنة كما يقول المفسرون، بل ويقدم طلب البحث عن يوسف (عليه السلام) على طلب البحث عن أخيه بنيامين, فيقول كما يقص القرآن الكريم على لسانه: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87].
ويقول أيضًا: {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ*قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ*فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [يوسف:95]، ومن صور الأمل أيضًا في الشريعة الإسلامية:
===
6ـ وكما فتح الله (عزّ وجلّ) باب الأمل لعباده في أمور دنياهم فتح لهم باب الأمل في أمر دينهم، فعن أبي ذرّ (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا دَخَلَ الجَنَّةَ). قلت: وإن زنى، وإن سرق؟. قال: (وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ). قلت: وإن زنى، وإن سرق؟. قال: (وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ). قلت: وإن زنى، وإن سرق؟. قال: (وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ) (متفق عليه)، وفي الحديث الشريف عن سيدنا معاذ بن جبل أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال له: يا معاذ , فقال: لبيك يا رسول الله وسعديك , قال: (لَا يَشْهَدُ عَبْدٌ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، ثُمَّ يَمُوتُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ). قلت: أفلا أحدث الناس؟. قال: (لَا، إِنِّي أَخْشَى أَنْ يَتَّكِلُوا عَلَيْهِ) (مسند أحمد).
عباد الله أقول قولي هذا، وأستغفر الله العليّ العظيم لي ولكم، فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فالتائب من الذنب………..
===========================================
(الخطبة الثانية)
((محاسبة النفس عن عام مضى))
===========================================
الحمد لله ربّ العالمين، أعد لمن أطاعه جنات النعيم، وسعر لمن عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الصادق الوعد الأمين، اللهم صلّ عليه ، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
===
أحبتي في الله: ونحن نستقبل عامًا هجريًا جديدًا فلا بد من محاسبة أنفسنا على ما قدمنا وأخرنا فيه، فمحاسبة النفس لها فوائد وثمار عدة، منها:
===
1ـ الاستعداد ليوم القيامة وما فيه من أهوال وأحوال، كتطاير الصحف والحساب والميزان والصراط…الخ، فالأيام تمر إثر الأيام، والأشهر تجري وراء الأشهر، والسنون تتلوها السنون، فتنقضي الأعمار، وتندرس الأجيال جيلًا بعد جيل، وبعدها يقف الجميع بين يدي الملك الجليل للحساب والسؤال عن القليل والكثير، قال تعالى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء:1]، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ}[لقمان:33]، وقال تعالى: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}[غافر:17]، وقال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدَّثر:38].
===
وعن أبي هريرة (رضي الله عنه)، قال: لما أنزلت هذه الآية {وأنذر عشيرتك الأقربين} [الشعراء: 214]، دعا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قريشا، فاجتمعوا فعمّ وخصّ، فقال: (يَا بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي مُرَّةَ بنِ كَعْبٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي هَاشِمٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا فَاطِمَةُ، أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ، فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّ لَكُمْ رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا) (رواه مسلم)، البلال: هو الماء، ومعنى الحديث سأصلها شبهت قطيعة الرحم بالحرارة ووصلها بإطفاء الحرارة ببرودة، ومنه بلوا أرحامكم أي: صلوها، وعن معاذ بن جبل (رضي الله عنه)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (لَا تَزُولُ قَدِمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ: عَنْ عُمُرُهِ فِيمَا أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ؟ وَعَنْ عَلِمهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ؟) (رواه البزار، والطبراني في الكبير والأوسط).
===
2ـ بمحاسبة النفس يتبين للمرء منا حجم تجارته مع الله، ويتبين له ربحه من خسارته كما يفعل التاجر في مع تجارته، فإن كان العبدُ لاهيا غافلا فباب التوبة أمامه مفتوح على مصراعيه فعن أبي موسى الأشعري (رضي الله عنه)، أن النبي (صلى الله عليه وسلم)، قال: (إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا) (رواه مسلم)، وإن كان مقصرًا فالعمر أمامه ليتدارك ما فاته وما قصر فيه، فعن أبي بكرة (رضي الله عنه)، أن رجلا قال: يا رسول الله، أي الناس خير؟. قال: (مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ). قال: فأي الناس شر؟. قال: (مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَسَاءَ عَمَلُهُ) (رواه أحمد).
===
3ـ محاسبة النفس؛ فيها نجاة من الإفلاس، وضياع ثواب الأعمال في الأخرة، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟). قالوا: المفلس فينا من لا درهم له، ولا متاع. فقال: (إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ) (رواه مسلم).
===========================================
فاللهمّ ارفع عنا الوباء والبلاء والغلاء، وأمدنا بالدواء والغذاء والكساء، اللهم اصرف عنّا السوء بما شئت، وكيف شئت إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير، اللهم ارفع مقتك وغضبك عنّا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا، اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.
اللهم أهدنا لأحسن الأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها فإنه لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، اللهمّ أرنا الحق حقًا، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا، وارزقنا اجتنابه، اللهمّ علمنا من لدنك علمًا نصير به خاشعين، وشفّع فينا سيّد الأنبياء والمرسلين، واكتبنا من الذاكرين، ولا تجعلنا من الغافلين ولا من المحرومين، ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم في جنات النّعيم اللهمّ آمين، اللهمّ آمين
فاللهمّ أرنا الحق حقا، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا، وارزقنا اجتنابه، اللهمّ علمنا من لدنك علما نصير به عاملين، وشفّع فينا سيّد الأنبياء والمرسلين، واكتبنا من الذاكرين، ولا تجعلنا من الغافلين ولا من المحرومين، ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم في جنات النّعيم اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.
كتبها الشيخ الدكتور/ مسعد أحمد سعد الشايب