خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل
خطبة الجمعة بعنوان : “وَلَكِنْ يَسَعْهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ” للدكتور محمـد حسن داود
(10 رجب 1446هـ - 10 يناير 2025م)

خطبة الجمعة بعنــــوان: “وَلَكِنْ يَسَعْهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ” للدكتـــــور/ محمـد حســــن داود – الشيخ محمد حسن داود (10 رجب 1446هـ – 10 يناير 2025م).





لتحميل الخطبة pdf





الموضــــــوع: الحمد لله رب العالمين، الحمد لله فاطر السبع الطباق، مقسم الأرزاق، الهادي لأحسن الأخلاق، مالك يوم التلاق، نحمده على آلاء تملأ الآفاق، ونعم تطوق القلوب والأعناق، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف: “إنما بُعِثتُ لأُتَمِّمَ صالِحَ الأخْلاقِ”، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، و بعد







فاق النبيين في خَلقٍ وفي خُلـُقٍ ولم يدانوه في علمٍ ولا كـــــــــــرمِ
وكلهم من رسول الله ملتمــــسٌ غرفاً من البحر أو رشفاً من الديمِ
وها هو سيدنا جعفر بن أبى طالب (رضي الله عنه) عندما وقف أمام النجاشي (ملك الحبشة) مبينا شيئا من قيم الإسلام النبيلة وأخلاقه الكريمة ورسالته السمحة، يقول ” أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ، نَعْبُدُ الأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ، وَيَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، وَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْنَا رَسُولا مِنَّا، نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الْحِجَارَةِ وَالأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنِ الْفُحْشِ، وَقَوْلِ الزُّورِ، وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ، وَأَمَرَنَا أَنَّ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَلا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَأَمَرَنَا بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ..” .
في بيان لحقيقة الإسلام الذي يدعو إلى بسط الوجه وحسن الخلق والسماحة والمحبة والألفة والوئام في أرقى الصور وأعلاها؛ فالمؤمن يألف ويؤلف كما قال النبي (صلى الله عليه وسلمَ): “المُؤمِنُ يألَفُ ويُؤلَفُ ولا خيرَ فيمَنْ لا يألَفُ ولا يُؤلَفُ” وخير الناس وأحبهم إلى الله (عز وجل) أنفعهم للناس، كما قال النبي صَلى الله عليه وسلم: “أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ”، وقال: ” خَيْرُ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، ومن أفضل الخصال حسن القول مع الناس إذ يقول صَلى الله عليه وسلم: “الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ” (متفق عليه)، ومن أفضل الصدقات كف الأذى عن الناس.
وما زال النبي (صلى الله عليه وسلمَ) يؤكد على ذلك حتى ولو كان الأمر متعلقا بالمشاعر، فلربما كان الأذى المعنوي أشد وطأة على النفس، وأبقى أثرا في القلب؛ فعَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): “إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً، فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ صَاحِبِهِمَا، فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ” (رواه مسلم) ولما جاء رجلٌ يتخطّى رقابَ النّاس يومَ الجمعة والنبيّ (صلى اللَه عليه وسلم) يخطب، قال له صَلى الله عليه وسلم: “اجلِس فقد آذيت” (رواه أبو داود والنسائي) وتدبر هذا الموقف؛ فقد جاء عن ابن مسعود (رضي الله عنه) أنه كان على شجرة فهبت الريح فكشفت ساقيه فضحك الصحابة من دقتهما، (أي من نحالتهما)، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : ” مَا يُضْحِكُكُمْ ” ؟ قَالُوا : دِقَّةُ سَاقَيْهِ، قَالَ : ” وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ؛ لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مُنْ أُحُدٍ”.



ومن ثم فما من شيء أثقل في ميزان العبد من حسن أخلاقه ورقى سلوكه ، فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ : “مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ ” (رواه الترمذي) وإذا سألت من أقرب الناس مجلسا من الرسول (صَلى الله عليه وسلم) يوم القيامة لوجدت أن منهم أحسن الناس أخلاقا، فقد قال رسول الله (صَلى الله عليه وسلم) ” إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا”( رواه الترمذي) .
فما أحوجنا أن نتمسك بوصية النبي (صَلى الله عليه وسلم) إذ يقول: “اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ”. فنعيش بالقلب والجوارح معاني هذه الوصية النبوية ، ونتأسى برسول الله (صلى الله عليه وسلمَ)، ونأخذ من مشكاته، ونقتدي به في سيرته وسريرته، وأخلاقه، وفي سائر أحواله، وأن نضع دائما نصب أعيننا قوله صلى الله عليه وسلمَ: “إِنَّكُمْ لَا تَسَعُونَ النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ لِيَسَعْهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ”.
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت
واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت
واحفظ اللهم مصر من كل مكروه وسوء
محمد حســـــــن داود
إمام وخطــيب ومدرس
دكتوراة في الفقه المقارن