خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل

خطبة الجمعة القادمة : فتراحموا د. محمد حرز

خطبة الجمعة القادمة : فتراحموا د. محمد حرز بتاريخ: 25 من ذي القعدة 1443هــ – 23 مايو 2025م

خطبةُ الجمعةِ القادمةِ word : فتراحموا د. محمد حرز 

خطبةُ الجمعةِ القادمةِ pdf : فتراحموا د. محمد حرز 

الْحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ لَنَا مِنْ أَنْفُسِنَا أَزْوَاجًا، وَحَثَّ عَلَى التَّرَاحُمِ وَالتَّعَاوُنِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَجَعَلَهُ أَسَاسًا وَمِنْهَاجًا، بِهِ تَسْعَدُ الأُسْرَةُ وَتَزْدَادُ سُرُورًا وَابتِهَاجًا، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ بِمَا هُوَ لَهُ أَهلٌ مِنَ الحَمْدِ وَأُثْنِي عَلَيْهِ، وَأُومِنُ بِهِ وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، الحمدُ للهِ الذي خلقَ فسوَّى وقدَّرَ فهدَى، وخلقَ الزوجين الذكرَ والأنثَى مِن نُطفةٍ إذا تُمنَى الحمدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ ﴿هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ﴾ (الأعراف:189) ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وليُّ الصالحينَ وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصفيُّهُ من خلقهِ وخليلُهُ ,القائلُ كما في حديثِ أبي هريرةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْه – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم:((إذا أيقظَ الرَّجلُ أَهلَهُ منَ اللَّيلِ فصلَّيا أو صلَّى رَكعتينِ جميعًا كُتبا في الذَّاكرينَ والذَّاكراتِ))(رواه أبو داود) فاللهم صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِّ المختارِ وعلى آلهِ وأصحابِهِ الأطهارِ الأخيارِ وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ. أما بعدُ ….. فأوصيكُم ونفسي أيها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ { وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ.} ) الْبَقَرَةِ: 281(أيها السادةُ: ((تراحموا )) بل إن شئت فقل(( التراحمُ بين الزوجينِ ))عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا

عناصرُ اللقاءِ:

أولاً: دينُنا دينُ الرحمةِ والألفةِ.

ثانيًا: العُنفُ الأُسَريُّ خرابٌ ودمارٌ.

ثالثًا: كيف نُصلحُ بيوتَنَا؟

أيها السادةُ : بدايةً ما أحوجنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلى أنْ يكونَ حديثُنَا عن التراحمِ بين الزوجين وخاصةً ونحن نعيشُ زمانًا تفتتَ فيه الكثيرُ مِن الأُسرِ بعد انتشار الذئابِ البشرية على مواقعِ التواصلِ لصيد النساءِ العفيفاتِ الطاهراتِ والزّجِ بهنّ في مواقع الشبهةِ والفتنةِ والرزيلةِ وإفسادِهنّ على أزواجِهنّ وصدقَ النبيُّ ﷺ إذ يقولُ كما في حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ))رواه أبو داود، بل وتعيشُ الكثيرُ من البيوتِ في تعاسةٍ وشقاءٍ بسببِ بُعدِها عن منهجِ ربِّهَا وسنةِ نبيِّهَا صلى اللهُ عليه وسلم وخاصةً ولقد انتشرَ الطلاقُ بصورةٍ مفزعةٍ وامتلأتْ المحاكمُ بالكثيرِ والكثيرِ من قضايا الطلاق ِ والخلع ِوالطلاقِ على ضررٍ ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ وخاصةً ما نراهُ ونسمعُه ونشاهدُه على مواقع التواصلِ الاجتماعيِّ من العنفِ الأسريِّ والإيذاءِ النفسيِّ والبدنيِّ فنسمعُ هذا يقتلُ زوجتَهُ، وأخرى تقتلُ زوجَهَا تشردٌ وانحلالٌ، وانحرافٌ وانحطاطٌ ما بعده انحرافٌ وانحطاطٌ في كيان الأسرةِ المسلمةِ ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ ،وخاصةً ونحنُّ نعيشُ زمانًا قستْ فيه القلوبُ وقلَّت فيه ينابيعُ الرحمةِ في قلوبِ الكثيرِ من الناسِ إلا ما رحم اللهُ جلّ وعلا ، وخاصة ًوأكثرُ ما نحتاجُ إليه في هذه الأيامِ هو التراحمُ فيما بيننا، فالرحمةُ والتراحمُ أجملُ شيءٍ في الحياةِ، ولو دخلتْ الرحمةُ قلوبَنا وأدخلناها في حياتنا وبيوتِنا لصلُحت أمورُنا كُلّها، وعشنا أسعدَ حياةٍ، وأحلى حياةٍ. وصدق النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ يقولُ كما في صحيحِ مسلمٍ من حديثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى“……وللهِ درُّ القائلِ

متي يبلغُ البنيانُ يومًا تمامَهُ*** إذا كنتَ تبنيهِ وغيركُ يَهدمٌ

أولاً: دينُنا دينُ الرحمةِ والألفةِ.

أيُّها السادةُ: لقدْ امتنَّ اللهُ جلَّ وعلَا على عبادِهِ بنعمٍ كثيرةٍ لا تُحصَى، قال ربُّنَا:(( وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا)) [سورة النحل:18]، ومن أجلِّ هذه النعمِ: نعمةُ اجتماعِ الأسرةِ والتراحمِ فيما بينهم، فهو سبحانَهُ جلَّ شأنُهُ يعلمُ أنّ حياةَ المجتمعِ لا تقومُ إلا بالأسرِ، فشرعَ لنا الزواجَ وكيف لا؟ وفِي الزَّوَاجِ مَحَبَّةٌ وَشَفَقَةٌ، وَحُسْنُ حَالٍ وَهُدُوءُ بَالٍ، فِي كَنَفِهِ يَتَحَقَّقُ الاستِقرَارُ، وَيُضْمَنُ لِلْجِنْسِ البَشَرِيِّ البَقَاءُ وَالدَّوَامُ وَالاسْتِمْرَارُ، فَلا عَجَبَ أَنْ ذَكَرَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي مَعْرِضِ الدَّلالَةِ عَلَى قُدْرَتِهِ، وَجَعَلَهُ مِنْ عَلامَاتِ رُبُوبِيَّـتِهِ وَوَحْدَانِيَّـتِهِ قالَ جلَّ وعلا: ((وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً)) [سورة الروم:21]، ، والْأُسْرَةُ الصَّالِحَةُ تُبْنَى عَلَى الْمَحَبَّةِ وَالْمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ فبالمودةِ والرحمةِ بنَى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم أسرتَهُ المستقرةَ الهانئةَ، بأبِي هو وأمِّي صلَّى اللهُ عليه وسلم ، لذا بيَّنَ نبيُّنَا صلَّى اللهُ عليه وسلم أنّ الأسرةَ هي أولَى الناسِ بالخيرِ والكرمِ فقال صلَّى اللهُ عليه وسلم كما في حديثِ عبدِ اللهِ بن عباسٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم:خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي))أخرجه أبو داود والترمذي)، وعن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه قالَ: قالَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم: (( أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ)))أَخْرَجَهُ الترمذي و أَحْمَدُ). فكان صلى اللهُ عليه وسلم جميلَ العشرةِ، دائمَ البشرِ، يتلطفُ بأهلهِ، صلَّى اللهُ وسلمَ على مَنْ علَّمَ الدنيا الحبَّ والمودةَ والسكنَ والألفةَ. فالأسرةُ هي اللبنةُ الأولى في بناءِ المجتمعِ إذا صلحتْ صلحَ المجتمعُ كلُّهُ، وإذا فسدتْ فسدَ المجتمعُ كلُّهُ فهي كالقلبِ بالنسبةِ للجسدِ إذا صلحَ القلبُ صلحَ الجسدُ كلُّهُ، وإذا فسدَ القلبُ فسدَ الجسدُ كلُّهُ، فكذلك الأسرة

والأُسرةُ المُسلمةُ رُكنٌ رئيسٌ من أركان المُجتمع المُسلم المُتكامِل، وعليه فإن كلَّ ما يطرَأُ على تلكُم الأُسرة؛ من استِقرارٍ واضطرابٍ، وخِفَّةٍ وأناةٍ، ورِفقٍ وعُنفٍ سينعكِسُ بالضرورةِ على المجمُوع، بقَدرِ ما لتلكُم الأسرةِ من مكانةٍ وأثرٍ في المُجتمعِ، قلَّ ذلكم أو كثُر. لذا اهتم دينُنَا الحنيفُ بالأسرةِ اهتمامًا كبيرًا ودعَا إلى تقويتِهَا، ودوامِ ترابطِهَا؛ لتكونَ أسرةً متماسكةً سعيدةً، ينعمُ أفرادُهَا من أبٍّ وأمٍّ وأولادٍ ومَن يعيشُ معهم مِن الأقاربِ والأرحامِ بالمحبةِ والوئامِ، مِنْ أَجْلِ بِنَاءِ مُجْتَمَعٍ مُسْلِمٍ عَلَى أُسُسٍ سَلِيمَةٍ، وَأَمَرَ بِالمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ بَيْنَ الزَّوْجَينِ، مَعَ تَحَمُّلِ كُلِّ طَرَفٍ مَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَحَمَّلَهُ مِنْ مُنَغِّصَاتِ الْحَيَاةِ مِنَ الطَّرَفِ الآخَرِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ (البقرة: 228) فَحَثَّ الإِسْلَامُ عَلَى المُعَاشَرَةِ الحَسَنَةِ، وَأَنْ يَتَحَمَّلَ الرَّجُلُ اِعْوِجَاجَ الْمَرْأَةِ، كَمَا فِي الحَدِيثِ: “الْمَرْأَةُ خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعٍ أَعْوَجَ، وَإِنَّكَ إِنْ أَقَمْتَهَا كَسَرْتَهَا، وَإِنْ تَرَكْتَهَا تَعِشْ بِهَا وَفِيهَا عِوَجٌ“رَوَاهُ الحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. أَلاَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ، وقد أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وإن منْ حكمةِ الرجلِ وأناتهِ أن يحلمَ حينَ تجهلُ عليه المرأةُ أو تصخبُ، فَإِنَّما خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ ما في الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ.

لذا جَعَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلنِّسَاءِ مِنَ الحُقُوقِ عَلَى الرِّجَالِ مِثْلَ مَا لِلرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ، فَمَنْ عَرَفَ هَذِهِ الحُقُوقَ فَأَدَّاهَا أَحْسَنَ، وَمَنِ انتَقَصَ مِنْهَا أَوْ أَغْفَلَهَا أَسَاءَ، وَمِنَ الحُقُوقِ المُشْتَرِكَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ حُسْنُ العِشْرَةِ وَطِيبُهَا؛ فَعَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُحْسِنَ عِشْرَةَ زَوْجِهِ بِالمَعْرُوفِ، وَالمَرْأَةُ كَذَلِكَ تُحْسِنُ عِشْرَتَهُ بِالمَعْرُوفِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)) ، وَيَقُولُ جَلَّ شَأْنُهُ: ((وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ))، وَإِذْا كَانَ طِيْبُ العِشْرَةِ مَطْلُوبًا فِي العَلاقَاتِ بَيْنَ النَّاسِ عُمُومًا فَإِنَّ العَلاقَةَ بَيْنَ الزَّوْجِ وَزَوْجَتِهِ هِيَ أَولَى بِطِيْبِ العِشْرَةِ وَأَجْدَرُ، لأَنَّ فَوَائِدَهَا عَلَى المُجتَمَعِ كُلِّهِ أَبْيَنُ وَأَظْهَرُ، فَالأُسْرَةُ هِيَ الَّلبِنَةُ الأُولَى فِي بِنَاءِ المُجتَمَعِ، إِذَا طَابَتِ العِشْرَةُ بَيْنَ أَفْرَادِهَا عَمَّ خَيْرُهَا، وَانتَفَعَ بِهِ غَيْرُهَا، وَمِنْ طِيبِ العِشْرَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ التَّعَاوُنُ بَيْنَهُمَا، وحَيْـثُما كَانَ التَّعَاوُنُ بَيْنَهُمَا قَائِمًا؛ فَإِنَّ الحُبَّ بَيْنَهُمَا سَيَكُونُ بِالضَّرُورَةِ مُستَمِرًّا دَائِمًا، وَلَقَدْ كَانَ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- فِي بَيْـتِهِ يُعِينُ أَهلَهُ وَيُسَاعِدُهُمْ، وكَانَ يَقُومُ بِشُؤُونِهِ حَتَّى لا يَشُقَّ عَلَيْهِمْ، فَعَنِ الأَسْوَدِ قَالَ: ((سَأَلْتُ عَائِشَةَ: مَا كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَصنَعُ فِي بَيْـتِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهلِهِ، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاةِ))، وَمَرَّةً أُخْرَى سُئِلَتِ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ – رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: ((مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَعْمَلُ فِي بَيْـتِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ بَشَرًا مِنَ البَشَرِ، يَفْلِي ثَوبَهُ وَيَخْدِمُ نَفْسَهُ))، وَقَدْ كَانَ أَصْحَابُ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم- يَقْتَدُونَ بِهِ، فَيُعَاوِنُ الوَاحِدُ مِنْهُمْ أَهلَهُ فِي تَدْبِيرِ شُؤُونِ البَيْتِ، قَالَ عَلِيٌّ -كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ- لِفَاطِمَةَ – رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- ذَاتَ يَومٍ: ((وَاللهِ لَقَدْ سَنَوتُ – أَيِ استَقَيْتُ مِنَ البِئْر- حَتَّى اشتَكَيْتُ صَدْرِي، فَقَالَتْ: أَنَا وَاللهِ لَقَد طَحَنْتُ حَتَّى مَجِلَتْ يَدَاي-أَي تَقَرَّحَتْ مِنَ العَمَلِ-))، وَهَذَا مَظْهَرٌ رَائِعٌ مِنْ مَظَاهِرِ التَّعَاوُنِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، فَعَلِيٌّ – كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ- يَأْتِي بِالمَاءِ، وَفَاطِمَةُ – رَضِيَ اللهُ عَنْهَا – تَطْحَنُ الحَبَّ، فَتَعَاوَنَ الزَّوْجَانِ فِي جَلْبِ شَيْئَيْنِ ضَرُورِيَّيْنِ لِلْمَعِيشَةِ، وَهُمَا المَاءُ وَالغِذَاءُ.

ومما لاشكَّ فيه – عبادَ اللهِ – أن الإسلامَ دينُ الرحمةِ والسماحةِ، دينٌ نهى عن التعديِ لا على المرأةِ فحسب؛ بلْ حتى على الجمادِ وبهيمةِ الأنعامِ، فدينُنا دينُ الرحمةِ ونبيُنا نبيُ الرحمةِ وشريعتُنا شريعةُ الرحمةِ وقرآنُنا قرآنُ الرحمةِ واللهُ – جلَّ وعلا – قد قال لسيِّد الخلق وأكرمِهم وأحلَمِهم: ([ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) [آل عمران: 159), وفي الصحيحين قَبَّلَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ وعِنْدَهُ الأقْرَعُ بنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًا، فَقَالَ الأقْرَعُ:( إنَّ لي عَشَرَةً مِنَ الوَلَدِ ما قَبَّلْتُ منهمْ أحَدًا، فَنَظَرَ إلَيْهِ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ثُمَّ قَالَ: مَن لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ ((إنها الرحمةٌ يا سادةُ التي تجسدتْ في شخصيةِ المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكَمْ نَحْنُ بِحَاجَةٍ إلى طَاقَةٍ فَيَّاضَةٍ مِنَ الرَّحْمَةِ وَسَعَةِ الصَّدْرِ وَلِينِ الجَانِبِ، كَمْ نَحْنُ بِحَاجَةٍ إلى التَّأَسِّي بِمَنِ امْتَازَ بِقَلْبٍ يَفِيضُ بِالرَّحْمَةِ، وَيَنْبِضُ بِالحَنَانِ كم نحْنُ بِحَاجَةٍ إلى خُلُقِ الرَّحْمَةِ، لِأَنَّ المُجْتَمَعَ إِذَا رَحَلَ عَنْهُ خُلُقُ الرَّحْمَةِ، صَارَ مُجْتَمَعَ غَابَةٍ، يَأْكُلُ القَوِيُّ فِيهِ الضَّعِيفَ، وَتُدَاسُ فِيهِ الحُقُوقُ، وَيَشْكُو الوَلَدُ وَالِدَهُ، وَالزَّوْجَةُ زَوْجَهَا. خُلُقُ الرَّحْمَةِ مِفْتَاحُ القُلُوبِ للقَبُولِ، وَسَبَبٌ لِتَنَزُّلِ رَحْمَةِ اللهِ تعالى، يُؤْتِيهِ اللهُ تعالى السُّعَدَاءَ، وَيَحْرِمُهُ الأَشْقِيَاءَ. نَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ لَا يَحْرِمَنَا هَذَا الخُلُقَ. آمين.

ثانيًا: العُنفُ الأُسَريُّ خرابٌ ودمارٌ.

أيُّها السادةُ : إن من تمامِ نعمِ اللهِ عز وجلَّ على عبادِه أنْ جعلَ لهم بيوتًا تؤويهم وتسترُهم، وهذه النعمةُ تستحقُ الشكرَ لمنْ أنعمَ بِها، قال جلَّ وعلا: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا) [النحل: 80]. قال ابنُ كثيرٍ -رحمه الله-: يَذْكُرُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تَمَامَ نِعَمِهِ عَلَى عَبِيدِهِ، بِمَا جَعَلَ لَهُمْ مِنَ الْبُيُوتِ الَّتِي هِيَ سَكَنٌ لَهُمْ، يَأْوُونَ إِلَيْهَا، وَيَسْتَتِرُونَ بِهَا، وَيَنْتَفِعُونَ بِهَا سَائِرَ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ) والمجتمعُ المسلمُ مجتمعُ رحمةٍ ومودةٍ ومحبةٍ وشفقةٍ، قالَ جلَّ وعلا {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}، وعلى هذا المبدأ يقومُ الدينُ وتُبنى الحضاراتُ، والحضارةُ الحقيقيةُ هي حضارةُ الأخلاقِ والشيمِ والسلوكِ والقيمِ. ولكن -عباد الله- هناك سلوكٌ يخلو من الرحمةِ والشفقةِ ومن معاني الإنسانيةِ، وينتهكُ أبسطَ الحقوقِ الأسريةِ، ويُرسي دعائمَ التسلطِ والعنفِ والعنصريةِ، وهذا السلوكُ الخاطئ بدأ يزيدُ وينتشرُ داخلَ أُسَرِنا ومُجْتمعاتِنا، لا يقلُ خطره عن الإجرامِ والإفسادِ في الأرض.

وكيف لا ؟ والعُنفُ الأُسَريُّ من أعظمِ ما يُهدِّدُ كِيانَ الأُسرةِ المُسلمةِ، ويثلِمُ لُحمَتَها، ويُبدِّدُها شذَرَ مذَرَ، لتنتقِلَ عدواها إلى ما يُجاوِرُها من أُسَر وبيُوتاتٍ، فتنشَأُ حالةٌ من الوُجوم والاضطِرابِ، تتجاذَبُهما حاضِناتٌ من التهوُّر والقسوةِ، والجهلِ بالحقوق والواجِباتِ والمسؤوليَّات. العُنفُ – عباد الله – شرٌّ كلُّه، والرِّفقُ خيرٌ كلُّه، وما كان العُنفُ في شيءٍ إلا شانَه، وما نُزِعَ من شيءٍ إلا زانَه، وإنه ما كان الرِّفقُ في شيءٍ إلا زانَه، وما نُزِعَ من شيءٍ إلا شانَه.

والعُنفُ الأُسَريُّ داءٌ اجتماعيٌّ خطيرٌ، ووباءٌ خُلقيٌّ كبيرٌ ما فشا في أمةٍ إلا كان نذيرًا لهلاكِهَا، وما دبَّ في أسرةٍ إلا كان سببًا لفنائِهَا، فهو مصدرٌ لكلِّ عداءٍ وينبوعُ كلِّ شرٍ وتعاسةٍ، والعُنفُ الأُسَريُّ آفةٌ من آفاتِ الإنسانِ، مدخلٌ كبيرٌ للشيطانِ، مدمرٌ للقلبِ والأركانِ، يفرقُ بين الأحبةِ والإخوةِ، يحرمُ صاحبهُ: الأمنَ والأمانَ، ويدخلُه النيرانَ، ويبعدُه عن الجنانِ، فالبعدُ عنه خيرٌ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ.

والعُنفُ الأُسَريُّ – عبادَ الله – داءٌ لا خيرَ فيه البتَّة، وهو قبيحٌ يعظُمُ قُبحُه وضررُه حينما يطَالُ ذوِي القُربَى، فإن العُنفَ ظُلمٌ ووقعُه على ذوِي القُربَى أشدُّ مضاضةً على النَّفسِ من وَقع الحُسام المُهنَّد.

وكيف لا؟ دينُنا الحَنيفُ لم يدَعْ لنا خيرًا إلا دلَّنا عليه، ولا شرًّا إلا حذَّرَنا منه، وإن أولَ عُنفٍ أُسريٍّ وقعَ في البشريَّة قد قصَّه علينا ربُّنا – جلَّ وعلا – في كتابِه العزيز الذي لا يأتِيه الباطِلُ من بين يدَيه ولا من خلفِه، تنزيلٌ من حكيمٍ حميد، فقد قال الله في مُحكَم التنزيل عن أول عُنفٍ أُسريٍّ: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [المائدة: 27- 30].هذه صورةٌ واحدةٌ من صُور العُنف الأُسريِّ، وهي أعلاها خطرًا وجُرمًا؛ لبُلوغها درجةَ إزهاقِ النفسِ بغيرِ حقٍّ، وما دُون ذلكم من الصُّورِ لا يُمكنُ حصرُه، غيرَ أن من أهمِّها: الضربَ المُبرِّح، أو التهديدَ بالطلاق، أو الحِرمانَ من النَّفقَة، أو الظُّلمَ في العطيَّة بين الأولادِ أو بينَ الزوجاتِ، ونحو ذلكم ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهٍ

وكيف لا؟ وللعُنفِ الأُسريِّ أسبابٌ كثيرةٌ، يأتي في مُقدَّمتها: ضعفُ الوازِعِ الدينيِّ لدَى كثيرٍ ممن يُمارِسُونَ العُنفَ الأُسريَّ. يُضافُ إلى ذلكم: جهلُ المُعنِّف بالحقوقِ والواجِباتِ التي ينبغي أن يُؤدِّيَها على ما كُلِّفَ به منها. كما أن تعاطِيَ المُسكِراتِ والمُخدِّراتِ وغيرِها من أنواع الكُيُوف القتَّالة سببٌ مُنتشِرٌ انتِشارَ النارِ في الهَشيمِ، لدَى من أُصيبُوا بلَوثَة العُنف الفتَّاكةِ. ولربَّما كان من أسبابِ العُنفِ: ما يتلقَّاهُ المُشاهِدُ من إسقاطٍ إعلاميٍّ، عبرَ الأفلامِ، والمُسلسلات التي يُستعمَلُ فيها العُنفُ، حتى تؤُزَّ المُشاهِدَ أزًّا على مُحاكاتِها أو التطبُّعُ بطَبعِها؛ لما لها من أثرٍ بالِغٍ في التلقِينِ الذهنيِّ الآسِر.

فإذا كان الزوجُ لا يعرفُ حقوقَ زوجتِه ولا الزوجةُ تعرفُ حقوقَ زوجِها ولا الأبُ يعرفُ حقوقِ أبنائه وبناتِه ولا الأولادُ يعرفونَ حقوقَ والديهم هنا فلا تسأل عن حجمِ المأساةِ وعظمِ الكارثةِ التي سَتتولدُ نتيجةَ الجهلِ بحقوقِ الآخرينَ ،والمتأملُ لسيرتِهِ العطرةِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ يجدُ هذا الأمرَ واضحًا جليًا لمن أرادَ أن يتأسى به عليه الصلاةً والسلام فالناظرُ أيُّها الأخيارُ في سيرةِ النبيِّ ﷺ يجدُ أنَّهُ كان يحسنُ معاملةَ أهلِهِ، ويُولِيهم عنايةً فائقةً ومحبَّةً لائقةً، فكان مع زوجاتِه حنونًا ودودًا، تجلّتْ فيه العواطفُ في أرقَى معانيهَا، والمشاعرُ في أسمَى مظاهرِهَا، فكان يُكرمُ ولا يهينُ، يُوجِّه وينصحُ، ولا يعنِّف ويَجْرَح، فعن أنسٍ رضي اللهُ عنه قال: ما ضَرَبَ رَسولُ اللهِ ﷺ شيئًا قَطُّ بيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِمًا، إلَّا أَنْ يُجَاهِدَ في سَبيلِ اللهِ)) )) وعن عَائِشَةَ قَالَتْ مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ رواه مسلم. وعن عبد الله بن زمعةَ قال : قالَ رسول الله بِمَ يَضْرِبُ أَحَدُكُمْ امْرَأَتَهُ ضَرْبَ الْفَحْلِ أَوْ الْعَبْدِ ثُمَّ لَعَلَّهُ يُعَانِقُهَا رواه البخاري .وقَالَ لَا يَجْلِدُ أَحَدُكُمْ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ ثُمَّ يُجَامِعُهَا فِي آخِرِ الْيَوْمِ)) رواه مسلم. بل وجعلَ ﷺ حسنَ معاملةِ وعشرةِ الزوجةِ معيارًا مِن معايير خيريةِ الرجالِ، فعن عائشةَ ـ رضي اللهُ عنها ـ قالت: قال رسولُ اللهِ ﷺ ( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي » رواه ابن ماجة وكان النبيُّ ﷺ لطيفَ المعشرِ مع أهلِ بيتِه، فكان يكنِّي نساءَهُ بأحبِّ الأسماءِ إليهن، فأمُّ المؤمنين عائشةُ رضي اللهُ عنها كان يتطلفُ لها، وينادِيها بأحبِّ الأسماءِ إليها، فيقولُ لها: يا عائش، وربَّما قال لها: يا حميراء، فكانت تفرحُ بهذه الألقاب، وبهذا التدليلِ، وهذا مِن هديهِ ﷺ ، وكان ﷺ وفيّ مع زوجتِه حتى بعدَ وفاتِهنَّ فلقد كان وفيًّا مع رمزِ الوفاءِ، وسكنِ الأنبياءِ ,الطاهرةِ في الجاهليةِ والإسلامِ ,خديجةَ بنتِ خويلد عليها من ربِّهَا الرضوانُ والرحماتُ، فلقد كانت عائشةُ رضي الله عنها تغارُ منها وهي ميتةٌ فقالت يومًا كما في حديث عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـ قالت : كان النبيِّ ﷺ إذا ذَكَرَ خَدِيجَةَ أَثْنَى عليها فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ قالت : فَغِرْتُ يَوْمًا فقلت : ما أَكْثَرَ ما تَذْكُرُهَا حَمْرَاءَ الشِّدْقِ قد أَبْدَلَكَ الله عز وجل بها خَيْرًا منها قال : ” ما أبدلنِي اللهُ عزّ وجلَّ خَيْرًا منها قد آمَنَتْ بي إِذْ كَفَرَ بي الناسُ وصدقتنِي إِذْ كذبنِي الناسُ وواستنِي بمالِهَا إذا حرمنِي الناسُ ورزقني اللهُ عزّ وجلَّ وَلَدَهَا إِذْ حرمنِي أَوْلاَدَ النِّسَاءِ ” رواه أحمد، و كان ﷺ يكرمُ أصحابَ خديجةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـ فعَنْ عَائِشَةَـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ـ قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ ﷺ إِلَّا عَلَى خَدِيجَةَ وَإِنِّي لَمْ أُدْرِكْهَا، قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا ذَبَحَ الشَّاةَ، فَيَقُولُ: «أَرْسِلُوا بِهَا إِلَى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ» قَالَتْ: فَأَغْضَبْتُهُ يَوْمًا، فَقُلْتُ: خَدِيجَةَ فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ ﷺ إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا»(متفق عليه(وعن عائشةَ رضى اللهُ عنها جاءتْ عجوزٌ إلى النبيِّ ﷺ وهو عندي فقال لها رسولُ اللهِ ﷺ : من أنتِ ؟ قالت : أنا جثَّامةُ المُزنيَّةُ فقال : بل أنتِ حسَّانةُ المُزنيَّةُ كيف أنتُم ؟ كيف حالكم ؟ كيف كنتُم بعدنا ؟ قالت بخيرٍ بأبي أنت وأمِّي يا رسولَ اللهِ فلما خرجتُ قلتُ : يا رسولَ اللهِ تُقبِلْ على هذه العجوزِ هذا الإقبالَ فقال : إنها كانت تأتينا زمنَ خديجةَ))والبيوتُ يا سادة لا تخلُو مِن المشاكلِ ولو خلتْ البيوتُ مِن المشاكلِ لخلا بيتُ النبوةِ ﷺ، لكن خلافاتٌ تذهبُ سريعًا ويبقَى الحبُّ والمودةُ والسكنُ والرحمةُ، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنِّي لَأَعْرِفُ غَضَبَكِ وَرِضَاكِ» قَالَتْ: قُلْتُ: وَكَيْفَ تَعْرِفُ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ” إِنَّكِ إِذَا كُنْتِ رَاضِيَةً قُلْتِ: بَلَى وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ سَاخِطَةً قُلْتِ: لاَ وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ ” قَالَتْ: قُلْتُ: أَجَلْ، لَسْتُ أُهَاجِرُ إِلَّا اسْمَكَ)) اللهَ اللهَ هكذا كان بيتُ النبوةِ ﷺ. فحافظُوا على بيوتِكُم وعلى استقرارِهَا وابتعدُوا عن الخلافاتِ والمشاكلِ لتسعدُوا في الدنيا والآخرةِ.

وأَحسنُ مِنكَ لم ترَ قطُّ عيني ** وَأجْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النّسَاءُ

خلقتَ مبرأً مِنْ كلّ عيبٍ ** كأنكَ قدْ خلقتَ كما تشاءُ

أرجئُ الحديثَ عنه إلى ما بعدً جلسةِ الاستراحةِ أقولُ قولي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم الخطبةُ الثانيةُ الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلا لهُ وبسمِ اللهِ ولا يستعانُ إلا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ……… وبعد

ثالثًا: كيف نُصلحُ بيوتَنَا؟

أيُّها السادةُ: المحافظةُ على كيانِ الأسرةِ من الدمارِ والهلاكِ تقعُ على عاتقِ الزوجينِ الرجلِ والمرأةِ كلٌّ في حدودِ قدراتِهِ وإمكانياتِهِ كما في صحيحِ البخاري من حديثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:” كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ) وفي صحيحِ مسلمٍ من حديثِ مَعْقِلِ بنِ يَسَار ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ـ قال سمعتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه و سلم يَقُولُ : (مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ).

أيها السادةُ: المسلمُ الحقيقيُّ مطالبٌ بإصلاحِ بيتهِ وأهلهِ؛ ليقي نفسَهُ وأهلَهُ نارَ جهنم، ولينجوَ وإياهُم من عذابِ الحريقِ، فلا يكفي صلاحُ الإنسانِ وحدهُ فقط قال جلّ وعلا﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾(التحريم: 6) . نصلحُ بيوتَنَا؛ لأنّ الاهتمامَ بالبيتِ هو الوسيلةُ الكبيرةُ لبناءِ المجتمعِ المسلمِ، فإنّ المجتمعَ يتكونُ من بيوتٍ هي لبناتُهُ، والبيوتُ أحياءٌ، والأحياءُ مجتمعٌ، فلو صلحت اللبنةُ لكان مجتمعًا قويًّا بأحكامِ اللهِ، صامدًا في وجهِ أعداءِ اللهِ، يشعُّ الخيرَ ولا ينفذ إليه شرٌّ. نصلحُ بيوتَنَا بالتمسكِ بكتابِ اللهِ وبسنةِ رسولِهِ صلى اللهُ عليه وسلم، والصلحُ مع اللهِ فلا صلاحَ للبيوتِ إلا إذا أصلحت مع اللهِ ولا سعادةَ في البيوتِ إلا إذا نفّذتْ كلامَ رسولِهَا صلى اللهُ عليه وسلم في حسنِ اختيارِ الزوجةِ الصالحةِ قال تعالى: ﴿ وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾النور:32.فالمرأةُ إذا صلحتْ صلحتْ الأسرةُ وإذا فسدتْ فسدتْ الأسرةُ لذا قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم «تُنكحُ لأربعٍ: لمالِها وعسى مالُهَا أنْ يُطغيَها، ولحسبِها وعسى حسبُها أنْ يُشقيَها، ولجمالِها وعسى جمالُها أنْ يَفتنَها، ولدينِها، فاظفرْ بذاتِ الدينِ تَرِبتْ يداك» متفق عليه.

نصلحُ بيوتَنَا بالمعاشرةِ بالمعروفِ بين الزوجينِ، فحُسنُ العشرةِ بين الزوجينِ من أهمِّ الركائزِ التي يؤكدُهَا الدينُ الحنيفُ، وينتجُ عنها عيشُ الأسرةِ في ودٍّ وسلامٍ وصفاءٍ ووئامٍ ومودةٍ ورحمةٍ، قال تعالى: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ )النساء:19) ، وفي الحديثِ يقولُ صلى اللهُ عليه وسلم: «خيرُكُم خيرُكُم لأهلِه، وأنا خيرُكُم لأهلي» (رواه الترمذي) نصلحُ بيوتَنَا بالدعاءِ لهم بالخيرِ لا الدعاء عليهم ، لذا امتدحَ اللهُ عبادَهُ الصالحين وأولياءَهُ المؤمنين بالسؤالِ في الدعاءِ بأنْ يَهَبَ لهم أزواجًا وذريةً صالحةً ، تقرُّ بها الأعينُ قال جلَّ وعلا﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ (الفرقان: 74) فَاتَّقُوا اللهَ – عِبَادَ اللهِ -، وَأَكْرِمُوا نِسَاءَكُمْ، كَمَا أَمَرَكُمْ دِينُكُمْ وَأَوصَاكُمْ نَبِيُّـكُمْ -صلى الله عليه وسلم- ، أَدُّوا حُقُوقَهُنَّ، وَتَعاوَنُوا فِيمَا بَيْنَكُمْ عَلَى وَاجِبَاتِ الأُسْرَةِ، وَمُتَطَلَّبَاتِ الحَيَاةِ الكَثِيرَةِ.واعلموا أن العنفَ لا يصلحُ بل يفسد، ولا يبني بل يهدم، لهذا وجب على المسلمِ تجنبه مع الجميعِ خصوصًا أفرادَ الأسرة. فالأسرةُ هي السكنُ والمودةُ والرحمةُ والألفةُ والمحبةُ والتعاونُ والاحترامُ ، والأسرةُ بصلاحِهَا يصلحُ المجتمعُ وبفسادِهَا يفسد المجتمعُ. فاللهَ اللهَ في التخلقِ بأخلاقِ النبيِّ ﷺ في التعاملِ مع أهلِ بيتِهِ، اللهَ اللهَ في إصلاحِ الأسرِ ،اللهَ اللهَ في المعاشرةِ بالمعروفِ، اللهَ اللهَ على السكنِ والمودةِ والرحمةِ بين الزوجين. حفظُ اللهُ مصرَ من كيدِ الكائدين، وشرِّ الفاسدين وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.

كتبه العبدُ الفقيرُ إلى عفو ربِّه

د/ مُحمد حرز         إمامٌ بوزارة الأوقافِ

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى