خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل
خطبة الجمعة : فتراحموا ، د/ مسعد الشايب

خطبة الجمعة القادمة : فتراحموا ، د/ مسعد الشايب ، الجمعة 21 من ذي القعدة 1446هـ الموافق 23 من مايو 2025م
خطبة الجمعة القادمة : فتراحموا ، د/ مسعد الشايب ، الجمعة 21 من ذي القعدة 1446هـ الموافق 23 من مايو 2025م
خطبة الجمعة القادمة : فتراحموا ، د/ مسعد الشايب ، الجمعة 21 من ذي القعدة 1446هـ الموافق 23 من مايو 2025م
===========================================
أولا: العناصر:
1. الأسرة، وإنشائها، والترغيب في تكوينها.
2. كيف نحقق السكن، والمودة، والرحمة بين أفراد الأسرة؟.
3. التحذير من دعاة التغريب، ومخططاتهم لضرب الأسرة وهدمها.
4. الخطبة الثانية: (دور الأسرة، وضرورة تفعيله اليوم).
===========================================
ثانيا: الموضوع:
الحمد لله رب العالمين، خلق من الماء بشرًا، فجعله نسبًا وصهرًا، وأنشأ الأسرة وأمر بتكوينها، وأعظم على رعايتها ثوابًا وأجرًا، وأَشهدُ أنْ لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأَشهدُ أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عَبدُه ورسولُهُ، صلاة وسلاما عليه دائمين متلازمين إلى يوم الدين وعلى آله وصحبه وأتباعه وأحبابه إلى يوم الدين، وبعد أيها الأحبة الكرام:
===========================================
(1) ((الأسرة، وإنشائها، والترغيب في تكوينها))
===========================================
فإن مِنْ أعظم نِعَمِ الحق تبارك وتعالى علينا، نعمةٌ الأسرة وإنشائها، فقد قال سبحانه وتعالى ممتنا علينا في سورة النِعم سورة النحل: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ}[النحل:72]، وأولُ أسرةٍ أنشئت وأقيمت في البشرية كانت بأمرٍ ووحيٍ من الله (عزّ وجلّ) لأبينا آدم (عليه السلام)، حيث خاطبه ربنا قائلًا: {وَيَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}[الأعراف:19]، والمراد بزوجك في الآية أمنا حواء (عليها السلام)، وعبر الحق تبارك وتعالى بلفظ (زوجك) إشارة إلى اقترانهما، وعدم افتراقهما إلى الممات، وقد كان ذلك الخطاب أول أمر بإنشاء الأسرة وتكوينها في البشرية، بعد أن خلق سبحانه وتعالى لأبينا آدم (عليه السلام) جزءًا من نفسه، وهو حواء (عليها السلام)، التي سميت بذلك؛ لكونها خلقت من شيء حي، وصدق الله إذ يقول: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا}.
=======
ولأهمية الأسرة أحبتي في الله؛ لكونها النواة واللبنة الأولى في إنشاء المجتمعات، ولعظم دورها التعليمي، والتربوي، والرقابي في تربية النشأ والأجيال، ولاحتياجها في بناء واستقرار الدول والأوطان؛ لكونها مصدر الثروة البشرية، والأيدي العاملة، والكوادر العلمية…الخ حثت الشريعة الإسلامية على تكوينها، وذلك بالترغيب في الزواج بطرق متعددة، كالآتي:
=======
فتارة تقرر الشريعة الإسلامية أن الزواج من سنن الأنبياء والمرسلين، ومعنى ذلك أن المتزوج قد تأسى، واقتدى، واهتدى بهدي الأنبياء والمرسلين، قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ}[الرعد:38]، وقال (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ أَحَبَّ فِطْرَتِي، فَلْيَسْتَنَّ بِسُنَّتِي، وَمِنْ سُنَّتِي النِّكَاحُ)(مسند أبي يعلى).
=======
وتارة تجعل الشريعة الإسلامية الزواج من أسباب الرزق، والغنى، والثراء، فمن أراد الغنى والرزق والثراء فعليه بالنكاح، قال تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[النور:32]، وقال (صلى الله عليه وسلم): (ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ: المُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ العَفَافَ)(رواه الترمذي)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (تَزَوَّجُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّهُنَّ يَأْتِينَكُمْ بِالْمَالِ)(المستدرك للحاكم)، حيث يفتح الله (عزّ وجلّ) أمام كل زوجة بابًا من الرزق، وليس المقصود يأتينكم بأموالهن من العمل أو الميراث.
=======
وتارة بالحديث عن فوائد الزواج، وكونه عفة، وحفظٌ للمرء من الوقوع في الفواحش، قال (صلى الله عليه وسلم): (يا مَعْشَرَ الشَّبَابِ من اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فإنَّه أغضُّ للبصر، وأحصنُ للفرج، وَمَنْ لم يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فإنه له وِجَاءٌ)(متفق عليه)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (مَا اسْتَفَادَ الْمُؤْمِنُ بَعْدَ تَقْوَى اللَّهِ خَيْرًا لَهُ مِنْ زَوْجَةٍ صَالِحَةٍ، إِنْ أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ، وَإِنْ نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ، وَإِنْ أَقْسَمَ عَلَيْهَا أَبَرَّتْهُ، وَإِنْ غَابَ عَنْهَا نَصَحَتْهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ)(رواه ابن ماجه)، وقال(صلى الله عليه وسلم) أيضًا: (مَنْ رَزَقَهُ اللهُ امْرَأَةً صَالِحَةً فَقَدْ أَعَانَهُ عَلَى شَطْرِ دِينِهِ، فَلْيَتَّقِ اللهَ فِي الشَّطْرِ الْبَاقِي)(شعب الإيمان).
=======
…هذا، وقد جعل الحقُّ تبارك وتعالى الزواج والأسرة علامة من علامات ربوبيته ووحدانيته سبحانه وتعالى، فقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[الروم:21]، وهذا أولُ انتفاعِ الرجل بالمرأة، أن يسْكُنَ، ويهدأ ما فيه من قوة الشهوة، وغليانها، وهياجها بالمرأة، فالمرأة عمومًا خلقت سكنًا للرجل، وخلق بُضْعُها (فرجها) لانتفاع الرجل به، ولذا قال سبحانه وتعالى مُعيبًا على قوم لوط: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ*وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ}[الشعراء،166،165]، ومن هنا قرر الفقهاء: أنه على المرأة أن تبذل نفسَها، وبُضْعَها في كلّ وقت يدعوها الزوج فيه إلى ذلك طالما قادرة ومستطيعة، فإن منعته ذلك؛ فهي ظالمةٌ آثمة؛ لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهَا، فَتَأْبَى عَلَيْهِ (بدون عذر)، إِلَّا كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ سَاخِطًا عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا)(رواه مسلم)، وفي رواية عند مسلم أيضًا: (إِذَا بَاتَتِ الْمَرْأَةُ، هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا، لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ).
وقد فسر سيدنا عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) حبر الأمة، وترجمان القرآن (المودة) بالجماع، وفسر (الرحمة) بالولد، ومنهم مَنْ قال: (السكن) بين الزوجين، (والمودة) بين الأسرتين، (والرحمة) لما ينشأ بين الزوجين من الولد، ومنهم مَنْ قال: (المودة والرحمة) عطف قلوب الأزواج على قلوب بعض، ومنهم مَنْ قال: (المودة) محبة الرجل زوجته، (والرحمة) شفقته وخوفه عليها أن يصيبها سوء أو مكروه.
===========================================
(2) ((كيف نحقق السكن، والمودة، والرحمة بين أفراد الأسرة؟))
===========================================
عباد الله وأحباب رسوله الكريم إذا كان الزواج والأسرة سكنٌ، ومودةٌ، ورحمةٌ؛ فكيف نحقق هذا السكن، وهذه المودة، وتلك الرحمة بين أفراد الأسرة، وكيف نقضي على العواصف، والأعاصير، والمشكلات التي تهدد استقرار الأسرة والحياة الزوجية؟، وأقول: إن ذلك يتحقق بالخطوات التالية:
=======
أولا: اختيار الشاب والفتاة على أساسٍ حقيقي من الدين والتقوى والأخلاق، فعدم اختيار الزوجين على أساس حقيقي من الدين والتقوى والأخلاق يؤدي إلى الجهل برباط الزوجية المقدس ومنزلته ومكانته، ويؤدي إلى الجهل بسبل المحافظة على الأسرة، والحياة الزوجية، ويؤدي إلى الجهل بكيفية القضاء على المشاكل التي تصادف تلك الحياة، قال تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ}[النور:32]، وقال (صلى الله عليه وسلم): (إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ، إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ). قالوا: يا رسول الله، وإن كان فيه؟ أي: شيء من قلة المال، أو رقة الحال…الخ. قال: (إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ) ثلاث مرات. (رواه الترمذي)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (تُنْكَحُ المَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَدَاكَ)(متفق عليه)، وأحذّر من التدين الوهمي المغشوش المبني على المظاهر الخداعة كما هو الحال اليوم، وإنما التدين الحقيقي يظهر من خلال المعاملة في فترة الخطبة.
=======
ثانيًا: التأني والتريث، ودراسة كلا من الشاب والفتاة للأخر خلال فترة الخطبة، فالخطبة ما شرعت إلا لاختبار الدين، والتقوى والأخلاق، والوقوف على نقاط الوفاق والخلاف بين الشاب والفتاة، ودراسة فرص التكافؤ بينهما، فكثير من الزيجات اليوم تتم على وجه السرعة بدون خطبة، أو بخطبة قصيرة غير كافية لدراسة كلا من الشاب والفتاة للأخر، وهنا في كثير من تلك الزيجات يحدث ما لا يحمد عقباه من غياب السكن والمودة والرحمة.
=======
ثالثًا: أن يدرك كلا من الزوجين، وخصوصًا الزوجة دوره ومكانه ووظيفته في الحياة الزوجية والأسرية، فالزوجة أحيانا تريد أن تصبح هي المسيطرة على بيت الزوجية، وأن يكون لها الحق في تصريف شئونه، وأن يكون لها الحق في الأمر والنهي، مع رفضٍ وإباءٍ من الزوج، أو مع خضوعٍ وخنوعٍ من الزوج، مع سفهٍ وحماقة من الزوجة فتفسد الحياة الزوجية، ويكدرُ صفوها، ويختفي السكن والمودة والرحمة، مع أن هذه القوامة أعطاها الله للرجل وليس للمرأة، قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}[النساء:34]، وقال (صلى الله عليه وسلم) قال: (إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ)(رواه أحمد)، والقوامة أحبتي في الله ليست تسلط على المرأة، وليست تشريفًا، وإنما هي تكليف بإدارة الأسرة وشئونها، والقيام على قضاء حوائجها، ورعايتها، والمحافظة عليها، فلو قام كل واحد في الأسرة بدوره الذي حددته له الشريعة الإسلامية؛ لاستقرت الأسرة المسلمة، وما تهدمت أركانها بالطلاق، واختفت المشاحنات والخلافات بين أفرادها، وأخرجت للمجتمع والوطن والعروبة والإسلام أفردا صالحين مصلحين.
========
رابعًا: أن يدرك كلا من الزوجين مكانة الأخر ومنزلته، فبعض الزوجات لا تدرك أنّ زوجها أعظمُ الناسِ حقًا عليها بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، أعظمُ حقًا من أبيها وأمها، وأنه سببٌ في دخولها الجنة أو النار بحسب معاملتها له، فإذا قال لها: يمينًا أو شرقًا. قالت له: أمي أو أبي يقول: شمالًا وغربًا، فعن عائشة (رضي الله عنها) قالت: سألت النبي (صلى الله عليه وسلم): أي الناس أعظم حقا على المرأة؟. قال: (زَوْجُهَا). قلت: فأي الناس أعظم حقا على الرجل؟. قال: (أُمُّهُ)(رواه النسائي)، وعن الحصين بن محصن (رضي الله عنه)، أن عمة له أتت النبي (صلى الله عليه وسلم) في حاجة، ففرغت من حاجتها، فقال لها النبي (صلى الله عليه وسلم): (أَذَاتُ زَوْجٍ أَنْتِ؟). قالت: نعم. قال: (كَيْفَ أَنْتِ لَهُ؟). قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه. قال: (فَانْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ)(رواه أحمد)، وبعض الأزواج لا يدرك أن النساء قوارير (كناية عن ضعفهن كضعف الزجاج)، فالمرأة كائن ضعيف البنية في المقام الأول، وللأسف بعض الأزواج يتعامل مع المرأة، وكأنه يتعامل مع رجل، مع أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أوصى بهن، وبمراعاة ضعفهن، فقال: (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ)(متفق عليه).
=======
خامسًا: قيام كلا من الزوجين بما عليه من حقوق وواجبات تجاه الطرف الأخر، كالتطيب والتزين والتجمل، والمعاشرة الجنسية والإعفاف، وعدم إتيان ما يكرهه الطرف الأخر، والإنفاق من الزوج، وحفظ الأسرار الزوجية…وهكذا، فإهمال الحقوق الزوجية من كلا الطرفين، وتقصير كل من الزوج والزوجة في حق الأخر يؤدي إلى غياب السكن والمودة والرحمة، بل قد يؤدي لهدم الأسرة، وتشريد أفرادها، قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[البقرة:228]، وعن عمرو بن الأحوص (رضي الله عنه)، أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فحمد الله، وأثنى عليه، وذكر، ووعظ…فقال: (…أَلَا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا، فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ، وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ، أَلَا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ)(رواه الترمذي).
=======
سادسًا: التحلي بالصبر، والحلم، والعفو، والصفح في مواجهة صعوبات الحياة الأسرية، والمشاكل الزوجية الناشئة من نوازع النفس البشرية وغيرها، فعن أنس (رضي الله عنه) كان النبي (صلى الله عليه وسلم) عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام، فضربت التي النبي (صلى الله عليه وسلم) في بيتها يد الخادم، فسقطت الصحفة فانفلقت، فجمع النبي (صلى الله عليه وسلم) فلق الصحفة، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة، ويقول: (غَارَتْ أُمُّكُم). ثم حبس الخادم حتى أتي بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت. (رواه البخاري)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ)(رواه مسلم)، ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ، فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ، وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا، كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا)(اللفظ لمسلم).
==
وما يطالب به الزوج من التحلي بالحلم والصبر…الخ تطالب به الزوجة، وانظروا لهذا النموذج الرائع من الصبر على شظف العيش من صحابية جليلة، فعن أسماء بنت أبي بكر (رضي الله عنهما) قالت: (تَزَوَّجَنِي الزُّبَيْرُ، وَمَا لَهُ فِي الأَرْضِ مِنْ مَالٍ وَلاَ مَمْلُوكٍ، وَلاَ شَيْءٍ غَيْرَ نَاضِحٍ وَغَيْرَ فَرَسِهِ، فَكُنْتُ أَعْلِفُ فَرَسَهُ وَأَسْتَقِي المَاءَ، وَأَخْرِزُ غَرْبَهُ وَأَعْجِنُ، وَلَمْ أَكُنْ أُحْسِنُ أَخْبِزُ، وَكَانَ يَخْبِزُ جَارَاتٌ لِي مِنَ الأَنْصَارِ، وَكُنَّ نِسْوَةَ صِدْقٍ، وَكُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتِي أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عَلَى رَأْسِي، وَهِيَ مِنِّي عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ…)(متفق عليه).
=======
سابعًا: المعاشرة بالمعروف بين كلا من الزوجين، ومنه ما تقدم من قيام الطرفين بحقوق وواجبات تجاه الأخر، ومنه ما تقدم من العفو والصفح والحلم، والتحلي بالصبر، ومنه التعامل بالأخلاق الحسنة، والسجايا الكريمة، وعدم التشدد والتعنت من الزوج في المعاملة، وألا يعبس في وجه زوجته بغير ذنب، وأن يكون منطلقًا معها في القول لا فظًا ولا غليظًا، ملاعبًا وملاطفًا لها، مرفهًا عنها ترفيهًا بريئًا…الخ، وألا تكون الزوجة متكبرة على زوجها، متأففة من خدمته…وهكذا، قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}[النساء:19]، وقال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[البقرة:228] ولنا في حديث أبي زرع الطويل وحسن معاملته لزوجته نموذج ومثال ودرس وعبرة، حتى قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) للسيدة عائشة (رضي الله عنها): (كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ)(رواه البخاري).
=======
ثامنًا: عدم تدخل الأهل من الأسرتين بين الزوجين إلا بغرض الإصلاح، ورأب الصدع، ولمّ الشمل بينهما عند حدوث مشكلة، قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا}[النساء:35]، وفي أحايين كثيرة تدخل الأهل من كلا الطرفين، قد يكون مفسدًا للحياة الزوجية، ومسببًا للمشاكل، وهادمًا للأسرة، ومشردًا لأفرداها، فقد تكون أم الزوج متسلطة، وقد تكون أم الزوجة مفسدة، والواقع يصدق ذلك اليوم، فكم من حالات طلاق، وهدم للأسر، وكان السبب فيها تدخل الأهل، ولعلّ أوضح مثالٍ لذلك فيلم (الحموات الفاتنات) يوم أن كان الإعلام هادفًا وذا رسالة سامية.
=====================================
(3) ((التحذير من دعاة التغريب، ومخططاتهم لضرب الأسرة وهدمها))
=====================================
عباد الله وأحباب رسوله الكريم إذا كنّا نتحدث عن استقرار الأسرة، وتحقيق السكن والمودة والرحمة من داخل أفرادها؛ فلا نغفل ولا ننسى دعاة التغريب ومخططاتهم لضرب الأسرة، ومحاولة هدمها في المجتمعات الإسلامية:
=======
فالدعوة إلى الاعتراف بحقوق الشواذ والمثليين، واعتراف بعض الدول بزواج المثليين؛ ما هو إلا إحياءٌ لعمل قوم لوط، ومحاربةٌ لله (عزّ وجلّ)، ودعوةٌ لضرب الأسرة وهدمها، ومعاداةٌ لتكوينها، ومخالفةٌ لفطرة الله (عزّ وجلّ)، وتجاوزٌ للحدّ في الطغيان، قال تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ*إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ}[الأعراف:81،80].
=======
والدعوة إلى الحرية المطلقة لكل من الشاب والفتاة، وما يترتب عليها من مآسي تسبب ضياع الفتيات والشباب، ما هي إلا دعوة صريحة لتنحية الدور الرقابي للوالدين على أبنائهما، ودعوة لضرب استقرار الأسرة، ودعوةٌ صريحة لوأد الأخلاق والعفة، ودعوةٌ لعزوف الشباب عن الزواج، فمَنْ مِنْ أصحاب النخوة والمروءة، والغيرة، والحمية، تطيب نفسه أن يرى ابنته تدخل وتخرج من شاب، بل وتبيت معه وتساكنه؟، يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ)(متفق عليه)، وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال سعد بن عبادة: يا رسول الله، لو وجدت مع أهلي رجلا لم أمسه حتى آتي بأربعة شهداء؟. فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (نَعَمْ). فقال سعد: كلا والذي بعثك بالحق، إن كنت لأعاجله بالسيف قبل ذلك. فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (اسْمَعُوا إِلَى مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ، إِنَّهُ لَغَيُورٌ، وَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللهُ أَغْيَرُ مِنِّي)(رواه البخاري).
==
تلك هي الغيرة، والحمية على الأهل والعرض، ومَنْ عدمها؛ فقد عدم المروءة والشرف، وصار من جملة الملعونين؛ لقوله (صلى الله عليه وسلم): (ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ، وَالدَّيُّوثُ، وَثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالْمُدْمِنُ عَلَى الْخَمْرِ، وَالْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى)(رواه النسائي)، فالديوث) هو الرجل الذي لا يغار على أهله، المقر للخبث، والمستحسن له فيهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
=======
والدعوة أيضًا إلى ما يسمى بصديق الأسرة، وصديق الزوجة؛ ما هو إلا دعوة صريحة لإلغاء قوامة الرجل على المرأة، وتنحيتها جانبًا، فيترك الزوج زوجته تخرج متى تشاء، وتدخل متى تشاء، مع مَنْ تشاء، وما يترتب على ذلك من مآسي تتعلق بالعرض والشرف، فضلًا عن إهمال الزوجة لحقوق بيتها وأولادها، وزوجها، مما يترتب عليه ضرب استقرار الأسرة، بل وضياعها، ووأد المرؤة والنخوة والشرف، وتنشئة الأجيال على ما يخالف العقائد والمبادئ والتعاليم الإسلامية.
==
ولعلنا نتذكر جملة: (دا هاني) التي قيلت في أحد المسلسلات في موقفٍ لا ترضاه النخوة ولا المروءة ولا الشرف، إلى غير ذلك مما يصدره الغرب والصهيونية العالمية وأذيالهما لنا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، والدراما التليفزيونية والفضائية…الخ، مع أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال محذرًا من اختلاء أقارب الزوج بالزوجة، فقال: (إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ). فقال: رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ فقال (صلى الله عليه وسلم): (الحَمْوُ المَوْتُ)(متفق عليه)، أي: لقاؤه فيه الهلاك؛ لأن دخوله أخطر من دخول الأجنبي وأقرب إلى وقوع الجريمة؛ لأن الناس يتساهلون بخلطة الرجل بزوجة أخيه والخلوة بها، فيدخل بدون نكير فيكون الشر منه أكثر والفتنة به أمكن، فإذا كان النبي (صلى الله عليه وسلم) قد حذر ونهى عن اختلاط الأقارب بالزوجة، فالنهي عن اختلاط الغرباء بها من باب أولى.
=======
والدعوة لعمل المرأة بدون ضرورة، وبدون ضوابط، وقيود، وشروط، وبدون اختيار ما يناسبها، أيضًا ما هو إلا دعوة لضرب الأسرة واستقرارها.
فالحق تبارك وتعالى لم يكلف الزوجة سعيًا، ولا إنفاقًا، بل جعلها مسئولة من الرجل في مأكلها، ومشربها، وملبسها، ومسكنها، وصحتها، وفي كل شئ، فقال تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى*لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا}[الطلاق:7،6]، هذا في حال الطلاق والانفصال بين الزوجين، فكيف في حال قيام الزوجية، وقال (صلى الله عليه وسلم): (كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ)(رواه أبو داود).
==
إن الأصل أن تقر الزوجة في بيتها، عاملة على رعاية وتربية أولادها، قائمة بشئون بيتها، وحقوق زوجها؛ لقول الله (عزّ وجلّ) مخاطبًا أمهات المؤمنين: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا*وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا*وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا}[الأحزاب:32ـ34]، ولنساء المسلمين القدوة والأسوة الحسنة في أمهات المؤمنين.
==
والقرآن الكريم حينما ساق لنا نموذجًا لعمل المرأة؛ أبان أن ذلك كان لضرورة، وكان بدون اختلاط مع الرجال، فقال تعالى عن موسى (عليه السلام): {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِير}[القصص:23].
عباد الله أقول قولي هذا، وأستغفر الله العليّ العظيم لي ولكم، فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له.
===========================================
(الخطبة الثانية)
((دور الأسرة، وضرورة تفعيله اليوم))
===========================================
الحمد لله ربّ العالمين، أعد لمن أطاعه جنات النعيم، وسعر لمن عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الصادق الوعد الأمين، اللهم صلّ عليه ، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
أخوة الإيمان والإسلام: ينبغي علينا ونحن نتحدث عن الأسرة، والمحافظة على استقرارها، وما ينبغي أن تكون عليه من السكن والمودة والرحمة، ينبغي ألا ننسى دورها المجتمعي تجاه النشء والأجيال، وضرورة تفعيله اليوم، وبيان ذلك كالتالي:
=======
الدور التعليمي والتربوي للأسرة: فالأسرة هي المكون المعرفي الأول في حياة النشء والأجيال، والنشء والأجيال يتلقيان أول ما يتلقيان عن الوالدين والأسرة، ولذا يقولون: وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما عوده والده، وقد أشار النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى ذلك، فقال: (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ)(متفق عليه).
==
وانظروا إلى سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو يعلم، ويربي ابن عمه ابن عباس (رضي الله عنهما)، فيقول له: (يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ)(رواه الترمذي)، فهذا درسٌ تعليمي تربوي في العقيدة.
==
وعن عمر بن أبي سلمة (رضي الله عنهما) قال: كنت غلامًا في حجر رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (يَا غُلاَمُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ)، يقول عمر: فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ)(متفق عليه)، وهذا درسٌ تعليمي تربوي في السلوك والآداب والأخلاق، وهكذا ينبغي أن نكون معلمين ومربين لأبنائنا، وبناتنا، قال (صلى الله عليه وسلم): (مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ…)(رواه أحمد)، وعن الربيع بنت معوذ (رضي الله عنها) قالت: أرسل النبي (صلى الله عليه وسلم) غداة (صبيحة) عاشوراء إلى قرى الأنصار: (مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا، فَليَصُمْ). قالت: فكنا نصومه بعد، ونصوم صبياننا، ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار. (متفق عليه)، وعن السائب بن يزيد (رضي الله عنه) قال: (حُجَّ بِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ)(رواه البخاري)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (من عالَ ثلاثَ بَنَاتٍ، فأدَّبهُن، وزَوَّجَهُنَّ، وأحْسَنَ اليهنَّ، فلهُ الجَنَّةُ)، وفي رواية: (ثلاثُ أخواتٍ، أو ثلاثُ بناتٍ، أو ابنَتانِ، أو أُختانِ)(رواه أبو داود).
=======
الدور الرقابي للأسرة: فدور الأسرة ليس تعليميًا وتربويًا فقط، بل لابد أن يجمع إلى جوار ذلك دورًا رقابيًا، متابعًا لكل فرد في الأسرة، يتابع طاعاته، وعبادته لله، يتابع دروسه وتعليمه، يتابع ماذا يفعل في وقت فراغه، وفي خلوته، يتابع مَنْ يصاحب ومع من يخرج، ومَنْ يحدث في هاتفه، وماذا يخزن ويحمل على هاتفه… وهكذا، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[التحريم:6]، وقال (صلى الله عليه وسلم): (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا…)(متفق عليه)، فغياب الدور الرقابي للوالدين يترتب عليه مفاسد عديدة.
=======
الدور التقويمي للأسرة: فالخطأ واردٌ على كل شخص، وخصوصًا من صغار السنّ والمراهقين، وعديمو الخبرة، والأصل أن كل بني آدم خطاء، وهنا يأتي دور الأسرة أن تقوم أبنائها، وتبين لهم الخطأ من الصواب، وتردهم إلى جادة الصواب والحق، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: أخذ الحسن بن علي (رضي الله عنهما)، تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فيه (فمه)، فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم): (كِخْ كِخْ، أَمَا تَعْرِفُ أَنَّا لاَ نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ)(متفق عليه)، و(كخ كخ) (بفتح الكاف وتسكين الخاء) ويجوز (كسرها مع التنوين) كلمة يزجر بها الصبيان عن المستقذرات فيقال له: كخ أي: اتركه وارم به، وفي حجة الوداع وقفت جَارِيَةٌ شَابَّةٌ من خَثْعَمٍ تستفتي النبي (صلى الله عليه وسلم) وكان الفضل بن العباس ابن عم رسول الله رديفه وكان شابًا، فجعل ينظر إلى الفتاة وتنظر إليه، فلَوَى النبي (صلى الله عليه وسلم عُنُقَ الْفَضْلِ فقال له الْعَبَّاسُ: يا رَسُولَ الله، لِمَ لَوَيْتَ عُنُقَ ابن عَمِّكَ؟. قال: (رأيت شَابًّا وَشَابَّةً فلم آمَنْ الشَّيْطَانَ عَلَيْهِمَا)(الترمذي وأحمد)، فهذا نموذجٌ حي للتقويم، وبيان الخطأ، والردّ إلى جادة الصواب.
=======
ضرورة تفعيل أدوار الأسرة اليوم: إن هذا العصر المليء بالفتن، عصر السماوات المفتوحة ووسائل الاتصال المتعددة، عصر التغريب الثقافي، يحتم علينا أن نهبّ وأن ننادي بضرورة تفعيل دور الأسرة تصديًا لهذا التغريب، فالتغريب هو: حمل الأمم المسلمة ـ بطرق متعددة ـ على التشبه بالأمم غير المسلمة، واتباعهم في عاداتهم الذميمة، وتقاليدهم الفاسدة المخالفة لدين الله (عزّ وجلّ) وشرعه، وإبعادهم عن شرائع دينهم بقصد نشر الحضارة الغربية والسيطرة الاجتماعية، والسياسية، والعسكرية، والاقتصادية عليهم.
=======
والتغريب هو: أحد الحروب الثقافية في العصر الحديث لجأ إليه أعداء الإسلام حينما فشلوا في غزو البلدان الإسلامية بالسيف من خلال الحروب الصليبية، والحملات الاستعمارية لتغيير هويتها وثقافتها، ونهب خيراتها وثرواتها ومقدرات شعوبها، والتغريب بهذا المفهوم له آثاره الضارة على المجتمعات المسلمة، وصدق نبينا (صلى الله عليه وسلم) إذ يقول: (لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لَاتَّبَعْتُمُوهُمْ)(متفق عليه)
===========================================
فاللهمّ ارفع عنا الوباء والبلاء والغلاء، وأمدنا بالدواء والغذاء والكساء، اللهم اصرف عنّا السوء بما شئت، وكيف شئت إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير، اللهم ارفع مقتك وغضبك عنّت ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا، اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.
كتبها الشيخ الدكتور/ مسعد أحمد سعد الشايب