خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل

خطبة الجمعة القادمة ( الوقت نعمة فلا تضبعوها ) – ثروت سويف

خطبة الجمعة القادمة تحت عنوان ( الوقت نعمة فلا تضبعوها )بتاريخ 30 محرم 1447هـ، الموافق 25 يوليو 2025م

خطبة الجمعة القادمة WORD ( الوقت نعمة فلا تضبعوها ) – ثروت سويف

خطبة الجمعة القادمة PDF ( الوقت نعمة فلا تضبعوها ) – ثروت سويف

اقرأ في هذه الخطبة
أولا : النّهي عن تضييع الوقت
ثانياً: نعمة الوقت
الخطبة الأولي
الحمد لله فائض الأنوار وفاتح الأبصار. وكاشف الأسرار ورافع الأستار فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبذكره تحلو الأوقات، وبرحمته ومغفرته تقال العثرات خلق السنين والحساب وجعل لكل اجل ميقات منزه عن السوي والأغيار وهو الذي ينجي أولياءه من عذاب النار
يا مَنْ يُغِيْثُ الوَرَى مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا
ارْحَمْ عِبادًا أَكُفَّ الفَقْر قَدْ بَسَطُوا
واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الحمد ما تعاقب الليل والنهار، وله الشكر فهو العزيز الغفار، خلق الإنسان من صلصال كالفخار صورنا فأحسن صورنا، وجعل لنا السمع والأفئدة والأبصار ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾
واشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المختار، المسلَّم من العيوب والمطهَّر مِن الأوزار المنصور بالرعب على مسيرة شهر في كل الأمصار إذا تكلم خرج من فمه نور كنور الفجر وقت الإسفار وإذا تبسَّم أشرق وجهه كشروق الشمس في وضح النهار وإذا مشى سلَّمَتْ عليه الصخور والأحجار والصلاة على محمد نور الأنوار وسيد الأبرار وحبيب الجبار وبشير الغفّار ونذير القهاّر، وقامع الكفار وفاضح الفجّار؛ وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين الأخيار.
أما بعد
فحُسنُ تنظيم الوقت, هو الفارقُ بين الشخص الناجح والفاشل. وإنّ من الحرمان أنْ يُضيّع العاقلُ وقته الثمين, الذي هو عمره وحياتُه, بين جلَساتٍ طويلةٍ مع الأصحاب, أو لهوٍ وأكل في الاستراحات, أو سياحةٍ أو صيدٍ أو مُتابعةٍ لِلْمُباريات أو الأخبار. قال ابن حجر -رحمه الله-: “إنني لأتعجب ممن يجلس خالياً عن الاشتغال”! وحُقّ له أن يتعجب, فكيف يرضى العاقل أنْ يقضي وقتًا, بدون شغل ينفعُه في دينِه أو دُنياه!
الوقت يمضي والحياة قطار والعمر بيد مقدر الأقدار
إننا ضيوف وفي الحقيقة يوما نموت وينتهي المشوار
أولا : النّهي عن تضييع الوقت
ان الوقت راس مال الانسان وان ساعات العمر هي انفس ماعني بحفظه ونحن نعيش في زمن محدود, ليل ونهار يتعاقباين بانتظام, وحياة مقسمة تقسيما محدودا, صبا فشباب, فكهولة فشيخوخة, ولكل قسم عمل خاص لايليق ان يعمل في غيره, كالزرع اذا فات اوانه لم يصح ان يزرع في غيره.
ويعرف الوقت : بانه الوعاء الزّمانيُّ الذي يقع فيه الحدث وهو اسْمٌ لِظَرْفِ الْكَوْنِ
والوقت: اللحظات التي يعيشها المرء, ويمكث فيها على ظهر الارض. والوقت هو الحياة, وهواغلا من الذهب. اما الزمن فهو عمر الحياة, وميدان وجود الانسان, وساحة ظله وبقائه, ونفعه وانتفاعه. والوقت اثمن مايملكه الانسان, وفي الامثال السائرة: “الوقت من ذهب” والوقت كالسيف ان لم تقطعه قطعك, وللوقت خاصيتان الاولى: انه يجري جري الرياح ويمر مر السحاب فهو سريع الانقضاء. والثانية: ان الوقت لا يستطيع احد من الناس استعادته وبالتالي لايمكن تعويضه, ولهذا قيل: “الايام خمسة: يوم مفقود, ويوم مشهود, ويوم مورود, ويوم موعود, ويوم ممدود” فاللبيب من انتفع بوقته, وذكر نعمة ربه, واستغفر من ذنبه
‌‌أقَسَم الله تعالى بالزمن لبيان عظمه وأهميته
وهناك آيات كثيرة فيها التنبيه إلى عظم هذا الأصل من النعم غير التي أسلفتها، وحسبك أن، تعلم أن الله سبحانه قد أقسم بالزمن في مختلف أطواره، في كتابه الكريم، في آيات جمة، إشعارا منه بقيمة الزمن، وتنبيها إلى أهميته، فأقسم جل شأنه بالليل، والنهار، والفجر، والصبح والشفق، والضحى، والعصر، فمن ذلك قوله تعالى: (وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَغۡشَىٰ 1 وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ 2) الليل، وقوله تعالى: (وَٱلَّيۡلِ إِذَا عَسۡعَسَ 17 وَٱلصُّبۡحِ إِذَا تَنَفَّسَ ) التكوير وقوله تعالى: (وَٱلۡفَجۡرِ 1 وَلَيَالٍ عَشۡرٖ 2) الفجر، وقوله تعالى: (وَٱلضُّحَىٰ 1 وَٱلَّيۡلِ إِذَا سَجَىٰ) الضحي
فحاسب نفسك علي الوقت حاسب نفسك علي ضياع عمرك وضياع الوقت واعلم ان الله قد أقسم بالوقت لأنه فيه تقع حركات بني آدم قال تعالى: والعصر إن الإنسان لفي خسر [العصر:1-2].
ويلاحظ أن كل ما أقسم الله عليه بالزمن، كان هاما في أعلى درجات الأهمية، وكان قسمه بالزمن في أمرين هامين جدا، أحدهما تبرئة الرسول صلى الله عليه وسلم، من أن يكون هجره ربه كما زعم ذلك المشركون والأعداء. والمقام الآخر في بيان أن كل إنسان خاسر وهالك واعلم اخي ان خير عملك مااستصلحت به يومك واشره ما استفسدت به
عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: ” ‌اغْتَنِمْ ‌خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ ” السنن الكبرى – النسائي.
وقد كان السلف الصالح ومن سار على نهجهم من الخلف أحرص الناس على كسب ‌الوقت وملئه بالخير، سواء في ذلك عالمهم وعابدهم، فقد كانوا يسابقون الساعات، ويبادرون اللحظات، ضنا منهم بالوقت، وحرصا على أن لا يذهب منهم هدرا
قال الشّافعيُّ رحمه الله: صحبتُ الصُّوفيّة، فما انتفعتُ منهم إلّا بكلمتين. سمعتهم يقولون:‌‌ ‌الوقت سَيفٌ، فإن قطعتَه وإلّا قطَعَك. ونفسك إن لم تَشْغَلْها بالحقِّ شَغَلَتْك بالباطل
قال ابن القيم -رحمه الله-: “يا لهما من كلمتين ما أنفعَهما وأجمعَهما! وأدلَّهما على علوِّ همّة قائلهما ويقظته! ويكفي هذا ثناءً من الشّافعيِّ على طائفةٍ هذا قدْرُ كلماتهم!” مدارج السالكين
ويكفي تقويما للوقت والزمن أن الفقهاء قد قرروا أن الأجل في البيع يقابل بشيء من الثمن، وفي هذا تثمين للوقت وتقدير للزمن أيما تقدير، فقد قوموا الزمن بالمال
‌‌أمسك الشمس حتى أكلمك
نقل عن عامر بن عبد قيس أحد التابعين الزهاد: أن رجلا قال له: كلمني، فقال له: عامر بن عبد قيس: أمسك الشمس. يعني أوقف لي الشمس واحبسها عن المسير حتى أكلمك، فإن الزمن متحرك دائب المضي، لا يعود بعد مروره، فخسارته خسارة لا يمكن تعويضها واستدراكها، لأن لكل وقت ما يملؤه من العمل
وقال سفيان: تذكر الماضي ورجاء الباقي ذهبا ببركة ساعاتك.
يقول الفضيل بن عياض: (يا ابن آدم إنما أنت عدد فإذا ذهب يومك ذهب بعضك).
قال الوزير يحيى بن هُبَيرة البغدادي رحمه الله:
والوقْتُ أَنْفَسُ ما عَنِيتُ بِحِفْظِهِ وَأَرَاهُ أسهَلَ ما عليك يَضِيعُ
إنَّا لَنَفْرَحُ بالأيَّامِ نقطَعُهَا وكلُّ يومٍ مضَى جُزْءٌ من العُمْرِ
وَرُوِيَ عَنْ فَاطِمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ مَرَّ بِيْ رَسُوْلُ الله (وأنَا مُضْطَجِعَةٌ مُتَصَحَّبَةٌ فَحَرَّكَنِيْ بِرِجْلِهِ ثُمَّ قَالَ يَا بُنَيَّةَ قُوْمِيْ فاشْهَدِي رِزْقَ رَبَّكِ وَلَا تَكُونِي مِنَ الغَافِلِيْنَ فَإِنَّ اللهَ يَقْسِمُ أَرْزَاقَ النَّاسِ مَا بَيْنَ طُلُوْعِ الفَجْرِ إِلى طُلُوْعِ الشَّمْسِ) إِذْ أَنَّ الجَادِيْنَ أَوْ الكُسَالَى يَتَمَيَّزُوْنَ فِي هَذَا الوَقْتِ فَيُعْطَى كُلُّ امْرئٍ حَسَبَ اسْتِعْدَادِهِ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا والآخِرَةِ
يقول ابن الجوزي في كتابه المدهش
(إِلَى حتفي سعى قدمي … أرى قدمي أراق دمي)
(فَمَا أَنْفك من نَدم … وَهَان دمي فها ندمي)
إستلب زَمَانك يَا مسلوب وغالب الْهوى يَا مغلوب وحاسب نَفسك فالعمر مَحْسُوب وامح قبيحك فالقبيح مَكْتُوب وَاعجَبا لنائم وَهُوَ مَطْلُوب ولضاحك وَعَلِيهِ ذنُوب
أَيْن الدُّمُوع السواجم قبل المنايا الهواجم أَيْن القلق الدَّائِم للذنوب القدايم أَتَرَى اثرت الملاوم فِي هَذِه الأقاوم أَيهَا الْقَاعِد وَالْمَوْت قَائِم أنائم أَنْت عَن حديثنا أم متناوم لَا بُد وَالله من ضَرْبَة لَازم تقرع لَهَا سنّ نادم لَا بُد من موج هول متلاطم يُنَادي فِيهِ نوح الأسى لَا عَاصِم لَا بُد من سقم السَّالِم ينسى فِيهِ يَا أم سَالم
يَا من أنفاسه مَحْفُوظَة وأعماله ملحوظة أينفق الْعُمر النفيس فِي نيل الْهوى الخسيس
(جد الزَّمَان وَأَنت تلعب … والعمر لَا فِي شَيْء يذهب)
(كم كم تَقول غَدا أَتُوب … غَدا غَدا وَالْمَوْت أقرب)
أما عمرك كل يَوْم ينتهب أما الْمُعظم مِنْهُ قد ذهب فِي أَي شَيْء فِي جمع الذَّهَب تبخل بِالْمَالِ والعمر تهب يَا من إِذا خلا تفكر وَحسب فَأَما نزُول الْمَوْت فَمَا حسب لَك نوبَة لَا تشبه النوب بَين يَديك كربَة لَا كالكرب تطلب النجَاة وَلَكِن لَا من بَاب الطّلب تقف فِي الصلوة إِن صَلَاتك عجب الْجِسْم حَاضر وَالْقلب فِي شعب الْجَسَد بالعراق وَالْقلب فِي حلب الْفَهم أعجمي وَاللَّفْظ لفظ الْعَرَب أَنا أعلم بك مِنْك حب الْهوى قد غلب وَمَتى أسر الْهوى قلبا لم يفلح وَكتب
بل اقول وتقف في صلاتك وصلااتك عجب الجسم حاضر والقلب في شغب
فوقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، ومادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة المعيشة الضنك في العذاب الأليم. وهو يمر أسرع من السحاب، فما كان من وقته لله وبالله، فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوبا من حياته وإن عاش فيه طويلا، فهو يعيش عيش البهائم، فإذا قطع وقته في الغفلة والشهوة والأماني الباطلة، وكان خير ما قطعه بالنوم والبطالة: فموت هذا خير له من حياته، وإذا كان العبد وهو في الصلاة: ليس له من الصلاة إلا ما عقل منها، فليس له من عمره إلا ما كان فيه بالله ولله تعالى)).
اعلموا أن من حسن التربية تعويد الأبناء على الاستفادة من الأوقات، وإعمارها بما هو مفيد؛ حتى يتعودوا على ذلك من الصغر، قال عبد الله بن عبد الملك -رحمه الله-: “كنا مع أبينا في موكبه، فقال: سبحوا حتى تلك الشجرة، فُنسبح حتى نأتيها، فإذا رفعت لنا شجرة أخرى، قال: كبروا حتى تلك الشجرة، فكان يصنع بنا ذلك”.
وقال عمر بن ذر: الأيام إذا فكرت فيها ثلاثة، يوم مضى لا ترجوه ويوم أنت فيه ينبغي أن تغنمه ويوم في يدك أمله، فلا تغتر بالأمل فتخل بالعمل فإنما اليوم وأمس كأخوين نزل بك أحدهما فأسأت نزله وقراه فرحل عنك وهو ذام لك، ثم نزل بك أخوه فقال: إن أسأت إليّ كما أسأت إلى أخي فما أخلقك أن تعدم شهادتنا.
وسمع الحسن رجلا يقول: اللهم اجعلنا منك على حذر، فقال: إنه فعل ذلك، أليس قد ستر عنك أجلك فلست من حياة ساعة على يقين.
قال البارودي:
بَادِر الْفُرْصَةَ وَاحْذَرْ فَوْتَهَا … فَبُلُوغُ الْعِزِّ في نَيْلِ الْفُرَصْ
وَاغْتَنِمْ عُمْرَكَ إِبَّانَ الصِّبَا … فَهْوَ إِنْ زَادَ مَعَ الشَّيْبِ نَقَصْ
فَابْتَدِرْ مَسْعَاكَ وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ … بَادَرَ الصَّيْدَ مَعَ الْفَجْرِ قَنَصْ
‌‌ندم ابن مسعود على اليوم يمر من عمره
قال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزد فيه عملي.
‌‌الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما
وقال الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: إن الليل والنهار يعملان فيك، فاعمل فيهما.
اللِّيْلُ والنَّهَارَ يَعْمَلان فِيْكَ فاعْمَلْ فيهما أَعْمَالاً صَالِحَةً تَرْبَحَ وتَحْمَدِ العَاقِبةَ الحَمَيْدَة إن شَاءَ الله تَعَالَى
‌‌إعذار الله لمن بلغه من العمر ستين سنة
روى البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً)
وروى الإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة أيضاً: عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ” لَقَدْ ‌أَعْذَرَ ‌اللهُ إِلَى عَبْدٍ أَحْيَاهُ حَتَّى بَلَغَ سِتِّينَ أَوْ سَبْعِينَ سَنَةً، لَقَدْ ‌أَعْذَرَ ‌اللهُ إِلَيْهِ لَقَدْ ‌أَعْذَرَ ‌اللهُ إِلَيْهِ “أي أزال عذره ولم يبق له موضعا للاعتذار، إذ أمهله طول المدة المديدة في العمروقال الحسن البصري رضي الله عنه: يا ابن آدم، إنما أنت أيام، فإذا ذهب يوم ذهب بعضك. وقال أيضا: أدركت أقواما كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصا على دراهمكم ودنانيركم.
‌‌حماد بن سلمة إما يحدث أو يقرأ أو يسبح أو يصلي
قال الحافظ الذهبي في ((تذكرة الحفاظ)) في ترجمة الإمام المحدث حماد بن سلمة البصري، البزاز الخرقي: ((الإمام المحدث النحوي الحافظ القدوة شيخ الإسلام، ولد سنة إحدى وتسعين من الهجرة، ومات سنة سبع وستين ومئة. وهو أول من صنف التصانيف مع ابن أبي عروبة، وكان بارعا في العربية فقيها فصيحا مفوها صاحب سنة، وكان عابدا من العباد.
قال تلميذه عبد الرحمن بن مهدي: لو قيل لحماد بن سلمة: إنك تموت غدا ما قدر أن يزيد في العمل شيئا. وقال موسى بن إسماعيل التبوذكي: لو قلت لكم: إني ما رأيت حماد بن سلمة ضاحكا لصدقت، كان مشغولا: إما أن يحدث أو يقرأ، أو يسبح، أو يصلي، وقد قسم النهار على ذلك. قال يونس المؤدب: مات حماد بن سلمة وهو في الصلاة، رحمه الله تعالى عليه))
يقول شوقي فيقول:
المَجدُ وَالشَرَفُ الرَفيعُ صَحيفَةٌ … جُعِلَت لَها الأَخلاقُ كَالعُنوانِ
وَأَحَبُّ مِن طولِ الحَياةِ بِذِلَّةٍ…..قِصَرٌ يُريكَ تَقاصُرَ الأَقرانِ
دَقّاتُ قَلبِ المَرءِ قائِلَةٌ لَهُ … إِنَّ الحَياةَ دَقائِقٌ وَثَواني
فَاِرفَع لِنَفسِكَ بَعدَ مَوتِكَ ذِكرَها … فَالذِكرُ لِلإِنسانِ عُمرٌ ثاني
ثانياً: نعمة الوقت
ان الوقت نعمة عظيمة, ومنة كبيرة, فمن حافظ على وقته فقد احتاط في امره وحافظ على نفسه, ومن اضاع وقته فقد اضاع ايامه وخسر زمانه, ولم يتعظ في نفسه.
فامتن سبحانه في جلائل نعمه بنعمة الليل والنهار، وهما الزمن الذي نتحدث عنه ونتحدث فيه، ويمر به هذا العالم الكبير من أول بدايته، إلى نهاية نهايته.
وقال تعالى مؤكدا هذه المنة العليا فقال تعالي : ﵟ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ وَٱلنُّجُومُ مُسَخَّرَٰتُۢ بِأَمۡرِهِۦٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ ﵞ (12) النحل
وقال تعالي ﵟوَجَعَلۡنَا ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ ءَايَتَيۡنِۖ فَمَحَوۡنَآ ءَايَةَ ٱلَّيۡلِ وَجَعَلۡنَآ ءَايَةَ ٱلنَّهَارِ مُبۡصِرَةٗ لِّتَبۡتَغُواْ فَضۡلٗا مِّن رَّبِّكُمۡ وَلِتَعۡلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلۡحِسَابَۚ وَكُلَّ شَيۡءٖ فَصَّلۡنَٰهُ تَفۡصِيلٗا ﵞ 12 الاسراء
أما السنة المطهرة فالبيان فيها صريح وواضح، فقد روى البخاري، والترمذي، وابن ماجة عَنْ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عن النَّبِيّ ( قَالَ نِعْمَتَانِ مَغْبُوْنِ فِيْهِمَا كَثِيْرٌ مِن النّاسِ الصّحة والفَرَاغُ) رِواهُ البُخاريّ
عباد الله: إن الصحة والفراغ والمال هي الأبواب الذي تلج منها الشهوات المستحكمة، ويتربع في فنائها الهوى الجامح فيأتي على صاحبه، وقد صدق من قال: “من الفراغ تكون الصبوة”.
فالزمن نعمة جلى ومنحة كبرى، لا يدريها ويستفيد منها كل الفائدة إلا الموفقون الأفذاذ، كما أشار إلى ذلك لفظ الحديث الشريف فقال: ((مغبون فيهما كثير من الناس))، فأفاد أن المستفيدين من ذلك قلة، وأن الكثير مفرط مغبون.
إنَّ على كل مسلم أن يدرك: أن الوقت سريع الانقضاء، فهو يمر مر السحاب، ويجري جري الريح، سواء أكان زمن مسرة وفرح، أم كان زمن اكتئاب وتَرَح، ومهما طال عمر الإنسان في هذه الحياة الدنيا، ومهما عُمر فيها من سنوات وعقود، فهو قصير، ما دام الموت نهاية كل حي.
عند الموت تنكمش الأعوام وإن طالت، عند الموت تتقلص العقود وإن امتدت، تنكمش العقود والأعوام كلها التي عاشها الإنسان، حتى لَكأنها لحظات مرت كالبرق الخاطف.
لقد عاش نبي الله نوح -عليه السلام- أكثر من ألف عام، فلما جاءه ملك الموت ليقبض روحه سأله: يا أطول الأنبياء عمرا، كيف وجدت الدنيا؟ فقال نوحٌ -عليه الصلاة والسلام-: وجدتُّها كدارٍ لها بابان، دخلت من أحدهما وخرجت من الآخَر.
فبالله عليكم: ما المسافة الفارقة ببين الباب الأول والباب الآخر؟
وصدَق الله -عز وجل- إذ يقول: (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا)[النازعات: 46].
اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية
الحمد لله مكوِّر الليل على النهار، ومكور النهار على الليل، جاعل الليل سكَناً، والشمس والقمر حسبانا، ذلك تقدير العزيز الحكيم.
أحمدُه سبحانه على نعمه المتواليات، وخيراته المتعاقبات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك رب الأرض والسماوات، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ختَم الله به النبوات والرسالات، صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وأصحابه أهل الخير والبر والكرامات، والتابعين لهم بإحسانٍ على تعاقُب الأيام والساعات، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد
أيها الإخوة المسلمون: إنَّ مَن ينظر لِواقعنا مع أوقاتنا يجد تفريطا كبيراً، وإهمالاً عظيماً، حيث تضييع، الأوقات، وتبديد الساعات، في غير ما يُرضي رب الأرض والسماوات
ورحم الله الحسن البصري إذ يصور هذا المعنى الدقيق، فيقول: “ما مِن يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا ابن آدم، أنا خَلْقٌ جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني؛ فإني إذا مضيت لا أعود إلى يوم القيامة”.
ثالثاً: احذر مخالطة من يضيع عليك وقتك
عباد الله : احذروا مخالطة من تُضيع مخالطته ‌الوقت، وتُفسد القلب، فإنه متى ضاع ‌الوقت وفسد القلب انفرطت على العبد أموره كلها، وكان ممن قال الله فيه: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)} [الكهف: 28].
ومن تأمل حال هذا الخلق، وجدهم كلهم -إلا أقل القليل- ممن غفلت قلوبهم عن ذكر الله -تعالى -، واتَّبعوا أهواءهم، وصارت أمورهم ومصالحهم {فُرُطًا} أي: فرَّطوا فيما ينفعهم ويعود بصلاحهم، واشتغلوا بما لا ينفعهم، بل يعود بضررهم عاجلًا وآجلًا
قال الله تعالى: “هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ *قال تعالى: “وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ” [الرعد :12؛ 13]
ذكر الإمام القرطبي في تفسيره [عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: أقبل عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة العامريان يريدان النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد جالس في نفر من أصحابه فدخلا المسجد فاستشرف الناس لجمال عامر وكان أعور وكان من أجمل الناس فقال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: هذا يا رسول الله عامر بن الطفيل قد أقبل نحوك فقال: دعه فإن يرد الله به خيرا يهده، فأقبل حتى قام عليه فقال: يا محمد مالي إن أسلمت؟ فقال: لك ما للمسلمين وعليك ما على المسلمين. قال: أتجعل لي الأمر من بعدك؟ قال: ليس ذاك إلي إنما ذلك إلى الله يجعله حيث يشاء. قال: أفتجعلني على الوبر وأنت على المدر؟ قال: لا. قال: فما تجعل لي؟ قال: أجعل لك أعنة الخيل تغزو عليها في سبيل الله. قال: أو ليس لي أعنة الخيل اليوم؟ قم معي أكلمك، فقام معه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عامر أومأ إلى أربد: إذا رأيتني أكلمه فدر من خلفه واضربه بالسيف، فجعل يخاصم النبي صلى الله عليه وسلم ويراجعه فاخترط أربد من سيفه شبرا ثم حبسه الله فلم يقدر على سله ويبست يده على سيفه وأرسل الله عليه صاعقةً في يومٍ صائفٍ صاحٍ فأحرقته وولى عامر هاربا وقال: يا محمد دعوت ربك على أربد حتى قتلته والله لأملأنها عليك خيلا جرداً وفتياناً مرداً. فقال عليه السلام: يمنعك الله من ذلك وأبناء قيلة يعني الأوس والخزرج. فنزل عامر بيت امرأة سلولية وأصبح وهو يقول: والله لئن أصحر لي محمد وصاحبه – يريد ملك الموت – لأنفذتهما برمحي؛ فأرسل الله ملكا فلطمه بجناحه فأذراه في التراب وخرجت على ركبته غدة عظيمة في الوقت فعاد إلى بيت السلولية وهو يقول: غدة كغدة البعير، وموت في بيت سلولية ثم ركب على فرسه فمات على ظهره] (الإمام محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي / الجامع لأحكام القرآن بتحقيق هشام سمير البخاري/ الآيتان 11:13 سورة الرعد /ط1 /2003م دار عالم الكتب / الرياض
وهذا الإمام ابن جرير الطبري شيخ المفسرين والمحدثين والمؤرخين، والإمام المجتهد العظيم، كان رحمه الله تعالى آية من الآيات، في استفادته من الوقت وحفاظه على ملئه بالتعلم والتعليم والكتابة والتأليف، حتى بلغت مؤلفاته من الكثرة – مع الإبداع والإتقان – العدد العجاب قال لأصحابه: أتنشطون لتفسير القرآن؟ قالوا: كم يكون قدره؟ قال: ثلاثون ألف ورقة، فقالوا: هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه! فاختصره في نحو ثلاثة آلاف ورقة، وأملاه في سبع سنين، من سنة ثلاث وثمانين ومئتين إلى سنة تسعين وإن قوما من تلاميذ ابن جرير، حصلوا أيام حياته – أي جمعوها -، منذ بلغ الحلم إلى أن توفي وهو ابن ست وثمانين سنة، ثم قسموا عليها أوراق مصنفاته، فصار منها على كل يوم أربع عشرة ورقة. وهذا شيء لا يتهيأ لمخلوق إلا بحسن عناية الخالق
واعلم أن الزمان أشرف من أن يضيع منه لحظة، فإن في ((الصحيح)) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قال سبحان الله العظيم وبحمده، غرست له بها نخلة في الجنة)) الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، رواه الترمذي
. فكم يضيع الآدمي من ساعات يفوته فيها الثواب الجزيل اما التلفاز وامام مواقع النت والفيس بوك ؟! وهذه الأيام مثل المزرعة، فهل يجوز لعاقل أن يتوقف عن البذر أو يتوانى؟
ثُمَّ اعْلَمْ أَهْلَ الضَّيَاعِ لَلْوَقْتِ الَّذِينَ كَانَ أَمْرُهُمْ فُرُطَاً وأعْمَارُهُمْ سَبَهْلَلاً لا يُفِيْقُوْنَ مِنْ قَتْلِ أوْقَاتِهِمْ فِي البَطَالَةِ وعِنْدَ المُنْكَرَاتِ مِنْ كُرَة وفِدْيو وتِلفزْيُون ومِذْيَاعٍ وسِيْنَمَا وَوَرَقٍ وَغِيْبة ونَمِيْمةٍ وتَجَسُّسٍ عَلَى المُسْلِمْين وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَرُبَّمَا أَضَافُوْا إِلى ذَلِكَ الجِنَايَةَ عَلَى أَوْقَاتِ الآخَرِيْن فَشَغَلُوهُم عَنْ أَعْمَالِهِمْ بِشُئُونٍ تَافِهَةٍ أَوْ فِيْمَا يَعُوْدُ عَلَيْهِم بِالخُسْرانِ فَهَؤُلَاءِ أَسَاءُوا مِنْ جِهَتَيْن عَلَى أَنْفُسِهِمْ إِذْ يُمْضُونَ أَيَّامَهُمْ فِي غَيْرِ عَمَلٍ وعَلَى غَيْرِهِمْ حَيْثُ شَغَلُوْهُمْ عَنْ العَمَلِ والعَجَبُ أنَّ هَؤُلَاءِ الّذِيْنَ اعْتَادُوْا قَتْلَ الوَقْتِ إِذَا مَا تَبَيَّنَ فَشَلُهُمْ فِي نَوْبَةِ يَقْظَةٍ رَاحُوْا يَتَساءَلُوْنَ عَنْ سِرِّ هَذَا الفَشَلِ وَيَتَّهِمُوْنَ الأَيَّامَ تَارةً والحَظّ تَارةً أُخْرَى، كَأَنَّهُمْ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ مَطْبُوْعُونَ عَلَى النَّجَاحِ دُوْنَ عَمَلٍ وَأَنْ يَجْنُوْا ثِمَارَ مَوَاهِبِهِمْ بَعْدَ أَنْ قَتَلُوْا هَذِهِ المَوَاهِبَ
قال أبو هلال العسكري في كتابه ((الحث على طلب العلم والاجتهاد في جمعه)): ((كان الخليل بن أحمد – الفراهيدي البصري، أحد أذكياء العالم، المولود سنة 100، والمتوفي سنة 170 رحمه الله تعالى – يقول: أثقل الساعات علي: ساعة آكل فيها)). فالله أكبر ما أشد الفناء في العلم عنده؟! وما أوقد الغيرة على الوقت لديه؟!
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا وَفَّقْتَ إليه القَوْم وأَيْقِضْنَا من سِنة الغَفْلَةِ والنَّوم وارزقْنَا الاستعدادَ لِذَلِكَ اليَوْمِ الذي يَرْبَحُ فيه المُتَّقُونَ، اللَّهُمَّ وعامِلنَا بإحْسَانِكَ وَجُدْ علينا بِفَضْلِكَ وامْتِنانِكَ واجعلنا من عِبادِكَ الذينَ لا خَوفٌ عليهم ولا هُمْ يَحْزَنُون.
وَاغْفِرَ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ والْمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ
جمع وترتيب ثروت سويف / امام وخطيب

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى