خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل

توقيرُ كبار السن، وإكرامُهم (أول مرة) خطبة الجمعة القادمة للدكتور مسعد الشايب

((توقيرُ كبار السن، وإكرامُهم)) (أول مرة) خطبة الجمعة القادمة الموافقة 7 من جماد ثاني 1447هـ الموافقة 28/11/2025م للدكتور مسعد الشايب
==========================================

توقيرُ كبار السن، وإكرامُهم (أول مرة) word خطبة الجمعة القادمة للدكتور مسعد الشايب

توقيرُ كبار السن، وإكرامُهم (أول مرة) pdf خطبة الجمعة القادمة للدكتور مسعد الشايب

=
أولا: العناصر:
1. تكريم الشريعة الإسلامية للإنسانية عمومًا.
2. دعوة الشريعة الإسلامية لإحسان معاملة المسنين.
3. الخطبة الثانية: (الوالدان هم أولى كبار السن احترامًا وتوقيرًا).
ثانيا: الموضوع:
الحمد لله ربِّ العالمين، يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك، وعظيم سلطانك، لا نحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، جلّ وجهك، وعزّ جاهك، ولا يخلف وعدك، ولا يهزم جندك، وأَشهدُ أنْ لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأَشهدُ أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عَبدُه ورسولُهُ، صلاة وسلاما عليه دائمين متلازمين إلى يوم الدين وعلى آله وصحبه…الخ، إلى يوم الدين، وبعد:
===========================================
(1) ((تكريم الشريعة الإسلامية للإنسانية عمومًا))
===========================================
أيها الأحبة الكرام: فمن أعظم ما تميزت به شريعتنا الإسلامية الغراء، أنها تميزت بالبعد الإنساني في تشريعاتها، ومبادئها، وقيمها، وأخلاقها وحضارتها، ومصطلح البعد الإنساني مصطلحٌ حديث، ويعنى به مراعاة الحقوق والاحتياجات الإنسانية للبشر عمومًا، بغض النظر عن ألوانهم، وألسنتهم، وعقائدهم، وقومياتهم…الخ، تلك الحقوق والاحتياجات التي تكفلت ببيانها الشرائع السماوية، وأكدت عليها بعض المواثيق والعهود الدولية، فالشريعة الإسلامية أعلت من قيمة الإنسان أيًّا كان، وأخذت في الاعتبار بحريته، وإرادته كما جاءت الشرائع السماوية.
===
والإسلام دين إنساني متكامل، كرم الإنسان وأعلى من شأنه وقدره بغض النظر عن معتقده، أو سنه، أو لونه، أو جنسه، فأعطى لكلّ ذي حق حقه، وضمن لجميع طوائف وفئات المجتمع حقها في العيش الكريم والحياة السعيدة، راعى فيها الصغير قبل الكبير، والمريض قبل الصحيح، والضعيف قبل القوي، كما أنه عني بتقوية أواصر الودّ والمحبة والترابط بين جميع أفراد المجتمع لا فرق بين صغير و كبير أو غني وفقير، أو عالم وجاهل، وصدق الله إذ يقول: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}[الإسراء:70].
===========================================
(2) ((دعوة الشريعة الإسلامية لإحسان معاملة المسنين))
===========================================
ومن الآداب العظيمة التي توطد المعاملة الحسنة، وتثمر الألفة والصفاء، وتحفظ النظام بين أفراد المجتمع الواحد احترام كبار السن والشيوخ، فهم الأنضج عقولًا، والأكثر حكمة، وهم أكثر الناس خبرة في معترك هذه الحياة، وهم عتقاء الله في الأرض؛ وهنت عظامهم، ورقت أبدانهم، و قاربت أن تنتهي في الأرض أعمارهم، فهم أكثر الفئات احتياجًا إلى الاهتمام والعناية والرعاية بعد أن أفنوا حياتهم وزهرة شبابهم في خدمة أوطانهم ومجتمعاتهم.
وقد حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على إحسان معاملة المسنين، وشرّع لهم عددًا من الحقوق والآداب على لسان المصطفى صلى الله عليه وسلم تدل على توقيرهم، واحترامه، وبيانها كالآتي:
==========
1ـ أمر (صلى الله عليه وسلم) بإجلالهم وإكرامهم، ومعرفة قدرهم ومكانتهم، وعدم التطاول عليهم، وبيّن أن ذلك من الإجلال والتعظيم لله (عزّ وجلّ)، فقال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ)(رواه أبو داود)، فقدم النبي صلى الله عليه وسلم كبير السن على حامل القرآن، والحاكم العادل مع علو منزلتهما، ومن حقوق الكبار والشيوخ علينا أيضًا:
==========
2ـ نفى صلى الله عليه وسلم نفى كمال الإيمان عمن استخف كبار السن والشيوخ، ولم يؤد إليهم حقهم، فقد جاء شيخ يريد النبي صلى الله عليه وسلم فأبطأ القوم عنه أن يوسعوا له، فقال صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا)(رواه الترمذي)، وعن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) قال: (ثَلَاثَةٌ لَا يَسْتَخِفُّ بِحَقِّهِنَّ إِلَّا مُنَافِقٌ: إِمَامٌ مُقْسِطٌ، وَمُعَلِّمُ الْخَيْرِ، وَذُو الشَّيْبَةِ فِي الْإِسْلَامِ)(مصنف ابن أبي شيبة).
فكم من صغير نظر لكبير نظرة احتقار وازدراء وعدّه عبئًا وحملًا ثقيلًا، والبعض يسفّه عقولهم، ويخطأ آرائهم متناسين أو متغافلين عن أدب النبوة الرفيع، ومن حقوق الكبار والشيوخ علينا أيضًا:
==========
3ـ أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بتقديم الكبير في كل شيء وخصوصًا عند عظائم الأمور وأهمها، فعن رافع بن خديج، وسهل بن أبي حثمة (رضي الله عنهما)، أن عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود (رضي الله عنهما) أتيا خيبر، فتفرقا في النخل، فقتل عبد الله بن سهل، فجاء عبد الرحمن بن سهل وحويصة ومحيصة ابنا مسعود (رضي الله عنهم) إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فتكلموا في أمر صاحبهم، فبدأ عبد الرحمن، وكان أصغر القوم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (كَبِّرِ الْكُبْرَ فِي السِّنِّ) فصمت، فتكلم صاحباه، وتكلم معهما…)(رواه مسلم).
===
وهذا عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) يعلمنا الأدب في حضرة الكبار، واحترامهم وعدم التقدم عليهم، فيقول: (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (أَخْبِرُونِي بِشَجَرَةٍ تُشْبِهُ أَوْ: كَالرَّجُلِ المُسْلِمِ لاَ يَتَحَاتُّ وَرَقُهَا، وَلاَ وَلاَ وَلاَ تُؤْتِي أُكْلَهَا كُلَّ حِينٍ). قال ابن عمر: فوقع في نفسي أنها النخلة، ورأيت أبا بكر، وعمر لا يتكلمان، فكرهت أن أتكلم فلما لم يقولوا شيئا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هِيَ النَّخْلَةُ). فلما قمنا قلت لعمر: يا أبتاه، والله لقد كان وقع في نفسي أنها النخلة، فقال: ما منعك أن تكلم؟. قال: لم أركم تكلمون، فكرهت أن أتكلم أو أقول شيئا، قال عمر: لأن تكون قلتها، أحب إليّ من كذا وكذا)(متفق عليه)، وهذا قيس بن عاصم بن سنان (رضي الله عنه) يوصي بنيه عند موته، فيقول: (اتَّقُوا اللَّهَ وَسَوِّدُوا أَكْبَرُكُمْ، فَإِنَّ الْقَوْمَ إِذَا سَوَّدُوا أَكْبَرَهُمْ خَلَفُوا أَبَاهُمْ، وَإِذَا سَوَّدُوا أَصْغَرَهُمْ أَزْرَى بِهِمْ ذَلِكَ فِي أَكْفَائِهِمْ…)(الأدب المفرد للبخاري)، ومن حقوق الكبار والشيوخ علينا أيضًا:
==========
4ـ إحسان معاملتهم، وإنزالهم المنزلة اللائقة بهم حتى ولو كانوا على غير ملتنا، فحينما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة أتاه أبو بكر (رضي الله عنه) بأبيه (أبي قحافة)، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (هَلَّا تَرَكْتَ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا آتِيهِ فِيهِ). فقال أبو بكر: يا رسول الله، هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي أنت إليه، فأجلسه بين يديه، ثم مسح صدره، ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أَسْلِمْ). فأسلم. (رواه أحمد)، وقد دخل به أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه كأنه ثغامة (نبات أبيض الزهر والثمر)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (غَيِّرُوا هَذَا مِنْ شَعْرِهِ)(رواه مسلم).
===
وهذا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يبصر شيخًا، يسأل الناس، فيقول له: (مَالَكَ؟). فقال الشيخ: ليس لي مال وأنا تؤخذ مني الجزية، فقال عمر: (مَا أَنْصَفْنَاكَ إِنْ أَكَلْنَا شَبِيبَتَكَ، ثُمَّ نَأْخُذُ مِنْكَ الْجِزْيَةَ)، ثم كتب إلى عماله ألا يأخذوا الجزية من شيخ كبير. (الأموال لابن زنجويه، والقاسم بن سلام)، ومن حقوق الكبار والشيوخ علينا أيضًا:
==========
5ـ الرأفة والرحمة بهم فلا نشق أو نعسر عليهم، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بتخفيف الصلاة التي جعلت قرة عينه فيها ـ من أجل أصحاب الأعذار وكبار السن، فقال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيَتَجَوَّزْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ وَالكَبِيرَ وَذَا الحَاجَةِ)(اللفظ للبخاري)، ومن حقوق الكبار والشيوخ علينا أيضًا:
==========
6ـ السعي في قضاء حوائجهم، فعَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ (رضي الله عنه)، قَالَ: قَدِمَتْ عَلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَقْبِيَةٌ (أنواع من الثياب)، فَقَالَ لِي أَبِي مَخْرَمَةُ (وكان كبير السن): انْطَلِقْ بِنَا إِلَيْهِ عَسَى أَنْ يُعْطِيَنَا مِنْهَا شَيْئًا، قَالَ: فَقَامَ أَبِي عَلَى الْبَابِ فَتَكَلَّمَ، فَعَرَفَ صلى الله عليه وسلم صَوْتَهُ، فَخَرَجَ وَمَعَهُ قَبَاءٌ وَهُوَ يُرِيهِ مَحَاسِنَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: (خَبَأْتُ هَذَا لَكَ، خَبَأْتُ هَذَا لَكَ)(رواه مسلم)، فسكنت نفس مَخْرَمَة (رضي الله عنه)، وهدأ باله، ورضي، ورجع بخير ما أراد.
===
وهذا سيدنا عمر بن الخطاب (وهو خليفة) يخرج في جُنح الليل، فيدخل بيتًا؛ ليقضي حاجة امرأة عجوز عمياء قد قعد بها السِّن، فَرَآهُ طَلْحَةُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ طَلْحَةُ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ الْبَيْتِ، فَإِذَا بِعَجُوزٍ عَمْيَاءَ مُقْعَدَةٍ، فَقَالَ لَهَا: (مَا بَالُ هَذَا الرَّجُلِ يَأْتِيكِ؟) قَالَتْ: إِنَّهُ يَتَعَاهَدُنِي مُنْذُ كَذَا وَكَذَا، يَأْتِينِي بِمَا يُصْلِحُنِي، وَيُخْرِجُ عَنِّي الْأَذَى، فَقَالَ طَلْحَةُ: (ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا طَلْحَةُ أَعَثَرَاتِ عُمَرَ تَتْبَعُ؟!)(حلية الأولياء)، ومن حقوق الكبار والشيوخ علينا أيضًا:
==========
7ـ حسن استقبالهم، وملاطفتهم، والفرح والسرور عند رؤيتهم، والبشاشة في وجوههم، وعدم التدقيق عليهم في كل شيء؛ فعَنْ عَائِشَةَ (رضي الله عنها)، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ أَتَتْهُ عَجُوزٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ: (إِنَّ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا عَجُوزٌ). فَذَهَبَ نَبِيُّ اللَّهِ فَصَلَّى، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَقَدْ لَقِيَتْ مِنْ كَلِمَتِكَ مَشَقَّةً وَشِدَّةً، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ: (إِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَدْخَلَهُنَّ الْجَنَّةَ حَوَّلَهُنَّ أَبْكَارًا)(المعجم الأوسط للطبراني).
===
وعنْ عَائِشَةَ أيضًا (رضي الله عنها)، قَالَتْ: جَاءَتْ عَجُوزٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عِنْدِي، فَقَالَ: لَهَا رَسُولُ اللَّهِ: (مَنْ أَنْتِ؟). قَالَتْ: أَنَا جَثَّامَةُ الْمُزَنِيَّةُ، فَقَالَ: (بَلْ أَنْتِ حَسَّانَةُ الْمُزَنِيَّةُ، كَيْفَ أَنْتُمْ؟ كَيْفَ حَالُكُمْ؟ كَيْفَ كُنْتُمْ بَعْدَنَا؟). قَالَتْ: بِخَيْرٍ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَلَمَّا خَرَجَتْ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُقْبِلُ عَلَى هَذِهِ الْعَجُوزِ هَذَا الْإِقْبَالَ؟ فَقَالَ: (إِنَّهَا كَانَتْ تَأْتِينَا زَمَنَ خَدِيجَةَ، وَإِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الْإِيمَانِ)(شعب الإيمان للبيهقي).
عباد الله: البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والدّيّان لا يموت، اعمل ما شئت كما تدين تدان، فادعوا الله وأنتم موقنون…………
===========================================
(الخطبة الثانية)
((الوالدان هم أولى كبار السن احترامًا وتوقيرًا))
===========================================
الحمد لله رب العالمين، أعدّ لمَنْ أطاعه جنات النعيم، وسعرّ لمَنْ عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
===
أيها الأحبة الكرام: ما زلنا مع حض الشريعة الإسلامية على احترام كبا السن وتوقيرهم، وأولى كبار السن بالاحترام والتوقير والتقدير هم الوالدان:
وذلك لعظم منزلتهما بعد منزلة الحق تبارك وتعالى:
==========
1ـ فإذا كان المولى تبارك وتعالى هو الذي أوجدنا فالوالدان هما سبب هذا الوجود.
===
2ـ وإذا كان سبحانه وتعالى هو الذي كلأنا ورعانا، وبرزقه غذانا فالوالدان هما اللذان سعيا علينا وهما من باشر تلك التربية.
===
3ـ وإذا كان سبحانه وتعالى لا يطلب منا أجرًا على نعمه وآلائه فكذلك الوالدان لا يطلبان من جزاء ولا شكورًا نظير خدماتهما لنا.
===
4ـ وإذا كان سبحانه وتعالى لا يقطع فضله عن خلقه وعبيده حتى ولو كانوا مشركين كفرة فكذلك الوالدان لا يقطعان خيرهما وبرهما عن ولدهما ولو كان عاقًا لهما.
===
5ـ وإذا كان الله سبحانه وتعالى لا يرضى لعباده إلا كل خير فكذلك الوالدان لا يتمنيان لولدهما إلا كل خير بل يتمنيان أن يكون ولدهما أفضل منها.
===
6ـ كما أن رضا الله (عزّ وجلّ) من رضا الوالدين، وسخطه من سخطهما، قال صلى الله عليه وسلم: (رِضَى الرَّبِّ فِي رِضَى الوَالِدِ، وَسَخَطُ الرَّبِّ فِي سَخَطِ الْوَالِدِ)(رواه الترمذي).
===
لأجل كل ذلك قرنت الدعوة إلى برّ الوالدين والإحسان إليهما بالدعوة إلى توحيد الله (عزّ وجل)، فقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}[البقرة:83]، وقال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}[النساء:36]، وقال تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}[الأنعام:151]، وقال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}[الإسراء:23]، وقال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}[لقمان:14]، وعن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: (ثَلَاثُ آيَاتٍ نَزَلَتْ مَقْرُونَةً بِثَلَاثٍ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهَا وَاحِدَةٌ بِغَيْرِ قَرِينَتِهَا، الأولى: قَوْله تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}، فَمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ وَلَمْ يُطِعْ رَسُولَهُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ. وَالثَّانِيَةُ قَوْله تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}، فَمَنْ صَلَّى وَلَمْ يُزَكِّ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ. والثَّالِثَةُ قَوْله تَعَالَى: {أَنْ اُشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ}، فَمَنْ شَكَرَ اللَّهَ وَلَمْ يَشْكُرْ وَالِدَيْهِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ)(الكبائر للذهبي).
===
أيها الأحبة الكرام: إن القرآن الكريم قد أرشدنا إلى الرفق بالوالدين، وهذا من الاحترام والتوقير والإكرام لهما، فالفتاتان من نسل شعيب (عليه السلام) اللتان قابلهما سيدنا موسى (عليه السلام) حينما ورد ماء مدين ما خرجا لسقي أغنامها إلا شفقة ورحمة على أبيهما الذي بلغ من الكبر عتيا، قال تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ*فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}[القصص:24،23]، فلما أكراما أباهما ورحماه ورفقا به؛ تحرك موسى (عليه السلام) لنجدتهما، ورحمتهما من مزاحمة الرجال فسقى لهما أغنامها ثم تولى إلى غير طالب لأجر أو جزاء على ما فعل.
===========================================
فاللهمّ أرنا الحق حقًا، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا، وارزقنا اجتنابه، اللهمّ علمنا من لدنك علمًا نصير به خاشعين، وشفّع فينا سيّد الأنبياء والمرسلين، واكتبنا من الذاكرين، ولا تجعلنا من الغافلين ولا من المحرومين، ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم في جنات النّعيم اللهمّ آمين، اللهمّ آمين. اللهم ارفع عنا الوباء والبلاء والغلاء، وأمدنا بالدواء والغذاء والكساء، اللهم اصرف عنّا السوء بما شئت، وكيف شئت إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير، اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.
كتبها الشيخ الدكتور/ مسعد أحمد سعد الشايب

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى