خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل

خطبة الجمعة القادمة «فَظَلِلْتُ أَسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْهَا ثَلَاثِينَ سَنَةً» الدكتور محمد داود

خطبة الجمعة القادمة «فَظَلِلْتُ أَسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْهَا ثَلَاثِينَ سَنَةً» الدكتور محمد داود – بتاريخ 19 ديسمبر 2025م ، الموافق 28 جمادي الثاني 1447 هـ

 

خطبة الجمعة القادمة word «فَظَلِلْتُ أَسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْهَا ثَلَاثِينَ سَنَةً» الدكتور محمد داود

خطبة الجمعة القادمة pdf  «فَظَلِلْتُ أَسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْهَا ثَلَاثِينَ سَنَةً» الدكتور محمد داود

 

خطبة بعنــــوان :
فظللت أستغفر الله منها ثلاثين سنة
للدكتـــــور/ محمد حســــن داود

( ٢٨ جمادى الآخرة ١٤٤٧هـ – ١٩ ديسمبر٢٠٢٥م)

العناصـــــر :   
– حرمة المال العام.
– واجبنا تجاه المال العام.
– عواقب التعدي على المال العام.
– دعوة إلى الحفاظ على المال العام وعدم التعدي عليه.

الموضــــــوع: الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي أحاط بكل شيء علما، له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى، نعمه لا تحصى، وآلاؤه ليس لها منتهى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد

روى الإمام الخطيب البغدادي عن أبي بكر الحربي أنه قال: سمعت السَّريَّ السَّقَطيَّ (رضي الله عنه) يقول: حمدت الله مرة، فأنا أستغفر الله من ذلك الحمد منذ ثلاثين سنة، قيل: وكيف ذاك؟! قال: كان لي دكان وكان فيه متاع، فوقع الحريق في سوقنا، فقيل لي، فخرجت أتعرف خبر دكاني، فلقيت رجلًا فقال: أبشر فإن دكانك قد سلم، فقلت: الحمد لله، ثم إني فكرت فرأيتها خطيئة” (تاريخ بغداد).

لقد وضع السري (رضي الله عنه) يده على لباب الأخلاق الإسلامية، وكشف عن سعة القلب التي يراد للمؤمن أن يتحلى بها، فلا يرضى صاحبه أن ينفرد بالسلامة دون غيره إذا وقع بلاء، فما كان ندم السري (رضي الله عنه) على لفظ الحمد في ذاته، وإنما على ما كان في قلبه، حين فرح بنجاة ممتلكاته دون ممتلكات غيره، فالمؤمن يتألم لألم غيره كما يتألم لألمه، ويحافظ على ممتلكات غيره ويحب لها السلامة كما يحافظ على ممتلكاته ويحب لها السلامة؛ وإذا كان السري يستغفر الله (عز وجل) ثلاثين سنة من مجرد ميل قلبي يفضل سلامة ماله على سلامة مال غيره وممتلكاته، فكيف وأن يكون هذا المال مال عام، بل كيف يكون أمر من يعتدي على المال العام، فإذا كان الإسلام قد جعل للممتلكات والأموال الخاصة حرمة، فقد جعل للمال العام والممتلكات العامة حرمة أعظم، فهي ملك لجميع أفراد المجتمع؛ فكان الحفاظ عليها مسئولية الجميع، فللمال العام حماية بموجب الشرع مثل حماية المال الخاص بل أشد، وذلك لكثرة الحقوق المتعلقة به، وتعدد الذمم المالكة له، ولقد علمتم أن سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) أنزله منزلة مال اليتيم الذي تجب رعايته ويحرم أخذه أو التعدي عليه، فقال: “إِنِّي أَنْزَلْتُ نَفْسِي مِنْ مَالِ اللهِ مَنْزِلَةَ مَالِ الْيَتِيمِ”. والله تعالى يقول في مال اليتيم: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) (النساء: 10).

وإذا كان من يعتدي على مال خاص يخاصمه صاحبه يوم القيامة؛ فإن من يعتدي على المال العام يخاصمه الجميع يوم القيامة؛ فقد كان مُعَيْقِيب على بيت مال عمر، فكنس بيت المال يومًا فوجد فيه درهمًا فدفعه إلى ابنٍ لعمر، قال مُعيقيب: ثم انصرفت إلى بيتي، فإذا رسول عمر قد جاءني يدعوني، فجئت فإذا الدرهم في يده فقال لي: ويحك يا مُعيقيب، أوجدت عليّ في نفسك شيئًا؟ قال قلت: ما ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال: أردت أن تخاصمني أمة محمد (صلى الله عليه وسلمَ) في هذا الدرهم؟. ولقد كان عُمر بنَ عبدِ العزيزِ (رضي الله عنه) يُسْرَجُ عليهِ الشَّمْعَةُ ما كانَ في حَوائجِ المسلمينَ، فإذا فَرَغَ من حوائجهِمْ أطفأَها، ثمَّ أَسْرَجَ عليهِ سِراجَهُ”. وعن حفص بن عمر بن أبي الزّبير قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم: “أمّا بعد: فكتبتَ تذكر أنّ القراطيس التي قِبَلَك قد نفدتْ، وقد قطعنا لك دون ما كان يُقطع لمن كان قبلك، فأدِقّ قلمك ‌وقاربْ ‌بين ‌أسطرك، واجمع حوائجك، فإنّي أكره أن أخْرج من أموال المسلمين ما لا ينتفعون به” (حلية الأولياء).

إن الحفاظ على المال العام ومراعاة حرمته مطلب شرعي، وواجب وطني، ومسئولية مجتمعية، وباب إلى الخير، فهو ركيزة لنهضة المجتمعات، وهو أمانة، ولقد علمنا الإسلام أن حفظ الأمانات من أوجب الواجبات، وعلمنا أنه لا ضرر ولا ضرار، أما استباحته فهي أمر خطير، وذنب عظيم، وجرم كبير، وضرب من الإفساد، ولقد قال تعالى: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا) (الأعراف: 56). وعن عدى بن عميرة (رضى الله عنه) قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: “مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا (إبرة) فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولًا (خيانة وسرقة) يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”( رواه مسلم).

إن من أجل وأعظم وازكي وأطيب سمات المجتمع المتحضر والمتعاون أن يشعر كل فرد فيه بالآخرين، ويرى قمة سعادته في راحة أبناء مجتمعه، فيحب لهم ما يحب لنفسه ويساهم في تنمية ما ينفع المجتمع على مرور الأزمان وتعاقب الأجيال، فقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الحج 77)، وقال النبي (صَلى الله عليه وسلم): “مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ” (رواه مسلم) ويقول أيضا “أَحَب النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ” (رواه الطبراني) ولقد حكي أن ملكا خرج يومًا يتصيد، فوجد شيخًا كبيراً يغرس شجر الزيتون، فوقف عليه وقال له: يا هذا، أنت شيخ هرم والزيتون لا يثمر إلا بعد أعوام، فلم تغرسه؟ فقال: أيها الملك، زرع لنا من قبلنا فأكلنا، فنحن نزرع لمن بعدنا فيأكل”.

فواجبنا نحو المرافق والممتلكات والأماكن العامة لا يقف عند الحفاظ عليها فحسب، بل يمتد فيشمل تنميتها ورعايتها والإسهام في تطويرها حتى يستمر عطاؤها، وتستفيد منها الأجيال بعد الأجيال، ولقد قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة: 2)، وقال عز وجل: (ومَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (المزمل: 20) وعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): ” سَبْعَةٌ يَجْرِي لِلْعَبْدِ أَجْرُهُنَّ وَهُوَ فِي قَبْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا، أَوْ كَرَى نَهَرًا، أَوْ حَفَرَ بِئْرًا، أَوْ غَرَسَ نَخْلًا، أَوْ بَنَى مَسْجِدًا، أَوْ وَرَّثَ مُصْحَفًا، أَوْ تَرَكَ وَلَدًا يَسْتَغْفِرُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ “(شعب الإيمان)، وهذا سيدنا عثمان بن عفان (رضي الله عنه) لما اشترى نصف بئر رومة لم يهدأ حتى أتمه بالنصف الثاني.

وكذلك الحال في أمر الطريق العام الذي ينبغي أن نحافظ عليه لا أن نعتدي عليه أو نضيقه على المارة، أو نلقي عليه المخالفات، فلقد حذرنا الإسلام من ذلك أشد التحذير، إذ يقول الله (سبحانه وتعالى): (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا( (الأحزاب: 58) ويقول النبي (صَلى الله عليه وسلم): “مَنْ آذَى الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقِهِمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ” (رواه الطبراني). ويقول أيضا: “مَن أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الأرْضِ ظُلْمًا، فإنَّه يُطَوَّقُهُ يَومَ القِيَامَةِ مِن سَبْعِ أَرَضِينَ”. وما أعظم هذا الموقف من الإمام أحمد (رضي الله عنه) فقد جاء أنه كان عنده شيخ من الصلحاء يحضر مجلسه، وكان الإمام أحمد يعظمه لخيره وبركته، ثم بلغه أن الشيخ ليَّس جدار بيته بالطين من الخارج، فتركه الإمام، وكان من عادته أنه إذا جاء إليه أجلسه إلى جانبه ورحب به، فلما أن بلغه عنه ذلك تركه ولم يقبل عليه وأعرض عنه، فبقي كذلك أياما، حتى سأل الشيخ أصحاب الإمام عن سبب إعراضه عنه فأخبروه أنه بلغه أنك ليَّست جدار بيتك بالطين من الخارج، فجاء الشيخ إلى الإمام فسأله عن موجب هجرانه له فأخبره الإمام بذلك، فقال له الشيخ لي ضرورة في تلييس الجدار وليس فيه كبير أمر في حق المارين ، فقال له الإمام : ذلك غصب في طريقهم ، فقال له الشيخ : هو أمر يسير ، فقال له الإمام اليسير والكثير سواء في حق المسلمين، فقال له كيف أفعل ، فقال له الإمام أحد أمرين: إما أن تزيل التلييس وإما أن تنقص الجدار وتدخله في ملكك قدر التلييس فتبنيه على ذلك ثم تليسه بعد ذلك فامتثل الرجل قول الإمام.

إن الناظر في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة يجد عواقب التعدي على المال العام بأي صورة كان هذا التعدي، فقد قال تعالى: (وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) (آل عمران: 161) وعن مُعاذِ بن جَبلٍ (رضي الله عنه)، قال: بَعَثني رَسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلمَ) إلى اليَمنِ، فَلمَّا سِرْت، أرْسلَ في أثَرِي، فَرُدِدْتُ، فقال: “أتَدْرِي لمَ بَعثْتُ إلَيْكَ؟ لا تُصِيبَنَّ شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِي، فَإنَّهُ غُلُولٌ، ‌ومن ‌يَغْلُلْ ‌يأْتِ ‌بِما ‌غَلَّ يَوْمَ القِيامةِ، لِهذا دَعَوْتُكَ، فَامْضِ لِعَملِكَ” (الترمذي). ويقول النبي (صلى الله عليه وسلمَ): “إنَّ رِجالاً يَتَخَوَّضُونَ في مالِ اللهِ بغيرِ حَقٍّ، فلَهُمُ النارُ يومَ القيامَةِ” ( رواه البخاري) (قال ابن حجر في الفتْح: أي يَتَصرَّفون في مال المسلمين بالباطل). وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، (رضي الله عنه) قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَوْمَ خَيْبَرَ، فَلَمْ نَغْنَمْ إِلا الأَمْوَالَ، وَالْمَتَاعَ، وَالثِّيَابَ، فَأَهْدَى رَجُلٌ مِنْ بَنِي الضُّبَيْبِ، يُقَالُ لَهُ: رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ لِرَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) غُلامًا أَسْوَدَ ، يُقَالُ لَهُ: مِدْعَمٌ، فَتَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إِلَى وَادِي الْقُرَى، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِوَادِي الْقُرَى بَيْنَمَا مِدْعَمٌ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، إِذْ جَاءَهُ سَهْمٌ، فَأَصَابَهُ، فَقَتَلَهُ، فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): “كَلا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَخَذَ يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ الْمَغَانِمِ، لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ، لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا”، فَلَمَّا سَمِعَ النَّاسُ ذَلِكَ، جَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ أَوْ بِشِرَاكَيْنِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): “شِرَاكٌ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ”( رواه النسائي). فانظر ترى أن الإنسان محاسب في هذا على الصغير والكبير، لا فرقَ بينَ القليل والكثير في التحريمِ، حتى الشراك فإن الإنسان مسئول عنه معاقب به. وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: “قام فينا النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) فذكَرَ الغُلول، فعظَّمه وعظَّمَ أمرَه، قال: ” لا ألفِيَنَّ أحدَكم يومَ القيامة على رَقبته شاة لها ثُغاء، على رَقبته فرس له حَمْحَمة، يقول: يا رسول الله، أغِثْني، فأقول: لا أملِك لك شيئًا؛ قد أبْلَغْتُك، وعلى رَقَبته بعيرٌ له رُغاء، يقول: يا رسول الله، أغِثْني، فأقول: لا أملِك لك شيئًا؛ قد أبلغتُك، وعلى رَقَبته صامتٌ، فيقول: يا رسول الله، أغِثْني، فأقول: لا أملِك لك شيئًا؛ قد أبلغتُك، أو على رَقَبته رِقَاعٌ تَخْفِق، فيقول: يا رسول الله، أغِثْني، فأقول: لا أملِك لك شيئًا؛ قد أبلغتُك”.

إن للمال بريق حذر النبي (صَلى الله عليه وسلم) أن ينخدع الأنسان به فيكتسبه من حرام، فقال: “تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلاَ انْتَقَشَ”. كما بين لنا صَلى الله عليه وسلم أنه ما من عبد إلا مسئول يوم القيامة عن ماله، فقال: “لا تَزُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَدَمَا عَبْدٍ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ أَخَذَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ ” .

إن الإسلام ينادينا في كل زمان ومكان أن نحفظ للمال العام حرمته وأن لا نعتدي عليه بأي صورة من الصور، بل يجب علينا رعايته، فلا شك أن لاستباحته ضرر كبير على المجتمع كله، كما أن التعدي عليه يعمي البصيرة، ويضعف البدن، ويوهن الدين، ويظلم القلب، ويقيد الجوارح عن الطاعة؛ وتدبر في عواقب هذا التعدي قول النبي (صَلى الله عليه وسلم): “إنَّ هذا المالَ خَضِرةٌ حُلوةٌ، مَن أصابَهُ بحقِّهِ بورِكَ لَه فيهِ، ورُبَّ مُتَخوِّضٍ فيما شاءَت بهِ نفسُهُ مِن مالِ اللَّهِ ورسولِهِ، ليسَ لَه يومَ القيامةِ إلَّا النَّارُ” (رواه الترمذي) ومن ثم فليدرك كل إنسان مدى حرمة هذا المال، فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلمَ): “لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتْ النَّارُ أَوْلَى بِهِ” (رواه الترمذي).

لا ترغبـنْ في كثيرِ المـالِ تكنـزهُ *** من الحرامِ فلا ينمى وإِن كَثــُرا
واطلبْ حـلالاً وإِن قلَّتْ فواضلهُ *** إِن الحلالَ زكيٌ حيثما ذُكِـــــــرا

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق واصرف عنا سيئها
واحفظ اللهم مصر من كل مكروه وسوء

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى