خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل

حصريا خطبة الجمعة : أيامُ الرحمةِ والمغفرةِ د. محمد حرز

خطبة الجمعة القادمةِ: أيامُ الرحمةِ والمغفرةِ د. محمد حرز بتاريخ: 10 من ذي الحجة 1446هــ – 6 يونيو 2025م

خطبةُ الجمعةِ القادمةِ word : أيامُ الرحمةِ والمغفرةِ د. محمد حرز 

خطبةُ الجمعةِ القادمةِ pdf : أيامُ الرحمةِ والمغفرةِ د. محمد حرز

الحمدُ للهِ الذي خلقَ الشهورَ والأعوامَ ..والساعاتِ والأيامَ .. و فاوتَ بينهَا في الفضلِ والإكرامِ وربُّكَ يخلقُ ما يشاءُ ويختارُ ،الحمدُ للهِ الذي فضَّلَ عشرَ ذي الحِجَّةِ على سائرِ الأيامِ، وجَعَلَهَا موسمًا لعِتقِ الرِّقابِ ومغفرةِ الذنوبِ والآثامِ وخصَّهَا دونَ غيرِهَا بالحجِّ والطاعاتِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه، أولٌ بلا ابتداء، وآخرٌ بلا انتهاء، الوترُ الصَّمَدُ الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، وَأشهد أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، فاللهمَّ صلِّ وسلم وزدْ وباركْ على النبيِّ المختارِ خير مَن صلَّى وصامَ وتابَ وأنابَ ووقفَ بالمشعرِ وطافَ بالبيتِ الحرامِ وعلى آلهِ وصحبهِ الأطهارِ وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.

أمَّا بعدُ …..فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (أل عمران :102(

عبادَ اللهِ : ((أيامُ الرحمةِ والمغفرةِ ))، عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا.

أولًا: اللهَ اللهَ في يومِ العيدِ وأيامِ التشريقِ .

ثانيــًــا : الرحمةَ الرحمةَ المغفرةَ المعفرةَ في يومَ العيدِ عبادَ اللهِ.

ثالثًا : الرفقَ الرفقَ التسامحَ التسامحَ عبادَ اللهِ.

أيُّها السادةُ : بدايةً ما أحوجَنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلى أنْ يكونَ حديثُنَا عن أيامِ الرحمة والمغفرةِ وعن الرفقِ والتسامحَ وخاصةَ في يوم العيدِ يومٌ الرحمةِ والمعفرةِ يومُ الرفقِ والتسامحِ يومُ البرِ والإحسانِ يومُ صلة الأرحامِ والعطف على اليتامى والمساكينِ ، وخاصةً وإِنَّ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى بِعِبَادِهِ أَنْ يَسَّرَ لَهُمْ مَوَاسِمَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَاتِ، وَبَلَّغَهُمْ إِيَّاهَا لِتُضَاعَفَ الْحَسَنَاتُ وَتُكَفَّرَ السَّيِّئَاتُ وتُقالَ العَثَراتُ، وتُستَجابَ فيها الدَّعَواتُ، فَالسَّعِيدُ مَنِ اغْتَنَمَهَا وَحَرَصَ عَلَيْهَا، وَالْخَاسِرُ الْمَغْبُونُ مَنْ فَرَّطَ فِيهَا وَتَكَاسَلَ عَنْهَا، أَيَّامٌ يَتَسَابَقُ فِيهَا الْمُتَسَابِقُونَ، وَيَتَنَافَسُ فِيهَا الْمُتَنَافِسُونَ، ويستكثرونَ فيها مِن الخيراتِ، ويتداركونَ فيها ما فاتَ نفحةُ مِن نفحاتِ الرحمنِ، يستغفرُ فيها المذنبونَ ويندمُ فيها المفرطونَ ويتوبُ اللهُ جلَّ وعلا على مَن تابَ، وخاصة فِي زَمَنٍ تَعَطَّشَتِ الأَفئِدَةُ فِيهِ إلى مَا يُلَيِّنُهَا، وَيُضِيءُ جَوَانِبَهَا، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ بِطَلَبِ رَحْمَةِ اللهِ وَاستِغفَارِهِ، وَصِدقِ اللُّجُوءِ إِلَيهِ، وخاصة وذنوبُنَا كثيرةٌ تحتاجُ إلى غسلٍ ومحوٍ وجاءتْ أيامُ غسلِ الذنوبِ ومحوِ السيئاتِ، وخاصةً وعشرُ ذي الحجةِ نفحةٌ، ويومُ عرفةَ نفحةٌ، ويومُ الجمعةِ نفحةٌ، وثلثُ الليلِ الأخيرِ نفحةٌ، وبينَ الأذانِ والإقامةِ نفحةٌ، ولحظةُ سجودِكَ بينَ يدي ربِّكَ نفحةٌ، ألَا تعرضُوا لها، فقالَ ﷺ: إِنَّ لِرَبِّكُمْ عزَّ وجلَّ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ، فَتَعَرَّضُوا لَهَا، لَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ تُصِيبَهُ مِنْهَا نَفْحَةٌ لا يَشْقَى بَعْدَهَا أبدًا))

يا زائرا قبرَ الحبيبِ الهاديِ*****بلغْ رسولَ اللهِ شوقَ فؤادِي

إني بحبك يارسولَ الله ِمتيم*****وزيارتي إليك كل مرادي

أولًا: اللهَ اللهَ في يومِ العيدِ وأيامِ التشريقِ .

أيُّها السادةُ : عيدُكُمْ مُبَارَكٌ وَتَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ صَالِحَ الأَعْمَالِ، وَأَبْشِرُوا بِالثَّوَابِ الْجَزِيلِ مِنَ الرَّبِ الْكَرِيمِ، وَأَمِّلُوا بِالْعَطَاءِ الْوَفِيرِ مِنْهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عِنْدَ لِقَائِهِ.

هَا قَدْ مَنَّ اللهُ تَعَالَى عَلَيْنَا بِبُلُوغِ الْعَشْرِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ خَيْرِ أَيَّامِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، ومَرَّتْ بِنَا عَشْرٌ مُبَارَكَاتٌ هِيَ خَيْرُ أَيَّامِ السَّنَة، فَمَنِ اجْتَهَدَ فِيهَا فَلْيَحْمَدِ اللهَ وَلْيَسْأَلْهُ الْقَبُولَ، وَمَنْ فَرَّطَ فِيهَا فَلْيَتَدَارَكَ نَفْسَهُ وَلْيَعْلَمْ أَنَّ الأَيَّامَ وَاللَّيَالِيَ ظُرُوفٌ سَوْفَ يَجِدُ مَا أَوْدَعَ فِيْهَا مَحْفُوظَاً لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ! قَالَ اللهُ جل وعلا))يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) [آل عمران: 30(( وَهَا نَحْنُ فِي يَوْمٍ عَظِيمٍ مِنْ أَيَّامِ اللهِ، يَوْمُ النَّحْرِ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، أَفْضَلُ أَيَّامِ السَّنَةِ، وَيَتْلُوهُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَكُلُّهَا عِيدُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ؛ فَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَيَوْمَ النَّحْرِ، وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ؛ عِيدُنَا -أَهْلَ الْإِسْلَامِ-، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ]. يومُنا هذا يَوْمُ النَّحْرِ ، سُمِّيَ بِذلكَ : لِكَثْرَةِ مَا يُراقُ فِيهِ مِن دَمِ الهَدْيِ والأضاحِي تَقَرُّبًا إلى اللهِ وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه ويومُ النحر ِهو أفضلُ الأيام ِعند الله جلّ وعلا ، قال ﷺ : ” أفضلُ الأيّامِ عندَ اللهِ يومُ النَّحرِ ويومُ القَرِّ ” رواه ابن حبان في صحيحه .. وَهُوَ يَوْمُ الحَجِّ الأَكْبَرِ لِأَنَّ الحُجَّاجَ يَقُومُونَ بِمُعْظَمِ أَعْمالِ الحَجِّ : ” رَمْيِ جَمَرَة العقبة ، وَذَبْحِ الهَدْيِ ، والحَلْقِ أَو التَّقْصِيرِ وَطَوافِ الإِفاضَةِ “. ففي صحيحِ البخاري عن ابنِ عمرَ رضي اللهُ عنهما قال: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقف يومَ النَّحرِ بين الجمَراتِ في الحجَّةِ الَّتي حجَّ فيها . فقال : أيُّ يومٍ هذا ؟ فقالوا : هذا يومُ النَّحرِ ، فقال : هذا يومُ الحجِّ الأكبرِ)) يومُنا هذا هُوَ آخِرُ الأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ وَأَوَّلُ الأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ، قَالَ اللهُ جلّ وعلا: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِير) [الحج: 28]، وَقَالَ فِي شَأْنِ الْحَجِيجِ: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [البقرة: 203].يومُنا هذا يومُ عيدٍ ، والعيدُ من أعظم ِالمننِ التي امتنَّ اللهُ بها على عبادِه ، لإظهارِ الفرحِ والسرورِ . ولكنّ هذا السرورَ يجبُ أن يكونَ في حدودِ ما أباحَ اللهُ ، فلا يخرجُ إلى معصيةِ اللهِ ، والاعتداءِ على حقوق الآخرين وإيذائِهم ، ففي أعيادِنا لا إسرافَ ولا غرور ، ولا اعتداءَ ، ولا تعري ،ولا سفورَ ولا إزعاج . يفرحُ فيه المؤمنون بفضلِ اللهِ ، قال جل وعلا( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) ، فكونوا بهذا اليومِ فرحينَ ، متجملينَ مكبرينَ ومهللين ، ولبعضِكم البعض مهنئين ، وعلى الألفةِ مجتمعين ، ولقضاءِ حوائجِ إخوانِكم حريصين ، وإلى نداءِ ربِّكم عز وجل مستجيبين، حين ناداكم ربُّكم بقوله : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) ، ونداكم نبيُّكم ﷺ بقوله : ( وكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا) . يومُنا ها مَا أَعْظَمَهُ مِنْ يومٍ تَتَأَلَّقُ فِيهِ ءايَاتُ المَوَدَّةِ وَالْمَحَبَّةِ بَيْنَ المسلِمينَ، وها هِيَ مَظَاهِرُ العِيدِ مِنْ فُرَصِ التَّزَاوُرِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ تَغْمُرُ قُلوبَ المؤمِنِينَ أُنْسًا وَمَحَبَّةً وَمَوَدَّةً، وَهَا هُم أخوتُنا عِنْدَ الحبِيبِ مُحمَّدٍ وَحَوْلَ الكَعْبَةِ يُؤَدُّونَ الشَّعَائِرَ وَالْمَنَاسِكَ وُيُرَدِّدُونَ كَلِمَاتِ التَّعظِيمِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكبِيرِ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ، لَبَّيْكَ اللهُمَّ لبَّيْك، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لكَ لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالملكَ لا شَرِيكَ لَك. وفي هذا اليوم العظيم ودَّع النبيُّ – ﷺ – أمَّتَه، فعلِم بعضُ الصحابة بقرْب أجَلِه – ﷺ وقف نبيُّنا محمدٌ – صلى الله عليه وسلم – في منًى خطيبًا في الحجَّاج، فذَكَر تعظيم مكان الحج، وتعظيم زمانه، وتعظيم يومه الأكبر الذي هو يوم النحر، وتعظيم أمر الدماء والأعراض والأموال؛ كما روى جَابِرٌ – رضي الله عنه – قال: خَطَبَنَا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يوم النَّحْرِ، فقال: ((أيُّ يَوْمٍ أَعْظَمُ حُرْمَةً؟))، فَقَالُوا: يَوْمُنَا هذا، قال: ((فأي شَهْرٍ أَعْظَمُ حُرْمَةً؟))، قالوا: شَهْرُنَا هذا، قال: ((أي بَلَدٍ أَعْظَمُ حُرْمَةً؟))، قالوا: بَلَدُنَا هذا، قال: ((فإن دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هذا، في بَلَدِكُمْ هذا، في شَهْرِكُمْ هذا، هل بَلَّغْتُ؟))، قالوا: نعم، قال: ((اللهم اشهد))؛ رواه أحمد.

عبادَ اللهِ : إنكم تستقبلون غداً أيامَ التشريق الثلاثة التي تبدأُ بخيرها وأعظمها ، وهو يوم القَرّ ، وفي أيام التشريق يقول تعالى : ( وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ )، إِنَّ يَوْمَكُمْ هَذَا هُوَ آخِرُ الأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ وَأَوَّلُ الأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِير) [الحج: 28]، وَقَالَ فِي شَأْنِ الْحَجِيجِ: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [البقرة: 203((ومن فضلِها أن اللهَ جل وعلا يزيدُ عبادَه في إجابةِ دعواتِهم ، وقبولِ أعمالِهم ، ومضاعفةِ أجورِهم ، ومغفرةِ ذنوبِهم ، وعتقِهم من النارِ ، فعظّموا هذه الأيامَ المباركةَ الجليلةَ بفعل ما شرّع الله تعالى فيها من التكبيرِ والتهليلِ والتحميدِ والذكرِ ، ولا سيما في أدبارِ الصلواتِ المفروضةِ إلى صلاةِ العصرِ آخر أَيَّامِ التَّشْرِيقِ،، وبما شَرَعَه فيها من ذبحِ الأضاحي ، مع الأكلِ والإهداءِ والصدقةِ منها فَقَالَ ﷺ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ في يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِـعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]. فَاشْكُرُوا اللهَ وَاحْمَدُوهُ عَلَى نِعَمِهِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، وَاجْعَلُوا عِيدَكُمْ، عِيدَ طَاعَةٍ وَشُكْرَانٍ، وَلَا تُكَدِّرُوهُ بِالذُّنُوبِ وَالْعِصْيَانِ.

لبَّيكَ ربِّي وإنْ لم أكنْ بينَ الزحَامِ مُلبيًّا ** لبَّيكَ ربِّي وإنْ لم أكنْ بينَ الحجيجِ ساعيًا

لبَّيكَ ربِّي وإنْ لم أكنْ بينَ عبادِكَ داعيًا ** لبيك ربي وإن لم أكنْ بينَ الصفوف مصليا

لبَّيكَ ربِّي وإنْ لم اكنْ بينَ الجموعِ لعفوِكَ طالبًا*** لبَّيكَ ربِّي فاغفرْ جميعَ ذنوبِي أدقهَا وأجلهَا

خطبة الجمعة القادمة محمد حرز pdf
خطبة الجمعة القادمة محمد حرز pdf

ثانيــًــا : الرحمةَ الرحمةَ المغفرةَ المعفرةَ في يومَ العيدِ عبادَ اللهِ.

أيُّها السادةُ: الرحمنُ والرحيمُ اسمان من أسماء الله جل وعلا، والرأفة والرحمة من نعوت جماله، تتنزل بها النفحات الربانية، والرحمات الإلهية، فتجدُ في كلِّ تقديرٍ تيسيرًا، ومع كلِّ قضاءٍ رحمةً، ومع كلِّ بلاءٍ حكمةً، فإنْ كان اللهُ قد أخذَ منك فقد أبقى، وإنْ منعَ فلطالمَا أعطَى، وإنْ ابتلاكَ فكثيرًا ما عافاك، إنْ أحزنَكَ يومًا فقد أفرحَكَ أيامًا وأعوامًا ، فاللهُ أرحمُ الراحمين. ورحمةُ اللهِ أوسعُ بنا، وعافيتُه أنفع ُلنا، ولو آخذنا بذنوبِنا لأهلكنا وهو غيرُ ظالمٍ لنا، ولكنه بعبادِه رؤوفٌ رحيمٌ، لو فتح سبحانه بابَ رحمتِه لأحدٍ من خلقِه، فسيجدها في كلِّ شيء، وفي كلِّ موضعٍ، وفي كلِّ حالٍ، وفي كلِّ مكانٍ، وفي كلِّ زمانٍ، فرحمتُه وسعتْ كلَّ شيءٍ، كما إنه لا مُمسك لرحمته قال ربُّنا: (مَا يَفْتَحْ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم) (فاطر:2)وليس في الكونَ كلِّه من هو أرحمُ من اللهِ، فاللهُ أحكمُ الحاكمين وأعدلُ العادلين وأرحمُ الراحمين. فمن عَجَائِبِ رَحْمَةِ اللهِ بِنَا مَا ذَكَرَهُ النَّبِيُّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لَنَا حِينَـمَا رَأَى امْرَأَةً وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ، فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ: «أَتُرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ»؟ قَالُوا: لاَ، وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا» الله أكبر رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وفي الصَّحيحينِ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم قالَ:” إنَّ اللَّهَ خلقَ الرَّحمةَ يومَ خلقَها مائةَ رحمةٍ أنزلَ منْها رحمةً واحدةً فبِها يتراحمُ الخلقُ حتَّى إنَّ الدَّابَّةَ لترفعُ حافرَها عن ولدِها )) وكيف لا؟ وهو ينزلُ -سبحانه- كلَّ ليلةٍ إلى سماءِ الدنيا، إكرامًا للمؤمنين، وقبولَ دعاءِ الداعين، وإلحاحَ المستغفرين، وجبرًا لخواطرِ السائلين، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: “يَنْزِلُ رَبُّنَا –تَبَارَكَ وَتَعَالَى- كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ) متفق عليه) ،فيجبرُ كسيرًا، ويُعافِي مُبتلَى، ويشفِي مريضًا، ويغيثُ ملهوفًا، ويُجيبُ داعيًا، ويُعطِي سائلًا، ويُفرِّجُ كربًا، ويزيلُ حزنًا، ويكشفُ همًّا وغمًّا. فكم مِن مريضٍ جبرَ اللهُ خاطرَهُ فشفاهُ!! وكم مِن فقيرٍ جبرَ اللهُ خاطرَهُ فأغناهُ !! وكم مِن مكروبٍ جبرَ اللهُ خاطرَهُ ففرّجَ عنه كربَهُ !! كَم مِن ضِيقٍ مَرَّ بالنَّاسِ ولَم يَكشِفْهُ إلاَّ اللهُ؟! وكَم مِن بَأسٍ نَزَلَ بِهم ولَم يَرْفَعْهُ إلاَّ اللهُ؟! وكَمْ مِن بَلاءٍ أَلَمَّ بِهِمْ ولَمْ يُفَرِّجْهُ إلاَّ اللهُ؟! ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ سورة النمل : 62 وهل تضيق رحمتٌه وهو الذي ينادي كما في الحديثِ القدوسي عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ﷺ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتعالى: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالى يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالى يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً))ونبيُّنَا ﷺ نبيُّ الرحمةِ هو قدوتُنَا وهو أسوتُنَا ومرشدُنَا وهو معلمُنَا بنصٍّ مِن عندِ اللهِ ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ الأحزاب: 21 ، فأين نحن مِن رحمةِ الرحمنِ جلّ جلاله ؟أين نحن مِن رحمةِ النبيِّ ﷺ ؟ خاصةً ونحن بحاجةِ إلى الرحيمِ في جميعِ شؤونِ حياتِنَا وفي كلِّ وقت وحينٍ، وخاصةً ونحن نعيشُ زمانًا قستْ فيه القلوبُ، وقلتْ فيه ينابيعُ الرحمةِ والرأفةِ في قلوبِ الكثيرِ مِن الناسِ، وخاصةً ونحن نعيشُ زمانًا انعدمتْ فيه الرحمةُ والشفقةُ بينَ الجارِ وجارِهِ والولدِ وأبيهِ والزوجةِ وزوجِهَا، وخاصةً وأكثرُ ما نحتاجُ إليه في هذه الأيامِ هو التراحمُ فيمَا بينَنَا ، فالرحمةُ والتراحمُ أجملُ شيءٍ في الحياةِ، لو دخلتْ قلوبَنَا وأدخلنَاها في حياتِنَا وبيوتِنَا صلُحتْ أمورُنَا كُلّهَا، وعشنَا أسعدَ حياةٍ، وأحلَى حياةٍ. وصدقَ النبيُّ ﷺ إذ يقولُ كما في صحيحِ مسلمٍ مِن حديثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺَ مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)) فعلينَا أنْ نتراحمَ فيمًا بيننَا كثيرًا، وأنْ يرحمَ بعضُنَا بعضًا ، وأنْ نكونَ مِن الرُّحماء، وأنْ تكونَ قلوبُنَا مليئةً بالرَّحمةِ، لننالَ شرفَ اتباعِ النبيِّ المختارِ ﷺ ولننالَ رحمةَ الرحمنِ، فو اللهِ الذي لا إلهَ إلُا هو، لا ندخلُ الجنةَ بأعمالِنَا ،ولكن ندخلُ الجنةَ برحمةِ ربِّنَا، كما قالَ نبيُّنَا ﷺ يَقُولُ: لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الْجَنَّةَ قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: لَا وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ)) متفق عليه). ومن أعظمِ أسبابِ نيل رحمةِ اللهِ تعالى: أن يرحمَ العبدُ غيرَه من المخلوقاتِ؛ فمن علاماتِ سعادةِ العبدِ: أن يكون رحيمَ القلبِ؛ فالرحيمُ أولى الناسِ برحمةِ الرحمنِ جلّ جلالٌه، وهو أحبُّ الناسِ إلى الناسِ، وأقربُ الناسِ إلى قلوبِ الناسِ، وهو أحقٌّ الناسِ بالجنةِ؛ لأن الجنّةً دارُ الرّحمةِ لا يدخلُها إلّا الرحماءُ، ففي الصحيحين من حديثِ جريرِ بنِ عبد الله -رضي الله عنه- قالَ: قال رسولُ اللهِ – ﷺ ((مَنْ لا يَرْحَمْ الناسَ ، لا يَرْحَمْهُ اللهُ عزَّ و جلَّ)) وفي السنن : الرَّاحِمونَ يرحَمُهم الرَّحمنُ تبارَك وتعالى؛ ارحَموا مَن في الأرضِ يرحَمْكم مَن في السَّماءِ ((فالجزاءٌ من جنسِ العملِ، فكن رحيمًا مع جميعِ الخلقِ، لطيفًا مع كلِّ عبادِ اللهِ، وإن لم تستطعْ نفعَ إنسانٍ فلا تضرُه، وإن لم تفرحْه فلا تغمْه، وإن لم تمدحْه فلا تذمْه، وإن لم تقفْ معه فلا تعنِ عليه، وإن لم تفرحْ بنعمته فلا تحسدْه، وإن لم تمنحْه الأملَ فلا تحبطْه.. لا تكن جافَ المشاعرِ، بخيلَ اليدِ، قاسيَ القلبِ، ولكن كن رحيمًا فـ” الرَّاحِمونَ يرحَمُهم الرَّحمنُ )) وروى أنَّ بغيًّا زانيةً مِن زوانِي بنِى إسرائيل دخلتْ الجنةَ في كلبٍ، مرتْ على كلبٍ يلهثُ الثرَى مِن العطشِ فنزلتْ إلى بئرٍ فيه ماء، فملأتْ خفَّهَا بالماءِ وقدمتْهُ للكلبِ فشربَ فغفرَ اللهُ لهَا بذلك)) وللهِ درُّ القائل:

إذا كانت الرحمةُ بالكلابِ ****تغفرُ الخطايا للبغايا فكيف تصنعُ الرحمةُ**** بمَن وحّدَ بربِّ البرايا

أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلّا لهُ وبسمِ اللهِ ولا يستعانُ إلّا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ …………………… وبعدُ

ثالثًا : الرفقَ الرفقَ التسامحَ التسامحَ عبادَ اللهِ.

أيُّها السادةُ: الرفق ُوالتسامحُ خلقٌ عظيمٌ مِن أخلاقِ الدينِ، ومبدأٌ كريمٌ مِن مبادئِ الإسلامِ، وشيمةُ الأبرارِ المحسنين مِن الناسِ، وصفةٌ مِن صفاتِ المؤمنين، وهي عبادةٌ جليلةٌ، وسهلةٌ وميسورةٌ، أمرَ بها الدينُ، وتخلقَ بهَا سيدُ المرسلين ﷺ، تدلُّ على سموِّ النفسِ وعظمةِ القلبِ وسلامةِ الصدرِ ورجاحةِ العقلِ ووعي الروحِ ونبلِ الإنسانيةِ وأصالةِ المعدنِ. والرِّفْقُ خُلُقُ مِنْ أَعْظَمِ الأَخْلاقِ وَأَسْمَاهَا، وَأَجَلِّ الصِّـفَاتِ وَأَعْلاهَا؛ لأَنَّهُ دَلِيلُ وَفْرَةِ الْعَقْلِ، وَهُدُوءِ النَّفْسِ، وَتَوَافُرِ الْحِكْمَةِ، بِهِ تُدْرَكُ عَظَائِمُ الأُمُورِ، وَعَنْ طَرِيقِهِ تُفْتَحُ مُغْلَقَاتُ الأَبْوَابِ، مَنْ حَالَفَهُ كَانَتِ السَّلامَةُ مَحَلَّهُ، وَمَنْ رَافَقَهُ كَانَ التَّوْفِيقُ قَرِينَهُ، قال النَّبِيِّﷺ: (مَا كَانَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إلاَّ زَانَهُ، وَلا نُزِعَ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ)،

واللهُ تَعَالَى هُوَ الرَّفيقُ بِخَلْقِهِ، اللَّطِيفُ بِهِمْ، يُرِيدُ بِهِمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِهِمُ الْعُسْرَ، فَلا يُكَلِّفُهُمْ فَوْقَ طَاقَتِهِمْ، إِذْ “لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ” البقرة 286، فالرفقَ الرفقَ عبادَ الله :هكذا كان نبيُّنَا ﷺ، فدعاءُ النبيِّ ﷺ لأمتِهِ وبكائِهِ شفقةً عليهم ورفقًا بهم، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ-رضي اللهُ عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ: تَلاَ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ -عليه السلام-: «رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي» الآيَةَ، وَقَالَ عِيسَى -عليه السلام-: «إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي، وَبَكَى» فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ ﷺ -وَرَبُّكَ أَعْلَمُ- فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ»؟ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ -عليه السلام- فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِمَا قَالَ، وَهُوَ أَعْلَمُ، فَقَالَ اللَّهُ: «يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ ، وَلاَ نسوؤك»، فقد كانَ أرفقَ الناسِ والينهم عريكةً، وأسهلَهم طبعًا وأكثرَهُم حُلمًا، يدعو إلى الرفق بقوله وفعلهِ، وما خُيَر بين أمرينِ إلا اختارَ ايسرَهما مالم يكن إثمًا أو قطيعةَ رحمٍ، مدحهُ ربهُ فقالَ عزَّ وجلَّ: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159]، وفي صحيح البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ اليَهُودَ أَتَوُا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ، قَالَ: «وَعَلَيْكُمْ»، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: السَّامُ عَلَيْكُمْ، وَلَعَنَكُمُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْكُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، وَإِيَّاكِ وَالعُنْفَ، أَوِ الفُحْشَ» قَالَتْ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ: «أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قُلْتُ، رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ، فَيُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ، وَلاَ يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ»(( وفي صحيح مسلم، أنَّ رجلًا عطسَ أثناءَ الصلاةِ، فقال لهُ الحكمُ بن مُعاويةٍ السُّلمي: رحمك الله، قال: فرَمَقَنِي القومُ بأبصارِهم، فقلتُ: واثكلَ أمِّياه، ما شأنُكم تنظرونَ إليَّ؟ فجعلُوا يضرِبُون بأيديهِم على أفخاذِهِم، فلمَّا رأيتُهُم يُصَمِّتونَنِي سكتُ، فلما صلَّى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَبأبي هو وأمي, ما رأيتُ مُعلِّمًا قبلَهُ ولا بعدَهُ أحْسنَ تعليمًا منهُ، فواللهِ ما كَهرَنِي ولا ضربني ولا شتمني، وإنما قالَ: “إنَّ هذه الصلاةَ لا يصلحُ فيها شيءٌ من كلامِ الناس، إنما هو التسبيحُ والتكبيرُ وقراءةُ القرآن”. وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي المَسْجِدِ، فَثَارَ إِلَيْهِ النَّاسُ ليَقَعُوا بِهِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «دَعُوهُ، وَأَهْرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ، أَوْ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ».

الرفقُ مطلوبٌ في النصحِ والتوجيهِ، والدعوةِ إلى الخير، والأمرِ بالمعروفِ والنهيَ عن المنكر: ﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه: 43، 44]، ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125]. وفي الحديث الصحيح: «بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا، وَيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا». الرفقُ مطلوبٌ مع المخالِفِ، قال جلَّ وعلا: ﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199]. قال الإمام الشعبي لرجل يخاصمه: “إنْ كُنتُ كما قُلتَ فغَفَرَ الله لي، وإِنْ لم أكنْ كما قُلتَ، فغفرَ اللهُ لك”. وإِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدِهِ خَيْرًا جَمَّلَهُ بِالرِّفْقِ، وَهَدَاهُ إِلَيْهِ، قال ﷺ: (يَا عَائِشَةَ! ارْفُقِي؛ فَإِنَّ اللهَ إذَا أَرَادَ بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيرًا أَدْخَلَ عَلَيْهِمُ الرِّفق) أخرجه أحمد))) وإذَا رُزِقَ الْعَبْدُ الرِّفْقَ، رُزِقَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، قَالَ ﷺ :(مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الْخَيْرِ، وَمَنْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفقِ فَقَدْ حُرِمَ حظَّهُ مِنَ الْخَيْرِ) أخرجه الترمذي . ومِن صفاتِ النفسِ الطيبةِ السماحةُ للآخرينَ والتسهيلُ واللينُ، ويعاملُ الناسَ بالتسامحِ والعفوِ والتصافحِ، فدينُنَا دينُ السماحةِ، دينُ الألفةِ، دينُ المحبةِ، دينُ الرحمةِ، دينُ التسامحِ، وللهِ درُّ الشافعِي :

يُخَاطِبنِي السَّفيهُ بِكُلِّ قُبْحٍ .:. فأكرهُ أنْ أكونَ له مجيباً

يزيدُ سفاهةً فأزيدُ حلماً .:. كعودٍ زادهُ الإحراقُ طيباً

فما أجمل الرفق، وما أجملَ أهلهُ، وما أحوجَ الناسَ كلَّهم إليهِ.. فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ وكونوا مع الصادقين، وتزينوا بالرفق واللين، تُفلحوا في الدارين: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69].

حفظَ اللهُ مصرَ قيادةً وشعبًا مِن كيدِ الكائدين، وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.

كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه

د/ محمد حرز إمام بوزارة الأوقاف

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى