أخبار التعليمالخطبة المسموعةخطبة الأسبوععاجل
خطبة الجمعة القادمة ونغرس فيأكل من بعدنا، بتاريخ 2 مايو 2025م

خطبة الجمعة القادمة 2 بتاريخ : 4 ذي القعدة 1446هـ – الموافق 2 مايو 2025م. للشيخ ثروت سويف ، تحت عنوان : ونغرس فيأكل من بعدنا
اقرأ في هذه الخطبة
اولا : تعريف الاتقان وفضل الصنعة
ثانيا : الله عز وجل اتقن الكون كله
ثالثا : العمل بإتقان في حياة الانبياء
واخيرا : الصانع المتقن ظاهرة حضارية.
الخطبة الأولي
الحمد لله الذي نشر بقدرته البشر، وصرَّف بحكمته وقدر، وابتعث محمدًا إلى كافة أهل البدو والحضر، فأحلَّ وحرَّم، وأباح وحظر.
سبحان ربي العظيم لا يغيب عن بصره وسمعه دبيب النمل في الليل إذا سرى، يعلم السرَّ وأَخفى، ويسمع أنين المضطَّر ويرى، لا يَعزُب عن علمه مثقال ذرةٍ في الأَرض ولا في السَّماء، اصطفى آدم ثم تاب عليه وهدى، وابتعث نوحًا فصنع الفلك وبه في موج كالجبال جرى، ونَجَّى الخليل من النار فصار حرُّها بردا وسلاما ، ثمَّ ابتلاه بذبحِ ولده فأدهش بصبره الورى
واشهد ان لا اله الا الله له الحمد في الاولي والاخرة ، أَحْمده ما قُطِع نهار بسير وليل بسُرى أحمده حمدًا يدوم ما هبَّت الرياح جنوبا وصَبَا.
واشهد ان محمدا عبد الله ورسوله أشرف الخلق عَجمًا وعَربًا، المبعوث في أم القُرى، صلوات الله عليه وسلامه ما تحركت الأَلْسن والشِّفا، وعلى [أبي بكرٍ] الذي أنفق المال وبذل النفس وصاحبه في الدار والغار بلا مِرَا (ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا) وعلى [عمر] الذي من هيبته ولَّى الشَّيطان وهرب، من أغَصَّ [كسري] [وقيصر] بالرِّيق وما وَنَى، وعلى [عثمان] مجهز جيش العُسْرة زوجُ ابنتيه ما كان حديثًا يفتري، حيَّته الشهادة فقال: مرحبا، وعلى [عليٍّ] أَسد الشرى، ما فُلَّ سيف شجاعته قط ولا نبا، وعلى جميع الأَهل والآل والأصحاب والأتباع ما تعاقب صبح ومساء.
يقول حسان بن ثابت
نورٌ أَضاءَ عَلى البَرِيَّةِ كُلِّها مَن يُهدَ لِلنّورِ المُبارَكِ يَهتَدِ
صَلّى الإِلَهُ وَمَن يَحُفُّ بِعَرشِهِ وَالطَيِّبونَ عَلى المُبارَكِ أَحمَدِ ﷺ
اما بعد
فلنُهُوضِ الأُمَمِ مِن سُبَاتِهَا الطويل وَتَقَدُّمِهَا بَعدَ تَخَلُّفِهَا عن ركب الامم، أَسبَابٌ كَثِيرَةٌ وَعَوَامِلُ مُتَعَدِّدَةٌ، جَاءَت بَعضِهَا بأَدِلَّةٌ شَرعِيَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَصَدَّقَ بَعضَهَا وَاقِعٌ مَلمُوسٌ، وَاتَّفَقَت عَلَى بَعضِهَا كَلِمَةُ العُقَلاءِ وَالحُكَمَاءِ، وَحِينَ تَتَّفِقُ النُّقُولُ وَالعُقُولُ عَلَى أَهمِيَّةِ أَحَدِهَا وَضَرُورَةِ حُصُولِهِ، فَلا مَنَاصَ حَينَئِذٍ مِن تَحقِيقِهِ لِمَن أَرَادَ النَّجَاحَ وَالفَلاحَ، وَإِلاَّ كَانَتِ الأُمَّةُ إِلى الشَّقَاءِ وَالخَسَارَةِ أَقرَبَ، مِن تِلكُمُ الأَسبَابِ المُهِمَّةِ الَّتي لا يُختَلَفُ في مَدحِهَا وَذَمِّ تَركِهَا ( إِتقَانُ العَمَلِ ) إِذِ النَّاسُ في هَذِهِ الدُّنيَا يَغدُونَ وَيَرُوحُونَ، وَيَعمَلُونَ وَيَكدَحُونَ، وَيُخَطِّطُونَ وَيُنَفِّذُونَ، وَيُرَاجِعُونَ أَنفُسَهُم وَيُتَابِعُونَ ثَمَرَاتِ مَسَاعِيهِم، وَمَا لم يَهتَمُّوا بِإِتقَانِ أَعمَالِهِم وَالإِتيَانِ بها عَلَى المَطلُوبِ، فَإِنَّمَا هُم في ضَلالٍ وَسَعيُهُم إِلى وَبَالٍ قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا } [الكهف: 30].
اولا : تعريف الاتقان وفضل الصنعة
والإتقان عند أهل العلم أن تؤدي العمل على أكمل وجه
وهو معرفة شيء حقَّ المعرفة
وهو جُودةٌ في الصُّنْع، بَذْلُ جُهْدٍ وعِناية ودِقَّة في فِعْل شَيْء.
الإتقان في التعليم: أن تعلم تعليماً يقبله الله عز وجل، ويستفيد منه المسلمون، وتلقى به الله عز وجل وأنت صادق.
الإتقان في التجارة، والوظيفة، والمنصب، والمتجر، والمزرعة، فالله يحب من العبد أن يتقن العمل والصناعة ، أما إذا قدمت العمل معوجاً في الوقت، ومعوجاً في الأداء، ومعوجاً في الحسن؛ فلن يقبله الله عز وجل؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وان يقبل الناس تلك الصنعة
وعَنْ ام المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلا أَنْ يُتْقِنَهُ» (رواه ابو يعلى والبيهقي في “شعب الإيمان )
ما أحسن هذا الحديث! وهو يدخل في كل جزئية من جزئيات العمل، وفي لفظ: { إن الله يحب العامل إذا أحسن } هذان لفظان صحيحان، وهو مقبول على كل حال.
فعلى كل مسلم أن يُحْكم عمله بإخلاص وصدق وإتقان، قاصدًا بذلك النفع للمسلمين، ميسرًا لهم، باذلًا لهم العون في حدود نظام العمل.
فبالعمل يبلغ الأمل, ويلبس أبهى الحلل, ونعم الرجل الفاضل العامل
ولله در شوقي حيث يقول:
كُن نَشيطاً عامِلاً جَمَّ الأَمَل … إِنَّما الصِحَّةُ وَالرِزقُ العَمَل
كُلُّ ما أَتقَنتَ مَحبوبٌ وَجيه … مُتقَنُ الأَعمالِ سِرُّ اللَهِ فيه
يُقبِلُ الناسُ عَلى الشَيءِ الحَسَن … كُلُّ شَيءٍ بِجَزاءٍ وَثَمَن
اِنظُرِ الآثارَ ما أَزيَنَها … قَد حَباها الخُلدَ مَن أَتقَنَها
تِلكَ آثارُ بَني مِصرَ الأُوَل … أَتقَنوا الصَنعَةَ حَتّى في الجُعَل
ان شرف العمل والصنعة كبير فهو وسيلة لاستدامة النعمة وبقائها ، ووسيلة لإشباع الحاجة ، وعون على الإنفاق في سبيل الله ومادام هذا الهدف فإن الحرف اليدوية لا تقل شأنا عن أي عمل آخر ، ولذلك روي البيهقي والطبراني عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُؤْمِنَ الْمُحْتَرِفَ ” وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدَانَ: ” الشَّابَّ الْمُحْتَرِفَ “
وكان عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – إذا رأى غلامًا أعجبه سأل: هل له حرفة؟ فإن قيل: لا، سقط من عينه.
وذلك أيها المسلمون هو ما حض عليه نبينا محمد حين رغب أصحابه في أن يحترفوا حرفة تغنيهم عن السؤال
فعَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلًا، فَيَسْأَلَهُ أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ» متفق عليه
ذكر صاحب كتاب موسوعة الأخلاق والزهد والرقائق قال ورد أن شقيق البلخي ودع صديقه إبراهيم بن أدهم، لسفره في تجارة، ولم يلبث إلا مدة يسيرة ثم عاد ولقيه إبراهيم، فعجب لسرعة إيابه من رحلته، فسأله: لِمَ رجع؟ فقص عليه قصة شهدها أنه رأى طائرًا أعمى كسيحًا وجاء طائر آخر يحمل إليه الطعام ويمده به، حتى يأكل ويشبع، فقال شقيق: إن الذي رزق هذا الطائر الأعمى الكسيح في هذه الخربة لقادر على أن يرزقني، وقرر العودة، فقال له إبراهيم بن أدهم: سبحان الله يا شقيق! ولماذا رضيت لنفسك أن تكون الطائر الأعمى العاجز الكسيح ، ولا تكون أنت الطائر الذي يسعى ويكدح ويعود بثمره على العُمى من حوله، أما سمعت قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “اليد العليا خير من اليد السفلى” [متفق عليه].
ثانيا : الله عز وجل اتقن الكون كله
وَقَد صَنَعَ اللهُ كُلَّ شَيءٍ في هَذَا الكَونِ بِإِتقَانٍ، وَأَنزَلَ في الأَرضِ هَذَا الإِنسَانَ، وَجَعَلَهُ خَلِيفَةً فِيهَا وَأَمَرَهُ بِالسَّعيِ في مَنَاكِبِهَا وَإِعمَارِهَا، وَأَوجَبَ عَلَيهِ الإِحسَانَ وَنَهَاهُ عَنِ الإِفسَادِ فِيهَا بَعدَ إِصلاحِهَا، وصفة الإتقان وصف الله بها نفسه لتنقل إلى عباده قَالَ – سُبحَانَهُ -: ﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾ [النمل: 88]
إذا نظر العبد إلى ما خلق الله تعالى في هذا الكون من المخلوقات العظيمة، والآيات الكبيرة، فإن في كل شيء له آية تدل على أنه سبحانه إله واحد كامل العلم والقدرة والرحمة، والاتقان فمن آياته خلق السموات والأرض فمن نظر إلى السماء في حسنها وكمالها وارتفاعها وعظمتها، وإتقانها عرف بذلك تمام قدرته سبحانه قال جل وعلا ( أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها )[النازعات:27-28]
وقال ( والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون ) [الذاريات:47]
وقال تعالى( أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لهم من فروج [ق:6]
قبل زمن قصير أتى رجل من الصالحين بورقة نخلة إلى عالم من العلماء – وبقدرة الله ، فإن ورقة النخل بنفسها كتبت، والله أملاها، وسخرها لتكتب على ظهرها: الله، وعلى بطنها مكتوبٌ: الله، بالخط العربي الكوفي الجميل، فقُطفت من غصنها، وأُتي بها إلى هذا العالِم، وعرضها على الجماهير؛ فرأوا اسم الله على ظهرها وبطنها، وهي تقول بلسان حالها: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل:88].
أخرج أبو داود وغيره عن العباس – قال: قال رسول الله – -: ((هل تدرون كم بين السماء والأرض؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: بينهما خمسمائة سنة ومن كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة سنة وكثف – أي سمك – كل سماء مسيرة خمسمائة سنة – وبين السماء السابعة والعرش بحر بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض والله تعالى فوق ذلك وليس يخفى عليه شيء من أعمال بني آدم))
انظر لتلك الشجرة ذات الغصون النضره من شادها من بذرة حتى استقامت شجره
انظر إلى النحلة في بستانها منقعره من الذي علمها مصَّ رحيق الثمر
انظر إلى الليل غفا من هزه وأظهره انظر للوح الكون مَنْ ذا زانه وسطّره
انظر إلى الأموات مَنْ يحييهمُ من مقبره ذاك هو الله الذي أنعمه منهمر
ذو حكمة بالغة وقدرة مقتدره فلا إله غيره سبحانه ما أقدره
كون مصنوع بإتقان عجيب هذا هو الذي عبر عنه إمام أهل السنة أحمد بن حنبل طيب الله ثراه حينما أمسك البيضة يوماً وقال: هنا حصن حصين، أملس ليس له باب، وليس له منفذ، ظاهره كالفضة البيضاء، وباطنه كالذهب الإبريز، وبينما هو كذلك إذ انصدع جداره، وخرج منه حيوان سميع بصير، ذو شكل حسن، وصوت مليح.
انه قانون اتقان الصنعة وهذا هو القانون الذي عبر عنه الشافعي عندما أمسك ورقة التوت يوماً فقال: ورقة التوت، تأكلها الغزالة فتعطينا مسكاً، وتأكلها الشاة فتعطينا لبناً، وتأكلها دودة القز فتعطينا حريراً، إن الطعام واحد ولو كانت الأمور بالمصادفة العمياء لكانت عصارة الطعام للطعام الواحد واحدة، ولكنها كانت في الشاة لبناً، وكانت في الغزالة مسكاً، وكانت في الدودة حريراً.
حكى الحافظ ابن كثير – رحمه الله – أنه سُئل أحد الأعراب فقيل له: ما الدليل على وجود الرب تعالى، فقال: يا سبحان الله إن البعر ليدل على البعير، وإن أثر الأقدام ليدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج وبحار ذات أمواج ألا يدل ذلك على وجود اللطيف الخبير؟!.
لله في الآفاق آيات لعل أقلها هو ما إليه هداك
ولعل ما في النفس من آياته عجب عجاب لو ترى عيناك
الكون مشحون بآيات إذا حاولت تفسيراً لها أعياك
قل للطبيب تخطفته يد الردى يا شافي الأمراض من أرداك
قل للمريض نجا وعوفي بعدما عجزت فنون الطب من عافاك
قل للصحيح يموت لا من علة من بالمنايا يا صحيح دهاك
قل للبصير وكان يحذر حفرة فهوى بها من ذا الذي أهواك بل سائل الأعمى خطا وسط الزحام بلا اصطدام من يقود خطاك
قل للجنين يعيش معزولاً بلا راع ومرعى ما الذي يرعاك قل للوليد بكى وأجهش بالبكاء لدى الولادة ما الذي أبكاك
وإذا ترى الثعبان ينفث سمه فاسأله من ذا بالسموم حشاك واسأله كيف تعيش يا ثعبان أو تحيا وهذا السم يملأ فاك
واسأل بطون النحل كيف تقاطرت شهداً وقل للشهد من حلاك
بل سائل اللبن المصفى كان بين دم وفرث من ذا الذي صفاك
وإذا رأيت النخل مشقوق النوى فاسأله من يا نخل شق نواك وإذا رأيت النار شب لهيبها فاسأل لهيب النار من أوراك
وإذا ترى الجبل الأشم مناطحاً قمم السحاب فسله من أرساك وإذا رأيت البدر يسري ناشراً أنواره فاسأله من أسراك
ثالثا : العمل بإتقان في حياة الانبياء عليهم جميعا الصلاة والسلام
هؤلاء أقطاب النبوة ، ومنهم أولوا العزم من الرسل ، وقد شرفوا باحتراف مهنة يعيشون على كسبها ، ويستغنون بها عن سؤال الناس ، فهذا هو خير الطعام ، ولا ريب أن هؤلاء الرسل لم يتحولوا بهذه المهن إلى أغنياء يجمعون المال ويكنزون الذهب ، وإنما كان ما حصّلوله وسيلة إلى العيش الكريم ، الذي يحفظ الكرامة قبل أن يسد الرمق ، ويصون ماء الوجه قبل أن يصون أنفاس الحياة ، وينفقون منه في وجوه البر والخير ، ويبذلونه تقربا إلى الله واستكثارا من الطاعة ليكونوا قدوة لنا في ذلك
آدم -عليه السلام- فقال القرطبي إن آدم -عليه السلام- عمِلَ في الزّراعة، كما نُقل عن أنس -رضي الله عنه- أنّه كان يعمل بالحياكة، ورُويَ أنّه أوَّل من عمل بالحِياكة.
إدريس -عليه السلام- فقد ذكر الشيباني في كتابه “كسب الأنبياء” أنّ إدريس -عليه السلام- كان يعمل بالخياطة. وقيل هو اول من خط بالقلم وخاط الثوب
فعن ابن عباس أن إدريس كان خياطا، فكان لا يغرز إبرة إلا قال: سبحان الله فكان يمسي حين يمسي، وليس في الأرض أحد أفضل عملا منه، وفقا لما جاء في (تفسير القران العظيم) لابن كثير.
نوح -عليه السلام- كان نجَّاراً، وكان متقنا في صنعته بدليل صناعتهِ للسفينة، بإتقان زراعية الاهية لِقولهِ -تعالى-: (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ* وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ).
إبراهيم ولوط -عليهما السلام- حيث جاء عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنّهم اشتغلا بالزِّراعة.
وكان إبراهيم -عليه السلام- كان بنَّاءً، فقد بنى الكعبة مع ابنه إسماعيل، فاتقنها وحملها بإخلاص قال تعالى-: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).وهو اول من اختتن وضاف الضيفان وقيل كان يتاجر بالقماش
داود -عليه السلام- فقد كان حداداً، والان الله له الحديد وكان فعلمه ربه صنعة فتعلمها واتقنها ايما إتقان لِقولهِ -تعالى-:
(وَعَلَّمناهُ صَنعَةَ لَبوسٍ لَكُم )، وكان يصنع الدروع الحربية وخصّهُ النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- بقوله: (ما أكَلَ أحَدٌ طَعامًا قَطُّ، خَيْرًا مِن أنْ يَأْكُلَ مِن عَمَلِ يَدِهِ، وإنَّ نَبِيَّ اللَّهِ داوُدَ عليه السَّلامُ، كانَ يَأْكُلُ مِن عَمَلِ يَدِهِ)،وقد خصَّه بالذِّكر بالرغم من أنّ مُعظم الأنبياء كانوا يعملون؛ لأنّه كان ملكاً، ونبياً، وصانعاً في نفس الوقت وهو من الأنبياء الذين عملوا بالحُكمِ والمُلك، قال تعالى-: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ)، حيثُ كان خليفةً في الأرض.

وسليمان -عليه السلام- حيث جاء عن الإمام الثعالبيّ أنّ سُليمان -عليه السلام- كان أوَّل من عمل في صناعة الصّابون.
سُليمان -عليه السلام- حيثُ كان وريثاً للحُكم بعد أبيه داود -عليه السلام-، فقد كان يُشاورهُ في الحُكم؛ لوفورة عقله، فقال -تعالى- عن ذلك: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ)؛[٣٠] أي ورثهُ في النُبوَّة والمُلك والحُكم، وكان ملكاً على الشَّام، وقيل: إنّه مَلَكَ الأرض جميعها، وقال ابن عباس -رضي الله عنه-: “ملك الأرض مؤمنان: سليمان وذو القرنين” وكان في حُكمهِ ربّانياً، وعادلاً، بعيداً عن الطُغيان والظُلم وقد أعطاه الله -تعالى- ملكاً عظيماً وكبيراً.
ورويَ أنَّ سُليمان -عليه السلام- كان يصنع المكاييل.
وكان نبي الله عيسى – عليه السلام – يعمل بالطب وعلاج المرضى، يقول الله تعالى في كتابه العزيز في سورة آل عمران (أية: 49): {… وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ…}
ويوسف -عليه السلام- فقد كان وزيراً للماليَّة أو التموين، وهو منصبٌ يتعلَّق بالأموال، والإحصاءات، والتَّخزين والتَّوزيع، لِقولهِ -تعالى-: (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ)
وزكريا -عليه السلام- فقد كان يعمل بالنِجارة،[ بدليل ما جاء عن النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (كان زكريَّا نجارًا ) والياس عليه السلام كان يعمل في الغزل وموسى -عليه السلام- فقد كان يعمل برعي الغنم، إضافةً إلى عمله بالتِّجارة، مما يدُلُّ على إعلاء شأن العمل، وتشريفِ للعاملين.[ وقد عمل بالكتابة، حيث كان يكتب التوراة بيده.
ومسك الختام وبدر التمام سيد البشرية سيدنا مُحمد -عليه الصلاةُ والسلام- وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يرعى الغنم لأهل مكة بالقراريط قال سويد: يعني كل شاة بقيراط فقد روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الغَنَمَ»، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ» كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وِآلِهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَمِلَ عَمَلاً أَثْبَتَهُ , فإتقان العمل يدل على كمال العامل.
وعمل النبيّ صلي الله عليه وسلم بالتِّجارة بعد عمله برعي الغنم، وذلك بعد أن طلب من عمِّه أبي طالب وهو في سنِّ الثانية عشر من عُمره أن يصحَبَهُ معه في تجارتهِ إلى بلاد الشّام، وهناك التقوا بالراهب بحيرا الذي أخبر أبا طالب أنّ ابن أخيه محمّد سيكون له شأنٌ عظيمٌ، ثُمّ كانت رحلته الثانيّة إلى بلاد الشَّام في تجارةٍ للسيدة خديجة -رضي الله عنها- مع غُلامها ميسرة وما قاله عن صدقه وأمانته وإتقانه وظل يتاجر حتي لحق بالرفيق الأعلى
واخيرا : الصانع المتقن ظاهرة حضارية.
والإتقان هدف تربوي، ومن أسس التربية في الإسلام، لأن الإتقان في المجتمع المسلم ظاهرة سلوكية تلازم المسلم في حياته، والمجتمع في تفاعله وإنتاجه، فلا يكفي الفرد أن يؤدي العمل صحيحاً بل لا بد أن يكون صحيحاً ومتقناً، حتى يكون الإتقان جزءاً من سلوكه الفعلي .
والإتقان في المفهوم الإسلامي ليس هدفاً سلوكياً فحسب، بل هو ظاهرة حضارية تؤدي إلى رقي الجنس البشري، وعليه تقوم الحضارات، ويعمر الكون، وتثرى الحياة، وتنعش، ثم هو قبل ذلك كله هدف من أهداف الدين يسمو به المسلم ويرقى به في مرضاة الله والإخلاص له لأن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه، وإخلاص العمل لا يكون إلا بإتقانه.
فالإتقان سمة أساسية في الشخصية المسلمة يربيها الإسلام فيه منذ ان يدخل فيه، وهي التي تحدث التغيير في سلوكه ونشاطه، فالمسلم مطالب بالإتقان في كل عمل تعبدي أو سلوكي أو معاشي؛ لأن كل عمل يقوم به المسلم بنيّة العبادة هو عمل مقبول عند الله يُجازى عليه سواء كان عمل دنيا أم آخرة. قال تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين)). [الأنعام: 162-163].
إننا نفتقد التربية الأسرية والمدرسية والاجتماعية التي تربي الصانع المتقن في حياتنا وان يكون عنده مهارة داخلية تعبر عن قوة الشخصية التي تكسب الإنسان الاتزان والثقة والاطمئنان والتفرد إلى جانب اكتساب المهارة المادية والحركية.
فلنشكر الله علي الصحة ولنتقن العمل والصنعة
أخرج مسلم وأحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله عز وجل يقوم القيامة: يا ابن آدم حملتك على الخيل والإبل، وزوجتك النساء وجعلتك ترْبَع وترأس، فأين شكر ذلك؟)).
هذا وصلوا وسلموا على نبي الهدى ودين الحق، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
جمع وترتيب ثروت سويف امام وخطيب بالأوقاف المصرية