خطبة الجمعة ، مولد الهادي البشير ﷺ للدكتور محمد داود

خطبة الجمعة القادمة ، مولد الهادي البشير صلي الله عليه وسلم للدكتور محمد داود، 13 من ربيع الأول 1447هـ الموافق 5 من سبتمبر 2025م
خطبة بعنـــــــــوان :
مولد الهادي البشير صَلى الله عليه وسلم
للدكتـــــور/ محمد حســــن داود
(13 ربيع الأول 1447هـ – 5 سبتمبر2025)
خطبة الجمعة word ، مولد الهادي البشير ﷺ للدكتور محمد داود
خطبة الجمعة pdf ، مولد الهادي البشير ﷺ للدكتور محمد داود
العناصـــــر :
– سطور في مكانة سيدنا الحبيب النبي (صَلى الله عليه وسلم).
– ميلاده صلى الله عليه وسلمَ ميلاد خير للبشرية كلها.
– نماذج من فضله صلى الله عليه وسلَم على أمته.
– في الاحتفال بالمولد النبوي الشريف.
الموضــــــوع: الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي أكرم هذه الأمة بخاتم الأنبياء، وجعل ميلاده ميلاد خير للعالمين، ورحمة للخلق أجمعين، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (الأنبياء: 107)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، إمام المتقين، وسيد المرسلين، وخاتم النبيين، شمس الهدى التي أضاءت للبشرية طريقها، وقمر الدجى الذي أشرق نوره في قلوب المؤمنين، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
ففي مثل هذا الشهر – شهر ربيع الأنوار-، أشرق النور وبزغ الفجر، وولد خير البشر، وسيد الخلق (صلى الله عليه وسلمَ)، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، يقول الله جل في علاه: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) (التوبة: 128).
وُلِدَ الهُدى فَـالكائِناتُ ضِيـــــــــاءُ *** وَفَـمُ الـزَمـانِ تَـبَـسُّـمٌ وَثَنـــــاءُ
الـــــــروحُ وَالـمَـلَأُ الـمَلائِكُ حَولَهُ *** لِـلـديـنِ وَالـدُنـيـا بِهِ بُشَــــــراءُ
وَالـعَـرشُ يَزهو وَالحَظيرَةُ تَزدَهي *** وَالـمُـنـتَـهى وَالسِدرَةُ العَصماءُ
بِـكَ بَـشَّـــــــرَ الـلَهُ السَماءَ فَزُيِّنَت *** وَتَـضَـوَّعَـت مِـسكاً بِكَ الغَبـراءُ
أقسم الله (عز وجل) بالضحى والليل ما قلاه، بل اجتباه وإليه هداه، وجده يتيما فآواه، ووجده عائلا فأغناه، قال جل في علاه: (وَالضُّحَى* وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى* مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى* وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى* وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى* أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى* وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى* وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى)(الضحى:1- 8).
زكاه في عقله فقال: (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى) (النجم: 2)، وزكاه في بصره فقال: (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى) (النجم: 17)، وزكاه في فؤاده فقال: (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى) (النجم: 11)، وزكاه في صدره فقال: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) (الشرح: 1)، وزكاه في ذكره فقال: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) (الشرح:4)، وزكاه في طهره فقال: (وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ) (الشرح:2) وزكاه في علمه فقال: (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) (النجم:5) وزكاه في صِدقه فقال: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى) (النجم:3)، وزكاه في حلمه فقال: (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (التوبة: 128)، وزكاه في خلقه فقال: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (القلم:4).
صانه المولى (جل وعلا) من سفاح الجاهلية ونقله من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الطاهرة جيلا بعد جيل، لم يصبه من سفاح الجاهلية شيء؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: “خَرَجْتُ مِنْ نِكَاحٍ، وَلَمْ أَخْرُجْ مِنْ سِفَاحٍ، مِنْ لَدُنْ آدَمَ إِلَى أَنْ وَلَدَنِي أَبِي وَأُمِّي، لم يصبْني من سفاحِ الجاهليةِ شيءٌ” (الطبراني في الأوسط).
من عهد آدم لم يزل تحمي له *** في نسلها الأصلاب والأرحام
حتى تنقل في نكاح طــــــــاهر*** ما ضم مجتمعين فيه حـــرام
فبدا كبدر التّمّ ليلة وضعـــــه *** ما شان مطلعه المنير قتـــــام
فانجابت الظّلماء من أنــواره *** والنّور لا يبقى عليه ظـــــلام
ولما سُئِل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متى كنتَ نبيا، قال: “إِنِّي عِنْدَ اللَّهِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ لَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ، وَسَأُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ: دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ وَبِشَارَةُ عِيسَى قَوْمَهُ، وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ ” (رواه الحاكم).
أمر الله بطاعته ومحبته، وحذر من مخالفته، فلا تتحقق طاعة عبد لله إلا بطاعته، قال تعالى: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) (النساء: 80)، وقال سبحانه: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (النور:63)، ولا يتحقق إيمان عبد بالله إلا بمحبته؛ كما قال النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): “لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِن والِدِهِ ووَلَدِهِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ” (البخاري ومسلم).
يا مُصْطَفَى منْ قبْلِ نشْأةِ آدَمٍ *** والكوْنُ لمْ تُفْتَحْ لهُ أغْلاقُ
أيَرومُ مخْلوقٌ ثَناءَكَ بعْدَمــا *** أثْنَى علَى أخْلاقِكَ الخـلاّقُ
أخذ الله العهد والميثاق على الأنبياء والمرسلين لئن أدرك أحدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليؤمنن به ولينصرنه، قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ ) (آل عمران:81).
أقسم بحياته، قال تعالى: (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) (الحجر:72)، وصلى عليه والملائكة الكرام، وأمرنا بالصلاة عليه ورتب على ذلك الأجر الكبير، قال تعالى: (إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا) (الأحزاب: 56).
هو سَيِّدُ ولد آدم، فقد قال صلى الله عليه وَسلم: “أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الْـحَمْدِ وَلَا فَخْرَ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ يَوْمَئِذٍ آدَمَ فَمَنْ سِوَاهُ إِلَّا تَحْتَ لِوَائِي، وَأَنَا أَوَّلُ شافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ وَلَا فَخْرَ”.
وصاحب الشفاعة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ؛ وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا”( البخاري).
إنه رسول الله (صَلى الله عليه وسلم) الذي زكى الله به نفوس المؤمنين، وطهر به قلوب المسلمين، وجعله رحمة للعالمين، قال تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) (آل عمران: 164) فقد كان ميلاده فتحا، وبعثته فجرا، هدى الله به من الضلالة، وعلم به من الجهالة، وفتح به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا؛ فكان ميلاده ميلاد نور ورحمة، ميلاد هداية، ميلاد فجر الخير للإنسانية كلها، إذ يصور لنا سيدنا جعفر بن أبي طالب (رضي الله عنه) حال البشرية قبل بعثته، وكيف صارت بعد دعوته، وهو يقف أمام النجاشي (ملك الحبشة) قائلاً: “أَيُّهَا الْمَلِكُ كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ؛ نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ؛ فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ؛ فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ؛ وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَحُسْنِ الْجِوَارِ وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ؛ وَنَهَانَا عَنْ الْفَوَاحِشِ وَقَوْلِ الزُّورِ وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ؛ وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وعَدَّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الْإِسْلَامِ…”.
إن البريـــة يوم مبـعث أحمـــــد *** نظر الإله لـــها فبدل حـالها
قد كرم الإنسان حين اختار من *** خـــير البرية بدرهــا وهلالها
طهر الله به الأخلاق من الرذائل، وزينها بالمكارم والفضائل، فكان نورا فاض على العالم برسالته، استنارت منه المشارق والمغارب، فملأ الله به القلوب إيماناً، وشمل البسيطة رحمة وخيراً وسلاما، فكان ميلاده ميلاد خير ورحمة للإنسانية كلها ومبعثة حياة للبشرية جميعها، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (الأنبياء: 107).
نورً من الرحمـن أرسله هُدى *** للناس فأزدهر الزمان وأينعا
دع عنك إيواناً لكسرى عندما *** هتفوا بمولده هوى وتصدعا
واذكره كيف أتى شعوباً فُرقت *** أهواؤها كلً يصحح ما أدَّعا
فهداهــــم للحق حتى أصبحوا *** في الله أخوانـاً تراهــم ركعا
إنه الحبيب النبي (صَلى الله عليه وسلم) كم أحب أمته حتى بكى خوفا عليها، كم أحب أمته حتى اشتاق لرؤية من بعده منها، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ (رضيَ الله عنهما) أَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): تَلَا قَوْلَ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) فِي إِبْرَاهِيمَ: (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) (سورة إبراهيم آية 36 الآيَةَ)، وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ سورة المائدة آية 118)، فَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ، أُمَّتِي، أُمَّتِي، وَبَكَى، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ ؟ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَسَأَلَهُ، فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ، وَهُوَ أَعْلَمُ ، فَقَالَ اللَّهُ: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوؤُكَ ” (رواه مسلم) ولما قال صَلى الله عليه وسلم لأصحابه: لودِدنا أنَّا قد رأَينا إخوانَنا، قالوا: يا رسولَ اللَّهِ أولَسنا إخوانَكَ ؟ قالَ : أنتُمْ أصحابي، وإخواني الَّذينَ يأتونَ من بَعدي، وأَنا فرطُكُم على الحوضِ”.
لقد جعل الله (عز وجل) لهذه الأمة درجة وفضل ومكانة مستمدة من مكانته صلى الله عليه وسلمَ؛ فأمة الحبيب النبي (صلى الله عليه وسلمَ) أقل الأمم عملا وأكثرهم أجرا وثوابا، أمة لا تجتمع على ضلالة، أمة مصونة مرحومة، فلا تهلك بقحط أو جوع، تجاوز الله لها عن الخطأ والنسيان، أول من تجتاز الصراط من الأمم يوم القيامة، يَأْتُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ غُرّاً مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الوُضُوءِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ (صَلى الله عليه وسلم): “إِنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ”(رَوَاهُ البُخَارِيُّ).
هم شهداء الله في الأرض وشهداء على الأمم يوم القيامة، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): “يَجِيءُ النَّبِيُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَعَهُ الرجل، يَجِيءُ النَّبِيُّ وَمَعَهُ الرَّجُلَانِ، وَيَجِيءُ النَّبِيُّ وَمَعَهُ الثَّلَاثَةُ، وَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَأَقَلُّ، فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغْتَ قَوْمَكَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ فَيُدْعَى قَوْمُهُ، فَيُقَالُ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: لَا، فَيُقَالُ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ، فَتُدْعَى أُمَّةُ مُحَمَّدٍ، فَيُقَالُ: هَلْ بَلَّغَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: وَمَا عِلْمُكُمْ بِذَلِكَ؟ فَيَقُولُونَ: أَخْبَرَنَا نَبِيُّنَا بِذَلِكَ، أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ بَلَّغُوا فَصَدَّقْنَاهُ، قَالَ: فَذَلِكُمْ قَوْلُهُ تَعَالَى:(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)(البقرة: 143)( ماجه)
وكفى في مكانتها أنها أكثر أهل الجنة، وأول من يدخل الجنة من الأمم؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود، قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): “إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ” (رواه مسلم)، وعَنْ بُرَيْدَةَ بن الحصيب، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) “أَهْلُ الْجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ، ثَمَانُونَ مِنْهَا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأَرْبَعُونَ مِنْ سَائِرِ الْأُمَمِ” (رواه الترمذي) وقال صَلى الله عليه وسلم: “نَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ ” (رواه مسلم) .
ولم لا؟ وهى خير أمة أخرجت للناس، قال تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ) (آل عمران: 110) وعَنْ معاوية بن حيدة القشيري، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، يَقُولُ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)( آل عمران:110) قَالَ: “إِنَّكُمْ تَتِمُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ” (رواه الترمذي) ولا شك أن هذا التشريف، والتكريم، والتفضيل، والخيرية من خيرية وفضل رسولها، خاتم الأنبياء والمرسلين صَلى الله عليه وسلم.
آياتُ أحمـدَ لا تحدُّ لواصف *** ولوَ انَّه أُمليْ وعاش دهورَا
بشراكمُ يا أمة المختار في *** يـــــوم القيامة جنة وحريرَا
فُضِّلتمُ حقًّا بأشرف مرسَل *** خيــر البرية باديًا وحضورَا
صلـى عليه الله ربي دائمًا *** ما دامــت الدنيا وزاد كثيرَا
إن من أعظم حقوق النبي (صلى الله عليه وسلمَ) محبته ومعرفة قدره، فكيف لا نحب النبي (صلى الله عليه وسلمَ) ونحتفل بمولده وقد هدانا الله به إلى الإسلام؟، كيف، وهو من بكى خوفا علينا؟ كيف، وهو من تمنى رويتنا؟، وهو شفيعنا يوم القيامة؟، وما أعظمها من منة ونعمة وفضل.
إن احتفالنا بمولد حبيبنا صلى الله عليه وسلمَ يجب أن يترجم إلى واقع عملي، يشمل الاقتداء بهديه والسير على نهجه، وتحقيق طاعته، قال تعالى: ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (آل عمران31)
يشمل مدارسة سيرته وتعليمها للأبناء حتى يكون لهم القدوة في جوانب حياتهم.
يشمل التخلّق بأخلاقه والتأسي به في القول والعمل وفي كل حال؛ قال تعالى: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب:21).
يشمل: توقيره صَلى الله عليه وسلم فقد قال الله (جل وعلا): (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِّتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ) (الفتح: 8-9) عن ابن عباس: (وَتُعَزِّرُوهُ) يعني:” الإجلال” ( وَتُوَقِّرُوهُ): يعني:” التعظيم”. ولاشك أن من ذلك: التأدب معه حال ذكره أو التحدث عنه.
ومنها الصلاة عليه، فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، وَحَطَّ عَنْهُ عَشْرَ خَطِيئَاتٍ” (ابن حبان).
كذلك: حب آل بيته ومعرفة قدرهم وإنزالهم منزلتهم فقد قال صلى الله عليه وسلمَ: “أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللهِ، وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ ” فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللهِ وَرَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: “وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي”(رواه مسلم).
كما يشمل تحقيق معاني محبته؛ فعن أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها): “جاء رجلٌ إلى النبيِّ (صلى الله عليه وسلمَ)، فقال: يا رسول الله، إنك لأحبُّ إليَّ من نفسي، وإنك لأحبُّ إليَّ من أهلي ومالي، وأحبُّ إليَّ من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكركَ، فما أصبر حتى آتيكَ فأنظر إليكَ، وإذا ذكرتُ موتي وموتكَ عرفتُ أنَّكَ إذا دخلتَ الجنَّة رُفِعْتَ مع النبيِّين، وأنِّي إذا دخلتُ الجنَّة خشيتُ ألاَّ أراكَ، فلم يرُدَّ عليه النبيُّ، (صَلى الله عليه وسلم)، شيئًا؛ حتى نزل جبريل (عليه السلام) ، بهذه الآية: ( وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ) (النساء: 69)
وما أعظم هذه الجائزة العظيمة والمكانة الرفيعة والدرجة العالية، لمن حقق حب المصطفي (صلى الله عليه وسلمَ)؛ فعَنْ أَنَسٍ، (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، عَنْ السَّاعَةِ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: “وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَها ” قَالَ لَا شَيْءَ إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَقَالَ” أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ “قَالَ أَنَسٌ فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ قَالَ أَنَسٌ فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ (البخاري).
اللهم أرزقنا شفاعة الحبيب النبي (صلى الله عليه وسلمَ)، ومرافقته في الجنة، واحفظ اللهم مصر من كل مكروه وسوء.
=== كتبه ===
محـمد حســــن داود
إمام وخطيب ومـــدرس
دكتوراة في الفقه المقارن