خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل

خطبة الجمعة بعنوان : “وَلَكِنْ يَسَعْهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ” للدكتور محمـد حسن داود

(10 رجب 1446هـ - 10 يناير 2025م)

خطبة الجمعة بعنــــوان: “وَلَكِنْ يَسَعْهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ” للدكتـــــور/ محمـد حســــن داود – الشيخ محمد حسن داود (10 رجب 1446هـ – 10 يناير 2025م).
🔷 العناصـــــر :
♦️ حث الإسلام على بسط الوجه وحسن الخلق.
♦️ النبي (صَلى الله عليه وسلم) أحسن الناس خلقا مع الناس جميعا.
♦️ النبي (صَلى الله عليه وسلم) والصحابة (رضي الله عنهم) وتحقيق أسمى معاني التعايش السلمي والمواطنة.
♦️ فضائل حسن الخلق مع الناس وعواقب سوء الخلق.

لتحميل الخطبة pdf

♦️ ♦️ ♦️ ♦️ ♦️
الموضــــــوع: الحمد لله رب العالمين، الحمد لله فاطر السبع الطباق، مقسم الأرزاق، الهادي لأحسن الأخلاق، مالك يوم التلاق، نحمده على آلاء تملأ الآفاق، ونعم تطوق القلوب والأعناق، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف: “إنما بُعِثتُ لأُتَمِّمَ صالِحَ الأخْلاقِ”، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، و بعد
♦️ ♦️ ♦️ ♦️ ♦️
🔴 فلقد جاء الاسلام لتزكية النفوس وتقويم الأخلاق وإصلاح الباطن والظاهر، جاء لتحقيق أنبل الطباع وأحسن الأخلاق وأفضل الخصال، فما أمر إلاّ بالحق والصلاح، وما أوصى إلا بالخير والإحسان، وما دعا إلا إلى البِر والحب والرحمة والسماحة، وما قرر إلا ما فيه مصلحة الناس، وما حث إلا على كل فضيلة، وما نهى إلا عن كل رزيلة؛ فهو محبة كله، سماحة كله، يبني ولا يهدم، ومن ذلك ترى النبي صَلى الله عليه وسلم يلخص رسالته فيقول: “إنَّما بُعِثْتُ لأُتَمَّمَ صالحَ الأخلاقِ” (رواه أحمد) وعندما وصف المسلم قال: “المسلم مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ” ولما تحدث عن كمال الإيمان قال: “أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا” (رواه أبو داود)، وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه)، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ ” مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فلا يُؤْذِ جارَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أوْ لِيَصْمُتْ” (رواه البخاري) وفي ذلك بيان لمكانة الاخلاق من الدين، وفيه حث على التحلي بأسمى آيات الإحسان والبشر والبر وبسط الوجه وحسن الخلق والإكرام في التعامل مع خلق الله تعالى، إذ يقول صَلى الله عليه وسلم : “إِنَّكُمْ لَا تَسَعُونَ النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ لِيَسَعْهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ”. ويقول صلى الله عليه وسلم: “لا تحْقِرَنَّ من المعرُوفِ شيْئًا، ولوْ أنْ تلْقَى أخاكَ بوجْهٍ طلْقٍ”.
🔴 ولعل هذا من أعظم الأسرار التي جذبت القلوب والأرواح والعقول إليه صلى الله عليه وسلمَ، حيث قال الحق سبحانه وتعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ َلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) (آل عمران: 159) فلقد عُرف النبي (صلى الله عليه وسلمَ)، بأنبل الصفات، وأرفع القيم، وأجمل الخصال، وأحسن الأخلاق، قال الله (جل وعلا) في حقه (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم4) ولما سُئلت أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) عن خُلُقه، قالت: ” كَانَ خُلُقُهُ القُرآنُ” وها هي ام المؤمنين خديجة (رضي الله عنها) تتحدث عن شيء من صفاته وأخلاقه، فتقول له: ” فَوَاللَّهِ لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أبَدًا، إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نَوَائِبِ الحَقِّ”.
فاق النبيين في خَلقٍ وفي خُلـُقٍ ولم يدانوه في علمٍ ولا كـــــــــــرمِ
وكلهم من رسول الله ملتمــــسٌ غرفاً من البحر أو رشفاً من الديمِ
وها هو سيدنا جعفر بن أبى طالب (رضي الله عنه) عندما وقف أمام النجاشي (ملك الحبشة) مبينا شيئا من قيم الإسلام النبيلة وأخلاقه الكريمة ورسالته السمحة، يقول ” أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ، نَعْبُدُ الأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ، وَيَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، وَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْنَا رَسُولا مِنَّا، نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الْحِجَارَةِ وَالأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنِ الْفُحْشِ، وَقَوْلِ الزُّورِ، وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ، وَأَمَرَنَا أَنَّ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَلا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَأَمَرَنَا بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ..” .
في بيان لحقيقة الإسلام الذي يدعو إلى بسط الوجه وحسن الخلق والسماحة والمحبة والألفة والوئام في أرقى الصور وأعلاها؛ فالمؤمن يألف ويؤلف كما قال النبي (صلى الله عليه وسلمَ): “المُؤمِنُ يألَفُ ويُؤلَفُ ولا خيرَ فيمَنْ لا يألَفُ ولا يُؤلَفُ” وخير الناس وأحبهم إلى الله (عز وجل) أنفعهم للناس، كما قال النبي صَلى الله عليه وسلم: “أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ”، وقال: ” خَيْرُ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، ومن أفضل الخصال حسن القول مع الناس إذ يقول صَلى الله عليه وسلم: “الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ” (متفق عليه)، ومن أفضل الصدقات كف الأذى عن الناس.
وما زال النبي (صلى الله عليه وسلمَ) يؤكد على ذلك حتى ولو كان الأمر متعلقا بالمشاعر، فلربما كان الأذى المعنوي أشد وطأة على النفس، وأبقى أثرا في القلب؛ فعَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): “إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً، فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ صَاحِبِهِمَا، فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ” (رواه مسلم) ولما جاء رجلٌ يتخطّى رقابَ النّاس يومَ الجمعة والنبيّ (صلى اللَه عليه وسلم) يخطب، قال له صَلى الله عليه وسلم: “اجلِس فقد آذيت” (رواه أبو داود والنسائي) وتدبر هذا الموقف؛ فقد جاء عن ابن مسعود (رضي الله عنه) أنه كان على شجرة فهبت الريح فكشفت ساقيه فضحك الصحابة من دقتهما، (أي من نحالتهما)، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : ” مَا يُضْحِكُكُمْ ” ؟ قَالُوا : دِقَّةُ سَاقَيْهِ، قَالَ : ” وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ؛ لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مُنْ أُحُدٍ”.
🔴 إن الإسلام لم يدعُ إلى التعايش السلمي فقط بين المسلمين بعضهم بعضا بل وبين المسلمين وغيرهم، فلقد دعا الإسلام إلى تحقيق معاني التواصل بالخير والتعاون والتكافل والتماسك والترابط والود والألفة بين أبناء الوطن جميعا، قال تعالى: (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) (الممتحنة: 😎 وإننا إذا نظرنا في أحوال المدينة عندما دخلها النبي (صَلى الله عليه وسلم) لوجدناه كيف أرسى قواعد المواطنة، كما كفل النبي (صلى الله عليه وسلمَ): حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية لكل أبناء الوطن الواحد، قال تعالى (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) (البقرة: 256)، فقد رأيناه كيف استقبل صلى الله عليه وسلمَ وفد نجران، ولما حانت صلاتهم سمح لهم النبي (صلى الله عليه وسلمَ) بإقامة صلاتهم في مسجده الشريف” كما كان النبي (صَلى الله عليه وسلم) يحضر مجالسهم وولائمهم، ويعاملهم بكل أنواع المعاملات الطيبة، في بيان نبوي عظيم لتحقيق معاني وحدة وتماسك وترابط أبناء الوطن. وعلى هذا الوئام والترابط والتماسك والسماحة في أبهى الصور كان الصحابة رضي الله عنهم، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) ،أَنَّهُ ذَبَحَ شَاةً فَقَالَ : أَهْدَيْتُمْ لِجَارِي الْيَهُودِيِّ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ : “مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ” .
🔴 إن خيرية العبد لا تقاس بصلاته وصيامه فحسب، بل لابد من النظر في أخلاقه فقد قال صَلى الله عليه وسلم “خيارُكم أحاسِنُكم أخلاقًا” (متفق عليه). ولقد حفلت السنة النبوية المشرفة بأمثلة كثيرة لأناس ساءت أخلاقهم مع كثرة عبادتهم وطاعتهم، فانظر كيف كان أمرهم؛ فعن أَبَى هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) انه قال: ” قِيلَ لِلنَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فُلانَةً تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ، وَتَفْعَلُ، وَتَصَّدَّقُ، وَتُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): لا خَيْرَ فِيهَا ، هِيَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، قَالُوا : وَفُلانَةٌ تُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ، وَتَصَّدَّقُ بِأَثْوَارٍ، وَلا تُؤْذِي أَحَدًا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : هِيَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ” (الأدب المفرد للبخاري).
ومن ثم فما من شيء أثقل في ميزان العبد من حسن أخلاقه ورقى سلوكه ، فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ : “مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ ” (رواه الترمذي) وإذا سألت من أقرب الناس مجلسا من الرسول (صَلى الله عليه وسلم) يوم القيامة لوجدت أن منهم أحسن الناس أخلاقا، فقد قال رسول الله (صَلى الله عليه وسلم) ” إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا”( رواه الترمذي) .
فما أحوجنا أن نتمسك بوصية النبي (صَلى الله عليه وسلم) إذ يقول: “اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ”. فنعيش بالقلب والجوارح معاني هذه الوصية النبوية ، ونتأسى برسول الله (صلى الله عليه وسلمَ)، ونأخذ من مشكاته، ونقتدي به في سيرته وسريرته، وأخلاقه، وفي سائر أحواله، وأن نضع دائما نصب أعيننا قوله صلى الله عليه وسلمَ: “إِنَّكُمْ لَا تَسَعُونَ النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ لِيَسَعْهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ”.
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت
واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت
واحفظ اللهم مصر من كل مكروه وسوء
محمد حســـــــن داود
إمام وخطــيب ومدرس
دكتوراة في الفقه المقارن

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى