خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل

خطبة الجمعة : فضائلُ العشرِ من ذي الحجةِ د. محمد داود

خطبة الجمعة القادمة: فضائلُ العشرِ من ذي الحجةِ د. محمد داود بتاريخ: 3 من ذي الحجة 1446هــ – 30 مايو 2025م

خطبة الجمعة القادمة word : فضائلُ العشرِ من ذي الحجةِ د. محمد داود

خطبة الجمعة القادمة pdf : فضائلُ العشرِ من ذي الحجةِ د. محمد داود

خطبة بعنــــوان:
فضائل العشر من ذي الحجة
للدكتــــور/ محمد حســــن داود
(3 ذو الحجة 1446هـ – 30 مايو 2025م)

      العناصـــــر :    مقدمة.
   – خصائص وفضائل العشر من ذي الحجة.
   – العمل الصالح والحرص عليه أيام العشر.
   – أعمال يتقرب بها العبد إلى الله (عز وجل) في هذه العشر.
   – دعوة إلى اغتنام مواسم الخيرات بالأعمال الصالحات والبعد عن السيئات.

الموضــــــوع: الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي أحاط بكل شيء علما، له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى، نعمه لا تحصى، وآلاؤه ليس لها منتهى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد

فمن فضل الله (عز وجل)، أن جعل لنا مواسم للطاعات، مواسم للخيرات، تحمل النفحات والبركات، تكثر فيها الحسنات، وتُرفع فيها الدرجات، ولا شك أن من أعظمها شرفا، وأرفعها قدرا، وأكثرها فضلا: “العشـــــــر الأول من ذي الحجة”.

– فهي عشر مباركة؛ إذ أقسم الله بها في كتابه، وهذا وحده يكفيها شرفاً وفضلاً، حيث الإشارة إلى تعظيم الله لها، والتنويه بشأنها وفضلها، قال تعالى (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ * هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) (الفجر 1- 5)،(والليالي العشر: هي عشر ذي الحجة).

– كما شهد لها الرسول (صلى الله عليه وسلم) أنها أفضل أيام الدنيا، فقال: “أفضلُ أيامِ الدنيا أيامُ العشْرِ” (رواه البزار).

 – ومن جملة فضلها أن فيها يوم النحر، وهو أفصل الأيام، كما قال صلى الله عليه وسلم: “أَعْظَمُ الأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ ” (رواه  أبو داود).

– ومن جملة فضلها أن فيها يوم عرفة؛ اليوم الذي أتم الله فيه النعمة؛ فقد قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) (المائدة: 3)، وكان رجل من اليهود قد جاء إلى عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) فقال: يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ، آيَةٌ في كِتَابِكُمْ تَقْرَؤُونَهَا، لو عَلَيْنَا مَعْشَرَ اليَهُودِ نَزَلَتْ، لَاتَّخَذْنَا ذلكَ اليومَ عِيدًا. قالَ: أيُّ آيَةٍ؟ قالَ: (اليومَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ علَيْكُم نِعْمَتي ورَضِيتُ لَكُمُ الإسْلَامَ دِينًا) [المائدة: 3] قالَ عُمَرُ: قدْ عَرَفْنَا ذلكَ اليَومَ، والمَكانَ الذي نَزَلَتْ فيه علَى النبيِّ (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ)، وهو قَائِمٌ بعَرَفَةَ يَومَ جُمُعَةٍ (رواه البخاري). وهو يوم يباهي الله (عز وجل) فيه الملائكة بالحجاج ويفيض عليهم من رحمته. وهو يوم حسرة وخزي للشيطان بمغفرة الله (عز وجل) لعباده: إذ يقول النبي (صَلى الله عليه وسلم): “مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلَا أَدْحَرُ وَلَا أَحْقَرُ وَلَا أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ؛ وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنْ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ؛ إِلَّا مَا أُرِيَ يَوْمَ بَدْرٍ. قِيلَ وَمَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَمَا إِنَّهُ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ يَزَعُ الْمَلَائِكَةَ”.

– كذلك من جملة فضلها: اجتماع أمهات العبادة فيها؛ قال الحافظ ابن حجر، في (الفتح): “والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره”.

ولقد وجه القرآن الكريم كما وجهت السنة النبوية إلى اغتنام فضائل هذه الأيام بالطاعات والعبادات والقربات، قال تعالى: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) (الحج: 28) (والأيام المعلومات: أيام العشر) وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (رضي الله عنهما) عَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلمَ) أَنَّهُ قَالَ: “مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ” يَعْنِي الْعَشْرَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: “وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ” (رواه البخاري). قال ابن رجب الحنبلي، في (لطائف المعارف): “وقد دلت هذه الأحاديث على أن العمل في أيام ذي الحجة أحب إلى الله من العمل في أيام الدنيا من غير استثناء شيء منها، وإذا كان أحب إلى الله فهو أفضل عنده”.

والعمل الصالح أعم وأوسع من أن يحصر في فعل أو قول؛ اذ يشمل كل ما فيه طاعة الله (عز وجل) والتقرب اليه، فمنه الطاعات والعبادات؛ ولقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الحج 77) ومنه ما ينتفع به الناس؛ ولقد قال النبي (صَلى الله عليه وسلم): “مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ” وقال: “أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ”. ومنه مكارم الأخلاق وحسن السلوك؛ فقد قال النبي (صَلى الله عليه وسلم): “ما مِن شيءٍ يوضَعُ في الميزانِ أثقلُ من حُسنِ الخلقِ، وإنَّ صاحبَ حُسنِ الخلقِ ليبلُغُ بِهِ درجةَ صاحبِ الصَّومِ والصَّلاةِ ” (رواه الترمذي).

ولقد كان الصحابة (رضي الله عنهم) ومن سار على دربهم يغتنمون بالعبادات فضل هذه الأيام حتى ورد أن سعيد بن جبير (رضي الله عنه) كان “إذا دخل أيام العشر اجتهد اجتهادا شديدا حتى ما يكاد يَقْدِرُ عليه”.. وإن من أعظم وأفضل ما يتقرب به العبد إلى الله في هذه الأيام:

– الاكثار من التوبة والاستغفار: فعلى المسلم أن يستقبل مواسم الطاعات عامة بالتوبة الصادقة، ففيها الفلاح في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور: 31).

– المحافظة على الفرائض: ففي الحديث القدسي: “وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ، وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ” (رواه البخاري).

– الصيام: فلقد كان النبي (صَلى الله عليه وسلم) يصوم تسع ذي الحجة؛ فعَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحَجَّةِ وَيْوَمَ عَاشُورَاءَ وَثَلاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ” (رواه أحمد)، وفى صيام يوم عرفة يقول صَلى الله عليه وسلم: ” صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ ” (رواه مسلم).

– ومنها: الإكثار من ذكر الله (عز وجل): فقد قال تعالى: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) (الحج: 28)، وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: “مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ، وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ، مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْر، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ” (رواه أحمد)، ولقد كان الصحابة (رضي الله عنهم) يكثرون في هذه الأيام من ذكر الله (عز وجل): قال البخاري: “كان ابنُ عمرَ وأبو هريرةَ (رضي اللهِ عنهما) يخرجانِ إلى السوقِ في أيامِ العشرِ يكبرانِ ويكبرُ الناسُ بتكبيرِهِمِا”. وقال: وكان عمرُ (رضي الله عنه) ‌يُكَبِّرُ ‌فِي ‌قُبَّتِهِ ‌بِمِنًى، ‌فَيَسْمَعُهُ ‌أَهْلُ ‌الْمَسْجِدِ ‌فَيُكَبِّرُونَ، ‌وَيُكَبِّرُ ‌أَهْلُ ‌الْأَسْوَاقِ ‌حَتَّى ‌تَرْتَجَّ ‌مِنًى ‌تَكْبِيرًا. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُكَبِّرُ بِمِنًى تِلْكَ الْأَيَّامَ، وَخَلْفَ الصَّلَوَاتِ، وَعَلَى فِرَاشِهِ، وَفِي فُسْطَاطِهِ وَمَجْلِسِهِ وَمَمْشَاهُ، تِلْكَ الْأَيَّامَ جَمِيعًا “. وفي فضل ذكره سبحانه، يقول عز وجل في الحديث القدسي: “أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خَيْرٍ منهمْ” (رواه البخاري).

– الإكثار من الصلاة على النبي (صلى اللهُ عليه وسلم): ففيها تفريج الكربات وقضاء الحوائج، والرفعة في الدرجات؛ فعن أُبَيِّ بن كعب، قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ: “مَا شِئْتَ”. قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ، قَالَ: “مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ”، قُلْتُ: النِّصْفَ، قَالَ: “مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ”، قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ، قَالَ: “مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ”، قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا قَالَ: “إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ” (الترمذي)، وفي رواية عند الإمام أحمد: قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ جَعَلْتُ صَلَاتِي كُلَّهَا عَلَيْكَ، قَالَ: “إِذَنْ يَكْفِيَكَ اللَّهُ (تَبَارَكَ وَتَعَالَى) مَا أَهَمَّكَ مِنْ دُنْيَاكَ وَآخِرَتِكَ ” .

– الدعاء: فقد قال رسول الله (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): “خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” (رواه الترمذي)، فسألوا الله حاجتكم كلها، قليلها وكثيرها، دقيقها وجليلها، قريبها وبعيدها، وأعلموا أن الدعاء نافع بكل حال، فثمرته مرجوة حتى وإن لم تتحقق في الدنيا، فلقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا”، قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ؟، قَالَ: “اللَّهُ أَكْثَرُ”(رواه الترمذي).

– إجابة السائل، وإعانة المحتاج، وتفريج الكرب، وقضاء الحوائج: إذ يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلمَ): ” َأَحَب الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا”.

– كما يتأكد في هذه العشر: صلة الأرحام، وحسن الجوار، وغير ذلك من صنوف الخيرات، قال الله تعالى: (وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ) (البقرة: 197).

إن اللبيب العاقل دائما يسارع ويبادر إلى الخيرات، ويغتنم مواسم الطاعات، فقد قال الله (جل وعلا): (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران: 133) ويقول النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): “افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ، فَإِنَّ لِلَّهِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَسَلُوا اللَّهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ، وَأَنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ”. فنافس في الخير ما دمت في فسحة ونفس، فالصحة يفجؤها السقم، والقوة يعتريها الوهن، والشباب يعقبه الهرم، ولا ينبغي للمسلم أن يحتقر بابا من أبواب الخير مهما قل، فقد قال النَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلمَ): “لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ” (رواه مسلم)، ولله در القائل:

تزود من معاشك للمعــــــاد * * * وقم لله واعمل خيـر زاد
أترضى أن تكون رفيق قوم * * * لهم زاد وأنت بغير زاد ؟

وكما علَى المسلم أَن يحرِص على أبواب الخير ولو كانت قليلةً، فعليه أن يحذَرَ أبواب الذنوب ولو كانت حقيرةً؛ فقد قال النبي (صَلى الله عليه وسلم): “إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ فَإِنَّمَا مَثَلُ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ، فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ، وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ” لا سيما وهذا الشهر من الأشهر الحرم، قال تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ) (التوبة: 36)، عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: “اختص الله (سبحانه وتعالى) أربعة أشهر جعلهن حرماً، وعظم حرماتهن، وجعل الذنب فيها أعظم، وجعل العمل الصالح والأجر أعظم”.

خَلِّ الذُّنُوبَ حَقِيـــــــــرَهَا *** وَكَثِيرَهَا فَهُـــوَ التُّقَى
كُنْ مِثْلَ مَاشٍ فَوْقَ أَرْ ضِ *** الشَّوْكِ يحْذَرُ مَا يَــرَى
لَا تَحْقِرَنَّ صَغِيـــــــــــــرَةً *** إِنَّ الْجِبَالَ مِنَ الْحَصَى

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، واحفظ مصر من كل مكروه وسوء.

=== كتبه ===
محمد حســــــــــن داود
إمام وخطيب ومـــدرس
دكتوراة في الفقه المقارن

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى