خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل
خطبة الجمعة بعنوان : إنَّ ما أتخوف عليكم رجلٌ آتاه اللهُ القرآنَ فغيّر معناه للشيخ ثروت سويف

خطبة الجمعة بعنوان : “إنَّ ما أتخوف عليكم رجلٌ آتاه اللهُ القرآنَ فغيّر معناه ضرورة التوعية بكيفية مواجهة القرآن للشبهات الفكرية للشيخ ثروت سويف بتاريخ 11 ذو القعدة 1446هـ ، الموافق 9 مايو 2025م.
خطبة الجمعة بعنوان : إنَّ ما أتخوف عليكم رجلٌ آتاه اللهُ القرآنَ فغيّر معناه للشيخ ثروت سويف
خطبة الجمعة بعنوان : إنَّ ما أتخوف عليكم رجلٌ آتاه اللهُ القرآنَ فغيّر معناه للشيخ ثروت سويف
اقرأ في هذه الخطبة
أولا: القرآن الكريم دستور الحياة
ثانياً: اتقوا الشبهات
ثالثاً: منهج القرآن الكريم في مواجهة الشبهات
الخطبة الأولي
الحمد لله الذي جعل القرآن سكنًا لأرواحنا ونورًا لحياتنا وثباتًا لقلوبنا ورفعة في دنيانا وشفيعا لنا في القبور .
وأشهد أن لا اله الا الله وحدة لا شريك امتن على عباده بنبيه المرسل صلى الله عليه وسلم وَكِتَابِهِ الْمُنَزَّلِ الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد حتى اتسع على أهل الأفكار طَرِيقُ الِاعْتِبَارِ بِمَا فِيهِ مِنَ الْقَصَصِ وَالْأَخْبَارِ وَاتَّضَحَ بِهِ سُلُوكُ الْمَنْهَجِ الْقَوِيمِ وَالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ بِمَا فَصَّلَ فِيهِ مِنَ الْأَحْكَامِ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وفصل فيه الشريعة في كل الأمور
وأشهد ان سيدنا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم كان خلقه القرآن سلام على من صبر وغفر فنال من عزم الأمور، سلام على النبي المذكور في القرآن والتوراة والإنجيل والزبور، سلام على طامس الشبهة بالهدى والنور اللهم صلي وسلم عليه وعلي اله وصحبه اجمعين الذي فهمو ووعوا القرآن فصاروا حكماء ، فقهاء ، علماء ، كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء اللهم اجمعنا بهم يوم البعث والنشور .
أما بعد
فإن القرآن الكريم دستور لكافة مجالات الحياة، وإن الأوامر والنواهي القرآنية تنسجم تمامًا مع الطبيعة البشرية لأنها تحرم كل ما ترفضه الطبيعة البشرية وقد أدرك سلفُ الأمة هذا الدور للقرآن والحاجة إليه ، فكانوا يتعاهدون القرآن الكريم علماً ، وتعلُّماً ، وتعليماً ، وكانت لهم في ذلك عناية ورعاية خاصة ، ومما يدل على ذلك ما ورد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : ( إن كل مؤدب يحب أن يُؤتى أدبه ، وإن أدب الله تبارك وتعالى القرآن ) الدارمي
يقول أمير الشعراء في نهج بردته الشهيرة في هذا المعنى:
جاءَ النبيونَ بالآياتِ فانصرمَتْ
وجئتَنَا بحكيمٍ غيرِ منصرمِ
آياتُهُ كلَّما طالَ المدى جُدُدٌ
يَزيْنُهُنَّ جلالُ العِتقِ والقِدَمِ
اولا : القرآن الكريم دستور الأمة
عباد الله : جعل الله القرآن الكريم هُوَ الدستور والضِّيَاءُ وَالنُّورُ وَبِهِ النَّجَاةُ مِنَ الْغُرُورِ وَفِيهِ شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ ومن خالفه من الجبابرة قصمه الله ومن ابتغى العلم في غيره أضله الله هو حبل الله المتين ونوره المبين والعروة الوثقى والمعتصم الأوفى وهو المحيط بالقليل والكثير والصغير والكبير لا تنقضي عجائبه ولا تتناهى غرائبه لا يحيط بفوائده عند أهل العلم تحديد ولا يخلقه عند أهل التلاوة كثرة الترديد هو الذي أرشد الأولين والآخرين ولما سمعه الجن لم يلبثوا أن ولوا إلى قومهم منذرين {فقالوا إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحداً} فكل من آمن به فقد وفق ومن قال به فقد صدق ومن تَمَسَّكَ بِهِ فَقَدْ هُدِيَ وَمَنْ عَمِلَ بِهِ فقد فاز وقال تَعَالَى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لحافظون}
عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ كَائِنٌ لَكُمْ أَجْرًا، وَكَائِنٌ لَكُمْ ذِكْرًا، وَكَائِنٌ عَلَيْكُمْ وِزْرًا، فَاتَّبِعُوا الْقُرْآنَ وَلَا يَتْبَعْكُمْ، فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّبِعِ الْقُرْآنَ يَهْبِطْ بِهِ عَلَى رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ يَتْبَعْهُ الْقُرْآنُ يُزَخَّ فِي قَفَاهُ فَيَقْذِفْهُ فِي جَهَنَّمَ » مصنف – ابن أبي شيبة
يقول الامام الطحاوي في تعريفه للقرآن ” إِنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ، مِنْهُ بَدَا بِلَا كَيْفِيَّةٍ قَوْلًا، وَأَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَحْيًا، وَصَدَّقَهُ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى ذَلِكَ حَقًّا، وَأَيْقَنُوا أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى بِالْحَقِيقَةِ، لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ كَكَلَامِ الْبَرِيَّةِ نزله الله تنزيلا، ورتله، وسماه قولا ثقيلا، وفضله على سائر الكتب تفضيلا، وأحكمت آياته ثم فصلت تفصيلا. ” شرح العقيدة الطحاوية (طبع مؤسسة الرسالة) 1/172.
فمن سمعه فزعم أنه قَوْلُ الْبَشَرِ فقد كفر, وقد ذمه الله وأوعده بسقر حيث قال تعالى: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} فلما أوعد الله بسقر لمن قال: {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر, ولا يشبه قول البشر. شرح الطحاوية ص179
هو حبل الله المتين وصراطه المستقيم في مواجهة أعداء الإسلام المتربصين بأمة المسلمين، حيث لا يرقبون فيها إلاًّ ولا ذمة، ولا يدعون وسيلةً في حربها إلاَّ سلكوها، فهذا القرآن يعلمُ الأمة حقيقة المعركة مع عدوها، ويبينُ لها أهدافها من جانب أعدائها، ثم هو يمدها بوسائل النصر وأسلحة الجهاد باللسان والبيان وبالسنان
عن عمرو بن قيس السكوتي ، قال : سمعت عبدالله ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما يقول : عليكم بالقرآن ، فتعلَّموه وعلِّموه أبناءكم ، فإنكم عنه تسألون ، وبه تجزون ، وكفى به واعظاً لمن عقَل
عن علي بن أبي طالب اسد الله الغالب كرم الله وجهه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَلَا إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ». فَقُلْتُ: مَا المَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ” كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، وَهُوَ الفَصْلُ لَيْسَ بِالهَزْلِ، مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ، وَمَنْ ابْتَغَى الهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ، وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ المَتِينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ المُسْتَقِيمُ، هُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الأَهْوَاءُ، وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الأَلْسِنَةُ، وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ العُلَمَاءُ، وَلَا يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، هُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ حَتَّى قَالُوا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ} [الجن: 2] مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هَدَى إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ” رواه الترمذي، وضعفه
عباد الله : إنَّ هذا القرآن معتصم هذه الأمة في جميع أحوالها ولأنَّ القرآن حق وصدق ولأنَّه من عند الله الحكيم العليم ففيه لفتات عظمى في نواحٍ متعددة: علمية أو طبية أو اجتماعية أو نفسية أو غيرها.
ثانيا : اتقوا الشبهات
عباد الله: وقد حذر العلماء من الشبهات، ونصحوا بالابتعاد عنها، فهي كثيرة ومتنوعة، منها ما يستهدف استقرار البلدان وأمان الشعوب، ومنها ما يريد الإضرار بإنجازات الأمم والحضارات، ومنها ما يرمي إلى التشويش والتشكيك والتشويه، واخطر شبهات علي الأمة ما يخرج من رجل يدعي العلم بالدين فنري من يحاول العبث بآيات الميراث او من يحاول تعطيل ايات الجهاد ومن يحاول تأويل القرآن علي حسب هواه أو لي عنق النص بما يوافق هواه أو اخراج وتأويل معناه علي غير ما أراد الله
والعجيب أنهم يرتدون عباءة العلم في الاسلام ويدعون الدفاع عن الحريات والإنسانية
وصدق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال فيهما والحديق رواه ابن حبان عن جُنْدُبٌ الْبَجَلِيُّ أَنَّ حُذَيْفَةَ حَدَّثَهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “إن مَا أَتَخَوَّفُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ قَرَأَ الْقُرْآنَ حَتَّى إِذَا رُئِيَتْ بَهْجَتُهُ عَلَيْهِ وَكَانَ رِدْئًا لِلْإِسْلَامِ غَيَّرَهُ إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ فَانْسَلَخَ مِنْهُ وَنَبَذَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ وَسَعَى عَلَى جَارِهِ بِالسَّيْفِ وَرَمَاهُ بِالشِّرْكِ قَالَ قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَيُّهُمَا أَوْلَى بِالشِّرْكِ الْمَرْمِيُّ أَمِ الرَّامِي قَالَ بل الرامي” صحيح ابن حبان
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: ” إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ ” رواه أحمد
روي البخاري عَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (الْحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ: كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ،َألَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ) متفق عليه
ومعناه أن من اجتنب الشبهات فقد احتاط لنفسه، فيسلم دينه من النقص، ومن اجترأ على الشبهات فقد عرض نفسه للخطر
أيها المؤمنون: إن أهل العلم الثابتين في علمهم، الناضجين في فكرهم، المعتدلين في منهجهم، هم من نرجع إليهم في رد الشبهات وبيان بطلانها، وبهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم حين ذكروا آية من القرآن، فاشتبه عليهم أمرها، واختلفوا في فهمها، حتى ارتفعت أصواتهم، روي الإمام احمد عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: لَقَدْ جَلَسْتُ أَنَا وَأَخِي مَجْلِسًا مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهِ حُمْرَ النَّعَمِ، أَقْبَلْتُ أَنَا وَأَخِي، وَإِذَا مَشْيَخَةٌ مِنْ صَحَابَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم جُلُوسٌ عِنْدَ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهِ، فَكَرِهْنَا أَنْ نُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ، فَجَلَسْنَا حَجْرَةً ، إِذْ ذَكَرُوا آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ، فَتَمَارَوْا فِيهَا، حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُغْضَبًا، قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ، يَرْمِيهِمْ بِالتُّرَابِ، وَيَقُولُ: ” مَهْلًا يَا قَوْمِ، بِهَذَا أُهْلِكَتِ الْأُمَمُ مِنْ قَبْلِكُمْ، بِاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، وَضَرْبِهِمُ الْكُتُبَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ، إِنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَنْزِلْ يُكَذِّبُ بَعْضُهُ بَعْضًا، بَلْ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ، فَاعْمَلُوا بِهِ ، وَمَا جَهِلْتُمْ مِنْهُ، فَرُدُّوهُ إِلَى عَالِمِهِ “
فالعلم هو الصخرة التي تتحطم عليها تلك الموجات المتتالية من الشبهات؛ قال تعالى ممتنا على رسوله (وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكَ وَرَحۡمَتُهُۥ لَهَمَّت طَّآئِفَةٞ مِّنۡهُمۡ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمۡۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيۡءٖۚ وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمۡ تَكُن تَعۡلَمُۚ وَكَانَ فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكَ عَظِيمٗا ) { النساء113} أي: فكيف يضرونك بما يثيرونه من شبهات، وقد علمك الله عز وجل ما لم تكن تعلم
ولقد حذرنا المصطفى صلى الله عليه وسلم من فتن آخر الزمان تحذيرًا شديدًا، وأخبرنا عليه الصلاة والسلام أن هذه الأمة ستُفتن في دينها، وأنها ستتعرض لمحنٍ وابتلاءات شديدة، وهي فتن كقطع الليل المظلم، تدع الحليمَ حيرانَ، فتن يلتبس فيها الحق بالباطل، ويهلك بسببها خلق كثير
روي الإمام أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ” إِنَّ أَمَامَ الدَّجَّالِ سِنِينَ خَدَّاعَةً، يُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيَتَكَلَّمُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ ” قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: ” الْفُوَيْسِقُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ ” وفي رواية: الرجل التافه، وفي ثالثة: السفيه يتكلم في أمر العامة
للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
العربية
المكتبة الشاملة
كتاب الدفاع عن الله ورسوله وشرعه
[حسن أبو الأشبال الزهيري]
الرئيسيةأقسام الكتب كتب عامة
فصول الكتاب
ج: ص:
٣
مسار الصفحة الحالية:
فهرس الكتاب الرد على علماء السوء الأحاديث والأخبار في ذم علماء السوء
[الأحاديث والأخبار في ذم علماء السوء]
قال ثوبان رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أخوف ما أخاف على أمتي من بعدي الأئمة المضلون).
وسماهم أئمة؛ لأنهم أئمة وخطباء ووعاظ وعلماء وقادة، وساسة، وخاف النبي عليه الصلاة والسلام من هؤلاء؛ لأنهم يزخرفون الباطل فيبدو في أعين الناس كأنه الحق الذي ليس بعده حق، ولذلك فإن عالم الدين يفسد في الدين وفي الأمة أكثر مما يفسده مائة قائد أو زعيم أو رئيس؛ لأن الناس ينظرون إلى هذا العالم على أنه صورة الإسلام، والواسطة بين الله عز وجل وبينهم في فهم كلام الله وترجمته لعامة الأمة، فإذا لوى النصوص، وحرف الكلم عن مواضعه، وبين للناس مراده هو من النصوص ولم يبين مراد الله عز وجل، مع علمه أنه يقول عن الله عز وجل ما لم يقله؛ فحسبه من ذلك جهنم.
وأول ما تسعر النار بالعالم الذي لم يعمل بعلمه والمرائي به الذي طلبه لغير الله عز وجل، إنما طلبه تفاخراً ورياءً وسمعة وإعجاباً.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إن أخوف ما أخاف عليكم تغير الزمان، وزيغة عالم، وجدال منافق بالقرآن، وأئمة مضلين يضلون الناس بغير علم).
وقال أيضاً: (يهدم الإسلام ثلاث: زلة عالم، وجدال منافق بالقرآن، وأئمة مضلون).
(زلة عالم) أي: خطأ عالم مرة أو مرتين، أما أنه قائم على الزلل بالليل والنهار، وعلى حرب الإسلام وأهله بالليل والنار من تحت طربوشه الأحمر أو عمامته البيضاء؛ فليس هذا هو الذي عناه عمر، إنما عناه هو ومن قبله النبي عليه الصلاة والسلام بـ (الأئمة المضلين).
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (يُوشِكَ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الرَّجُلِ غَنَمٌ، يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ) البخاري
وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْأَنْصَارَ لِيُقْطِعَ لَهُمْ بِالْبَحْرَيْنِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ فَعَلْتَ، فَاكْتُبْ لِإِخْوَانِنَا مِنْ قُرَيْشٍ بِمِثْلِهَا، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: (إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي) البخاري:
هذه بعض الأحاديث في فتن الشهوات التي قد تتسبب في ضعف الإيمان أو موته
ثانياً : منهج القران في رد الشبهات
عباد الله : يبرز لنا القرآن الكريم احترامه للعقل ، ودوام مخاطبته وإقناعه بأهمية الفكرة المطروحة ، والقارئ المتدبِّر للقرآن يجد المولى – سبحانه وتعالى ، وهو الكبير المتعال – يخاطب عقولنا ، ويبيِّن لنا الكثيرَ من الأمور ، التي من شأنها أن تقنعنا بما يريده منا ، بل إنه سبحانه وتعالى يدعونا في كتابه إلى استخدام عقولنا والتفكير في كلامه ، كقوله تعالى : ( أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ) ( البقرة : 266 ) لنقتنع بما يحمله هذا الكلام من معانٍ وأفكار ، فينتقل ذلك كلُّه إلى اللاشعور ، ويترسخ فيه لينطلق بعد ذلك السلوك المعبِّر عنها بصورة تلقائية
فالناظرإلى القرآن الكريم، بحثاً عن منهجية قرآنية في الرد على الشبهات يجد انه اتخذ عدة امور
أولها: العناية بالأدلة العقلية، لذلك ذكر الايات لقوم يعقلون ثمان مرات (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ 4 )الرعد
ثانيها: التدرج في الاستدلال، ثالثها: التنويع في الاستدلال على القضية الواحدة، رابعها: تقديم الأصول على الفروع، خامسها: المفاصلة على أساس العقيدة
إن الإسلام كما يحرص على إخراج الناس من الظلمات إلى النور، فإنه يحرص كذلك على تحصين أبنائه من الزيغ والانحراف، والحفاظ عليهم من الاعتداءات الحسية والمعنوية، وللقرآن منهجه المتميز في هذا المجال.
ويمكن إجمال ذلك في أمرين، أو جانبين: أحدهما الإنشاء، والثاني الحماية والحراسة.. أما الأول وهو الإنشاء، فيراد به: التنشئة والتربية على مبادئ الإسلام، وفضائله، بحيث يتلقاها الفرد المسلم شيئاً فشيئاً منذ نعومة أظفاره، أو من حين دخوله في الإسلام، ومن أجل تحقيق هذه الهدف الكبير، جاء المنهج القرآني بالخطوات الآتية:
أولًا: الحض على طلب العلم:
وجاء هذا الحض بأساليب متنوعة:
1- الأمر بالتعلم، كقوله تعالى: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [محمد: 19]. قال البخاري في صحيحه من كتاب العلم: لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ} /محمد: 19/. فَبَدَأَ بِالْعِلْمِ وَأَنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَرَّثُوا الْعِلْمَ، مَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ بِهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ). ولقوله تعالى: ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114]
قال أبو حبان قيل : ما أمر الله رسوله بطلب الزيادة من شيء إلا في طلب العلم
2- التنويه بالعلم وبأهله وطلابه، ﴿ قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ﴾ [الأنعام: 148] ، ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الزمر: 9] ، ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28]، وفي قصة موسى مع الخضر أبلغ الدلالة على فضل العلم، وفضل تعلمه وتعليمه .
3- الحث على سؤال أهل العلم، والرجوع إليهم، ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 43]، قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة: (فأمر بسؤالهم والرجوع إلى أقوالهم وجعل ذلك كالشهادة منهم).
4- ذم الجهل وأهله، ﴿ وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72]، ﴿ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴾ [الفرقان: 63]، قال ابن القيم الجوزية في صدد بيان وجوه فضل العلم وأهله: (الوجه الثاني عشر: أنه سبحانه جعل أهل الجهل بمنزلة العميان الذين لا يبصرون فقال: ﴿ أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الرعد: 19]، فما ثم إلا عالم أو أعمى وقد وصف سبحانه أهل الجهل بأنهم صم بكم عمي في غير موضع من كتابه
روي ابو داوود في سننه عَنْ جَابِرٍ قَالَ: خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ، ثُمَّ احْتَلَمَ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ: هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ؟ فَقَالُوا: مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أُخْبِرَ بِذَلِكَ فَقَالَ: «قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِرَ – أَوْ» يَعْصِبَ «شَكَّ مُوسَى – َعلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً، ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ» سنن ابي داوود
ثانيًا: حض القرآن على التفكر والنظر:
في الآيات القرآنية المقروءة: ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾ [البقرة: 219]، ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 44]، وفي الآيات الكونية المرئية: ﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾ [الغاشية: 17 – 20]، ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [آل عمران: 190-191]، وفي قصص الماضين: ﴿ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 176]وفي هذا الأسلوب القرآني دعوة إلى تحرير العقل من التقليد الأعمى، والتعصب المقيت.
ثالثًا: دعوة القرآن إلى الدخول في الإسلام والإيمان والإحسان:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [البقرة: 208]، قال الطبري: (أي ادخلوا في العمل بشرائع الإسلام كلها)، وقال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ ﴾ [النساء: 136]، ﴿ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195]، ومما هو معلوم أن ألفاظ (الإسلام والإيمان والإحسان) تشمل دين الله كله دقه وجله.
رابعًا: دعوته إلى العمل الصالح والأخلاق الكريمة:
وقد جاءت هذه الدعوة مقرونة بالإيمان، كقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾ [البينة: 7]، وقوله: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199].
خامسًا: دعوة إلى التقوى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا ﴾ [التغابن: 16]، والجمع بين الآيتين، أن الآية الثانية بيان للأولى، والمعنى: اتقوا الله حق تقاته ما استطعتم، قاله القرطبي، ثم قال: هذا أصوب من القول بالنسخ، أما التقوى فهي كما يقول الأصفهاني: جعل النفس في وقاية مما يخاف.
أما الجانب الثاني من منهج القرآن في تحصين الفكر، فيتمثل في حماية المسلم وحراسته من العاديات المضلة، سواء أكانت شبهات أم شهوات.. أما الحماية من الشبهات، فللقرآن في ذلك عدة أساليب من أهمها:
1- التحذير من الشرك والكفر، ﴿ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ﴾ [الحج: 31]، ﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الزمر: 65]، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ﴾ [البينة: 6].
التحذير من الزيغ والنفاق، ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ﴾ [آل عمران: 7]، ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا ﴾ [آل عمران: 8]، ﴿ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الأحزاب: 60].
– التحذير من الغلو والتطرف، ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ﴾ [النساء: 171]، قال الشوكاني: الغلو: التجاوز في الحد، من غلا السعر يغلو غلاه.
4- التحذير من استحلال محارم الله بالحيل، فقد قص علينا القرآن قصة أصحاب السبت، وهم اليهود الذين عملوا الحيل للصيد ﴿ وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ ﴾ [الأعراف: 163]، قال ابن تيمية: (وهؤلاء لم يكفروا بالتوراة وبموسى، وإنما ذلك تأويل واحتيال، ظاهره الاتقاء، وحقيقته الاعتداء، ولهذا والله أعلم مسخوا قردة).. ثم قال ابن القيم بعد ذلك: (فحقيق من اتقى الله وخاف نكاله أن يحذر استحلال محارم الله بأنواع المكر والحيل، وأن يعلم أنه لا يخلص من الله ما أظهره من الأقوال والأفعال، وأن يعلم أن لله يومًا تكع فيه الرجال، وتنسف فيه الجبال، وتترادف فيه الأهوال، وتشهد فيه الجوارح والأوصال، وتبلى فيه السرائر، وتظهر فيه الضمائر، هنالك يعلم المخادعون أنهم لأنفسهم كانوا يخدعون، وبدينهم كانوا يلعبون).
ومن فقه الرد على الشبهات: أن تنظر في دواعيها ومبرراتها؛ فإن صدرت عن جاهل لزم الأمر تعليماً ورداً علمياً سليماً، أما إن صدرت عن حاقد كافر لزم الأمر ما سلف، وقرعاً وتأديباً، حتى لا يصير الدين مطيَّة للكافرين الفاجرين، روى اللالكائي بسنده؛ “أن رجلا من بني تميم يقال له صبيغ بن عسل، قدم المدينة وكانت عنده كتب، فجعل يسأل عن متشابه القرآن، فبلغ ذلك عمر، فبعث إليه وقد أعدّ له عراجين النخل، فلما دخل على المجلس قال من أنت؟ قال: أنا عبد الله صبيغ، قال عمر: وأنا عبد الله عمر، وأومأ عليه فجعل يضربه بتلك العراجين، فما زال يضربه حتى شجّه وجعل الدم يسيل عن وجهه حتى قال: حسبك يا أمير المؤمنين، فقد والله ذهب الذي أجد في رأسي؛ (يعني من الوساوس والشبهات)
عم؛ لقد ضربه وقرعه بالعصى، لأن:
العبد يُقرع بالعصـــــــى *** والحــــــــرُّ تكفيه الاشارة
فأين لنا بأمير للمؤمنين يشجُّ رأس كل علج متطاول حاقد
ومن فقه رد الشبهات: أن لا يكون ردُّك عليها هزيلاً ضعيفاً، وكأن دينك في قفص اتهام تريد أن تخرجه منه، بل: أتْبع ردّ الشبهة بهجوم على خصوم الإسلام تُعرِّي باطلهم وتفضح كفرهم، وإن بيوتهم عورة، وهي من زجاج ، بل هي أوهى من بيت العنكبوت
قال مقاتل بن سليمان عند تفسير قوله تعالي (فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ (38) وَما لا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (43) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (47) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48) الحاقة
وذلك أن الوليد بن المغيرة قال: إن محمدا ساحر. فقال أبو جهل بن هشام: بل هو مجنون. فقال عقبة بن أبي معيط: بل هو شاعر. وقال النضر: كاهن وقال أبى: كذاب. فبرأه الله من قولهم فأقسم الله- تعالى- بالخلق «إِنَّهُ» إن هذا القرآن لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ على الله يعني جبريل- عليه السلام عن قول الله- تعالى- وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ لقول عتبة، وقول أبي جهل، قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ- يعني قليلا ما تصدقون بالقرآن، يعني بالقليل أنهم لا يؤمنون، ثم قال: وَلا هو يعني القرآن بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ-فتعتبرون فأكذبهم الله فقال: بل القرآن تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ- وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا محمد شيئا منه بَعْضَ الْأَقاوِيلِ- يعني من تلقاء نفسه ما لم نقل لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ- يقول لانتقمنا منه بالحق كقوله: « … تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ
في صحيح البخاري ومسلم جملةً من الأحاديث التي تحذر من الفتن وتبين موقف المسلم منها؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ إن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ “بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ. يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا. أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كافرا. يبيع دينه بعرض من الدنيا”. [رواه مسلم]
وصورُ بيعِ الإيمان لأجل الدنيا كثيرة ومتنوعة، لكن أكثرها رعبًا أن مَن يبيع إيمانه لا يشعر بذلك، لا يشعر أنه يبيع أغلى ما عنده؛ لأن تعلقه بما يطلبه من متاع الدنيا وشهواتها يحجب عقله، ويعمي بصيرته، ويزين له سوء عمله، فيراه حسنًا وهو أقبح القبائح؛ ولذا كانت بداية الوصية النبوية المبادرة بالأعمال الصالحة: ((بادروا بالأعمال))؛ وذلك لأن العمل الصالح سبب لصلاح القلب، وتعلقه بالله تعالى، وما أعد له في الدار الآخرة، وانشغاله عن الشبهات والشهوات، فتتقلص مساحة اهتمامه بها، ويقل حب الدنيا في قلبه، ولا يبقى عنده رغبةٌ ولا فراغٌ كي ينافس في متاعها وشهواتها، ويوقن بأنه مهما ملك منها، فإنه زائل عنها، وهي زائلة عنه، بينما منافع الإيمان وثمرات العمل الصالح دائمة لا تزول، وجزاؤها أن يخلد صاحبها في أنعم نعيم وأكرم جوار عند مليك مقتدر جل وعلا
ولقد ذكر لنا القرآن انموذجا من العلماء الذين انسلخوا عن الدين فأصبحوا ضالين مضلين باع دينه بعرض من الدنيا
قال تعالي { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) سَاءَ مَثَلا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177)} الأعراف
قال مالك بن دينار: كان من علماء بني إسرائيل، وكان مجاب الدعوة، يقدمونه في الشدائد، بعثه نبي الله موسى إلى ملك مَدْين يدعوه إلى الله، فأقطعه وأعطاه، فتبع دينه وترك دين موسى، عليه السلام
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه هو رجل من بني إسرائيل يقال له بلعم بن باعوراء
(ذكر الإمام القرطبي في تفسيره قصة هذا الذي وصف اللهُ خبره في هذه الآية، على اختلاف من أهل العلم في خبره وأمره، ما حدَّثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمرُ، عن أبيه أنه سُئل عن الآية: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا}. فَحَدَّث عن سيّارٍ أنه كان رجلًا يقال له: بَلْعامُ. وكان قد أُوتى النبوة، وكان مجابَ الدعوة. قال: وإنّ موسى أقبل في بنى إسرائيل يريدُ الأرضَ التي فيها بَلْعَامُ – أو قال: الشامَ – قال: فرُعِبَ الناسُ منه رعبًا شديدًا. قال: فأتوا بَلْعامَ، فقالوا: ادْعُ الله على هذا الرجل وجيشِه، قال: حتى أُوامِرَ ربِّي – أو: حتى أُوَامِرَ – قال: فوامَرَ في الدعاء عليهم، فقيل له: لا تَدْعُ عليهم؛ فإنّهم عبادِي، وفيهم نَبِيُّهم. قال: فقال لقومه: إنى قد وأمَرْتُ ربِّي في الدعاء عليهم، وإني قد نُهِيتُ. قال: فأَهْدَوا إليه هديةً فقبلها، ثم راجعوه فقالوا: ادْعُ عليهم. فقال: حتى أُوامِرَ رَبِّي. فوامَرَ فلم [يَحُرْ إليه شيءٌ]. قال: فقال: قد وامرْتُ فلم [يَحُرْ إلى شيءٌ]. فقالوا: لو كَرِه ربُّك أن تدعو عليهم لنهاك كما نهاك المرة الأولى. قال: فأَخَذ يَدْعُو عليهم، فإذا دعا عليهم جرى على لسانه الدعاءُ على قومه، وإذا أراد أنْ يدْعُوَ أنْ يُفْتَحَ لقومه، دعا أن يُفْتَحَ لموسى وجيشه – أو نحوًا من ذلك إن شاء اللهُ – قال: فقالوا: ما نراك تدعو إلا علينا. قال: ما يَجْرِى على لسانى إلَّا هكذا، ولو دعوتُ عليه ما استُجيب لى، ولكن سأدُلُّكم على أمرٍ عسى أن يَكُونَ فيه هلاكُهم، إنّ الله يُبْغِضُ الزنى، وإنهم إن وقَعوا بالزنى هلكُوا، ورجوتُ أن يُهلكهم اللهُ، فأَخْرِجوا النساء فلْيَسْتَقْبِلْنهم، وإنهم قومٌ مسافرون، فعسى أَنْ يَزْنوا فيَهْلِكُوا. قال: ففَعَلوا وأخْرجُوا النساءَ يَسْتَقْبِلْنهم. قال: وكان للملك ابنةٌ، فذكر من عِظَمِها ما اللهُ أعلم به. قال: فقال أبوها أو بَلْعامُ: لا تُمكنى نفسَك إِلَّا من موسى. قال: ووقعوا في الزنى. قال: وأتاها رأسُ سِبْطٍ من أسباط بني إسرائيل. قال: فأرادَها على نفسه. قال: فقالت: ما أنا بمُمْكِنةٍ نفسى إلا من موسى. قال: فقال: إن من منزِلتى كذا وكذا، وإن من حالى كذا وكذا. قال: فأَرْسَلتْ إلى أبيها تستأمرُه. قال: فقال لها: أَمْكِنيه. قال: ويأتيهما رجلٌ من بنى هارونَ معه الرمحُ فيَطْعُنُهما. قال: وأَيَّده اللهُ بقوةٍ، فانتظمهما جميعًا، [ورفعهما] على رمحِه، قال: فرآهما الناسُ. أو كما حدَّثَ. قال: وسَلّط الله عليهم الطاعونَ. قال: فمات منهم سبعون ألفًا.
قال: فقال أبو المعتمرِ: فحدَّثنى سيَّارٌ أَنّ بَلعَامَ رَكِب حمارةً له، حتى إذا أَتَى المَعْلُولَ – أو قال: طريقًا بين المعلولِ – جعَل يَضْرِبُها ولا تَقَدَّمُ. قال: وقامت عليه فقالت: عَلامَ تَضْرِبُنى؟ أما تَرَى هذا الذي بين يديْك؟ قال: فإذا الشيطان بين يديْه. قال: فنزل فسجد له فقال الله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا) إلى قوله: (لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ )
قال: فحدثني بهذا سيار، ولا أدري لعله قد دخل فيه شيء من حديث غيره.
وقوله تعالى: (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ) اختلف المفسرون في معناه فأما على سياق ابن إسحاق، عن سالم بن أبي النضر: أن بلعاما اندلع لسانه على صدره -فتشبيهه بالكلب في لهثه في كلتا حالتيه إن زجر وإن ترك. وقيل: معناه: فصار مثله في ضلاله واستمراره فيه، وعدم انتفاعه بالدعاء إلى الإيمان وعدم الدعاء، كالكلب في لهثه في حالتيه
وانظر الي رد القران الكريم علي من تحدي اعادة الخلق فكان الرد أن بد الخلق اكبر من اعادة خلقه
{قال تعالي { أَوَلَمْ يَرَ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) يس
جاء أُبي بن خلف لعنه الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده عظم رميم، وهو يُفتَّه ويذروه في الهواء، وهو يقول: يا محمد أتزعم أن الله يبعث هذا؟ قال صلى الله عليه وسلم: “نعم يميتك الله تعالى، ثم يبعثك، ثم يحشرك إلى النار” ونزلت هذه الآيات من آخر يس: {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ} إلى آخرهن
هذا وصلوا وسلموا تسليما كثيرا علي سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
جمع وترتيب ثروت سويف امام وخطيب