خطبة الجمعة القادمة : النَّبِيّ المعلم ﷺ ، للشيخ ثروت سويف

خطبة الجمعة القادمة بتاريخ 27 ربيع الأول 1447هـ الموافق 19/ سبتمبر/ 2025م تحت عنوان : النَّبِيّ المعلم ﷺ ، ثروت سويف
خطبة الجمعة القادمة WORD : النَّبِيّ المعلم ﷺ ، للشيخ ثروت سويف
خطبة الجمعة القادمة PDF : النَّبِيّ المعلم ﷺ ، للشيخ ثروت سويف
اقْرَأْ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ
أَوَّلًا : لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ
ثَانِيًا : النَّبِيِّ ﷺ مربياً ومعلماً ( وقفات مع المعلم الأول )
الْخُطْبَة الْأَوَّلِيّ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ، وَجَعَلَ فِيهَا كِتَابِه خَيْرٌ مِنْهَاج ونبراس ، وَبَذَرَ فِيهَا بُذور الْخَيْر ففاح شذاً وَطَاب غِرَاس ، اصطفاها مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأُمَمِ ، وَأَفَاض عَلَيْهَا مَا شَاءَ مِنْ النِّعَمِ ، وَدَفَع عَنْهَا كُلُّ شَرٍّ وَبَأْس
وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ خَلَقَ خَلْقَهُ أَلْوَانًا وَأَجْنَاسٌ سُبْحَانَه عَفُوٌّ غَفُورٌ غَافِرا لِذِلَّة النَّاس
وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ كَانَ لظلامنا ضياءا بِإِذْنِ اللَّهِ رَبُّ النَّاسِ ، وَكَان لأبصارنا جَلَاء ، وَجَاءَنَا عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنْ الرُّسُلِ ، وَانْطِمَاس فَجَلَّى الْمُبْهَمَات ، وَكَشَف الْغَيَاهِب والظلمات ، بِأَمْرِ اللَّهِ مِلْك النَّاسِ وَجَاءَ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ بِكِتَاب مُعْجِزٌ الْآيَات ، وَاضِحٌ الْبَيِّنَات ، فَانْهَدَم بُنْيَان الْوَثَنِيَّة ، وَارْتَفَع لِوَاءٌ الْحَنِيفِيَّة بِقُدْرَةِ اللَّهِ إلَهٌ النَّاسِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الْفُقَهَاء الْعُلَمَاء الْأَكْيَاس ، وَعَلَى مَنْ سَارَ عَلَى نهجهم وَاتَّبَع دَرْبِهِم مَا تَرَدَّدْتُ فِي الصُّدُورِ الْأَنْفَاس
قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :
أَغَرُّ عَلَيْهِ مِنْ النُّبُوَّةِ خاتم……من اللَّهِ مَشْهُودٌ يَلُوحُ وَيَشْهَدُ
وَضَمَّ الْإِلَهُ اسْمَ النَّبِيِّ إلَى اسمه……إذا قَالَ فِي الْخَمْسِ الْمُؤَذِّنُ أَشْهَدُ
وَشَقَّ لَهُ مِنْ اسْمِهِ ليجله……فذو الْعَرْشِ مَحْمُودٌ وَهَذَا مُحَمَّدٌ
أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ
النَّبِيّ ﷺ مُعَلِّمًا ومربيا
يطالعنا غداً عام دراسي جديد وخير قدوة نتعلم منه هو معلم البشرية وسيدها سيدنا وحبيبنا ومعلمنا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم
اعْلَمُوا عِبَادِ اللَّهِ أَنْ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ أَكْمَلَ النَّاسِ خِلَالًا ، وَأَفْضَلُهُم حَالًا ، وأفصحهم مَقَالًا ، وَقَدْ امْتَنَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا بِبِعْثَتِه فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوف رَحِيمٌ [التوبة : 128] . وَزَكَاة اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَإِنَّك لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم: 4] .
ثُمَّ أُمِرْنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ، وَالِاهْتِدَاء بِهَدِيَّة، وَالتَّخَلُّقُ بِأَخْلَاقِهِ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِر وَذَكَرَ اللَّه كَثِيرًا [الأحزاب: 21].
نَعَمْ أَنَّهُ رَجُلٌ السَّاعَة ، نَبِىّ الْمَلْحَمَة ، نَبِيِّ الرَّحْمَةِ صَاحِبُ اللِّوَاءِ الْمَعْقُودَ وَالْحَوْضَ الْمَوْرُود وَالْمَقَامَ الْمَحْمُودَ قَال تَعَالَي : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء-79
سيدى يَا رَسُولَ اللَّهِ
الْحَقّ أَنْت وَأَنْت إشْرَاقٌ الْهُدَى وَلَك الْكِتَاب الخَالِد الصَّفَحات
مَنْ يَقْصِدُ الدُّنْيَا بِغَيْرِك يُلْقِهَا تِيها مِنْ الْأَهْوَالِ والظلمات
لَو شرّق الْقَوْم الْكِبَار وَغَرِّبُوا فَإِلَيْك حَتْمًا مُنْتَهَى الْخُطُوَات
لَو أَحْسَنُوا فَهُم السَّلَام لأسلموا مَا غَيَّرَ دِينِك سُلما لِنَجَاة
أَوَّلًا : رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قُدْوَةً فِي شَتَّى مجالات الْحَيَاة
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَجِيبَةُ مِنِ عَجَائِبِ الْكَوْن ، وَآيَة مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ، وَمُعْجِزَة مِنْ مُعْجِزَاتِ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْأَرْضَ فَهُوَ رَسُول يَتَلَقَّى الْوَحْيُ مِنْ السَّمَاءِ لِيَرْبِط الْأَرْض بِالسَّمَاء بِأَعْظَم رِبَاط وَأَشْرَف صِلَة ، وَهُوَ رَجُلٌ سِيَاسَة ، يُقِيم لِلْإِسْلَام دَوْلَة مِنْ فُتَاتِ مُتَناثِر ، وَسَط صَحْرَاء تَمَوُّج بِالْكُفْر موجاً ، فَإِذَا هِيَ بِنَاءٌ شَامِخ لَا يطاوله بِنَاءً فِي فَتْرَةِ لَا تُسَاوِي فِي حِسَابِ الزَّمَن شيئاً عَلَى الْإِطْلَاقِ ، وَهُوَ رَجُلٌ حَرِبٌ يَضَع الْخُطَط ويقود الْجُيُوش بِنَفْسِه ، بَلْ إذَا حُمِيَ الوَطِيْسُ وَاشْتَدَّت الْمَعَارِك وَفَرّ الْإِبْطَال والشجعان ، وَقَفَ عَلَى ظَهْرِ دَابَّتِهِ لِيُنَادِي عَلَى الْجَمْعِ بِأَعْلَى صَوْتِهِ وَيَقُول : (أنا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ المطلب)
وَهُوَ رَبُّ أَسَرَه كَبِيرَة تَحْتَاجُ إلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّفَقَاتِ مِنْ نَفَقَاتِ الْوَقْت وَالْفِكْر وَالتُّرْبِيَّة وَالشُّعُور ، فضلاً عَن النَّفَقَات الْمَادِّيَّة ، فَيَقُوم النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الدَّوْر عَلِيّ أَعْلَى وَأَثِم وَجْه شَهِدْتُه الْأَرْض وَعَرَفَة التَّارِيخ .
عَن جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ فَلْيُصَلِّ وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ وَلَمْ تُحَلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً
لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ
فَهُوَ ﷺ رَجُلٌ إِنْسانِيٌّ مِنْ طِرازٍ فَرِيد كَأَنَّهُ مَا خَلَقَ فِي الْأَرْضِ إلَّا لِيَمْسَح دُمُوع البائِسين ، وليضمد جِرَاحٌ المجروحين ، وَلْيَذْهَب الْأُمّ البائِسين الْمُتَأَلِّمِين .
وَهُوَ رَجُلٌ عُبَادَة قَامَ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ ، فَلَمّا قِيلَ لَهُ : أَوَلَم يَغْفِرُ اللَّهُ لَك مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ؟ قَال قولته الْجَمِيلَة : (أفلا أَكُون عبداً شكوراً) .
هُوَ رَجُلٌ دَعْوَة أَخَذَت عَرَقُه وَوَقْتُه وَفِكْرُه وَرُوحِه ، قَالَ لَهُ رَبُّهُ : { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ } [المدثر : 1 – 2] ، فَقَام وَلَمْ يَذُقْ طَعْمَ الرَّاحَة حَتَّى لَقِيَ رَبَّهُ جَلَّ وَعَلَا ، فَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ قُلُوبَ أَصْحَابُهُ إِلا لِأَنَّهُ قُدْوَة ، مَا أَمَرَهُمْ بِأَمْرٍ إلّا وَكَانَ أَوّلَ الْمَنْفَذَيْن لَه ، وَمَا نَهَاهُمْ عَنْ نَهْيٌ إلَّا وَكَانَ أَوّلَ المنتهين عَنْه ، وَمَا حَدُّ لَهُمْ حداً إلَّا وَكَانَ أَوّلَ الوقافين عِنْدَ هَذَا الْحَدِّ .
يَقُولُ رَبَّنَا جَلَّ وَعَلَا فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ ( لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ) [سورة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 21]
يَقُول الْعَلَّامَةُ بْن كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ
( هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي التَّأَسِّي بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَحْوَالِهِ ؛ وَلِهَذَا أُمِرَ النَّاسُ بِالتَّأَسِّي بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ ، فِي صَبْرِهِ وَمُصَابَرَتِهِ وَمُرَابَطَتِهِ وَمُجَاهَدَتِهِ وَانْتِظَارِهِ الْفَرَجَ مِنْ رَبِّهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ دَائِمًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى لِلَّذِينِ تَقَلَّقُوا وَتَضْجَّرُوا وَتَزَلْزَلُوا وَاضْطَرَبُوا فِي أَمْرِهِمْ يَوْمَ الْأَحْزَابِ : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } أَيْ : هَلَّا اقْتَدَيْتُمْ بِهِ وَتَأَسَّيْتُمْ بِشَمَائِلِهِ ؟ وَلِهَذَا قَالَ : { لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } فَاقْتَدُوا بِنَبِيِّكُم فِي جَمِيعِ عباداتكم وَمُعَامَلَاتِكُم
(أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) أَىّ سنّة صَالَحَه ، تَنْصُرُوه وتؤازروه
كُلّ حَيَاتِه دُرُوس وَتَعْلِيم وَكُلُّهَا جِهَاد وَتَنْظيم أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِطَاعَتِهِ وَالتَّأَسِّي بِأَخْلَاقِه وَسِيرَتِه فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ وَفِي كُلِّ الْأَحْوَالِ
وَيَقُولُ الْإِمَامُ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ ” أُسْوَةٌ” الْأُسْوَةُ الْقُدْوَةُ . وَالْأُسْوَة مَا يُتَأَسَّى بِهِ، أَيْ يُتَعَزَّى بِهِ. فَيُقْتَدَى بِهِ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِ وَيُتَعَزَّى بِهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ، فَلَقَدْ شُجَّ وَجْهُهُ، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ،وَقُتِلَ عَمُّهُ حَمْزَةُ، وَجَاعَ بَطْنُهُ، وَلَمْ يُلْفَ إِلَّا صَابِرًا مُحْتَسِبًا، وَشَاكِرًا رَاضِيًا.
وَقَالَ ﷺ لَمَّا شُجَّ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يعلمون)
فالتاسي بِهِ فِي الْخَيْرِ وَالْعِبَادَة قَوْلًا وَفِعْلًا وَلِذَا عَنْ عَطَاءٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رجلًا أَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَنْحَرَ نَفْسِي . فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ » فَأَمَرَه بكبش) الدُّرِّ الْمَنْثُورِ فِي التَّفْسِيرِ بِالْمَأْثُور
فَالْأُسْوَة الْحَسَنَة اتِّبَاع كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسنة رَسُوله ﷺ وَسنَن خُلَفَائِه الرَّاشِدين الْمَهْدِيِّين الَّذين قَضَوْا بِالْحَقِّ وَبِه يعدلُونَ
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَلَا يَكُونُ الرَّجُلُ مِنْ اتِّبَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حقاً حَتَّى يَدْعُوَ إلَى مَا دَعَا إلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى بَصِيرَةٍ .
السَّعَادَةِ وَالْفَلَاحِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ هِي بِالْإِيمَان وَالتَّقْوَى ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَنَالُهَا الْإِنْسَانِ فِي حَيَاتِهِ إلَّا بِاقْتِدَائِه بالأسوة الْحَسَنَة مُحَمَّد – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ ، وَعَدَم الِاقْتِدَاء بشخصية أَحَدٌ سِوَاهُ
وَلِلَّهِ دَرُّ شَوْقِي حِينَمَا قَال
يَا مَنْ لَهُ الْأَخْلَاق مَا تَهْوَى الْعُلَا مِنْهَا ومايتعشق الْكُبَرَاء
زانتك فِي الْخَلْقِ الْعَظِيم شَمَائِل يغرى بِهِنّ ويولع الْكُرَمَاء
فَإِذَا سخوت بَلَغَت بِالْجُود الْمَدَى وَفَعَلَتْ مَا لَا تَفْعَلْ الْأَنْوَاء
وَإِذَا عَفَوْت فقادرا ومقدرا لَا يَسْتَهين بِعَفْوِك الْجُهَلَاء
وَإِذَا رَحِمْت فَأَنْت أُمٍّ أَوْ أَبٍ هَذَانِ فِي الدُّنْيَا هُمَا الرُّحَمَاء
وَإِذَا خَطَبْت فللمنابر هَزَّه تعرو النَّدَى وللقلوب بُكَاء
وَإِذَا أَخَذْتُ الْعَهْدِ أَوْ أَعْطَيْته فَجَمِيع عَهْدُك ذِمَّة وَوَفَاء
يَأْمَن لَهُ عَزَّ الشَّفَاعَة وَحْدَهُ وَهُوَ الْمُنَزَّه مَالِه شُفَعَاء
تَعَالي أَيُّهَا الْأَخُ الْحَبِيب لنقرب وَعْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالِاتِّبَاع وَالِاقْتِدَاء وَالتَّمَسُّك بِشَرْع اللَّهُ تَعَالَى الَّذِي جَاءَ بِهِ لِنَتَذَكَّر فِى يَوْم مَوْلِدُه سُنَنِه وَأَقْوَالِه وَتَوْجِيهَاتِه
ثَانِيًا : النَّبِيِّ ﷺ مربياً ومعلماً ( مَوَاقِف تَرْبَوِيَّة )
إطْلَاقِ اسْمِ الْمُعَلِّمُ عَلَى نَبِيِّنَا ﷺ : لَا رَيْبَ أَنَّ مُهِمَّةٌ النَّبِيِّ وَالرَّسُولِ إنَّمَا هِيَ تَعْلِيمٌ أُمَّتِه ودلالتهم عَلَى الْخَيْرِ قَالَ تَعَالَى : هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رسولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا
عَلَيْهِمْ ءاياته وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإن كَانُوا مِنْ قِبَلِ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [الجمعة: 2].
كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولَ مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ [البقرة : 151] .
وَخَرَج يوماً عَلَى أَصْحَابِهِ فَوَجَدَهُمْ يَقْرَؤُون الْقُرْآن وَيَتَعَلَّمُون فَكَانَ مِمَّا قَالَ لَهُمْ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو : ((وإنما بَعَثَت معلما)) وَقَال : ((إن اللَّهَ لَمْ يَبْعَثَنِي معنتاً وَلَا متعنتاً وَلَكِن بَعَثَنِي معلماً وميسراً)) رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ
وَلَقَد عَاش ﷺ مربياً ومعلماً ، كَانَ فِي كُلِّ كَلِمَةٍ يُرَبِّي جيلاً ، وَفِي كُلِّ تَصَرُّفٍ يُحْيِي أُمِّه عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، هَاجَرَ إلَى الْأَنْصَارِ طريداً وحيداً فريداً فنصروه وآووه وحموه وَقَطَعُوا بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَجَزَاهُمْ اللَّهُ عَنْ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ الْجَزَاءِ ، وَلِذَلِكَ صَحَّ عَنْهُ ﷺ أَنَّهُ قَالَ مَنْ حَدِيثِ أَنَسٍ : { آيَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الْأَنْصَارِ ، وَآيَة النِّفَاقِ بُغْضُ الْأَنْصَارِ ، الْأَنْصَارَ لَا يُحِبُّهُمْ إِلا مُؤْمِنٌ ، وَلا يُبْغِضُهُمْ إِلا مُنَافِقٌ } .
فِي الْعَهْدِ الْمَكِّيُّ فِي ثَلَاثَةِ عَشْرَةَ سَنَةً ظِلّ يُدْعَوْا فِيهَا إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، ظِلّ يُرَبِّي الجِيل الْأَوَّلِ الَّذِي سيحمل رِسَالَة الْإِسْلَام وَعَبّأ الدَّعْوَةُ إلَى الْإِسْلَامِ ، يُرَبِّيه فِي تِلْكَ الدَّارِ ، دَارِ الْأَرْقَمِ بْنِ الأَرْقَمِ ، ظِلّ مُحَمَّد (ﷺ) ثَلَاثَة عَشْرَة عاماً فِي مَكَّةَ يَغْرِس الْعَقِيدَة ، يُرَبِّي النَّاسَ عَلَى التَّوْحِيدِ وَالْإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَالْآخِرَة ، عَلَى الْإِيمَانِ بِأُصُول الْفَضَائِل وَالْأَخْلَاق ، عَلَى أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ نَاصِر دَعْوَتِه وَحَام عَبْدِه ، وَمُظْهِرٌ دِينَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ .
قال جل وعلا لنبينا ﷺ: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108].
مَنْهَج النَّبِي ﷺ مَنْهَج اعْتِدَال وتوسط، وعَلى هَذَا ربَّى أَصْحَابه رَضِي الله عَنْهُم فَنعم المربي وَنعم المربين وَنعم الْأُسْتَاذ وَنعم التلاميذ جعلنَا الله مِمَّن يقتفي أَثَرهم ويسير على نهجهم ويهتدي بِهَدي الْمُصْطَفى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.
الموقف الأول: مع الصحابي الذي طلب الإذن في الزنا
صح في الحديث عند احمد في مسنده عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ وَقَالُوا: مَهْ. مَهْ. فَقَالَ: ” ادْنُهْ، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا “. قَالَ: فَجَلَسَ
قَالَ: ” أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟ ” قَالَ: لَا. وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: ” وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ “.
قَالَ: ” أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟ ” قَالَ: لَا. وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ قَالَ: ” وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ “.
قَالَ: ” أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟ ” قَالَ: لَا. وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: ” وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ “.
قَالَ: ” أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟ ” قَالَ: لَا. وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: ” وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ “.
قَالَ: ” أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟ ” قَالَ: لَا. وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: ” وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ “.
قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: ” اللهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ “
قَالَ : فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ. مسند احمد
لَمَّا عَلَّمَهُ النَّبِيُّ أَتَت الرَّجُلِ غَيْرَهُ دِينِيَّة إسْلَامِيَّةٌ ، وَتَذَكَّر مَوَاقِف النّاسِ حِينَ يَزْنِي بقريباتهم ، كموقفه هُوَ يَوْمُ يَغَارُ عَلَى قريباته -فقال : أَتُوبُ إلَى اللَّهِ مِنْ الزِّنَا ، قَالَ ﷺ : اللَّهُمّ حِصْن سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَفَرْجِه } .
مَا أَسْهَل الْكَلَامِ وَمَا أَحْسَنَ الْهَدْي .
الْمَوْقِف الثَّانِي : فِي التَّعَامُلِ مَعَ الضُّعَفَاء برأفة وَتَيْسِير
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، ويسمي أَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِىُّ قَالَ: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي، فَسَمِعْتُ مِنْ خَلْفِي صَوْتًا: «اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ»، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ، فَقَالَ: «أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ»، أَوْ «لَمَسَّتْكَ النَّارُ» رواه مسلم في صحيحه
روى البخاري في صحيحه أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ – ﷺ – إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ . قَالَ « مَا لَكَ » . قَالَ وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا » . قَالَ لاَ . قَالَ « فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ» . قَالَ لاَ . فَقَالَ « فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا » . قَالَ لاَ . قَالَ فَمَكَثَ النَّبِيُّ ﷺ ، فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِىَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ – وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ – قَالَ « أَيْنَ السَّائِلُ» . فَقَالَ أَنَا . قَالَ « خُذْهَا فَتَصَدَّقْ بِهِ » . فَقَالَ الرَّجُلُ أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَ اللَّهِ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا – يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ – أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ ﷺ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ « أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ
الْمَوْقِف الثَّالِث : مَعَ أَصْحَابِهِ مُعَلِّمًا ومربيا
يَقُول مُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَكَمِ : ((ما رَأَيْت معلماً قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تعليماً منه))
وَفْد مُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فَسَأَلَه سؤالاً ، وَعِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّهُ صَلَّى مَعَهُ صَلاةَ -بأبي هُوَ وَأُمِّي ﷺ فَعَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ -في الصَّلَاة ، وَهُوَ لَا يُعْرَفُ الحكم- : يَرْحَمُك اللَّهُ -يتبرع بِالدُّعَاء دَاخِلَ الصَّلَاةِ ، لِشَخْصٍ آخَرَ عَطَس دَاخِلٌ صلاة- قَال : فَضَرَبُوا عَلَى أَفْخَاذِهِمْ ، قُلْت : وَيْلٌ لِأُمِّي مَاذَا فَعَلْت ؟ -زاد الطِّينَ بَلَّةً ، يَعْنِي لَوْ اكْتَفَى بالتشميت لَكَان أَسْهَل وَلَكِنَّه زَاد فتكلم- قَال : فَلَمَّا سَلَّمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ دَعَانِي ، فَمَا نهرني وَلا سَبَّنِي وَلَا شتمني
أولاً : عَذَرَه وَقَال بِصِحَّةِ صَلَاتِهِ ، لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ عَنْ جَهْلٍ فَهُوَ لَا يُعْرَفُ الْحُكْمُ ، وَهَذَا مَكْسَب عَظِيمٌ
الْأَمْر الثاني- عِلْمِهِ فَقَالَ لَهُ : { أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةِ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ ، إنَّمَا هِيَ لِلذَّكَر وَالتَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ }
الْأَمْرُ الثَّالِثُ : بِهَذَا العَمَلِ وَهَذَا الْأَدَبُ عَادَ هَذَا الرَّجُلُ بِهَذَا الْأُسْلُوب دَاعِيَةٌ إلَى قَوْمِهِ بَنِي سُلَيْمٍ ، فَدَخَلُوا فِي دَيْنٍ اللَّهِ أفواجاً .
والحديث عند مسلم عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ ، إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللهُ فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ، مَا شَأْنُكُمْ؟ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ، فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللهِ، مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي، قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ، وَقَدْ جَاءَ اللهُ بِالْإِسْلَامِ، وَإِنَّ مِنَّا رِجَالًا يَأْتُونَ الْكُهَّانَ، قَالَ: «فَلَا تَأْتِهِمْ» قَالَ: وَمِنَّا رِجَالٌ يَتَطَيَّرُونَ، قَالَ: ” ذَاكَ شَيْءٌ يَجِدُونَهُ فِي صُدُورِهِمْ، فَلَا يَصُدَّنَّهُمْ – قَالَ ابْنُ الصَّبَّاحِ: فَلَا يَصُدَّنَّكُمْ – ” قَالَ قُلْتُ: وَمِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ، قَالَ: «كَانَ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ يَخُطُّ، فَمَنْ وَافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ» قَالَ: وَكَانَتْ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِي قِبَلَ أُحُدٍ وَالْجَوَّانِيَّةِ، فَاطَّلَعْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا الذِّيبُ قَدْ ذَهَبَ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا، وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ، آسَفُ كَمَا يَأْسَفُونَ، لَكِنِّي صَكَكْتُهَا صَكَّةً، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ فَعَظَّمَ ذَلِكَ عَلَيَّ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَفَلَا أُعْتِقُهَا؟ قَالَ: «ائْتِنِي بِهَا» فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَالَ لَهَا: «أَيْنَ اللهُ؟» قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ، قَالَ: «مَنْ أَنَا؟» قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللهِ، قَالَ: «أَعْتِقْهَا، فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ»
وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل، فأشْفَقْتُ إنْ أغْتَسِلَت أن أهْلِكَ فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأصْحَابِي الصُّبْحَ فَذَكَروا ذَلِكَ لرسولِ الله ﷺ فقال: يا عمرو صَلَّيْتَ بأصْحَابِكَ وَأنْتَ جُنُبٌ ؟ فأخْبَرْتُهُ بالَّذِي مَنَعَنِي مِنَ الاغْتِسَالِ وَقُلْتُ: إنِّي سَمِعْتُ الله يقولُ: ﴿ وَلاَ تَقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ إنَّ الله كَانَ بِكُمْ رَحِيماً ﴾. فَضَحِكَ رسولُ الله ﷺ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئاً ». رواه أبو داود.
الْمَوْقِف الرَّابِع : فِي تَعَامُلِهِ مَع الْأَعْدَاء
إن الْحَبِيب ﷺ فَضْلًا عَنْ تَعَامُلِه مَعَ الْمُسْلِمِينَ قُدْوَة فَلَمْ يَكُنْ فاحشاً وَلَا بذيئاً بَلْ كَانَ الْقُدْوَةُ الْحَسَنَة لِمَنْ حَوْلَهُ يَعْفُو ويصفح عَمَّن أَسَاءَ إلَيْهِ ، وَلَقَد عَلِم وَرَبَّى الْأُمَّةِ عَلَى تِلْكَ الْفَضَائِلَ وَلَقَدْ كَانَ يَأْتِيهِ الْأَعْرَابِيِّ الْجِلْفِ وَيَشُدّ عُنُقِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَيَقُول : “اعطني مِنْ مَالِ اللَّهِ لَيْسَ مِنْ مَالِ أَبِيك وَلَا مِنْ مَالِ أمك” فَيَتَبَسَّم لَه ﷺ وَيُعْطِيه وَمَا يَعْنفه .
وَكَانَ يَعْلَمُ النَّاسُ فِي الْحُرُوبِ مَعَ الْكُفَّارِ إنْ لَا يؤذوا امْرَأَةً وَلَا شيخاً كبيراً وَلَا صبياً وَلَا متعبداً فِي صَوْمَعَتِهِ ، بَل عِلْمِهِم الرِّفْق بِالْحَيَوَان يَا مَنْ تَدْعُون أَن رفقكم قَد اِهْتَمّ بِالْحَيَوَانَات ! وَالْوَاقِع يكذبكم فِي تعاملكم مَعَ الْإِنْسَانِ ، رُوِيَ مُسْلِم عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ ، قَالَ: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ»
فلم يكن يعلم الناس ما ادعاه هؤلاء المتغطرسين من إراقة الدماء وإرهاب الآمنين، بل كان ﷺ رحيماً حتى بمن ليسوا بمسلمين إذ كان يتمنى إسلامهم لينقذهم بذلك من عذاب الله لأن الله أرسله رحمة لكل الناس ﷺ يقول عنه الله في ذلك: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (107) سورة الأنبياء
روي البزار مسنده المنشور باسم البحر الزخار عَن أبي هُرَيرة؛ أن أعرابيا جَاءَ إِلَى النَّبِيّ ﷺ يستعينه في شيء قال عكرمة أراه قال: في دم فأعطاه رسول الله ﷺ شيئا، ثُمَّ قال: أحسنت إليك؟ قال الأعرابي: لا، ولاَ أجملت فغضب بعض المسلمين وهموا أن يقوموا إليه فأشار النَّبِيّ ﷺ أن كفوا فلما قام النَّبِيّ ﷺ وبلغ إلى منزله دعا الأعرابي إلى البيت فقال له: إنك جئتنا فسألتنا فأعطيناك فقلت ما قلت فزاده رسول الله ﷺ شيئا فقال: أحسنت إليك؟ فقال الأعرابي: نعم فجزاك الله من أهل وعشير خيرا.
وفي رواية عند المَرْوَزِي في كتاب تعظيم قدر الصلاة قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِأَصْحَابِهِ: ” إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ هَذَا وَمَثَلَكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ نَاقَةٌ فَشَرَدَتْ عَلَيْهِ فَأَتْبَعَهَا النَّاسَ فَلَمْ يَزِيدُوهَا إِلَّا نُفُورًا، فَقَالَ صَاحِبُ النَّاقَةِ: خَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ نَاقَتِي فَأَنَا أَعْلَمُ بِهَا وَأَرْفَقُ، فَأَخَذَ مِنْ ثُمَامِ الْأَرْضِ شَيْئًا، ثُمَّ جَاءَهَا مِنْ بَيْنِ يَدَيْهَا فَجَعَلَ يَقُولُ لَهَا: هَوَى هَوَى فَجَاءَتْ فَاسْتَنَاخَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَشَدَّ عَلَيْهَا رَحْلَهَا وَاسْتَوَى عَلَيْهَا، وَإِنِّي لَوْ أَطَعْتُكُمْ حِينَ قَالَ هَذَا مَا قَالَ فَقَتَلْتُهُ دَخَلَ النَّارَ ” وقالﷺ ((« أَلاَ لاَ يُبَلِّغْنِي أَحَدٌ مِنْكُمْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شيءْ فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ »))؛ [رواه البيهقي في السنن الكبرى].
تعالوا بنا الي قصة إسلام الصحابي الجليل ثمامة بن أثال رضي الله عنه
وقصته رواها البخاري (عن هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ خَيْلاً قِبَلَ نَجْدٍ ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِى حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ « مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ » . فَقَالَ عِنْدِي خَيْرٌ يَا مُحَمَّدُ ، إِنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ مِنْهُ مَا شِئْتَ . حَتَّى كَانَ الْغَدُ ثُمَّ قَالَ لَهُ « مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ » . قَالَ مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ . فَتَرَكَهُ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ ، فَقَالَ « مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ » . فَقَالَ عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ . فَقَالَ « أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ » ، فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَىَّ مِنْ وَجْهِكَ ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إِلَىَّ ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَىَّ مِنْ دِينِكَ ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَىَّ ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إِلَىَّ مِنْ بَلَدِكَ ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلاَدِ إِلَىَّ ، وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ ، فَمَاذَا تَرَى فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ )
اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ :
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَكَفَى وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى ، وَبَعْد فَاتَّقُوا اللَّهَ عَبّادَ اللَّهِ حَقَّ التَّقْوَى ، وَتَفَقَّهُوا فِي دِينِكُمْ وَاقْتَدُوا بِالْمَعْلَم الْأَوَّل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَعْوَتِهِ وَتَعْلِيمُه وليُقِمْ كلُ واحدٍ مِنْكُم نفسَهُ معلِّماً لِأَهْلِه وَلِغَيْرِهِم بِقَوْلِه وَفِعْلُه وَلْيَكُن قُدْوَةً فِي أَخْلَاقِهِ وَتَصَرُّفَاتُه فالتعليم ليسَ مقصوراً عَلَى الْمَدْرَسَةِ وَحْدَهَا وَلَا الْمَسْجِدُ وَحْدَهُ بَلْ إنْ الْحَيَاةَ كُلها مدرسةٌ ومجالٌ للتربية وَالتَّعْلِيم ، فالبيتُ مدرسةٌ ، والأمُ مدرسةٌ ، كلُ واحدٍ مِن الناسِ لَه كفلٌ فِي هَذَا الْبَابِ الْعَظِيمُ .
آدَاب الْمُعَلِّم :
أولًا : كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَحْرِص كُلّ الْحِرْصُ عَلَى أَصْحَابِهِ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ وَإِن يُوَجِّهُهُم قَالَ تَعَالَى : ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [التوبة : 128] فَيَنْبَغِي عَلَى الْمُعَلِّمِ أَنْ يَكُونَ حريصًا عَلَى طُلَّابِه . كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حريصًا عَلَى تَعْلِيمِ الْمُؤْمِنِين ، حريصًا عَلَى تَوْجِيهِ أَصْحَابُهُ إلَى مَا يَنْفَعُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ .
ثانيًا : مِنْ أَعْظَمِ صِفَات النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرِّفْقَ وَاللِّينَ مَع الْمُتَعَلِّمِين ، فَهَذَا هُوَ النَّبِيُّ الَّذِي قَالَ اللَّهُ – جَلَّ وَعَلَا – لَه : ﴿ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عِمْرَان : 159] فَانْتَبَه أَخِي الْمُعَلِّم ، انْتَبَه أَخِي الْمُرَبِّي ، أَنْ تَكُونَ رحيمًا بالمتعلمين ، وَاقْصِد بالمتعلمين هُنَا طَلَبَةِ الْعِلْمِ بَيْنَ يَدَيْكَ ، أَنْ تَكُونَ رفيقًا بِهِمْ فَمَا كَانَ الرِّفْقُ فِي شيءٍ إِلا زَانَهُ ، وَمَا نَزَع الرِّفْقُ مِنْ شيءٍ إلَّا شَانَهُ ، وَالْمُعَلِّم الْغَلِيظ يَنْفِر الطُّلاَّب وَلَا يستجيبون لَه ، لِمَاذَا ؟ لِأَنَّ الْحَبَّ هُو أَسَاس التَّعَلُّم . “إن الْمُحِبّ لِمَنْ يُحِبُّ مطيع” .
فَهُنَا يَنْبَغِي عَلَى الْمُعَلِّمِ أَنْ يَغْرِسَ الْحُبُّ فِي قُلُوبِ طُلَّابِه ليستجيبوا لَه وَيَطْلُبُوا الْعِلْم ، وليتعلم النَّاسِ كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَرْفُق بِأَصْحَابِه . الْقِصَّة الْمَشْهُورَة حِينَمَا دَخَلَ أَعْرَابِيٌّ وَبَالٍ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ وَأَرَادُوا أَنْ يَصْنَعُوا بِه صنعًا عظيمًا ، كَيْف يتبول فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ، وَلَكِن نَهَاهُمُ النَّبِيُّ ﷺ وَقَالَ لَهُ كلامًا لطيفًا ، يَدُلُّ عَلَى رُفْقَة ﷺ وَهُوَ يَعْلَمُ النَّاسُ وَقَالَ لَهُ : « هَذِهِ الْمَسَاجِدِ لَا تَصْلُحُ لشيءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْمَالُ » وَأَمَر الصَّحَابَة بِكُلّ رَفَق أَن يسكبوا عَلَى هَذَا الْبَوْلِ سجلًّا مِنْ مَاءٍ . فَبَيَّنَ ذَلِكَ أَيُّهَا الْأَحِبَّة ضَرُورَةَ أَنَّ يَتَمَتَّعَ الْمُعَلِّم بِالرِّفْق بالطلاب وَالْمُتَعَلِّمِين ، ويتأسّىَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي ذَلِكَ .
ضَرَبَه الْأَمْثَال :
وَهُوَ كَثِيرٌ ، مِنْهُ تَشْبِيهُ الْمُؤْمِن بالنخلة وَالْمُجْتَمَع بِالسَّفِينَة وَالصَّاحِب السَّيِّء بِنَافِخ الْكِير
ب- تَحْفِيز الْأَذْهَان بِالسُّؤَال :
وَهُوَ كَثِيرٌ ، مِنْهُ قَوْلُهُ : ((أتدرون مَا الْمُفْلِسُ . . . )) . وَقَوْلُه : ((أتدرون مَا الْغِيبَةُ . . . )) . وَقَوْلُه : ((أتدرون أَيُّ يَوْمٍ هَذَا . . ))
ج- تَحْفِيز الْأَذْهَان بِذِكْر مَعْلُومَةً أَوْ خَبَرٌ لَمْ يَذْكُرْ مُقَدِّمَةً أَوْ أَوَّلَهُ ، وَلَهُ أَمْثِلَةٌ كَثُر ، مِنْهَا
((قال : رَغِمَ أَنْفُ ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ . قِيلَ مِنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَال : مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا ، فَلَمْ يَدْخُلْ الجنة)) .
ومرّ بِجِنَازَة فأُثنى عَلَيْهَا خيراً فَقَالَ النَبِيُّ ﷺ : ((وجبت وَجَبَت ، وَمَرَّ بِجِنَازَةٍ فَأَثْنَى عَلَيْهَا شراً فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ : وَجَبَتْ وَجَبَتْ ، قَالَ عُمَرُ : فدىً لَك أَبِي وَأُمِّي ، مُرَّ بِجِنَازَةٍ . . )) الحديث.
وَذَات مُرَّةَ قَالَ : ((أُحضروا الْمِنْبَر ، فَحَضَرْنَا ، فَلَمَّا ارْتَقَى دَرَجَةً قَالَ : آمِين ، فَلَمَّا ارْتَقَى الدَّرَجَةَ الثَّانِيَةِ قَالَ : آمِين ، فَلَمَّا ارْتَقَى الدَّرَجَةَ الثَّالِثَةِ قَالَ : آمِين . فَلَمّا نَزَلَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ سَمِعْنَا مِنْك الْيَوْمَ شيئاً مَا كُنَّا نَسْمَعُهُ . . )) .
د- قِلَّةُ الْكَلَامِ وَإِعَادَتُه لِيَتَمَكَّنَ فِي قَلْبِ السَّامِع .
تَقُولُ عَائِشَةُ : (إن كَانَ رَسُولُ اللَّهِ لِيُحْدِث الْحَدِيثِ لَوْ شَاءَ الْعَدَّ أَنْ يُحْصِيه أحصاه) .
وَيَقُول أَنَس : (كان إذَا سَلَّمَ سَلِّمْ ثلاثاً ، وَإِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ أَعَادَهَا ثلاثاً) . وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِلْبُخَارِيّ زَاد (حتى تُفْهِم منه)
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى عَبْدِك وَرَسُولُكَ محمَّدٍ ﷺ وَآلِهِ واصحبه وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا
إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُم لَعَلَّكُم تَذْكُرُون [النحل : 90] .
فَاذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمِ الْجَلِيل يَذْكُرْكُم ، واشكروه عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُم ، وَلِذِكْرِ اللَّهِ أَكْبَرُ ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ
جَمْع وَتَرْتِيب – ثَرْوَت سُوَيْف – إمَام وَخَطِيب وَمُدَرِّس بِالْأَوْقَاف الْمِصْرِيَّة