خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل

خطبة الحمغة ، شرف الدفاع عن الأوطان للدكتور مسعد الشايب الجمعة

خطبة الحمغة ، شرف الدفاع عن الأوطان للدكتور مسعد الشايب الجمعة 11 من ربيع الثاني 1447هـ الموافقة 3 من أكتوبر 2025م

===========================================

خطبة الحمغة ، شرف الدفاع عن الأوطان word للدكتور مسعد الشايب الجمعة

خطبة الحمغة ، شرف الدفاع عن الأوطان pdf للدكتور مسعد الشايب الجمعة

أولا: العناصر:

  1. ماهية التضحية.
  2. مكانة التضحية والشهادة في سبيل الله.
  3. فضل الشهادة في سبيل الله.
  4. الخطبة الثانية: مراتب التضحية في سبيل الله.

===========================================

ثانيا: الموضوع:

الحمد لله ربّ العالمين، أمرنا بالدفاع عن الحرمات والمقدسات، وأثاب من مات منا في سبيل ذلك أعلى الدرجات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا وشفيعنا محمد عباده ورسوله، سيد الأولين والآخرين، إمام المتقين، وقائد الغرّ المحجلين، صلاة وسلاما عليه، وعلى آله، وأصحابه، وأحبابه، وأتباعه إلى يوم الدين، وبعد أيها الأحبة الكرام:

فمازلنا نعيش مع القيم التي تحتاج إلى إعلاء بين أفراد الأمة، وبين شبابها على وجه الخصوص، ومنها: قيمة: (التضحية في سبيل الوطن)، وخصوصًا في ظل انتشار الجماعات التي باعت وخانت أوطانها مقابل حفنة من الريالات أو الليرات أو الدولارات، وفي ظل هذا الغزو الثقافي الذي اجتاح أمتنا من شرقها إلى غربها، فأقول وبالله التوفيق:

===========================================

(1) ((ماهية التضحية))

التضحية في اللغة هي: البذل والتبرع بدون مقابل سواء أكان المبذول نفسًا، أو وقتًا، أو عملًا، أو مالًا. وفي الشرع (الاصطلاح) هي: بذل (دفع وإخراج) كلِّ غالٍ ونفيسٍ (كالنفس أو الوقت أو الجاه أو السلطان أو الأبناء أو المال…الخ) ابتغاء مرضات الله (عزّ وجلّ)، فالشهادة في سبيل الله فرعٌ ونوعٌ من أنواع التضحية في سبيل الله، وبينهما عمومٌ وخصوصٌ فكل شهادة تضحية في سبيل الله، وليس كل تضحية شهادة في سبيل الله.

===========================================

(2) ((مكانة الشهادة والتضحية في سبيل الله))

===========================================

كلاهما دليلٌ على صدق النية مع الله (عزّ وجلّ)، قال تعالي: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}[الأحزاب:23]، فقد نزلت في أنس بن النضر (رضي الله عنه) لما انكشف المسلمون يوم أحد، قال: (اللهمّ إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء)، يعني المشركين، (وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء)، يعني المسلمين، ثم مشى بسيفه، فلقيه سعد بن معاذ، فقال: (أي سعد، والذي نفسي بيده إني لأجد ريح الجنة دون أحد، واها لريح الجنة). قال سعد: (فما استطعت يا رسول الله ما صنع). قال أنس: (فَوَجَدْنَا بِهِ بِضْعًا وَثَمَانِينَ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ أَوْ طَعْنَةً بِرُمْحٍ، أَوْ رَمْيَةً بِسَهْمٍ وَوَجَدْنَاهُ قَدْ قُتِلَ وَقَدْ مَثَّلَ بِهِ المُشْرِكُونَ، فَمَا عَرَفَهُ أَحَدٌ إِلَّا أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ)، قال أنس (رضي الله عنه): كُنَّا نُرَى أَوْ نَظُنُّ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ وَفِي أَشْبَاهِهِ: {مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}[الأحزاب: 23] إِلَى آخِرِ الآيَةِ (متفق عليه).

============

كلاهما أمانٌ للمجتمعات، وحماية للحرمات والمقدسات، وهذه هي حكم تشريع الجهاد في سبيل الله، وهو أحد أنواع التضحية، قال تعالى: {…وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ…}[البقرة:251]، وقال تعالى: {…وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}[الحج:40].

=============

كلاهما من التجارة الرابحة مع الله عزّ وجلّ، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ*تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[الصف:11،10].

=============

كلاهما لا يساويه شيء من العبادات والطاعات، قال تعالى منكرا على المشركين الذين ظنوا أن سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام أفضل من الجهاد في سبيله: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ*الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ}[التوبة:20،19].

============

كلاهما علامة على الطهارة من الأنانية وحب الذات، و دليل على امتلاء القلب باليقين بوعد الله (سبحانه وتعالى)، والرغبة فيما عنده، والإعراض عما في أيدي الناس.

===========================================

(3) ((فضل الشهادة في سبيل الله))

===========================================

والشهداء الذين قدموا وبذلوا أنفسهم وأرواحهم اختصهم الله (عزّ وجلّ) دون جميع المضحين بمنحٍ عظيمة، وفضائل عالية كريمة، كالتالي:

(1) لا يشعرون بالموت، ولا يعانون من سكراته، التي تعوذ منها المصطفى (صلى الله عليه وسلم)، إلا كما يجد الواحد منا من لسعة البرغوث أو البعوضة، قال (صلى الله عليه وسلم): (مَا يَجِدُ الشَّهِيدُ مِنْ مَسِّ القَتْلِ إِلَّا كَمَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ مِنْ مَسِّ القَرْصَةِ) (رواه الترمذي وأحمد).

(2) في ذاكرة الأمة مخلدون، وعند ربهم أحياء يرزقون؛ حياة أبدية لامثيل ولا نظير لها، قال تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ*فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ*يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ}[آل عمران:169ـ171]، قال النبي (صلى الله عليه وسلم) في تفسيرها: (أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ، لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، تَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ، فَاطَّلَعَ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمُ اطِّلَاعَةً)، فَقَالَ: (هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا؟. قَالُوا: أَيَّ شَيْءٍ نَشْتَهِي وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَا، فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلُوا، قَالُوا: يَا رَبِّ، نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا حَتَّى نُقْتَلَ فِي سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَى، فَلَمَّا رَأَى أَنْ لَيْسَ لَهُمْ حَاجَةٌ تُرِكُوا)(رواه مسلم).

(3) كتاب حسناتهم مفتوح، وحسناتهم في ازدياد إلى يوم القيامة، قال (صلى الله عليه وسلم): (كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَـمُ عَلَى عَمَلِهِ إِلاَّ الَّذِي مَاتَ مُرَابِطًا فِي سَبِيلِ اللهِ فَإِنَّهُ يُنْمَى لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَيَأْمَنُ مِنْ فِتْنَةِ القَبْرِ) (رواه الترمذي).

(4) هذه الجملة من الفضائل: قال (صلى الله عليه وسلم): (لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ: يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّة، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَيَأْمَنُ مِنَ الفَزَعِ الأَكْبَرِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الوَقَارِ ، اليَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الحُورِ العِينِ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ) (رواه الترمذي).

لأجل هذه المنح الإلهية، والكرامات الربانية التي أعطاها الله (عزّ وجلّ) للشهداء رأينا النبي (صلى الله عليه وسلم) يتمنى الشهادة، فيقول (صلى الله عليه وسلم): (…لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ) (متفق عليه)، ورأينا الشهداء يتمنون الرجوع إلى الدنيا مراتٍ ومراتٍ لينالوا شرف وعزّ وكرامة الشهادة في سبيل الله، قال (صلى الله عليه وسلم): (مَا مِنْ أَحَدٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، وَأَنَّ لَهُ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ، غَيْرُ الشَّهِيدِ، فَإِنَّهُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ، فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ، لِمَا يَرَى مِنَ الْكَرَامَةِ) (متفق عليه).

عباد الله أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم، فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له

===========================================

(الخطبة الثانية)

((مراتب التضحية في سبيل الله))

===========================================

الحمدُ للهِ رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فإن للتضحية في سبيل الله مراتب مختلفة، بعضها أعلى من بعض، وثواب بعضها أعظم من ثواب البعض:

(1) فأعلى مراتب التضحية: التضحية بالنفس، بذلها لتكون كلمة الله هي العليا، بذلها دفاعا عن الحرمات والمقدسات، بذلها نصرة للحق وقياما به، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[التوبة:111]، وقال (صلى الله عليه وسلم): (مِنْ خَيْرِ مَعَاشِ النَّاسِ لَهُمْ، رَجُلٌ مُمْسِكٌ عِنَانَ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، يَطِيرُ عَلَى مَتْنِهِ، كُلَّمَا سَمِعَ هَيْعَةً، أَوْ فَزْعَةً طَارَ عَلَيْهِ، يَبْتَغِي الْقَتْلَ وَالْمَوْتَ مَظَانَّهُ…)(رواه مسلم).

(2) التضحية بالولد، كما في قصة إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام)، أو بالدفع بهم للجهاد في سبيل، كما فعلت الخنساء تماضر بنت عمرو فقد جمعت أولادها الأربعة وحثتهم على القتال والجهاد في سبيل الله قبل معركة القادسية بليلة واحدة، وقالت لهم: (إِنَّكُم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين….) ثمَّ قَالَت لَهُم: (وَقد تعلمُونَ مَا أعد اللَّه لكم من الثَّوَاب الجزيل فِي حَرْب الْكَافرين وَاعْلَمُوا أَن الدَّار الْبَاقِيَة خير من الدَّار الفانية فَإِذا أَصْبَحْتُم غَدا إِنْ شَاءَ اللَّهُ سَالِمين فاغدوا إِلَى قتال عَدوكُمْ مستبصرين وَبِاللَّهِ عَلَى أعدائه مستنصرين فَإِذا رَأَيْتُمْ الْحَرْب قد شمرت عَن سَاقهَا واضطرب لظاها عَلَى سياقها وجللت نَارا عَلَى أوراقها فَتَيَمَّمُوا وطيسها (أقصدوا شدتها) وجالدوا رئيسها عِنْد احتدام خميسها (جيشها) تظفروا بالمغنم والكرامة فِي دَار الْخلد والمقامة) (أسد الغابة بتصرف). فخرج بنوها قابلين لنصحها فلما أضاء لهم الصبح باكروا مراكزهم فأدركتهم الشهادة، فلما عرفت مصيرهم، لم تلطم خدًا، ولا شقت جيبًا، لكنها قالت كما يقول الصابرون: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}[البقرة:156]، ودعت الله أن تكون معهم في مستقر رحمته.

(3) التضحية بالمال، قال تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[البقرة:195]، وقال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[البقرة: 245]، وعن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَجْوَدَ النَّاسِ بِالخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ…) (متفق عليه)، وعن عائشة (رضي الله عنها) أن السيدة خديجة (رضي الله عنها) قالت للنبي (صلى الله عليه وسلم) حين فجأه الوحي في غار حراء أول مرة: (كَلَّا، أَبْشِرْ فَوَ اللَّهِ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، فَوَ اللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ)(متفق عليه)، عن ابن عمر (رضي الله عنهما) قال: أصاب عمر بخيبر أرضا، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أصبت أرضا لم أصب مالا قط أنفس منه، فكيف تأمرني به؟ قال: (إِنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا، فَتَصَدَّقَ عُمَرُ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ فِي الْفُقَرَاءِ وَالْقُرْبَى وَالرِّقَابِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالضَّيْفِ وَابْنِ السَّبِيلِ لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ)(متفق عليه).

(4) التضحية بالوقت والجُهد، لتعليم الناس، أو لقضاء حوائجهم، أو للصلح بينهم، قال تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:114]. وقال (صلى الله عليه وسلم): (أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ, وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ, أَوْ تَكَشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً, أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا, أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا, وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ (يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ) شَهْرًا, وَمَنَ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ, وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلأَ اللَّهُ قَلْبَهُ رَجَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ , وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يَتَهَيَّأَ لَهُ أَثْبَتَ اللَّهُ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامِ) (رواه الطبراني في الكبير).

(5) التضحية بالعلاقات الاجتماعية في مرضات الله، ومرضات رسوله، قال تعالي: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[المجادلة:22]، نزلت في حاطب بن أبي بلتعة حين كتب إلى أهل مكة يخبرهم أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قد عزم على قصدهم. (زاد المسير)، ولنا في مقاطعة النبي (صلى الله عليه وسلم)، والصحابة لكعب بن مالك ومن تخلفوا عن غزوة تبوك درسٌ وعبرة، أما اليوم فقد أصبح كثيرٌ من الناس (خوفًا على مصلحته وفوائده) يداهن وينافق ولا ينطق بكلمة الحق على حساب دين الله (عزّ وجل)، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

===========================================

فاللهم نسألك شهادة في سبيلك، مدافعين عن دينك، وعن أوطاننا، وحرماتنا، ومقدساتنا…الخ، اللهم آمين، اللهم آمين.

===========================================

كتبها الشيخ الدكتور

مسعد أحمد سعد الشايب

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى