خطبة الجمعة : توقير كبار السن وإكرامهم للدكتور محمد داود

خطبة الجمعة : توقير كبار السن وإكرامهم للدكتــــــور/ محمد حســــــن داود (7 جمادى الآخرة 1447هـ – 28 نوفمبر2025م)
خطبة الجمعة word: توقير كبار السن وإكرامهم للدكتور محمد داود
خطبة الجمعة pdf : توقير كبار السن وإكرامهم للدكتور محمد داود
العناصـــــر :
– كبار السن ومكانتهم ودعوة الإسلام إلى توقيرهم وإكرامهم.
– كبار السن في حياة الأنبياء (عليهم السلام)، والصحابة (رضي الله عنهم).
– من صور توقير كبار السن وإكرامهم.
– فضل توقير كبار السن وإكرامهم.
– كما تدين تدان والجزاء من جنس العمل.
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي جعل توقير كبار السن من شعائر الدين، رفع قدرهم، وأمر بإكرامهم، ورتب على ذلك الأجر والفضل الكبير، سبحانه، له الحمد كما يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، أكمل الناس خَلقا وخُلقا، وأرفعهم مكانة وفضلا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
فلقد اقتضت حكمة الله (سبحانه وتعالى) وجرت سنته أن تكون حياة الإنسان سلسلة من المراحل، تتدرج به من ضعف إلى قوة، ثم تعيده بعد القوة إلى ضعف وشيبة، قال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) (الروم: 54)،.
وحيث إن الإسلام دين القيم الرفيعة، والأخلاق السامية، والإنسانية الشاملة؛ فقد جاء يأمرنا بمراعاة حقوق الناس على اختلاف أعمارهم، جاء يأمرنا بتوقير كبار السن وإكرامهم، وجعل ذلك من دلائل الإيمان، وشواهد المروءة، وأبواب البر، ففي توقير الكبير سموٌّ للمجتمع، ورفعةٌ للعلاقات، وتحقيقٌ لمعاني الأخوة، وتوثيقٌ لقيمة التعاون على البر، وترسيخٌ لجسور التماسك والترابط، ولقد علّمنا سيدنا الحبيب النبي (صلى الله عليه وسلمَ) هذا المعنى في أسمى صوره، فقال: “المُؤمِنُ يألَفُ ويُؤلَفُ ولا خيرَ فيمَنْ لا يألَفُ ولا يُؤلَفُ وخيرُ النَّاسِ أنفَعُهم للنَّاسِ”.
لقد رفع الله (عز وجل) مكانة كبار السن، وبين لنا الحبيب النبي (صلى الله عليه وسلمَ) قدرهم، فقال: “مَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي الْإِسْلَامِ كُتِبَ لَهُ بِهَا حَسَنَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، وَرُفِعَ له بها درجة” (رواه ابن حبان)، وقال (صَلى الله عليه وسلم): “خِيَارُكُمْ أَطْوَلُكُمْ أَعْمَارًا إِذَا سَدَّدُوا” (رواه أبو يعلى)، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): “أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِكُمْ؟”، قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: “خِيَارُكُمْ أَطْوَلُكُمْ أَعْمَارًا، وَأَحْسَنُكُمْ أَعْمَالًا ” (رواه أحمد).
كما وهبهم الإسلام حقا في الاحترام والتقدير، إذ يقول حضرة النبي (صَلى الله عليه وسلم): “مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا، فَلَيْسَ مِنَّا”، وعن ابْنِ عَبَّاسٍ (رضي الله عنهما): أَنَّ النَّبِيَّ (صَلى الله عليه وسلم) قَالَ: “الْبَرَكَةُ مَعَ أَكَابِرِكُمْ” (صحيح ابن حبان).
ومن ينظر سيرة الأنبياء (عليهم الصلاة والسلام) يجد هذا التقدير في أسمى معانيه؛ فهذا سيدنا موسى (عليه السلام)، يقول الله (عز وجل) حكاية عنه: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ)؛ فانظر ماذا كان من سيدنا موسى (عليه السلام) أمام حاجة بدت من ضعيفين: المرأة والشيخ الكبير؟ قال تعالى: (فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) (القصص: 23).
وهذا نبينا (صلى الله عليه وسلمَ) يقول كما في (الفوائد، لأبي بكر الشافعي): “أَمَرَنِي جِبْرِيلُ أَنْ أُقَدِّمَ الْأَكَابِرَ”، ويوم أن دخل (صلى الله عليه وسلمَ) مكة، إذا بسيدنا أَبي بَكْرٍ (رضي الله عنه) آخذاً بيد أبيه أَبِي قُحَافَةَ، ذلك الشيخ الكبير إِلَى حضرة النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَيقول له النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) “أَلَا تَرَكْتَهُ حَتَّى نَكُونَ نَحْنُ الَّذِي نَأْتِيهِ”، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: هُوَ أَحَقُّ أَنْ يَأْتِيَكَ (رواه أحمد)، كذلك انظر ما كان منه فيما جاء عن المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا)، قَالَ: قَدِمَتْ عَلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَقْبِيَةٌ، فَقَالَ لِي أَبِي مَخْرَمَةُ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَيْهِ، عَسَى أَنْ يُعْطِيَنَا مِنْهَا شَيْئًا، فَقَامَ أَبِي عَلَى البَابِ، فَتَكَلَّمَ، فَعَرَفَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) صَوْتَهُ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَمَعَهُ قَبَاءٌ وَهُوَ يُرِيهِ مَحَاسِنَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: “خَبَأْتُ هَذَا لَكَ خَبَأْتُ، هَذَا لَكَ” (البخاري)، وانظر كيف كان لينا سهلا معهم، ففي (الشمائل) لسيدنا الإمام الترمذي، عَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ (رضي الله عنها) قَالَتْ: “دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلمَ)، وَعِنْدِي عَجُوزٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ، فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ الْعَجُوزُ؟”، فَقُلْتُ: مِنْ خَالَاتِي، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ أَنْ يُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ، فَقَالَ: “يَا أُمَّ فُلَانٍ، إِنَّ الْجَنَّةَ لَا تَدْخُلُهَا عَجُوزٌ”، فَوَلَّتْ تَبْكِي، فَقَالَ: “أَخْبِرُوهَا أَنَّهَا لَا تَدْخُلُهَا وَهِيَ عَجُوزٌ، إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: (إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً* فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا) (الواقعة 35 – 37)، كذلك عَنْ سيدنا أَنَسٍ (رضي الله عنه)، أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، فَقَالَ: “يَا أُمَّ فُلَانٍ انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ، حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ” فَخَلَا مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ، حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا” (رواه مسلم).
وعليه كان الصحابة (رضي الله عنهم)، فهذا سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله تعالى عنه)، يخرج في سواد الليل كلَّ يوم إلى أحد البيوت، فرآه سيدنا طلحةُ (رضي الله عنه) في يومٍ من الأيام، فلما جاء الصبح ذهب إلى ذلك البيت، فإذا هو بعجوزٍ عمياءَ مقعدة، فقال لها: ما بال هذا الرجل يأتيك؟ قالت: إنه يتعاهدني منذ كذا وكذا يأتيني بما يصلحني، ويخرج عني الأذى، فقال طلحة: ثكلتك أمك يا طلحة أعثرات عمر تتبع؟!.
وإن من مظاهر توقيرهم وإكرامهم:
– حسن استقبالهم والتوسعة لهم في المجلس؛ إذ يقول حضرة النبي (صلى الله عليه وسلمَ): ” يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ علَى الكَبِيرِ، والمارُّ علَى القاعِدِ، والقَلِيلُ علَى الكَثِيرِ”، وعنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ (رضي الله عنها)، قَالَتْ: جَاءَتْ عَجُوزٌ إِلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَهُوَ عِنْدِي، فَقَالَ: لَهَا رَسُولُ اللَّهِ: “مَنْ أَنْتِ؟” قَالَتْ: أَنَا جَثَّامَةُ الْمُزَنِيَّةُ، فَقَالَ: “بَلْ أَنْتِ حَسَّانَةُ الْمُزَنِيَّةُ، كَيْفَ أَنْتُمْ؟ كَيْفَ حَالُكُمْ؟ كَيْفَ كُنْتُمْ بَعْدَنَا؟” قَالَتْ: بِخَيْرٍ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَلَمَّا خَرَجَتْ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُقْبِلُ عَلَى هَذِهِ الْعَجُوزِ هَذَا الْإِقْبَالَ؟ فَقَالَ: “إِنَّهَا كَانَتْ تَأْتِينَا زَمَنَ خَدِيجَةَ، وَإِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الْإِيمَانِ” (رواه البيهقي في شعب الإيمان) وعَنْ سيدنا أَنَسٍ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) قالَ: جَاءَ شَيْخٌ يُرِيدُ النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَأَبْطَأَ القَوْمُ عَنْهُ أَنْ يُوَسِّعُوا لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): “لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا” (رواه الترمذي).
– الابتسامة وطلاقة الوجه عند لقائهم، فقد قال سيدنا الحبيب النبي (صلى الله عليه وسلمَ): “لا تَحقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوف شَيْئًا، وَلَو أنْ تَلقَى أخَاكَ بوجهٍ طليقٍ” (رواه مسلم).
– تقديرهم، واحترامهم، والحياء منهم، فقد قال سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلمَ): “مَا كَانَ الْحَيَاءُ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلا زَانَهُ”، وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ (رضي الله عنهما) قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ (صَلى الله عليه وسلم): “إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ، فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ؟”، فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَاسْتَحْيَيْتُ، ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: “هِيَ النَّخْلَةُ”، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُمَرَ، قَالَ: لأَنْ تَكُونَ قُلْتَ: هِيَ النَّخْلَةُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا (رواه مسلم). وعن سَمُرَة بْن جُنْدُبٍ (رضي الله عنه) قال: “لَقَدْ كُنْتُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) غُلَامًا فَكُنْتُ أَحْفَظُ عَنْهُ، فَمَا يَمْنَعُنِي مِنْ الْقَوْلِ إِلَّا أَنَّ هَا هُنَا رِجَالًا هُمْ أَسَنُّ مِنِّي” (رواه مسلم).
– تكريمهم في سائر الأمور: فهم أحق بالمبادأة بالكلام والحوار والإطعام والشراب، فعن ابْنَ عُمَرَ (رضي الله عنهما)، أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صَلى الله عليه وسلم) قَالَ: “أَرَانِي فِي الْمَنَامِ أَتَسَوَّكُ بِسِوَاكٍ، فَجَذَبَنِي رَجُلَانِ، أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الْآخَرِ، فَنَاوَلْتُ السِّوَاكَ الْأَصْغَرَ مِنْهُمَا، فَقِيلَ لِي: كَبِّرْ، فَدَفَعْتُهُ إِلَى الْأَكْبَرِ” (متفق عليه). وعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَسَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودٍ أَتَيَا خَيْبَرَ، فَتَفَرَّقَا فِي النَّخْل،ِ فَقُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ، فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَحُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ إِلَى النَّبِيِّ (صَلى الله عليه وسلم) فَتَكَلَّمُوا فِي أَمْرِ صَاحِبِهِم،ْ فَبَدَأَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَكَانَ أَصْغَرَ الْقَوْمِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ (صَلى الله عليه وسلم) “كَبِّرْ الْكُبْرَ” (رواه البخاري في الأدب المفرد) وَعَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، فَصِرْنَا إِلَى مَضِيقٍ فَتَقَدَّمَنِي ثُمَّ قَالَ لِي” لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّكَ أَكْبَرُ مِنِّي بِيَوْمٍ مَا تَقَدَّمْتُكَ “(رَوَاهُ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي الْجَامِعِ).
– مناداتهم بأكرم الأسماء وألطفها، والإنصات إليهم، والصبر عند حديثهم، وعدم مقاطعتهم، وحسن الكلام معهم، فقد قال تعالى: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) (البقرة: 83)، ويقول سيدنا النبي (صلى الله عليه وسلمَ): “ مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أوْ لِيصْمُتْ”.
– الاستفادة من خبراتهم، فقد قال الإمام المناوي (رحمه الله): “(البركة مع أكابركم) المجربين للأمور، والمحافظين على تكثير الأجور فجالسوهم لتقتدوا برأيهم وتهتدوا بهديهم ” .
روي أن أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) مرَّ بها سائلٌ فاعطتهُ كِسرَةً، ومرَّ بها رجلٌ عليه ثيابٌ وهيئةٌ، فأقعدتَه، فأكَلَ، فَقِيل لها في ذلك، فقالت: قال رسولُ الله (صلى الله عليه وسلمَ): “أنزِلُوا النَّاسَ منازِلَهُم” (رواه أبو داود).
فلقد علّمنا الإسلام توقير الكبير ومكانته؛ ففي الحديث: “إِنَّ مِنْ إِجْلاَلِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ”، فما أجمل أن يرى الكبير منا خفض الجناح، ولين الجانب، وطيب الاستماع، وبشاشة الوجه، وتقديمه في المجالس، وترك الجدال معه، فلهذا التوقير فضلا كبيرا وأجرا عظيما، قال فيه سيدنا الحبيب النبي (صلى الله عليه وسلمَ) لسيدنا أنس (رضي الله عنه): “وَقِّرِ الْكَبِيرَ، وَارْحَمِ الصَّغِيرَ تُرَافِقْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ”، (رواه البيهقي في الشعب).
فالكبر غاية سيصل إليها من مد الله في عمره، وكما تدين تدان، والأيام دول والجزاء من جنس العمل، يقول سيدنا الحبيب النبي (صلى الله عليه وسلمَ): ” الْبِرُّ لَا يَبْلَى، وَالْإِثْمُ لَا يُنْسَى، وَالدَّيَّانُ لَا يَمُوتُ، فَكُنْ كَمَا شِئْتَ، كَمَا تَدِينُ تُدَانُ” (رواه البيهقي في الزهد الكبير) وعَنْ سيدنا أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ (رضي الله عنه) قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلمَ): “مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلَّا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ” (رواه الترمذي)، قال الإمام الغزالي: “وهذه بشارة بدوام الحياة فليُتَنَبَّه لها فلا يُوَفَّق لتوقير المشايخ إلا من قضى الله له بطول العمر”.
وفي المقابل: يقول يحي بن سعيد المدني (رحمه الله): “بلغنا أن من أهان ذا شيبة لم يمت حتى يقيِّض الله (عز وجل) له من يهينه في كبره”.
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق، واصرف عنا سيئها، واحفظ مصر من كل مكروه وسوء، واجعلها اللهم أمنا أمانا سخاء رخاء يا رب العالمين
=== كتبه ===
محمد حســـــن داود
إمام وخطيب ومــدرس
دكتوراة في الفقه المقارن









