خُطْبَةُ الجُمُعَةِ القَادِمَةِ: (مَظاهِرُ عِنَايَةِ الإِسْلَامِ بِالطُّفُولَةِ) د. مُحَمَّدُ حِرْزٍ

خُطْبَةُ الجُمُعَةِ القَادِمَةِ: (مَظاهِرُ عِنَايَةِ الإِسْلَامِ بِالطُّفُولَةِ) د. مُحَمَّدُ حِرْزٍ بِتَارِيخِ 5 رجب 1447هـ – 26دِيسَمْبَرَ 2025م
خُطْبَةُ الجُمُعَةِ القَادِمَةِ word : (مَظاهِرُ عِنَايَةِ الإِسْلَامِ بِالطُّفُولَةِ) د. مُحَمَّدُ حِرْزٍ
خُطْبَةُ الجُمُعَةِ القَادِمَةِ pdf : (مَظاهِرُ عِنَايَةِ الإِسْلَامِ بِالطُّفُولَةِ) د. مُحَمَّدُ حِرْزٍ
الحمدُ للهِ الذي خَلَقَ الإنسَانَ بِقُدْرَتِهِ، وَأَنْشَأَهُ في الأَرْحَامِ بِحِكْمَتِهِ، وَرَعَاهُ – في ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ – بِلطْفِهِ وَعِنَايَتِهِ، الحمدُ للهِ الذي جَعَلَ لِلطُّفُولَةِ مِنْ شَرْعِهِ مِيثَاقًا، وَهَيَّأَ لَهَا قُلُوبًا غَمَرَهَا مَوَدَّةً وَرَأْفَةً وَوِفَاقًا، الحمدُ للهِ الذي جَعَلَ الطُّفُولَةَ أَمَانَةً مَصُونَةً، وَنَفْحَةً رَبَّانِيَّةً، وَغَرْسًا مُبَارَكًا؛ إِن صَلَحَ أَثْمَرَ، وَإِن أُهْمِلَ انكَسَرَ، وَجَعَلَ في رِعَايَةِ الصِّغَارِ قُرْبَةً، وَفي الإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ عِبَادَةً، وأَشْهَدُ أَن لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَن مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّـهِ وَرَسُولُهُ الأَمِينُ، أَرْسَلَهُ اللَّـهُ بِالْحَقِّ هَادِيًا وَبَشِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّـهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا، أَنْقَذَنَا اللَّـهُ بِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ، وَأَخْرَجَنَا بِهِ مِنَ الْغَوَايَةِ، وَمَا مَاتَ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَائِرٌ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا وَأَعْطَانَا مِنْهُ خَبَرًا، فَصَلَوَاتُ اللَّـهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَزَوْجَاتِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَالتَّابِعِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ، وَاقْتَفَى سُنَّتَهُ، وَسَلِمَ اللّٰهُمَّ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: فاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُون))[آل عمران:102عِبَادَ اللَّهِ: ((مَظاهِرُ عِنَايَةِ الإِسْلَامِ بِالطُّفُولَةِ)) عُنْوَانُ وَزَارَتِنَا وَعُنْوَانُ خُطْبَتِنَا.
عَنَاصِرُ اللِّقَاءِ:
❖ أَوَّلًا: الأَطْفَالُ نِعْمَةٌ إِلَهِيَّةٌ، وَهِبَةٌ رَبَّانِيَّةٌ.
❖ ثَانِيًا: لِلطُّفُولَةِ حُقُوقٌ كَثِيرَةٌ وَعَدِيدَةٌ فِي الإِسْلَامِ!!
❖ ثَالِثًا وَأَخِيرًا: الأَلْعَابُ الإِلِكْتُرُونِيَّةُ شَرٌّ عَرِيضٌ.
أَيُّهَا السَّادَةُ: مَا أَحْوَجَنَا فِي هَذِهِ الدَّقَائِقِ الْمَعْدُودَةِ إِلَى أَنْ يَكُونَ حَدِيثُنَا عَنْ مَظَاهِرِ عِنَايَةِ الإِسْلَامِ بِالطُّفُولَةِ لِنُبَيِّنَ لِلْدُّنْيَا كُلَّهَا أَنَّ الإِسْلَامَ هُوَ دِينُ الْحُقُوقِ وَأَنَّ الإِسْلَامَ هُوَ دِينُ الرَّحْمَةِ وَأَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا أَرْسَلَ نَبِيَّهُ نَبِيَّ الرَّحْمَةِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ لِنَعْلَمَ الدِّينَ كُلَّهَا أَنَّ الإِسْلَامَ سَبَقَ حُقُوقَ الْإِنْسَانِي فِي وَضْعِ ضَوَابِطَ وَحُقُوقٍ لِلطُّفُولَةِ بِلَا نَظرَ إِلَى لَوْنٍ أَوْ عِرْقٍ أَوْ لُغَةٍ أَوْ دِينٍ ،وَخَاصَّةً وَأَنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ مُسْتَقْبَلًا تَأْمُلُهُ وَتَنْشُدُهُ، وَلَا يَقُومُ هَذَا الْمُسْتَقْبَلُ إِلَّا عَلَى النَّاشِئِ، فَأَطْفَالُ الْيَوْمِ هُمْ رِجَالُ الْغَدِ، أَطْفَالُ الْيَوْمِ هُمْ حُمَاةُ الدِّينِ وَأَبطَالُ الْوَطَنِ، أَطْفَالُ الْيَوْمِ هُمْ نَوَاةُ أُمَّتِنَا وَهُمْ فَخْرُهَا وَعِزَّتُهَا، وَخَاصَّةً فِي زَمَنٍ تَكَالَبَ فِيهِ أَعْدَاءُ الْإِسْلَامِ عَلَى أَهْلِهِ، وَفِي زَمَنٍ كَشَّرَ الشَّرُّ فِيهِ عَنْ أَنْيَابِهِ وَفِي زَمَنٍ انْتَشَرَتْ فِيهِ وَسَائِلُ الْفَسَادِ وَعَمَّتْ وَطُمَّتْ، كَانَ لِزَامًا عَلَيْنَا -نَحْنُ الْآبَاءَ وَالْمُرَبِّيْنَ وَأُوْلِيَاءِ الْأُمُورِ- أَنْ نَهْتَمَّ بِشَأْنِ تَرْبِيَةِ الطِّفْلِ مُنْذُ نُعُومَةِ أَظْفَارِهِ بَلْ وَقَبْلَ مَوْلِدِهِ وَاخْتِيَارِ أُمِّهِ، وَأَنْ نَبْحَثَ عَنْ كُلِّ مَا مِن شَأْنِهِ أَنْ يُعِينَنَا عَلَى الْقِيَامِ بِهَذِهِ الْمَسْؤُولِيَّةِ، وَخَاصَّةً وَنَحْنُ فِي زَمَنٍ ضَاعَتْ فِيهِ التَّرْبِيَةُ بَيْنَ النَّشْءِ إِلَّا مَا رَحِمَ اللَّهُ، وَخَاصَّةً وَهُنَاكَ مُحَاوَلَاتٌ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لِلنَّيْلِ مِن شَبَابِنَا وَبَنَاتِنَا، أَعْدَاءُ الْإِسْلَامِ لَا يَنَامُونَ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا، يُرِيدُونَ النَّيْلَ مِن شَبَابِنَا وَشَبَاتِنَا، فَلَابُدَّ مِن تَرْبِيَتِهِمْ وَتَنْشِئَتِهِمْ تَنْشِئَةً صَحيحَةً عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ ﷺ للحَذَرِ مِنْ هَؤُلاءِ الأعداءِ الْمُتَرَبِّصِينَ لَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ:
مُؤَامَرَةٌ تَدُورُ عَلَى الشَّبَابِ *** لِتَجْعَلَهُ رُكَامًا مِنْ تُرَابِ
مُؤَامَرَةٌ تَقُولُ لَهُمْ تَعَالَوْا *** إِلَى الشَّهَوَاتِ فِي ظِلِّ الشَّرَابِ
مُؤَامَرَةٌ يُحِيكُ خُيُوطَهَا *** أَعْدَاءُ سُوءٍ فِي لُؤْمِ الذِّئَابِ
تَفَرَّقَ شَمْلُهُمْ إِلَّا عَلَيْنَا *** فَصِرْنَا كَالْفَرِيسَةِ لِلْكِلَابِ
❖ أَوَّلًا: الأَطْفَالُ نِعْمَةٌ إِلَهِيَّةٌ، وَهِبَةٌ رَبَّانِيَّةٌ.
