خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل

خطبة الجمعة حق الطفل ورعايته (بين الضروريات، والحاجيات، والتحسينيات) الدكتور مسعد الشايب

حق الطفل ورعايته (بين الضروريات، والحاجيات، والتحسينيات) الجمعة الموافقة 6 من رجب 1447هـ الموافقة 26/12/2025م الدكتور مسعد الشايب

===========================================

خطبة الجمعة word حق الطفل ورعايته (بين الضروريات، والحاجيات، والتحسينيات) الدكتور مسعد الشايب

خطبة الجمعة pdf حق الطفل ورعايته (بين الضروريات، والحاجيات، والتحسينيات) الدكتور مسعد الشايب

 

أولا: العناصر:

  1. الأبناء، ومكانتهم في الشريعة الإسلامية.
  2. من حق الطفل، ومن أمور رعايته.

(سبعةٌ من الضروريات، واثنتين من الحاجيات)

  1. الخطبة الثانية: (أمور تحسينية من حق الطفل، ورعايته).

ثانيا: الموضوع:

الحمد لله ربِّ العالمين، يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك، وعظيم سلطانك، لا نحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، جلّ وجهك، وعزّ جاهك، ولا يخلف وعدك، ولا يهزم جندك، وأَشهدُ أنْ لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأَشهدُ أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عَبدُه ورسولُهُ، صلاة وسلاما عليه دائمين متلازمين إلى يوم الدين وعلى آله وصحبه…الخ، إلى يوم الدين، وبعد:

===========================================

(1) ((الأبناء، ومكانتهم في الشريعة الإسلامية))

===========================================

أيها الأحبة الكرام: فإن نعم الله (عزّ وجل) لا تُحصى ولا تُعدّ، ومن أجل نعم المولى تبارك وتعالى علينا نعمة الذرية والأبناء، قال تعالى ممتنًا على عباده في سورة النِعم: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ}[النحل:72].

===

وأبناؤنا هم زينة الحياة الدنيا، ومن شهواتها التي جُبلت القلوب وفطرت على حبها، فبالحرمان منهم تنفطر القلوب، وتظلم الدنيا على كثرة أنوارها، وتضيق على اتساعها، قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ}[آل عمران:14]، وقال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا}[الكهف:46].

===

وأبناؤنا هم فلذات أكبادنا، وامتداد أعمارنا، ولسان صدق في الدنيا لنا، وذخرٌ ورصيدٌ في ميزان حسناتنا يوم القيامة، قال (صلى الله عليه وسلم): (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ)(رواه مسلم)، وعن أبي الدرداء (رضي الله عنه)، ذُكر زيادة العمر عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقال: (لَا تُؤَخَّرُ نَفْسٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا، وَإِنَّمَا زِيَادَةُ الْعُمُرِ: الذُّرِّيَّةُ الصَّالِحَةُ يَرْزُقُهَا اللَّهُ الْعَبْدَ، فَتَدْعُو لَهُ مِنْ بَعْدِهِ، فَيَلْحَقُهُ دُعَاؤُهُمْ فِي قَبْرِهِ، فَذَلِكَ زِيَادَةُ الْعُمُرِ)(الطبراني في الأوسط).

===

وأبناؤنا والإنفاق عليهم تجارة خفية مع الله لا يفطن لها الكثير منا، قال (صلى الله عليه وسلم): (دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ، أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ)(رواه مسلم).

===

وأبناؤنا هم طريقنا إلى الجنة إن أحسنا تربيتهم والعناية بهم، وأحسنا القيام على أمرهم، قال (صلى الله عليه وسلم): (من عالَ ثلاثَ بَنَاتٍ، فأدَّبهُن، وزَوَّجَهُنَّ، وأحْسَنَ اليهنَّ، فلهُ الجَنَّةُ)، وفي رواية: (ثلاثُ أخواتِ، أو ثلاثُ بناتٍ، أو ابنَتانِ، أو أُختانِ)(رواه أبو داود)، والتعبير بجنس النساء في هذا الحديث لتفشي وأد البنات فيهم، وإلا فإن هذا الأجر لمن أحسن تربية أولاده ذكورًا أو إناثًا.

===========================================

(2) ((من حق الطفل، ومن أمور رعايته))

===========================================

أيها الأحبة الكرام: إذا كان الأبناء بهذه المنزلة السامية، وتلك المكانة العالية، فلا عجب أن أعطت الشريعة الإسلامية لهم حقوقًا، وأمرت برعايتهم منذ طفولتهم، بل قبل أن يلتقي آباؤهم وأمهاتهم، فمن حقوق الأطفال ومن أمور رعايتهم الضرورية:

====

1ـ حسن اختيار والديهم، على أساس من التقوى والصلاح والدين، حتى لا يعيرا بهما، قال تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[النور:32]، وقال (صلى الله عليه وسلم): (إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ، إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ قالوا: يا رسول الله، وإن كان فيه؟. قال: (إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ) ثلاث مرات.(رواه الترمذي)، (وإن كان فيه) أي: شيء من قلة المال، أو رقة الحال، وقال (صلى الله عليه وسلم): (تُنْكَحُ المَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَدَاكَ)(متفق عليه)، (تربت يداك) هو في الأصل دعاء، ومعناه لصقت يداك بالتراب أي: افتقرت، ولكن العرب تستعمله للتعجب والحث على الشيء وهذا هو المراد هنا.

====

2ـ الرضاع حولين كاملين، عند الشقاق والنزاع بين الوالدين في مدة الرضاع، فقد يريد الأب رضاعًا أكثر من الحولين، وتريد الأم أقل من الحولين حتى تنظر زوجًا لها؛ إذا كانت منفصلة عن الأب، فحسم القرآن الكريم هذا النزاع قائلًا: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}[البقرة:233].

====

3ـ تعليمهم العقيدة الصحيحة، وأن النافع والضار والحافظ والمعطي والمانع…الخ هو الله (عزّ وجل)، فهذا لقمان (عليه السلام) يعلم ابنه العقيدة الصحيحة فيقول كما يحكي القرآن على لسانه: {يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}[لقمان:13]، وعن ابن عباس (رضي الله عنهما)، قال: كنت خلف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوما، فقال: (يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ)(رواه الترمذي).

====

4ـ تدريبهم وتعويدهم على أمور وشعائر الدين من العبادات والفرائض، وتعليمهم إياها، وحثهم على التمسك بها، فمن شبّ على شيء شاب عليه، قال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا*وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا}[مريم:55،54]، وقال تعالى مخاطبًا نبينا (صلى الله عليه وسلم): {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}[طه:132]، وعن الربيع بنت معوذ (رضي الله عنها) قالت: أرسل النبي (صلى الله عليه وسلم) غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: (مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا، فَليَصُمْ). قالت: فكنا نصومه بعد، ونصوم صبياننا، ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار.(متفق عليه)، وعن السائب بن يزيد (رضي الله عنه) قال: (حُجَّ بِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ)(رواه البخاري)، وعن عبد الله بن عمرو (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ…)(رواه أحمد)، وعن عمر بن أبي سلمة (رضي الله عنهما) قال: كنت غلامًا في حجر رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (يَا غُلاَمُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ). يقول عمر: فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ.(متفق عليه).

====

5ـ تبيين الحرام لهم، وأمرهم باجتنابه والابتعاد عنه، والحيلولة بينهم وبينه، فلا يكفي في تربيتهم أمرهم بالحلال وحسب، أو تعليمهم العقيدة وحسب، بل يجب أن نبين لهم الحرام أيضًا ونعلمهم اجتنابه، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: أخذ الحسن بن علي (رضي الله عنهما)، تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فيه (فمه)، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): (كِخْ كِخْ، أَمَا تَعْرِفُ أَنَّا لاَ نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ)(متفق عليه)، (كخ كخ) (بفتح الكاف وتسكين الخاء) ويجوز (كسرها مع التنوين) كلمة يزجر بها الصبيان عن المستقذرات فيقال له: كخ أي: اتركه وارم به.

وفي حجة الوداع وقفت جَارِيَةٌ شَابَّةٌ من خَثْعَمٍ تستفتي النبي (صلى الله عليه وسلم) وكان الفضل بن العباس رديفه وكان شابًا، فجعل ينظر إلى الفتاة وتنظر إليه، فلَوَى النبي (صلى الله عليه وسلم عُنُقَ الْفَضْلِ فقال له الْعَبَّاسُ: يا رَسُولَ الله، لِمَ لَوَيْتَ عُنُقَ ابن عَمِّكَ؟. قال: (رأيت شَابًّا وَشَابَّةً فلم آمَنْ الشَّيْطَانَ عَلَيْهِمَا)(الترمذي وأحمد).

====

6ـ تعويدهم الأخلاق الفاضلة، وتربيتهم عليها، وزرعها في نفوسهم، فهذا لقمان (عليه السلام) مرة ثانية يعلم ابنه أهم الأخلاق الفاضلة فيقول كما يقص القرآن الكريم: {يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ*وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ*وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}[لقمان:17ـ19]، وقال (صلى الله عليه وسلم): (مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدًا مِنْ نَحْلٍ أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ)(رواه الترمذي وأحمد)، ودخل ابن عمر (رضي الله عنهما) على يحيى بن سعيد، وغلام من بني يحيى رابط دجاجة يرميها، فمشى إليها ابن عمر حتى حلّها، ثم أقبل بها وبالغلام معه فقال: ازجروا غلامكم عن أن يصبر هذا الطير للقتل، فإني سمعت النبي (صلى الله عليه وسلم): (نَهَى أَنْ تُصْبَر (تحبس أو تربط)َ بَهِيمَةٌ أَوْ غَيْرُهَا لِلْقَتْلِ)(متفق عليه).

====

7ـ الإنفاق عليهم، والعناية بصحة أجسادهم، وإعدادهم للجهاد في سبيل الله، فينفق عليهم من الحلال، ويبعدهم عن الأمراض وأسبابها، ويعلمهم من الرياضة ما يقوي بنيانهم ويؤهلهم أن يكون في شرف الدفاع عن دينهم وأوطانهم، فعن عبد الله بن عمرو (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ)(رواه أبو داود)، وعن عبد الله بن عمر (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا…)(متفق عليه)، وكتب عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) إلى أهل الشام (أَنْ عَلِّمُوا أَوْلَادَكُمُ السِّبَاحَةَ وَالرَّمْيَ وَالْفُرُوسِيَّةَ)(فضائل الرمي).

===========================================

ومن الحاجيات:

===========================================

8ـ رعايتهم علميًا، وفكريًا، وثقافيًا، وذلك بدفعهم إلى تعلم العلوم والأشياء النافعة ومتابعتهم في ذلك، فعَن أبي رَافع (رضي الله عنه) قال: قلت: يا رسول الله, أللولد علينا حق, كحقنا عليهم؟. قال: (نَعَمْ حَقُّ الْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ أَنْ يُعَلِّمَهُ الْكِتَابَةَ، وَالسِّبَاحَةَ، وَالرَّمْيَ، وأنْ لَا يَرْزُقَهُ إلاَّ طَيبًا)(شعب الإيمان)، وقال على (زين العابدين) بن الإمام الحسين (رضي الله عنه) ت(93هـ): (كُنَّا نُعَلَّمُ مَغَازِي النبيَّ (صلى الله عليه وسلم) كَمَا نُعَلَّمُ السّورَةَ مِنَ القُرْآنِ)(السيرة النبوية لابن كثير)، ويقول إِسماعيل بن محمَّد بن سعد بن أبي وقاص ت(134هـ) كان أبي يعلمنا مغازي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وَيَعُدّها علينا، وسراياه، ويقول: (يَا بَنِيَّ هَذِهِ مَآثِرُ آبَائِكُمْ فَلَا تُضَيِّعُوا ذِكْرَهَا)(الجامع لأخلاق الراوي).

====

9ـ الرحمة بهم، والمعاملة لهم بلطف، وإضفاء الحنان عليهم بالملاعبة وغيرها، فعن عائشة (رضي الله عنها) قالت: جاء أعرابي إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: تقبلون الصبيان؟ فما نقبلهم. فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): (أَوَ أَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ)(رواه البخاري)، وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ (رضي الله عنه) قَالَ: (رَأَيْتُ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَؤُمُّ النَّاسَ وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ (رضي الله عنها)، وَهِيَ ابْنَةُ زَيْنَبَ بِنْتُ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) (رضي الله عنها) عَلَى عَاتِقِهِ، فَإِذَا رَكَعَ وَضَعَهَا، وَإِذَا رَفَعَ مِنَ السُّجُودِ أَعَادَهَا)(اللفظ لمسلم).

وعن عائشة (رضي الله عنها)، أنّ امرأة جاءت إليها، فأعطتها عائشة ثلاث تمرات، فأعطت كل صبي لها تمرة، وأمسكت لنفسها تمرة، فأكل الصبيان التمرتين ونظرا إلى أمهما فعمدت إلى التمرة فشقتها فأعطت كل صبي نصف تمرة فجاء النبي (صلى الله عليه وسلم) فأخبرته عائشة فقال: (وَمَا يُعْجِبُكَ مِنْ ذَلِكَ لَقَدْ رَحِمَهَا الله برحمتها صَبِيَّيْها)(الأدب المفرد)، وعن يعلى بن مرة (رضي الله عنه) قال: خرجنا مع النبي (صلى الله عليه وسلم) ودعينا إلى طعام، فإذا حسين يلعب في الطريق، فأسرع النبي (صلى الله عليه وسلم) أمام القوم ثم بسط يديه فجعل الغلام يفر ههنا وههنا ويضاحكه النبي (صلى الله عليه وسلم) حتى أخذه فجعل إحدى يديه في ذقنه والأخرى في رأسه، ثم أعتنقه ثم قال النبي (صلى الله عليه وسلم): (حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، أَحَبَّ اللهُ مَنْ أَحَبَّهُ، الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سِبْطَانِ مِنَ الْأَسْبَاطِ)(المعجم الكبير).

وقال (صلى الله عليه وسلم): (خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الْإِبِلَ، صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ، وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ) (متفق عليه)، (أحناه) أشفقه، وأعطفه. (أرعاه) أكثر رعاية وصيانة. (في ذات يده) ماله المضاف إليه.

عباد الله: البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والدّيّان لا يموت، اعمل ما شئت كما تدين تدان، فادعوا الله وأنتم موقنون…………

===========================================

(الخطبة الثانية)

((أمور تحسينية من حق الطفل، ورعايته))

((أربعة أمور))

===========================================

الحمد لله رب العالمين، أعدّ لمَنْ أطاعه جنات النعيم، وسعرّ لمَنْ عصاه نار الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

أيها الأحبة الكرام: مازال الحديث بنا موصولا مع بعض حقوق الأبناء على الآباء، ومن الحقوق التحسينية للأطفال على الآباء:

====

1ـ الآذان في أُذنهم اليمنى عند الولادة، طردًا للشيطان، وقرع أسماعهم بذكر الله، فعن أبي رافع (رضي الله عنه) قال: (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ حِينَ وَلَدَتْهُ فَاطِمَةُ بِالصَّلَاةِ)(رواه أبو داود).

====

2ـ تحنيكهم بالتمر (إن وجد) بعد ولادتهم، فعن أبي موسى الأشعري (رضي الله عنه)، قال: ولد لي غلام، فأتيت به النبي (صلى الله عليه وسلم)، (فَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ، فَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ، وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ، وَدَفَعَهُ إِلَيَّ)(متفق عليه)، وعن أنس بن مالك (رضي الله عنه)، أن أبا أيوب الأنصاري (رضي الله عنه) أرسله بابنه من أمّه أم سليم، وأرسل معه تمرات، فأتى به النبي (صلى الله عليه وسلم)، فأخذه النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: (أَمَعَهُ شَيْءٌ؟). قالوا: نعم، تمرات. فأخذها النبي (صلى الله عليه وسلم)، (فَمَضَغَهَا، ثُمَّ أَخَذَ مِنْ فِيهِ، فَجَعَلَهَا فِي فِي الصَّبِيِّ وَحَنَّكَهُ بِهِ، وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللَّهِ)(متفق عليه)، (فحنكه) من التحنيك وهو أن يمضغ شيء حلو ويوضع في فم الصبي ويدار في حنكه.

====

3ـ ذبح العقيقة عنهم، وحلق شعر رؤوسهم، والتصدق بزنته، والعقيقة سنة مؤكدة، من العق، وهو الشق والقطع، وتطلق على الشعر الذي يكون على رأس الصبي حين يولد، وأطلقت على الذبيحة التي تذبح للمولود لأنها تذبح حين يحلق ذلك الشعر، أو لأنها تشق وتقطع عمن ذبحت له.

ويسن أن تكون العقيقة، والحلق يوم السابع من الولادة، فعن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) قال: عق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن الحسن بشاة، وقال: (يَا فَاطِمَةُ، احْلِقِي رَأْسَهُ، وَتَصَدَّقِي بِزِنَةِ شَعْرِهِ فِضَّةً). قال: فوزنته فكان وزنه درهما أو بعض درهم. (رواه الترمذي)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (كُلُّ غُلَامٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ وَيُحْلَقُ وَيُسَمَّى)(رواه أبو داود)، (رهينة بعقيقته) أي: أن العقيقة لازمة له لا بد منها فشبّه في لزومها له وعدم انفكاكه منها بالرهن في يد المرتهن، وقال الإمام أحمد بن حنبل: هذا في الشفاعة يريد أنه إذا لم يعق عنه فمات طفلا لم يشفع في والديه، وقيل: إنه مرهون بأذى شعره، لا ينمو نمو مثله حتى يعقّ عنه.

وقال (صلى الله عليه وسلم): (مَعَ الغُلاَمِ عَقِيقَةٌ، فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الأَذَى)(رواه البخاري)، (فأهريقوا) أسيلوا ومعناه اذبحوا. (أميطوا) أزيلوا. (الأذى) قيل: هو الشعر الذي يكون على رأسه عند الولادة، وقيل: بتطهيره عن الأوساخ التي تلطخ بها عند الولادة، وقيل: قلفة الذكر التي تقطع عند الختان.

====

4ـ تسميتهم بالأسماء الحسنة، يوم السابع من ولادتهم، إذا كنا سنعق عنهم، فإن لم يعق عن المولود؛ فيسمى وقت ولادته، فعن أبي وهب الجشمي (رضي الله عنه)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (تَسَمَّوْا بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ، وَهَمَّامٌ، وَأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرَّةُ)(رواه أبو داود)، وعن ابن عمر (رضي الله عنهما): (أَنَّ ابْنَةً لِعُمَرَ كَانَتْ يُقَالُ لَهَا: عَاصِيَةُ فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) جَمِيلَةَ)(رواه مسلم).

وعن زينب بنت أم سلمة (رضي الله عنهما) قالت: (كَانَ اسْمِي بَرَّةَ، فَسَمَّانِي رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) زَيْنَبَ)، قالت: (وَدَخَلَتْ عَلَيْهِ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ، وَاسْمُهَا بَرَّةُ فَسَمَّاهَا زَيْنَبَ)(رواه مسلم)، وعن أسامة بن أخدري (رضي الله عنه)، أن رجلا يقال له: أصرم كان في النفر الذين أتوا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (مَا اسْمُكَ؟). قال: أنا أصرم، قال: (بَلْ أَنْتَ زُرْعَةُ)(رواه أبو داود)

قال الإمام أبو داود صاحب السنن: (وَغَيَّرَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) اسْمَ الْعَاصِ، وَعَزِيزٍ، وَعَتَلَةَ، وَشَيْطَانٍ، وَالْحَكَمِ، وَغُرَابٍ، وَحُبَابٍ، وَشِهَابٍ، فَسَمَّاهُ هِشَامًا، وَسَمَّى حَرْبًا سَلْمًا، وَسَمَّى الْمُضْطَجِعَ الْمُنْبَعِثَ، وَأَرْضًا تُسَمَّى عَفِرَةَ سَمَّاهَا خَضِرَةَ، وَشَعْبَ الضَّلَالَةِ، سَمَّاهُ شَعْبَ الْهُدَى، وَبَنُو الزِّنْيَةِ، سَمَّاهُمْ بَنِي الرِّشْدَةِ، وَسَمَّى بَنِي مُغْوِيَةَ، بَنِي رِشْدَةَ تَرَكْتُ أَسَانِيدَهَا لِلِاخْتِصَارِ)(سنن أبي داود).

===========================================

فاللهمّ أرنا الحق حقًا، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا، وارزقنا اجتنابه، اللهمّ علمنا من لدنك علمًا نصير به خاشعين، وشفّع فينا سيّد الأنبياء والمرسلين، واكتبنا من الذاكرين، ولا تجعلنا من الغافلين ولا من المحرومين، ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم في جنات النّعيم اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.

اللهم ارفع عنا الوباء والبلاء والغلاء، وأمدنا بالدواء والغذاء والكساء، اللهم اصرف عنّا السوء بما شئت، وكيف شئت إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير، اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.

كتبها الشيخ الدكتور/ مسعد أحمد سعد الشايب

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى