خطبة الجمعة القادمة ” إعلاء قيمة العمل وشرف السعي – ثروت سويف”

خطبة الجمعة القادمة بتاريخ 15 اغسطس 2025م الموافق 21 صفر 1447ه تحت عنوان” إعلاء قيمة العمل وشرف السعي – ثروت سويف”
خطبة الجمعة القادمة word” إعلاء قيمة العمل وشرف السعي – ثروت سويف”
خطبة الجمعة القادمة pdf” إعلاء قيمة العمل وشرف السعي – ثروت سويف”
اقرأ في هذا الموضوع
اولا : شرف العمل وامتهان الحرف
ثانياً: العمل في حياة الانبياء والمرسلين
ثالثاً : الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات فاحذر
الخطبة الاولي
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، الحمد لله الذي خلق الأرض والسموات ، الحمد لله الذي علم العثرات ، فسترها على اهلها وأنزل الرحمات ، ثم غفرها لهم ومحا السيئات ، فله الحمد ملئ خزائن البركات ، وله الحمد ما تتابعت بالقلب النبضات ، وله الحمد ما تعاقبت الخطوات ، وله الحمد عدد حبات الرمال في الفلوات ، وعدد ذرات الهواء في الأرض والسماوات ، وعدد الحركات والسكنات .
واشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا مفرجا للكربات إلا هو ، ولا مقيلا للعثرات إلا هو ، ولا مدبرا للملكوت إلا هو ، ولا واسعا سمعه للأصوات إلا هو ، ما نزل غيث إلا بمداد حكمته ، وما انتصر دين إلا بمداد عزته ، وما اقشعرت القلوب إلا من عظمته ، وما سقط حجر من جبل إلا من خشيته
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه كاشف الظلم ورافع التهم وموضح الطريق للأمم، المخصوص بجوامع الكلم والمبعوث إلى جميع العرب والعجم
صلى علـيه وسلم رب السماوات العلا ما سار سائـر إليه بـنـاقة ونجـيب وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلى يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين
اما بعد
فان الإسلام يحث على العمل والسعي وينهى عن السؤال والبطالة والكسل.
لقد حثنا ديننا الإسلامي على العمل في كثير من آيات القرآن الكريم، وأحاديث سيد الانام صلى الله عليه وسلم “
أولا: شرف العمل
قال تعالي ( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105)التوبة
ان شرف العمل كبير فهو وسيلة لاستدامة النعمة وبقائها ، ووسيلة لإشباع الحاجة ، وعون على الإنفاق في سبيل الله ومادام هذا الهدف فإن الحرف اليدوية لا تقل شأنا عن أي عمل آخر ، ولذلك روي البيهقي والطبراني عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْتَرِفَ»
وكان عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – إذا رأى غلامًا أعجبه سأل: هل له حرفة؟ فإن قيل: لا، سقط من عينه.
وذلك أيها المسلمون هو ما حض عليه نبينا محمد حين رغب أصحابه في أن يحترفوا حرفة تغنيهم عن السؤال
فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : (والذي نفسي بيده، لأن يأخذ أحدكم حبله، فيحتطب على ظهره، فيأتي به فيبيعه، فيأكل منه ويتصدق منه، خير له من أن يأتي رجلاً أعطاه الله من فضله فيسأله، أعطاه أو منعه) متفق عليه وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم)) رواه البخاري ومسلم.
هذا ما أرشدنا إليه الرسول صلى الله عليه وسلم يوم أن جاءه رجل من الأنصار يسأله فقد أخرج أبو داوود وابن ماجة: أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله فقال أما في بيتك شيء قال بلى حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه وقعب نشرب فيه من الماء قال ائتني بهما قال فأتاه بهما فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال من يشتري هذين قال رجل أنا آخذهما بدرهم قال من يزيد على درهم مرتين أو ثلاثا قال رجل أنا آخذهما بدرهمين فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري وقال اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك واشتر بالآخر قدوما فأتني به فأتاه به فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا بيده ثم قال له اذهب فاحتطب وبع ولا أرينك خمسة عشر يوما فذهب الرجل يحتطب ويبيع فجاء وقد أصاب عشرة دراهم فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة لذي فقر مدقع أو لذي غرم مفظع أو لذي دم موجع .
ومع أن الخروج في طلب الرزق وتحصيله مما وجه إليه الشرع ورغَّب فيه وهو واجب علي كل قادر علي الكسب لينفع ويعف نفسه عن السؤال وليعيف بكرامة وشرف فقد من علينا ربنا أيضا بأن جعله سبب لمغفرة الذنوب، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : ((من أمسى كالاً من عمل يده أمسى مغفورًا له)) رواه الطبراني.
بل ان الله يحب من يتقن عمله فَعنْ ام المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلا أَنْ يُتْقِنَهُ» (رواه ابو يعلى والبيهقي في “شعب الإيمان
ثانياً: العمل في حياة الانبياء والمرسلين
وقد كان أنبياء الله يعملون لان العمل شرف , وقد أرشدهم الله إلى الصناعة لعظيم نفعها فهذا نبي الله داود عليه السلام يأمره الله بقوله: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (سبأ الآية (11)) فعلمه ربه صنعة الدروع والان له الحديد
وقد ذكر النبي صلي الله عليه وسلم ذلك فقد روي البخاري عَنِ المِقْدَامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ، خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ» (صحيح البخاري)
وسئل أي الكسب أطيب ؟ قال : ((عمل الرجل بيده ، وكل بيع مبرور )) .
والحديث رواه احمد من حديث رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الْكَسْبِ أَطْيَبُ؟ قَالَ: ” عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ ” وهذا شيخ الانبياء نوح عليه السلام يأمره الله تعالى: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ * وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ} (سورة هود الآيتان (38و37))
وهذا زكريا عليه السلام يخبر عنه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان نجاراً إذا يقول صلى الله عليه وآله وسلم: (كان زكريا نجاراً) (أخرجه ابن ماجه في سننه) , وقد كان ادريس عليه السلام خياطاً وموسى الكليم عليه السلام راعياً وتاجراً, وفي ذلك اعلاء لشأن العمل ودليل على شرف العاملين.
وأخبر سبحانه عن تعليمه وإرشاده لنبي من أنبيائه وهو سيدنا داوود في تصنيع الحديد فقال: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ}
وقد كان حبيبكم النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم سيد البشرية يرعى الغنم لأهل مكة بالقراريط قال سويد: يعني كل شاة بقيراط
روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الغَنَمَ»، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ»
فهؤلاء هم أقطاب النبوة ، ومنهم أولوا العزم من الرسل ، وقد شرفوا باحتراف مهنة يعيشون على كسبها ، ويستغنون بها عن سؤال الناس ، فهذا هو خير الطعام ، ولا ريب أن هؤلاء الرسل لم يتحولوا بهذه المهن إلى أغنياء يجمعون المال ويكنزون الذهب ، وإنما كان ما حصّلوله وسيلة إلى العيش الكريم ، الذي يحفظ الكرامة قبل أن يسد الرمق ، ويصون ماء الوجه قبل أن يصون أنفاس الحياة ، وينفقون منه في وجوه البر والخير ، ويبذلونه تقربا إلى الله واستكثارا من الطاعة ليكونوا قدوة لنا في ذلك .
فلنشكر الله علي قليل العمل وكثيره فبالعمل تبلغ الأمل, وتلبس أبهى الحلل, ونعم الرجل الفاضل العامل
يقول الله تعالى: وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) يس وأخرج مسلم وأحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله عز وجل يقوم القيامة: يا ابن آدم حملتك على الخيل والإبل، وزوجتك النساء وجعلتك ترْبَع وترأس، فأين شكر ذلك؟)).
لقد كان أصحاب رسول الله يتَّجرون وهم فقراء، فيغنيهم الله من فضله، ورأسهم الخليفة الأول أبو بكر الصديق الذي كان يعمل بالتجارة والزراعة
وفي قصةِ عبد الرحمن بن عوف ما يوضح ذلك ويبينه، روى أنس بن مالك قال: قدم عبد الرحمن بن عوف، فآخى النبي بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، وعند الأنصاري امرأتان، فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله، فقال: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلوني على السوق، فأتى السوق، فربح شيئًا من أقط وشيئًا من سمن، فرآه النبي بعد أيام وعليه صفرة، فقال: ((مَهْيَمْ يا عبد الرحمن؟)) فقال: تزوجت أنصارية، فقال: ((فما سقت إليها؟)) قال: وزن نواة من ذهب، قال: ((أولم ولو بشاة)) رواه البخاري.
قال تعالى: ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ [الملك:15].
قال ابن كثير رحمه الله: “أي: سافروا حيث شئتم من أقطارها، وترددوا في أقاليمها وأرجائها في أنواع المكاسب والتجارات، وقد روى عمر بن الخطاب عن رسول الله قال: ((لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا)) رواه أحمد والترمذي، فأثبت لها رواحًا وغدوًا لطلب الرزق مع توكلها على الله عز وجل، وهو المسخر المسير المسبب”.
أيها المسلمون : لقد وعد الله تعالى والعاملين منكم بالجزاء الأوفى في يوم القيامة فقال: ( وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72)الزخرف. والشروط لحصول هذا الأجر هو النية الطيبة الصالحة في العمل وكما أن السعي لكسب العيش وطلب الرزق جهاد في سبيل الله تعالى، فعن كعب بن عجرة قال: مرَّ على النبي رجل فرأى الصحابةُ من قوته ونشاطه، فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله، فقال رسول الله : ((إن كان خرج يسعى على ولده صغارًا فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يُعفها فهو في سبيل الله)) رواه الطبراني.
ذكر صاحب كتاب موسوعة الأخلاق والزهد والرقائق قال ورد أن شقيق البلخي ودع صديقه إبراهيم بن أدهم، لسفره في تجارة، ولم يلبث إلا مدة يسيرة ثم عاد ولقيه إبراهيم، فعجب لسرعة إيابه من رحلته، فسأله: لِمَ رجع؟ فقص عليه قصة شهدها أنه رأى طائرًا أعمى كسيحًا وجاء طائر آخر يحمل إليه الطعام ويمده به، حتى يأكل ويشبع، فقال شقيق: إن الذي رزق هذا الطائر الأعمى الكسيح في هذه الخربة لقادر على أن يرزقني، وقرر العودة، فقال له إبراهيم بن أدهم: سبحان الله يا شقيق! ولماذا رضيت لنفسك أن تكون الطائر الأعمى العاجز الكسيح ، ولا تكون أنت الطائر الذي يسعى ويكدح ويعود بثمره على العُمى من حوله، أما سمعت قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “اليد العليا خير من اليد السفلى” [متفق عليه].
فهذا حث مباشر من الرسول الكريم على العمل مهما كان صعبا، وعلى الابتعاد عن مواطن الذل والسؤال، فالعمل شرف مهما كان متواضعاً . الرزق ليس هو المال فقط، الكثير من الناس ينظرون إلى الرزق نظرة ًضيقة قاصرة فهم يتصورون انه المال فحسب!! كلا قال ابن منظور في لسان العرب الرزق: هو ما تقوم به حياة كل كائن حي مادي كان أو معنوي. فالإيمان رزق وحب النبي رزق وحب الصحابة رزق والعلم رزق والخُلقُ رزق والزوجة الصالحة رزق والحب في الله رزق والمال رزق وما أنت فيه الآن رزق وصيامك للنهار رزق وقيامك الليل رزق إلى غير ذلك، والرّزاق بكل هذه الأرزاق هو الله. قال تعالى : ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6) هود
ولقد أمر الله تعالى المؤمنين بترك البيع والشراء والتجارة ساعة أداء العبادة المفروضةِ عليهم، وذم من يشتغل بالتكسب في ذلك الوقت، وأذن لهم بالانتشار وطلب الرزق بعد أدائها، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [الجمعة:9].
وقال عمر بن الخطاب : (لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول: اللهم ارزقني، وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة، وأن الله تعالى إنما يرزق الناس بعضهم من بعض)، وتلا قول الله تعالى: فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الجمعة:10].
يقول القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: وَذَرُوا الْبَيْعَ: “مَنَعَ اللهُ عز وجل البيع عند صلاة الجمعة، وحَّرمه في وقتها على من كان مخاطبًا بفرضها، والبيع لا يخلو عن شراء، فاكتفى بذكر أحدهما، وخص البيعَ لأنه أكثر ما يشتغل به أصحاب الأسواق”. ثم قال عند قوله تعالى: فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [الجمعة:10]: “هذا أمر إباحة، أي: إذا فرغتم من الصلاة فانتشروا في الأرض للتجارة والتصرف في حوائجكم، وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ أي: من رزقه، ونُقل عن عِراك بن مالك رحمه الله ـ وهو من أعلام التابعين ـ أنه كان إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد فقال: اللهم إني أجبتُ دعوتك، وصليت فريضتك، وانتشرت كما أمرتني، فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين”.
ثالثاً : الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات فاحذر
جاء في الصحيحين وسنن الدارمي عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الحلال بين والحرام بين وبينهما أمورٌ مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملكٍ حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسدُ كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)). سنن الدارمي
أيها الإخوة: إن الحلال بين : مثل أكل الطيبات من الزروع والثمار وبهيمة الأنعام واكتساب المال من البيع والشراء فيما أحله الله أو من الميراث والهبة، وغير ذلك، من الأمور المعلومة بالكتاب والسنة
عن ابي ايوب الانصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( من أكل الحلال أربعين يوما نور الله قلبه وأجرى ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه ) أخرجه أبو نعيم في الحلية فمن أكل الحلال أربعين يوما نور الله قلبه وأجرى ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه .
قال بعضهم : من غض بصره عن المحارم ، وكف نفسه عن الشهوات ، وعمر باطنه بالمراقبة وتعود أكل الحلال لم تخطئ فراسته .
وعن سهل بن عبد الله: من أكل الحلال أربعين صباحا أجيبت دعوته
ومن أكل الحرام حرم لذة الإيمان فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: تُلِيَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} [البقرة: 168] فَقَامَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « يَا سَعْدُ أَطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ الْعَبْدَ لَيَقْذِفُ اللُّقْمَةَ الْحَرَامَ فِي جَوْفِهِ مَا يُتَقَبَّلُ مِنْهُ عَمَلَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَأَيُّمَا عَبْدٍ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنَ السُّحْتِ وَالرِّبَا فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ» رواه الطبراني في معجمه الاوسط
والحرام بين: كأكل الخبيث وشرب الخمر والكذب والسرقة والرشوة، وإيذاء الناس في أنفسهم وأموالهم إلى غير ذلك من الأمور المحرمة المعروفة بالكتاب والسنة.
قال تعالى: ( قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100)المائدة وقال تعالى: ( وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) الأعراف
وكيف يغفر لآكل الحرام او كيف يستجيب الله له وقد روى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51] وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172] ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟
وقيل: من أكل لقمة من حرام قسا قلبه أربعين يوماً، ويقال: أظلم قلبه فكيف نقبل علي الله وقد اكلنا الحرام وكيف نكثر من الصلاة والصيام وترفع اعمالنا وقد اكلنا الحرام
اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيرا طيبا مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له سبحانه وتعالي الطير سبحه والوحش مجده والموج كبره والحوت ناجاه والنمل تحت الصخور الصم قدسه والنحل يهتف حمدا في خلاياه لناس يعصونه جهرا فيسترهم والعبد ينسى وربي ليس ينساه
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اما بعد
عباد الله ماذا يبقى للعبد إذا انقطعت صلته بربه، وحُجب دعاؤه، وحيل بينه وبين رحمة الله؟! ولذا كان السلف الصالح في غاية الخوف من أكل الحرام والمبالغة في التحذير منه، حتى قال بعضهم: لو قُمتَ في العبادة قيام السارية ما نفعك ذلك حتى تنظر فيما يدخل بطنك.
وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان لأبي بكر الصديق رضي الله عنه غلام فجاء له يومًا بشيء فأكل منه، فقال له الغلام: أتدري ما هذا؟! فقال أبو بكر: وما هو؟ فقال: تكهَّنتُ لإنسان في الجاهلية وما أُحسنُ الكِهانة إلا أني خدعته، فَلقينِي فأعطاني بذلك هذا الذي أكلتَ منه، فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه ، وفي رواية ابي نعيم أنه قال: لو لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها، اللهم إني أبرأ إليك مما حملت العروق وخالط الأمعاء.
ورُوي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه شرب لبنًا فأعجبه، فقال للذي سقاه: من أين لك هذا؟ فقال: مررت بإبل الصدقة وهم على ماء فأخذت من ألبانها، فأدخل عمر يده فاستقاء ( أخرجه البيهقي في الشعب )
وأوصت إحدى الصالحات زوجها وقالت له: يا هذا، اتق الله في رزقنا، فإنا نصبر على الجوع ولا نصبر على النار.
وإن من العجب أن يحتمي بعض الناس من الحلال مخافة المرض ولا يحتمون من الحرام مخافة النار، وما ذاك إلا لقسوة القلوب واستيلاء الغفلة على النفوس وضعف الإيمان وقلة البصيرة في الدين .
ألا وصلوا ـ عباد الله ـ على نبي الرحمة والهدى، كما أمركم بذلك المولى جل وعلا بقوله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد إمام المتقين وسيد الأولين والآخرين، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين الأئمة المهديين..
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار اللهم بارك لنا في شعبان وبلغنا رمضان
عباد الله! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون [سورة النحل:90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
جمع وترتيب …. ثروت سويف – امام وخطيب ومدرس بالأوقاف المصرية