أَيُّهَا السَّادَةُ: أَوْلَادُنَا ثِمَارُ قُلُوبِنَا، وَعِمَادُ ظُهُورِنَا، وَفَلَذَاتُ أَكْبَادِنَا، وَأَحْشَاءُ أَفْئِدَتِنَا، وَزِينَةُ حَيَاتِنَا، أَوْلَادُنَا نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ، وَمِنَّةٌ كَبِيرَةٌ وَمَنْحَةٌ جَلِيلَةٌ، أَوْلَادُنَا زِينَةُ الْحَاضِرِ وَأَمَلُ الْمُسْتَقْبَلِ، هُمْ حَبَاتُ الْقُلُوبِ سَمَّاهُمُ اللَّهُ زِينَةً فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ، قَالَ جَلَّ وَعَلَا: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [الكهف: 46]، قَالَ جَلَّ وَعَلَا: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾ [آل عمران: 14]، أَوْلَادُنَا قُرَّةُ الأَعْيُنِ، وَبَهْجَةُ الحَيَاةِ، وَأَنسُ العَيْشِ، بِهِمْ يَحْلُو العُمُرُ، وَعَلَيْهِمْ تَعَلُّقُ الآْمَالِ، وَبِبَرَكَةِ تَرْبِيَتِهِمْ يَسْتَجْلِبُ الرِّزْقُ، وَتَنْزِلُ الرَّحْمَةُ، وَيُضَاعَفُ الأَجْرُ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي اللهُ عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ )، رَوَاهُ مُسْلِمٌ، فَأَطْفَالُ الْيَوْمِ هُمْ رِجَالُ الْغَدِ، وَإِذا أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ عَظِيمَ مِنَّةِ اللَّهِ عَلَيْكَ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ، فَانْظُرْ إِلَى مَنْ حُرِمَهَا، وَكَيْفَ يَذُوقُ وَيَتَجَرَّعُ مَرَارَةَ الْحِرْمَانِ وَالْفَقْدِ، حِينَمَا يَرَى النَّاسَ مَعَهُمْ أَوْلَادَهُم، فَيَحْتَرِقُ قَلْبُهُ شَوْقًا وَحُزْنًا لِلْأَوْلَادِ!. فَنِعْمَةُ الْوَلَدِ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ وَمِنَّةٌ كَبِيرَةٌ فَهُمْ عِمَادُ الْأُمَّةِ، وَعِزُّهَا الْمَجِيدُ، وَقُوَّةُ الشُّعُوبِ، وَحِصْنُهَا الْحَصِينُ، وَدِرْعُهَا الْمَتِينُ، هُمْ سَبَبُ الْفَتُوحَاتِ، وَأَسَاسُ الْانْتِصَارَاتِ فَالشَّبَابُ كَانُوا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ وَبَعْدِهِ لِبِلَادِ الْكُفَّارِ فَاتِحِينَ، وَعَنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ مُنَاضِلِينَ، تَجِدُهُمْ مُحَارِبِينَ، وَتَرَاهُمْ مُقَاتِلِينَ، تَهَابُهُمْ الْأَعْدَاءُ، وَيُحِبُّهُمْ مَن فِي السَّمَاءِ، مُتَّبِعِينَ لِسُنَّةِ نَبِيِّهِم، مُتَمَسِّكِينَ بِدِينِ رَبِّهِم. وَلِلَّهِ دِرُّ الْقَائِلِ:
وَإنَّما أوْلاَدُنَا بَيْنَنَا *** أكْبَادُنَا تَمْشِي عَلى الأرْضِ
لَوْ هَبَّتِ الرِّيحُ عَلى بَعْضِهِمْ *** لاَمْتَنَعَتْ عَيْنِي مِنَ الْغَمضِ
الَأطْفَالُ نِعْمَةٌ إِلَهِيَّةٌ، وَمِنْحَةٌ رَبَّانِيَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِهَا قُلُوبُ الْبَشَرِ وَتَرْجُوهَا، لِتَأْنَسَ بِهَا مِنَ الْوَحْشَةِ، وَتَقْوَى بِهَا عِندَ الْوَحْدَةِ، وَتَكُونَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، لِذَا طَلَبَهَا إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا السَّلَامُ، فَقَالَ: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾(الصَّافَاتِ: 100) وَطَلَبَهَا زَكَرِيَّا ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ ـ مِنْ رَبِّهِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ﴾ (الْأَنْبِيَاءِ: 89) . وَأَثْنَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ، فَقَالَ جَلَّ وَعَلَا عَنْ صِفَاتِ عِبَادِ الرَّحْمَـٰنِ:﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ الفرقان: 74.وعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَجَمَالٍ، وَإِنَّهَا لَا تَلِدُ، أَفَأَتَزَوَّجُهَا؟ قَالَ: لَا، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَنَهَاهُ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: (تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ، فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ)، فَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ بَيَّنَ لَنَا أَنَّ أَوْلَادَنَا نِعْمَةٌ أَوْ نِقْمَةٌ، قَالَ جَلَّ وَعَلَا:{إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ} [التغابن: 14]وقالَ جلَّ وعلا: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: 15] هَذَا فِي جَانِبِ الْخَطَرِ، وَفِي الْجَانِبِ الْآخَرِ قَالَ جَلَّ وَعَلَا:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الطور: 21]، وقالَ سبحانَهُ: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74]، فَالْوَلَدُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ قُرَّةَ عَيْنٍ يَسُرُّكَ أَنْ تَلْقَاهُ فِي الدُّنْيَا وَتَجْتَمِعَ بِهِ فِي الْجَنَّةِ فِي الْآخِرَةِ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِتْنَةً وَعَدُوًّا تَقُولُ: {يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ} [الزخرف: 38]. فَالأَوْلَادُ عَطِيَّةٌ رَبَّانِيَّةٌ، وَمِنْحَةٌ إِلَٰهِيَّةٌ تَسْتَوْجِبُ الشُّكْرَ
إِذَا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَارْعَهَا ****فَإِنَّ الذُّنُوبَ تَزِيلُ النِّعَمَ
وَاحْفَظْهَا بِطَاعَةِ رَبِّ الْعِبَادِ**** فَرَبُّ الْعِبَادِ سَرِيعُ النَّقْمِ
❖ ثَالِثًا وَأَخِيرًا: الأَلْعَابُ الإِلِكْتُرُونِيَّةُ شَرٌّ عَرِيضٌ.
أيُّها السَّادةُ: مِن المعلومِ أَنَّ شَرِيعَةَ الْإِسْلَامِ قَدْ جاءتْ بِحفْظِ الطِّفلِ والعِنايةِ بهِ، وأمرَنَا بها المولَى جلَّ وعلا في قرآنِهِ ونَبيُّنَا ﷺ في سنَتِهِ، وتربيةُ الأَطْفَالِ والعِنايةُ بِهِم صِحِّيًّا ونَفْسِيًّا واجتِماعيًّا مِن أهمِّ الأُمورِ؛ لأنَّهَا تربيةٌ للقيادةِ وتَحَمُّلِ المسؤوليَّةِ في المستقبلِ، وهو أمرٌ ضَرُورِيٌّ لتنميةِ المجتمعِ؛ ولأنَّ الطِّفلَ ينشأُ ويتربَّى في الأُسرةِ، فلقد اهتمَّ الإسلامُ بالأُسرةِ وجعَلَهَا مكانًا للسَّكنِ والمَوْدَّةِ والرَّحْمَةِ والحُبِّ، قالَ جلَّ وعلا:﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ (الروم: 21)، وَاهْتَمَّ الْإِسْلَامُ بِحُقُوقِ الْطِّفْلِ قَبْلَ وِلَادَتِهِ، عَبْرَ إِصْلَاحِ الْمَحضِنِ وَالْمِرْتَعِ، الَّذِي سَوْفَ يَنْشَأُ فِيهِ الطِّفْلُ، وَلِذَلِكَ حَضَّ الْإِسْلَامُ عَلَى الزَّوَاجِ حَتَّى يَنْشَأَ الطِّفْلُ مِنْ خِلَالِهِ عَلَى الطَّهَارَةِ وَالْعِفَّةِ وَالِاسْتِقَامَةِ، وَحَرَّمَ الْإِسْلَامُ الزِّنَا بِكُلِّ صُورِهِ؛ لِأَنَّ الطِّفْلَ عِنْدَهُ يَكُونُ نَتَاجَ نُطْفَةٍ خَبِيثَةٍ مُهَانَةٍ، وَعَادَةً يَكُونُ مَصِيرُهُ الضَّيَاعَ وَالْفَسَادَ، وَكَذَا حَرَّمَ الْإِسْلَامُ عَدَدًا مِنَ الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ؛ حِفَاظًا عَلَى طَهَارَةِ الْمَحضِنِ، مَثَلَ: نِكَاحِ الْمُتْعَةِ، وَنِكَاحِ الشِّغَارِ، وَالْمُحَلِّلِ، وَالِاسْتِبْضاعِ. وَمِنْ حُقُوقِ الطَّفْلِ: أَنَّ الإِسْلَامَ اعْتَنَى بِالطَّفْلِ مِنْ قَبْلِ وُجُودِهِ، فَحَثَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمَرْأَةَ وَأَهْلَهَا عَلَى قَبُولِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ إِذَا تَقَدَّمَ لِخِطْبَتِهَا، فَقَالَ: (إِذا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ عَرِيضٌ)، وَحَثَّ الرَّجُلَ عَلَى اخْتِيَارِ الْمَرْأَةِ الصَّالِحَةِ، كَمَا قَالَ ﷺ: (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ). وَإِذا تَمَّ عَقْدُ النِّكَاحِ وَأَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَأْتِيَ زَوْجَتَهُ فَقَدْ أُمِرَ بِالدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ، حَيْثُ قَالَ النَّبِيُّ الْمُخْتَارُ ﷺ: (لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ، فَقَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنا، فَإنَّه إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا)، فَإِذا تَكَوَّنَ الطَّفْلُ فِي الرَّحِمِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ فَائِقَ الرِّعَايَةِ وَالْعِنَايَةِ.
وَمِنْ حُقُوقِ الإِسْلَامِ بِالطِّفْلِ: وَهُوَ جِنِينٌ وَهُوَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، حَافَظَ عَلَيْهِ مِنَ الْاعْتِدَاءِ، وَاحْتَفَظَ لَهُ بِحَقِّهِ فِي الْحَيَاةِ، فَحَرَّمَ إِجَهَاضَهُ وَإِسْقَاطَهُ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ، بِقَوْلِهِ جَلَّ وَعَلَا: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [الْأَنْعَامِ: 151]، وَلَوْ كَانَ هَذَا الْإِسْقَاطُ أَوْ الْإِجَهَاضُ بِاتِّفَاقِ الزَّوْجَيْنِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ الْمَائِدَةُ: 32، ثُمَّ اخْتَصَّ بِبَيَانِ حُرْمَةِ قَتْلِ الْأَوْلَادِ؛ لِيُبَيِّنَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَظِيمَ رَحْمَتِهِ وَاهْتِمَامِهِ بِهَذَا الْوَلِيدِ الَّذِي لَمْ يَرْتَكِبْ جُرْمًا وَلَمْ يُقْتَرِفْ إِثْمًا، قَالَ جَلَّ وَعَلَا:﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ﴾ [الأنعام: 151]، وقالَ جلَّ وعلا: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا﴾ [الإسراء: 31)
وَمِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ فِي الْإِسْلَامِ: أَنَّهُ أَوْجَبَ عَدَمَ تَنفِيذِ الْعُقُوبَةِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى الْأُمِّ الحَامِلِ، إِذْ إِنَّ الْمَرْأَةَ الحَامِلَ مِنَ الزِّنَا، إِذَا كَانَتْ مُتَزَوِّجَةً قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنَّهَا لَا يُقَامُ عَلَيْهَا حَدُّ الرَّجْمِ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا، وَلَا يُقَتَصُّ مِنْهَا فِي أَيِّ عُقُوبَةٍ أُخْرَى حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا.
وَمِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ فِي الْإِسْلَامِ : حَقُّهُ فِي الرَّضَاعِ وَأَجْبَ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ، قَالَ جَلَّ وَعَلَا:(وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ) [سورة البقرة: 233}
وَمِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ فِي الْإِسْلَامِ: أَنْ يُحْسِنَ الأَبُ اخْتِيَارَ اسْمِ ابْنِهِ: وَذَلِكَ لِمَا لِلِاسْمِ مِنْ أَثَرٍ نَفْسِيٍّ بَالِغٍ فِي تَكْوِينِ شَخْصِيَّتِهِ وَثِقَتِهِ بِنَفْسِهِ، فَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ، وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ، فَأَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُد]. فَحَقُّهُ فِي التَّسَمِّي فِي أَمْرٍ نَبَوِيٍّ أَنْ يُحْسِنَ الأَبُ اخْتِيَارَ اسْمَ ابْنِهِ، لِذَا غَيَّرَ النَّبِيُّ ﷺ بَعْضَ الأَسْمَاءِ، وَاحِدَةٌ اسْمُهَا عَاصِيَةٌ، قَالَ: بَلْ أَنْتِ جَمِيلَةٌ، شَخْصٌ اسْمُهُ أَصْرَمُ قَالَ لَهُ: أَنْتَ أَزْرَعُ، غَيَّرَ النَّبِيُّ ﷺ الأَسْمَاءَ، مِنْ حَقِّ الْابْنِ عَلَى أَبِيهِ أَنْ يَخْتَارَ لَهُ اسْمًا يَتَبَاهَى بِهِ، ثُمَّ يُعَقُّ لَهُ أَيْ يَذْبَحُ عَقِيقَةً تَكْرِيمًا لِهَذَا الْمَوْلُودِ، وَلِإِشْعَارِهِ أَنَّهُ كَبِيرٌ يَسُنُّ أَنْ يُكِنَّى بِكُنْيَةٍ، يَا أَبَا عُمَيْرٍ، طِفْلٌ صَغِيرٌ يَلْعَبُ بِعُصْفُورِ، يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟ تَذْبَحُ لَهُ عَقِيقَةً وَتَخْتَارَ لَهُ اسْمًا حَسَنًا وَتُكُنِّهِ.
وَمِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ فِي الْإِسْلَامِ: الحِرصُ عَلَى تَعْلِيمِهِ وَعَدَمِ تَرْكِهِ لِلْجَهْلِ وَآفَاتِهِ فَقَدْ أَوْلَى اللهُ الْعِلْمَ مَنْزِلَةً عَظِيمَةً، فَقَالَ تَعَالَى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [الْعَلَقِ: ١]، وَهِيَ أَوَّلُ كَلِمَةٍ نُزِّلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَأْكِيدًا عَلَى أَنْ التَّعَلُّمَ حَقٌّ لِكُلِّ إنْسَانٍ مُنْذُ الصِّغَرِ، وَالْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ وَفَضْلِ أَهْلِهِ كَثِيرَةٌ، وَأَكَّدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هَذَا الْحَقِّ فَقَالَ: “طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ” [رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ]
وَمِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ فِي الْإِسْلَامِ: تَربيَةُ النَّشءِ على الكِتَابِ والسُّنَّةِ ، وعَلَى الإيمانِ والعَقِيدَةِ الصَّحيحَةِ: أنْ يَتَعَرَّفَ الأبْنَاءُ على رَبِّهِم عزَّ وجَلَّ وعلى نَبِيِّهِم ﷺ، وعَلَى دينِهِ الَّذِي ارْتَضَاهُ للبَشَرِيَّةِ جَمِيعًا، فَهذهِ العَقِيدَةُ وَصَّى بِهَا يَعقُوبُ عَلَيهِ السَّلامُ بَنِيهِ عِندَ المَوْتِ فَقالَ: {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 132]، وَقَالَ لُقْمَانُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِوَلَدِهِ الْوَصِيَّةَ الْجَامِعَةَ الَّتِي جَمَعَتْ الْأُصُولَ وَالْفُرُوعَ مُعَلِّمًا إِيَّاهُ كَمَا قَالَ اللَّهُ: {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لُقْمَانَ: 13]، لِذَا نَرَى الرَّسُولَ ﷺ يُعْطِينَا دُرُوسًا فِي الْعَقِيدَةِ السَّلِيمَةِ وَالتَّوْحِيدِ الْخَالِصِ عَلَى يَدِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لِبِنَاءِ الشَّخْصِيَّةِ مُنْذُ الصِّغَرِ عَلَى الْعَقِيدَةِ الْخَالِصَةِ لِلَّهِ فَقَالَ:(يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ) رواه الترمذي.
وَمِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ فِي الْإِسْلَامِ: الْحِرْصُ عَلَى تَرْبِيَةِ الْأَوْلَادِ تَرْبِيَةً صَحِيحَةً عَلَى كِتَابِ اللَّـهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ ﷺ فَهُمْ أَمَانَةٌ يَجِبُ تَأْدِيَتِهَا كَمَا يُحِبُّ اللَّـهُ جَلَّ فِي عَلَاهُ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ (التحريم: 6).
وَمِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ فِي الْإِسْلَامِ: أنْ نُربِّيَ أطفالَنَا على الْآدَابِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَالْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ؛ لِيَنْشَأَ عَلَيْهَا مِنْ صِغَرِهِ، فَعَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: كُنْتُ غُلاَمًا في حِجْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَكَانَتْ يَدِى تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “يَا غُلاَمُ! سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ”، فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ”(متفق عليه)، وَعَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “يَا بُنَيَّ! إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ فَسَلِّمْ؛ يَكُونُ بَرَكَةً عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ”(رواه الترمذي).
وَمِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ فِي الْإِسْلَامِ: أَنْ نُرَبِّىَ أَطْفَالَنَا عَلَى الْاِلْتِزَامِ بِالشَّعَائِرِ التَّعَبُّدِيَّةِ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَغَيْرِهِمَا وَامْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكُونُوا كَحالِ سَيِّدِنَا إِسْمَاعِيلَ حَيْثُ مَدَحَهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فَالَ جلّ وَعَلَا: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} [مريم: 55]، وكحالِ النبيِّ ﷺ إذ خاطبَهُ ربُّهُ فقالَ جلَّ وعلا: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132] وامتثالًا لأمرِ رسولِهِ ﷺ في قولِهِ: ( مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ في الْمَضَاجِعِ).
وَمِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ فِي الْإِسْلَامِ: أَنْ نُرَبِّيَ أَطْفَالَنَا عَلَى اخْتِيَارِ الْأَسْوَةِ الْحَسَنَةِ: فَالْأَسْوَةُ الْحَسَنَةُ هِيَ الْاِقْتِدَاءُ بِأَهْلِ الْخَيْرِ وَالْفَضْلِ وَالصَّلاحِ، فِي كُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِمَعَالِي الْأُمُورِ وَفَضَائِلِهَا، فَالْمُسْلِمُ الْحَقِيقِيُّ لَيْسَ أَسْوَتُهُ التَّافِهِينَ وَالتَّفَهَاتِ وَلَا السَّاقِطِينَ وَالسَّاقِطَاتِ، إِنَّمَا أَسْوَتُهُ النَّبِيُّ الْمُخْتَارُ ﷺ وَالصَّحَابَةُ الْأَخْيَارُ وَالصَّالِحُونَ الْأَبْرَارُ بِنَصٍّ مِنْ عِندِ اللَّهِ
{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ) الأحزاب21. لذا أوصَى أحدُ السلفِ مُعلِّمَ ولدِهِ قائلًا: ليكنْ أولُ إصلاحِكَ لولدِي إصلاحكَ لنفسِك؛ فإنَّ عيونَهُم معقودةٌ بعينِك، فالحسنُ عندهُم ما صنعتَ، والقبيحُ عندهُم ما تركتَ .
وَمِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ فِي الْإِسْلَامِ :أنْ نُربّيَ أطفالَنَا على مراقبةِ اللهِ جلّ وعلا في جميعِ تصرفاتِ حياتِهِم، وأنّ اللهَ مطلعٌ عليهِم ويراهُم، قال اللهُ تعالى عن لقمانَ الذي أرشدَ ولدَهُ إلى هذه المراقبةِ: ﴿ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴾ [لقمان: 16]. وقُلْ لهُ يا ولدِي
وإِذا خَلَوتَ بِرِيبَةٍ في ظُلمَةٍ ***والنَفسُ داعيَةٌ إلى الطُغيانِ
فاِستَحيِ مِن نَظَرِ الإِلَهِ وقل لها*** إنَّ الَّذي خَلَقَ الظَلامَ يَرانِي
وَمِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ فِي الْإِسْلَامِ: أنْ نُربّيَ أطفالَنَا على اختيارِ الصاحبِ، ونعلمَهُ أنَّ الصاحبَ ساحبٌ، والصديقَ قبلَ الطريقِ، فالصاحبُ يضرُّ بصاحبِهِ يا شباب، كما قالَ نبيُّنَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِطُ وَقَالَ مُؤَمَّلٌ مَنْ يُخَالِل ) (أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ)، فَكَمْ مِنْ صَدِيقٍ قَادَ صَاحِبَهُ إِلَى الْقُرْآنِ؟ وَكَمْ مِنْ صَدِيقٍ قَادَ صَاحِبَهُ إِلَى الْغِنَاءِ؟ كَمْ مِنْ صَدِيقٍ قَادَ صَاحِبَهُ إِلَى الصَّلَاةِ؟ وَكَمْ مِنْ صَدِيقٍ قَادَ صَاحِبَهُ إِلَى التَّدْخِينِ؟ وصدقَ ربُّنَا إذْ يقولُ: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا (28) ) (سورة الفرقان )، فمِن الناسِ مفاتحٌ للخيرِ مغاليقٌ للشرِّ كما قال نبيُّنَا ﷺ ففي الصحيحينِ مِن حديثِ أبي مُوسي ـ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ـ قالَ: قالَ النبيُّ المختارُ: (مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً)، وللهِ درُّ القائلِ:
عَنِ المَرءِ لا تَسأَلْ وَسَلْ عَن قَرينِهِ * * فَكُلُّ قَرينٍ بِالمُقارِنِ يَقتَدي
وَمِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ فِي الْإِسْلَامِ: أنْ نُرَبِّيَ أَطْفَالَنَا عَلَى التَّرْبِيَةِ، عَلَى كُلِّ خُلُقٍ طَيِّبٍ وَجَمِيلٍ فَبِالأَخْلَاقِ تُبْنَى الشَّخْصِيَّاتُ يَا سَادَةَ، وَخَاصَّةً وَنَحْنُ نَعِيشُ زَمَانًا انْعَدَمَتْ فِيهِ الأَخْلَاقُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَانْتَشَرَ فِيهِ سُوءُ الأَخْلَاقِ بِصُورَةٍ مُخْزِيَةٍ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، مَعَ أَنَّ نَبِيَّنَا هُوَ نَبِيُّ الأَخْلَاقِ، وَدِينُنَا هُوَ دِينُ الأَخْلَاقِ، وَشَرِيعَتُنَا هِيَ شَرِيعَةُ الأَخْلَاقِ، وَقُرْآنُنَا هُوَ قُرْآنُ الأَخْلَاقِ، بَلِ الْغَايَةُ الأَسْمَى مِنْ بَعْثَتِهِ ﷺ هِيَ الأَخْلَاقُ، فَقَالَ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ:{ بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، فَبِالأَخْلَاقِ انْتَشَرَ الْإِسْلَامُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَوَصَلَ إِلَى بِلَادِ الْأَنْدَلُسِ وَبِلَادِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَبِالأَخْلَاقِ سَادَ الْمُسْلِمُونَ الْعَالَمَ، وَبِالأَخْلَاقِ تُبْنَى الْحَضَارَاتُ، فَالأَخْلَاقُ عُنْوَانُ صَلَاحِ الأُمَمِ وَالْمُجْتَمَعَاتِ، وَمِعْيَارُ فَلَاحِ الشُّعُوبِ وَالأَفْرَادِ.
إِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلَاقُ مَا بَقِيَتْ…فَإِنْ هُمْو ذَهَبَتْ أَخْلَاقُهُم ذَهَبُوا
صَلَاحُ أَمْرِكَ لِلْأَخْلَاقِ مَرْجِعُهُ…فَقَوِّمِ النَّفْسَ بِالأَخْلَاقِ تَسْتَقِم
إِذَا أُصِيبَ الْقَوْمُ فِي أَخْلَاقِهِم…فَأَقِمْ عَلَيْهِم مَأْتَمًا وَعَوِيلا
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. الخطبةُ الثانيةُ …الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلّا لهُ، وبسمِ اللهِ ولا يستعانُ إلّا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ .. وبعدُ
❖ ثَالِثًا وَأَخِيرًا: الأَلْعَابُ الإِلِكْتُرُونِيَّةُ شَرٌّ عَرِيضٌ.
أَيُّهَا السَّادَةُ: الْأَوْلَادُ نِعْمَةٌ يَمُنُّ اللَّـهُ تَعَالَى بِهَا عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، فَيُلَاعِبُهُمْ صِغَارًا، وَيَنْفَعُونَهُ كِبَارًا (الْـمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا) وَلَكِنَّهُمْ مسؤولِيَّةٌ وَأَيُّ مسؤولِيَّةٍ؛ فَالْغُنْمُ بِالْغُرْمِ، وَلَيْسَ فِي مَتَاعِ الدُّنْيَا مُتْعَةٌ خَالِصَةٌ مِنَ الْكَدَرِ لذا وَفِّرّ كَثِيرٌ مِنَ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ لِأَوْلَادِهِمْ أَجْهِزَةَ الْأَلْعَابِ الْإِلِكْتِرُونِيَّةِ؛ مَحَبَّةً لَهُمْ، أَوْ مُكَافَأَةً عَلَى نَجَاحٍ حَقَّقُوهُ، أَوْ لِحِفْظِهِمْ مِنَ الذَّهَابِ إِلَى غَيْرِ بُيُوتِهِمْ بَحْثًا عَنْهَا، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ، حَتَّى صَارَتِ الْأَلْعَابُ الْإِلِكْتِرُونِيَّةُ جُزْءًا مِنْ حَيَاةِ الْأَطْفَالِ وَالشَّبَابِ، وَرُبَّمَا كَانَتْ هِيَ الْـجُزْءَ الْأَهَمَّ فِي حَيَاتِهِمْ، فَمَنْعُهُمْ مِنْهَا -مَعَ عَدَمِ إِيجَادِ الْبَدَائِلِ- عَسِيرٌ جِدًّا؛ هذه الألعابُ تقومُ على إنتاجِها شركاتٌ عِملاقةٌ، برؤوسِ أموالٍ كبيرةٍ، لها بالأساسِ هدفان: الغزوُ الثقافيُّ والرِّبحُ الماديُّ.
فالْأَلْعَابُ الْإِلِكْتُـرُونِيَّةُ: مِنْ أَخْطَرِ مَا يُهَدِّدُنَا أَطْفَالُنَا وَشَبَابُنَا وَكَيْفَ لَا؟ وَكَثِيرٌ مِنَ الْأَلْعَابِ الْإِلِكْتِرُونِيَّةِ تُرَبِّي الْأَطْفَالَ وَالشَّبَابَ عَلَى الْعُنْفِ وَالضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَالدَّمَوِيَّةِ والسرقةِ ، وَعَدَمِ الرَّحْمَةِ، وإهلاكِ الممتلكاتِ العامةِ والخاصةِ وغيرِ ذلك .
الْأَلْعَابُ الْإِلِكْتُـرُونِيَّةُ: إِدْمَانُهَا يُجْهِدُ الْأَعْصَابَ وَالدِّمَاغَ، وَيُؤَدِّي إِلَى الْـخُمُولِ وَالْكَسَلِ، وَيُؤَثِّرُ عَلَى الذَّكَاءِ وَالِاسْتِيعَابِ؛ وَلِذَا يُصَابُ كَثِيرٌ مِنْ مُدْمِنِيهَا بِشُرُودٍ ذِهْنِيٍّ، وَإِنْهَاكٍ عَصَبِيٍّ، وَضَعْفٍ فِي التَّرْكِيزِ.
الْأَلْعَابُ الْإِلِكْتُـرُونِيَّةُ: أَلْعَابٌ تَعْزِلُ مُدْمِنَهَا عَنْ أُسْرَتِهِ وَمُجْتَمَعِهِ، فَهُوَ مُتَسَمِّرٌ أَمَامَ الشَّاشَةِ، يَنْتَقِلُ فِيهَا مِنْ لُعْبَةٍ إِلَى أُخْرَى، وَمَعَ طُولِ الْأَمَدِ يَعِيشُ مُدْمِنُهَا فِي عُزْلَةٍ عَنْ مُجْتَمَعِهِ وَوَاقِعِهِ، وَيَعِيشُ خَيَالَ اللُّعْبَةِ.
الْأَلْعَابُ الْإِلِكْتُـرُونِيَّةُ: تَفَصْلُ الْـمَرْءَ عَنْ وَاقِعِهِ وتُصِيبُهُ بِأَمْرَاضٍ عِدَّةٍ، يَكْفِي مِنْهَا أَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ تَحَمُّلَ الْمسؤولِيَّةِ، وَلَا مُعَاشَرَةَ النَّاسِ وَالتَّعَاطِيَ مَعَهُمْ؛ لِأَنَّهُ أَدْمَنَ عَالَمًا افْتِرَاضِيًّا أَبْعَدَهُ عَنْ عَالَمِهِ الْوَاقِعِيِّ، ثُمَّ إِذَا اصْطَدَمَ بِوَاقِعِهِ فَحَرِيٌّ بِهِ أَنْ يَفْشَلَ وَيَنْتَكِسَ؛ لِأَنَّهُ يَجِدُ فِي وَاقِعِهِ عَالَمًا آخَرَ غَيْرَ الْعَالَمِ الِافْتِرَاضِيِّ الَّذِي تَرَبَّى عَلَيْهِ.
وَإِدْمَانُ الْأَلْعَابِ الْإِلِكْتِرُونِيَّةِ: يُصِيبُ الْأَطْفَالَ وَالشَّبَابَ بِعَدَمِ الْـمُبَالَاةِ بِأَيِّ شَيْءٍ سِوَى اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ، وَتَتَبُّعِ الْـجَدِيدِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَالسَّعْيِ فِي الْـحُصُولِ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ بَاهِظَ الثَّمَنِ، حَتَّى صَارَتْ أَشْرِطَةُ هَذِهِ الْأَلْعَابِ، وَالِاشْتِرَاكُ فِيهَا مَجَالَ اسْتِنْزَافٍ لِلْأَمْوَالِ، وَشَرِكَاتُهَا تَجْنِي مِنْهَا الْمِلْيَارَاتِ.
وَإِدْمَانُ الْأَلْعَابِ الْإِلِكْتِرُونِيَّةِ :سَبَبٌ لِلصَّدِّ عَنْ ذِكْرِ اللَّـهِ تَعَالَى وَعَنِ الصَّلَاةِ، وَإِيقَاعِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ بَيْنَ الْـمُتَنَافِسِينَ فِيهَا، ولا تنسى ما فيها من ضياعِ الوقتِ والعمرِ فيما لا نفعَ فيه ولا فائدةَ منه؛ فيا ضيعةَ الأعمارِ تمشي سبهللا.
الْأَلْعَابِ الْإِلِكْتِرُونِيَّةِ: يَكْثُرُ فِيها الصُّوَرُ وَالْـمَشَاهِدُ الْـخَالِعَةُ الْـمُنَافِيَةُ لِلدِّينِ وَالْأَخْلَاقِ، الْكَاسِرَةُ لِلْحَيَاءِ وَالتَّرْبِيَةِ وَالتَّهْذِيبِ سَوَاءٌ فِي أَشْكَالِ الصُّوَرِ الْـمُتَحَرِّكَةِ فِيهَا، أَوْ فِي أَلْبِسَتِهِمْ، أَوْ فِي قَصَّاتِ شُعُورِهِمْ، أَوْ فِي خَلَاعَةِ ذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ، مِمَّا يُؤَسِّسُ فِي نَفْسِ الطِّفْلِ وَالشَّابِّ لِثَقَافَةٍ تُنَاقِضُ دِينَهُ، وَتُعَارِضُ ثَقَافَةَ مُجْتَمَعِهِ وَأَعْرَافِهِ.
وَفِي بَعْضِ هَذِهِ الْأَلْعَابِ الْإِلِكْتِرُونِيَّةِ: إِيحَاءَاتٌ جِنْسِيَّةٌ، وَمُقَدِّمَاتٌ لِفِعْلِ الْفَوَاحِشِ، تُسَاقُ إِلَى لَاعِبِيهَا بِأُسْلُوبٍ جَذَّابٍ عَبْرَ مُسَابَقَاتٍ وَمَرَاحِلَ فِي لُعْبَتِهِ.
نَاهِيكُمْ عَنِ الْأَضْرَارِ الصِّحِّيَّةِ مِنْ طُولِ الْـمُكْثِ أَمَامَ الشَّاشَةِ، وَعَدَمِ الشُّعُورِ بِأَلَمِ الْمَفَاصِلِ وَالْأَصَابِعِ تَفَاعُلًا مَعَ اللِّعْبَةِ. وَكَانَتْ هَذِهِ الْأَلْعَابُ سَبَبًا فِي أَمْرَاضٍ تُصِيبُ الْأَصَابِعَ وَالرُّسْغَ مَا كَانَتْ تُعْرَفُ مِنْ قَبْلُ. مع ما سببتهُ كذلك من إِيذَاءٍ نَفْسِيٍّ لِكَثِيـرٍ مِنَ الأَطْفَالِ من الهلعِ والخوفِ والفزعِ؛ مِنْ جَرَّاءِ الْـمَنَاظِرِ الْـمُرْعِبَةِ الْـمُخِيفَةِ في أَثْنَاءِ اللَّعِبِ .وَقَدْ يَتَسَلَّلُ بَعْضُ الْـمُجْرِمِينَ الْـمُفْسِدِينَ عَبْرَ الْأَلْعَابِ الْإِلِكْتِرُونِيَّةِ إِلَى عُقُولِ الشَّبَابِ وَالْأَطْفَالِ فَيُفْسِدُهُمْ وَيُلَوِّثُ أَدْمِغَتَهُمْ عَبْرَ سِلْسِلَةٍ مِنَ التَّحَدِّيَاتِ، قَدْ تَصِلُ بِهِمْ إِلَى الِانْتِحَارِ، أَوْ قَتْلِ أَقْرَبِ النَّاسِ إِلَيْهِمْ، أَوَ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْـمَخَازِي الْعَظِيمَةِ، وَقَدِ اشْتُهِرَ فِي الْإِعْلَامِ جَرُّ بعضاً مِنَ الْأَطْفَالِ وَالشَّبَابِ إِلَى الِانْتِحَارِ. ولا حول ولا قوة إلا بالله وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ:(وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، (وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا).
الْأَلْعَابُ الْإِلِكْتُرُونِيَّةُ مِنْ أَشَدِّ أَضْرَارِهَا : ضِيَاعٌ لِلْأَوْقَاتِ وَمَضِيَعَةٌ لِلْأَعْمَارِ أَصْحَابُهَا اَنْشَغَلُوا بِهَا عَنْ الْآخِرَةِ فَخَسِرُوا دُنْيَاهُمْ وَآخِرَتَهُمْ،(قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا)، أصحابُها يَقْضُونَ جُلَّ وَقْتِ حَيَاتِهِمْ أَمَامَ الأَلْعَابِ الإلِكْتُرُونِيَّةِ، يَبْذُلُونَ لَهَا الْغَالِيَ وَالنَّفِيسَ مِنْ وَقْتٍ وَجُهْدٍ وَمَالٍ، وَقَدْ شَغَلَتْهُمْ عَنْ أُمُورِ حَيَاتِهِمْ وَمُجْـتَمَعِهِمْ وَعَنْ عِبَادَةِ اللهِ ذِي الْجَلالِ، فَأَينَ نِدَاءُ اللهِ لَهُمْ وَهُوَ يَقُولُ:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)، فَلَيْسَ الْعُمُرُ الَّذِي تَقْضِيهِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا مَتْرُوكًا لَكَ لِتَتَصَرَّفَ فِيهِ كَيْفَمَا تَشَاءُ، وَتُنْفِقَهُ دُونَ حِسَابٍ مِنْ رَبِّ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، فَإِنَّ اللهَ جَلَّ جَلالُهُ سَائِلُكَ عَنْ وَقْتِكَ وَمَالِكَ وَعُمُرِكَ، فَهَا هُوَ الْحَبِيبُ (صلى الله عليه وسلم) يَقُولُ:(لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ، عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْـنَاهُ، وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ).
وَكَيْفَ لَا؟ وَمِنَ الْخَطَرِ الَّذِي لا بُدَّ أَنْ يَحْذَرَ مِنْهُ الْمُسْـلِمُونَ، أَنَّ أَكْثَرَ هَذِهِ الأَلْعَابِ، يُنْتِجُهَا مَنْ لا يَنْتَمِي إِلَى دِينِ رَبِّ الأَرْبَابِ، وَقَدْ أَسَّسُوهَا بِمَا يَتَعَارَضُ فِي كَثِيرٍ مِنْ جُزْئِيَّاتِهَا مَعَ مَبَادِئِ دِينِنَا الْحَنِيفِ، مِنْ أَفْكَارٍ وَمُعْـتَقَدَاتٍ وَسُلُوكاتٍ، لِيُصْبِحَ الْمَرْءُ فَاقِدًا لَهُوِيَّـتِهِ، وَمُجَانِبًا لِقِيَمِهِ، وَبَعِيدًا عَنْ مُعْـتَقَدَاتِهِ، قَالَ اللهُ ـ جَلَّ جَلالُهُ:(وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)، يَقُولُ الْمُصْطَفَى (صلى الله عليه وسلم):(لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْـلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْـتُمُوهُ)
الْأَلْعَابُ الْإِلِكْتُـرُونِيَّةُ من أشدِّ أضرارها : أنه لَا تَكَادُ تَـخْلُو لُعْبَةٌ مِنْها من مُـخَالَفَاتٍ شَرْعِيَّةٍ؛ فَتَجِدُ فِي بَعْضِ الْأَلْعَابِ تَكْيِيفًا لِصُورَةِ الْـخَالِقِ سبحانه، وكَذَلِكَ انْتِشَارُ الْأَصْنَامِ وَالصُّلْبَانِ فِي كَثِيرٍ مِنْ هَذِهِ الأَلْعَابِ؛ فَأَصْبَحَ مَنْظَرُ الصَّنَمِ وَالصَّلِيبِ مَأْلُوفًا مُسْتَسَاغًا، وَمَقْبُولًا عِنْدَ اللَّاعِبِيـنَ، لَا يَـمْتَنِعُ الطِّفْلُ عَنْ لِبْسِهِ، وَلَا يَأْنَفُ غَالِبًا مِنْ ذَلِكَ .
وَهَذَا يُحَتِّمُ عَلَى أَرْبَابِ الْأُسَر:ِ أَنْ يَكُونَ أَوْلَادُهُمْ أَثْنَاءَ لَعِبِهِمْ تَحْتَ أَنْظَارِهِمْ، وَأَنْ يَمْنَعُوهُمْ مِنْ أَلْعَابٍ تَحْرِفُهُمْ عَنْ دِينِهِمُ الْقَوِيمِ، وَتُفْسِدُ فِطَرَهُمُ السَّوِيَّةَ، وَتَسْطُو عَلَى أَخْلَاقِهِمْ بِالْإِفْسَادِ وَالِانْحِرَافِ. فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم):(إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْـتَرْعَاهُ، حَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ، حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْـلِ بَيْتِهِ)، وَكَمْ أَورَثَتْ هَذِهِ الأَلعَابُ مِنْ حَالاتٍ لِلشَّتَاتِ بَيْنَ الأُسَرِ، فَتَرَى أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ بَعِيدًا عَنْ شَرِيكِهِ مُنْـغَمِسًا فِي مَتَاهَاتِ أَلْعَابِهِ وَالآخَرَ يَتَقَلَّبُ فِي ظُلُمَاتِ الوَحْدَةِ فَاقِدًا لِحُسْنِ العِشْرَةِ فَتَتَنافَرُ القُلُوبُ وَيَذْهَبُ رِيحُ الزَّوجِيَّةِ بِالفِرَاقِ المَشْؤُومِ.
الْأَلْعَابُ الْإِلِكْتُـرُونِيَّةُ: احْتِلالٌ ثَقَافِيٌّ وَغَزْوٌ فِكْرِيٌّ، عَنْ طَرِيقِ صِيَاغَةِ مَضَامِينَ وَأَنْمَاطِ حَيَاةٍ تَنْاقِضُ دِينَ الْإِسْلَامِ وَقِيَمَهُ وَأَخْلَاقَهُ، فِي إِطَارِ اللَّعِبِ وَالتَّرْفِيهِ.
فَمَا هُوَ الْمُنْتَجُ بَعْدَ كُلِّ ذَلِكَ؟ أَلَيْسَ هُوَ إِفْسَادَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَتَخْرِيبَ الْعُقَائِدِ وَالأَخْلَاقِ، وَالتَّطْبِيعَ مَعَ الرَّذَائِلِ وَالْمُنْكَرَاتِ؟ أَلَيْسَ هُوَ الْإِدْمَانُ وَالتَّعَلُّقُ لِسَاعَاتٍ طِوَالٍ، بِلَا صَلَاةٍ وَلَا تَعَلُّمٍ وَلَا دُنْيَا نَافِعَةٍ؟ حَتَّى الْكِبَارُ أَدْمَنُوا تِلْكَ الْأَلْعَابَ، وَتَبَدَّلَتْ حَيَاتُهُمْ إِلَى خَرَابٍ.
أَلَيْسَتِ النَّتِيجَةُ نُفُوسًا مُشَوَّهَةً بِالْعُنْفِ وَالْإِجْرَامِ تَارَةً، وَبِالْأَمْرَاضِ النَّفْسِيَّةِ كَالِاكْتِئَابِ وَالتَّوَحُّدِ تَارَاتٍ أُخْرَى؟ أَلَيْسَتِ الثَّمَرَةُ التَّأَخُّرَ الدِّرَاسِيَّ، وَالتَّخَلُّفَ فِي التَّعْلِيمِ، وَتَدمِيرَ الْمُسْتَقْبَلِ؟ أَلَيْسَتْ عَاقِبَةُ هَذِهِ الْأَلْعَابِ اعْتِيَادَ التَّفَاهَةِ وَسُفُولَ الْهِمَّةِ، وَضِيَاعَ الطَّاقَاتِ الَّتِي لَا تُقَدَّرُ بِثَمَنْ؟
أَلَا فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ : فِي أَنْفُسِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ واحذروا من هذا الشرِ العظيم يَقُولُ:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا). وَلا نَنْسَ أَنَّ شَغْلَ أَوْقَاتِ فَرَاغِ الأَبْنَاءِ بِمَا يَعُودُ عَلَيهِمْ بِالنَّفْعِ أَمْرٌ مُهِمٌّ فِي دُنْيَاهُمْ وَآخِرَتِهِمْ.
أَلَا فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَكُونُوا عَوْنًا لأَبْنَائِكُمْ، وَجِّهُوهُمْ إِلى طَاعَةِ اللهِ الْغَفُورِ، وَاحْجُبُوا عَنْهُمْ مَوَاطِنَ الْفَسَادِ وَالشُّرُورِ، تَنَالُوا كُلَّ بِرٍّ وَيُجْزِلِ اللهُ لَكُمْ وَلَهُمُ الأُجُورَ.
ألا إنَّ أولادَنا أمانةٌ، فلنحذرْ من خيانةِ اللهِ فيهِم: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[الأنفال: 27].
أَلَا فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ : فَإنَّ أَوْلَادَنا أَمَانَةٌ فِي أَعَانِقِنَا، وَهُمْ ثَمَرَةُ فُؤَادِنا وَكَنْزُ أُمَّتِنا، وَأَغْلَى مَا نَمْلِكُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، وَإِن لَمْ نَسْتَدْرِكْهُمْ بِعِنَايَتِنا وَرِعَايَتِنا وَمُتَابَعَتِنا ضَاعُوا مِثْلَ مَا ضَاعَ غَيْرُهُمْ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كَفَى بِالْمَرءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَن يَقُوتُ)(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ). فالْمَرْءُ يَا سَادَةٌ يُسْأَلُ عَنْ رَعِيَّتِهِ يَوْمَ الدِّينِ، فَبِأَيِّ شَيْءٍ يُجِيبُ مَنْ ضَيَّعَ أَوْلَادَهُ؟ وَبِمَاذَا سَيَنْطِقُ مَنْ خَانَ الْأمانةَ؟ فَأَوْلَادُكَ أَمَانَةٌ فِي رَقَبَتِكَ وَتَرْبِيَتُهُمْ أَمَانَةٌ سَتُسْأَلُ عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا حَافَظْتَ عَلَيْهِم فَقَدْ صُنْتَ الْأَمَانَةَ، وَإِذَا أَهْمَلْتَهُمْ فَقَدْ خُنْتَ الْأَمَانَةَ كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ ﷺ، فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضى اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: (مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ، وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ)، وقالَ رَسولُ اللهِ ﷺ: (كَفَى بالمرءِ إثمًا أنْ يُضيِّعَ مَنِ يَقُوتُ). وَلِلَّهِ دَرُّ القائلِ:
لَيْسَ الْيَتِيمُ مَنِ انْتَهَى أَبَوَاهُ *** مِنَ الْحَيَاةِ وَخَلَّفَاهُ ذَلِيلًا
إِنَّ الْيَتِيمَ هُوَ الَّذِي تَرَى لَهُ *** أُمًّا تَخَلَّتْ أَوْ أَبًا مُشْغُولًا
لِذَا يَجِبُ عَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ: تَحَمُّلُ الْمَسْؤُولِيَّةِ، وَالرَّقَابَةُ الْجَادَةُ عَلَى مَا يُمَارِسُهُ الْأَوْلَادُ مِنَ الْأَلْعَابِ وَمَا يَجْلِسُونَ أَمَامَهُ مِنَ الْبَرَامِجِ وَالْمَوَاقِعِ، وَتَرْشِيدُ هَذِهِ الْأَلْعَابِ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّهُ عَنْهمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺقال: أَلا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ) متفق عليه.
أَيُّهَا الْآبَاءُ الْفُضَلَاءُ وَأَيَّتُهَا الْأُمَّهَاتُ الْفَضِيلَاتُ: رَاقِبُوا أَوْلَادَكُمْ، وَاشْغَلُوهُمْ بِالنَّافِعِ، وَاغْرِسُوا فِيهِمُ الْمَعَالِيَ، وَانهَضُوا بِهِمَمِهِمْ، لِيَسْتَشْرِفُوا مُسْتَقْبَلَ عِزَّةِ الْأُمَّةِ، وَأَوْجِدُوا لَهُمْ الْبَدَائِلَ الْمُبَاحَةَ، فِي وَاقِعٍ حَقِيقِيٍّ، بَعِيدًا عَنْ زَيْفِ الْأَوْهَامِ الْافْتِرَاضِيَّةِ وَبَرَاثِنِ الْغَزْوِ الثقافيِّ فِيَا وَيْلَ مَنْ ضَيَّعَ تِلْكَ الأَمَانَةَ، وَتَرَكَ أَوْلَادَهُ نَهَبًا لِتِلْكَ الأَلْعَابِ تَذْهَبُ بِهِمْ إِلَى طَرِيقِ الْخَسَارَةِ وَالضِّيَاعِ .فَالحَذَرَ الحَذَرَ عِبَادَ اللَّهِ قَبْلَ فَوَاتِ الأَوَانِ الانْتِبَاهَ الانْتِبَاهَ إِلَى أَطْفَالِنَا قَبْلَ النَّدَمِ عَلَى مَا فَاتَ ،الحِرْصَ الحِرْصَ عَلَى تَصْحِيحِ مَسَارِ أَوْلَادِنَا قَبْلَ الْهَلَاكِ، النَّجَاةَ النَّجَاةَ فِي تَربِيَةِ النَّشْءِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ الْمُخْتَارِ الْهَادِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِي يَوْمٌ لَا يَنفَعُ فِيهِ النَّدَمُ وَلَا يَنفَعُ فِيهِ مَالٌ وَلَا بَنُونَ. فَاللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا ذُرِّيَّاتِنَا، وَقِنا الْفِتَنَ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ،حَفِظَ اللَّهُ مِصْرَ مِنْ كَيْدِ الْكَائِدِينَ، وَشَرِّ الْفَاسِدِينَ وَحِقْدِ الْحَاقِدِينَ، وَمَكْرِ الْمَاكِرِينَ، وَاعْتِدَاءِ الْمُعْتَدِينَ، وَإِرْجَافِ الْمُرْجِفِينَ، وَخِيَانَةِ الْخَائِنِينَ. كَتَبَهُ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ إِلَى عَفْوِ رَبِّهِ
د/ مُحَمَّدٌ حَرْزٌ إِمَامٌ بِوَزَارَةِ الْأَوقَافِ








