خطبة الأسبوععاجل

خطبةُ الجمعةِ القادمةِ: مفهوم الخصوصية في الإسلام

خطبةُ الجمعةِ القادمةِ: مفهوم الخصوصية في الإسلام.

 

ولقراءة الخطبة كما يلي:

خطبةُ الجمعةِ القادمةِ: مفهوم الخصوصية في الإسلام.

عناصر اللقاء :

أولًا: احترامُ خُصُوصِيَّةِ الناسِ مطلبُ شرعيٌ.

ثانيًا: الانشغالُ بعيوبِ الناسِ جرمٌ خطيرٌ!!!

مفهوم الخصوصية في الإسلام

بل إنْ شئتْ فقلْ التدخلُ في حياةِ الآخرين خزيٌ وعارٌ وخاصةً وَإنّ مِنَ الطبيعي أن يهتمَ الإنسانُ بما يرتبطُ بشؤونِ حياتهِ الخاصةِ ومصالحهِ الذاتيةِ. وأن يصرفَ جهدهُ في التفكيرِ والسّعي من أجلِ خدمتِها ولا ينشغل ُبخصوصياتِ الآخرينَ، وخاصةً وإنَّ منْ قلةِ الدينِ وضعفِ الإيمانِ اشتغالُ المرءِ بما لا يعنيه و اشتغالُه بشؤونِ الآخرين، وخصوصياتِهم، وكيفياتِ معاشِهم، ومقدارِ تحصيلِهم، والبحثِ في تفاصيلِ أحوالِهم، في أنفسهم وأولادهم وأهليهم، والتدخلِ في مشكلاتِهم، والسؤالِ عن هذا وذاك. وخاصةً هناك أشخاصٌ مصابونَ بمرضٍ مُزمِنٍ اسمُه “التدخلُ في حياةِ الآخرين” فليس كلُّ ما تعرفهُ يُريحُ قلبك فبعضُ الأشياءِ الأجملُ لو بقيتْ مجهولةً فالنجاحُ في العلاقاتِ يكمنُ في إتقانِ فنِ المسافاتِ فلا تقتربْ إلى حد إبصارِ العيوبِ ولا تبتعدْ إلى حد نسيانِ المحاسنِ فنِصفُ الرَاحَة عَدم مُراقبَة الآخَرينَ ونِصفْها الثاني عَدمُ التدخلِ فِيمَا لا يَعنيكَ ،وخاصةً و مَنْ اَلظَّوَاهِرِ اَلسَّيِّئَةِ ، وَالعَادَاتِ القَبِيْحَةِ ، اَلَّتِي لَا تَلِيْقُ بِاْلْمُسْلِمِ ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُوْجَدَ فِيْ قَامُوسِ حَيَاتِهِ ، وَفِيْهَا دَلِيْلٌ وَاضِحٌ ، عَلَى عَدَمِ خَوْفَهِ مِنْ خَطَرِ لِسَانِهِ : اَلْكَلَامُ فِيْمَا لَافَائِدَةَ فِيْهِ ، وَلَا مَنْفَعَةَ مِنْ وَرَائِهِ ، كَالسُّؤَالِ عَنْ أَحْوَالِ اَلنَّاسِ اَلخَاصَةِ ، وَاْستِجْوَابِهِم عَنْ أَمُوْرِهِم ، اَلمُتَعَلِقَةِ بِهِم ، وَالَّتِي لَا تُفِيْدُ السَّائِلَ لَا فِي دُنْيَاهُ وَلَا فِي آخِرَتِهِ ، إِنَّمَا هِيَ مِنْ بَابِ اَلفُضُولِ ،وخاصةً ونحنُ نعيشُ زمانًا تفتتَ فيه الكثيرُ مِن الأُسرِ، بل وتعيشُ في تعاسةٍ وشقاءٍ وانتشرَ فيها الطلاقُ بصورةٍ مفزعةٍ ووقعتْ فيها الخلافاتُ بين الزوجِ وزوجتِه بسببِ تدخلُ الآخرينَ من أقاربِ الزوجِ منْ أقاربِ الزوجةِ في خصوصياتِ الزوجين وفي العلاقةِ بينَهُما ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهٍ ……وللهِ درُّ القائلِ

مَتى يَبلُغُ البُنيانُ يَوماً تَمامَهُ · إِذا كُنتَ تَبنيهِ وَغَيرُكَ يَهدِمُ.

أولًا: اخترامُ خُصُوصِيَّةِ الناسِ مطلبُ شرعيٌ.

أيُّها السادةُ : اَلْخُصُوصِيَّةُ واحترامُها مِنْ أَهَمِّ مَقاصدِ الْإِسْلَامِ ومَطلبٌ شرعيٌ من أهمِ مطالبِ هذا الدينِ الحنيفِ، والْإِسْلَامُ يَعْتَبِرُ خُصُوصِيَّةَ جَمِيعِ النَّاسِ مُقَدَّسَةً بِغَضِّ ‏النَّظَرِ عَنْ لُغَتِهِمْ وَدِينِهِمْ وَلَوْنِهِم.‎ فمنَ الآدابِ الإسلاميةِ الرفيعةِ التِي دعمتَها الشريعةُ الإسلاميةُ احترامُ الحياةِ الخاصةِ للآخرين، حيثُ وضعتْ سياجاً منيعاً من القيمِ والتعاليمِ والأحكامِ الصارمةِ، التي تحققُ السريةَ والخصوصيةَ، وجرّمتْ الاطلاعَ عليها أو كشفَها تحت أيةِ دعوى أو مُبررٍ مهمَا كانَ. ولما لا؟ ولقدْ أَكَّدَ دِينُنَا ‏عَلَى الْخُصُوصِيَّةِ وَعَلَى حُرْمَةِ الْخُصُوصِيَّةِ، اَلَّتِي هِيَ الْمَجَالُ الْخَاصُّ ‏لِلْفَرْدِ. فهذه مرأةٌ منَ الأنصارِ أتتْ النبيَّ ـــ صلى الله عليه وسلم ــــ وقالتْ: «يا رسولَ اللهِ، إني أكونُ في بيتي على حالٍ لا أحبُ أن يراني عليها أحدٌ، لا والدٌ ولا ولدٌ، فيأتي الأبُّ فيدخلُ عليَّ، وإنَّهُ لا يزالُ يدخلُ عليَّ رجلٌ من أهلي وأنا على تلكَ الحال.. فكيف أصنعُ؟» خصوصيةٌ يا سادةٌ فنزلِ جبريل عليه السلام بوحي إلهي يحمل أدباً رفيعاً ينظم دخول البيوت واحترام خصوصياتِ الناسِ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ‏فحرَّم الْإِسْلَامُ دخولَ البيوتِ إلا بعد الاستئذانِ للمحافظةِ على خصوصياتِ الآخرينَ. بل ونَهَى الشَّرْعُ أَنْ يَنْظُرَ الرَّجُلُ فِي بَيْتِ أَخِيهِ بِلَا إِذْنِهِ فَإِنْ نَظَرَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لَوْ أَنَّ امْرَأً اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إِذْنٍ فَخَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ جُنَاحٌ” مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. كُلُّ هَذَا- مِنْ أَجْلِ حِفْظِ الْحُرُمَاتِ، وَصِيَانَةِ الْحُقُوقِ، واخترامُ الخُصُوصِيَّاتِ ،فالْبُيُوتُ الَّتِي يَعِيشُ فِيهَا النَّاسُ مِنْ أَهَمِّ مِسَاحَاتِ الْخُصُوصِيَّة، وَهِيَ ‏مُغْلَقَةٌ أَمَامَ أَنْظَارِ الْمُجْتَمَع. فعَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى ‏اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِامْرِىءٍ أَنْ يَنْظُرَ فِي جَوْفِ بَيْتِ امْرِىءٍ حَتَّى يَسْتَأْذِن، فَإِنْ نَظَرَ فَقَدْ دَخَل»‌‎. وكيف لا؟ ومنْ أهمِ الخصوصياتِ خُصُوصِيَّةُ الزَّوَاجِ الَّذِي يَتَضَمَّنُ عَلَاقَاتِ ‏الْأَزْوَاجِ مَعَ بَعْضِهِمُ الْبَعْض. لذا قَالَ نَبِيُّنَا صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ ‏وَسَلَّم: «إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ: اَلرَّجُلُ يُفْضِي إِلَى ‏امْرَأَتِهِ، وتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا»‌‎ فلَا يَنْبَغِي أَبَدًا اَلْكَشْفُ عَنْ ‏أَسْرَارِ أَهْلِ بَيْتِنَا، وَيَجِبُ أَن تَدَخُلَ هَذِهِ الْأَسْرَارُ اَلْقَبْرَ مَعَنَا..‎ لذا يَجِبَ عَلَيْنَا حِمَايَةُ خُصُوصِيَّتِنَا عَلَى وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ ، ‏وَالَّتِي تُعَدُّ مِنْ أَهَمِّ أَدَوَاتِ الْإِعْلَامِ فِي عَصْرِنَا، يَجِبُ أَنْ نَتَجَنَّبَ عَرْضَ ‏حَيَاتِنَا الْخَاصَّةِ لِلنَّاس. لَا يَنْبَغِي أَنْ نَعْرِضَ أَزْوَاجَنَا وَأَطْفَالَنَا، ‏وَخَاصَّةً مَوَاقِفَهُمُ الْخَاصَّةَ لِعُيُونِ النَّاس، وَخَاصَّةً عَلَى صَفَحَاتِ وَسَائِلِ ‏التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيّ. وَنَحْنُ يَجِب أَنْ نَتَجَنَّبَ النَّظَرَ إِلَى ‏خُصُوصِيَّاتِ الْآخَرِين. يَجِبُ أَلَّا نَنْتَهِكَ خُصُوصِيَّةَ الْآخَرِينَ بِأَعْيُنِنَا ‏وَآذَانِنَا.

ولِما لا ؟ ومِنْ طَبِيعَةِ النَّاسِ أَنَّهُمْ يَتَأَذَّوْنَ مِمَّنْ يَتَدَخَّلُ وَيُشَارِكُهُمْ شُؤُونَهُمُ الْخَاصَّةَ، وَيَعْتَبِرُونَ ذَلِكَ تَعَدِّيًا عَلَى خُصُوصِيَّاتِهِمْ؛ لِذَا كَانَ مِنَ الْحَسَنَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ الْبَاقِيَاتِ: “تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ؛ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ”. رواه مسلم. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (( مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ)) ومن صفات المؤمنين كما قال الله جل وعلا)قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ)[المؤمنون: 1-3 ) نعم يا عِبَادَ اللَّهِ : فكَمْ جَلَبَ الِاشْتِغَالُ بمَا لَا يَعْنِي مِنْ مَصَائِبَ! وكم تسببَ في وقوعِ المشاكلِ والمَتَاعِبِ! وَكَمْ عَادَ عَلَى صَاحِبِهِ بالنَقْصِ والمعايبِ، وَمَا فَتَحَ الإنسانُ عَلَى نفسه أَبْوَابًا للإثمِ, وَمَا ظَلَمَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ، بِمِثْلِ اشْتِغَالِهِ بِمَا لَا يَعْنِيهِ، وتَدخُلِه فيما لا يخصهُ.. فكم من خُصُوصِيَّاتٌ أُشِيعَتْ، وَكم من صُدُورٌ أُوغِرَتْ، وَكم من ضَغَائِنُ حَلَّتْ، وَأُسَرٌ تَمَزَّقَتْ ثُمَّ تَفَرَّقَتْ، بسبب الِاشْتِغَالِ بمَا لَا يَعْنِي.. الْمُتَدَخِّلُ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ مِنْ أَقَلِّ النَّاسِ تَوْفِيقًا، وَمِنْ أَضْعَفِ الْعِبَادِ مُحَاسَبَةً لِنَّفْسِه، مهمومٌ مغمومٌ، يُلَاحَقُ الْخُصُوصِيَّاتِ، وَيَتبعُ الْأَخْبَارِ، ويَحْرِصُ عَلَى مَعْرِفَةِ تفاصيل حياةِ الآخرين، وَالْبَحْثِ فِي أَدَقِّ شؤنهِم.. وفي المثل المشهور: ” مَنْ راقبَ الناسَ ماتَ همَّاً “..

فلا تكنْ فضوليًا تحبُ خصوصياتِ الناسِ ولا تحبُ أن يعرفَ الناسُ خصوصياتِك ،فالفُضولُ داءٌ عُضالٌ. الفضولُ جلوسٌ على قارعةِ الإفلاسِ. ومراقبةٌ لتحرُّكاتِ الناسِ.. عافانا الله وإياكمُ منْ الوسواس..أيها المُنْشَغِلُ بِمراكِبِ الناس هيئ مَركَبَك. أيها المُراقِبُ لتحركات الناس راقب نفسك. أيها القادِحُ في نجاحاتِ الناسِ ابْكِ فَشَلَك يا هذا : أمامَك يومٌ مَجموعٌ له الناسُ. فمالَك وَلِلناس. اذكُرْ قبرَك وحشرَك ونَشرَك… بدلَ أنْ تنظرَ لأخيكَ متطلعاً انظرْ ما قدَّمتَ لغدك.. (“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ..) ، فلنْ تَنفعَكَ الأسرارُ والأخبارُ يوم تُبلى السَّرائرُ. أنتَ المغبونُ حينما تركتَ الفَضَل وارتديْتَ الفُضول. وانشغلتَ بأخيك أينَ يذهبُ ومِنْ أين يأتي وماذا يقول.. فمن حُسن اسلامُ المرءِ عدمُ تتبعِ العثراتِ والعوراتِ.. وترك الإلحاحِ بالسؤالِ.. متى ذهبَ فلانٌ؟ ومِنْ أينَ جاءَ علانٌ؟ بِكمِ اشترى ومِنْ أينَ ومتى؟ وكيفَ حصل ذلك؟، من أين لك هذا… وغيرها من أسئلةِ الفضولِ والتطفلِ التي لا طائلَ منْ ورائِها سوى حرقِ الأوقات وفتح أبواب الشر، وجرُّ المرءِ للخوض فيما لا يُحسنه ولا يُتقنه ولا يعلمه، مما هو ليسَ داخلاً في تخصُّصهِ ولا مسؤوليته.. والاستغراق في الحوادث وتفاصيلِ المستجِدات.. بينما لو صَرفَ هذه الأوقاتِ والجهودِ في أمورٍ أخرى لكان خيراً له عشراتِ ومئاتِ المراتِ.. كلُّ هذا من إهدارِ الزمانِ، وضياعِ الوقتِ ومِنْ القيلِ والقالِ الذِي لَيس مِن ورائِه مصلحةٌ ولا منه منفعةٌ

والاشتغالُ بما لا يعني، يبغضه اللهُ، ففي الصحيح من حديث المغيرةِ بن شعبةَ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ».

يقول أبو الدرداءَ رضي الله عنه: (أَنْصِفْ أُذُنَيْكَ مِن فِيكَ، فإنّما جُعُلَ لك أُذُنَانِ اثنتان وفَمٌ واحدٌ، لتَسْمَعَ أكثرَ ممّا تقول). فَالْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، جَزَاءً وِفَاقًا، فَمَنِ اشْتَغَلَ بِغَيْرِهِ بِلِسَانِهِ، سُلِّطَ عَلَيْهِ -وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ- أَلْسِنَةٌ حِدَادٌ تَهْتِكُ سِتْرَهُ، وَتَفْضَحُ أَمْرَهُ. (من حُسنِ إسلامِ المرءِ تَركُهُ ما لا يَعنِيهِ) جَمِيعُنَا يَحْفَظُ حُرُوفَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَكِنَّ الْقَلِيلَ مِنَّا مَنْ وَقَفَ مَعَ حُدُودِهِ، وَجَعَلَهُ مَنْهَجَ حَيَاةٍ.أَمَا -وَاللَّهِ- لَوْ طَبَّقْنَا هَذَا الْحَدِيثَ حَقًّا لَصَلُحَتْ بِذَلِكَ نُفُوسُنَا، وَتَحَسَّنَتْ عِنْدَهَا كَثِيرٌ مِنْ رَوَابِطِنَا.

الـزَمْ حُـدوْدَكَ فـي قَـولٍ وفي عَـمَـلٍ ****ودَعــكَ مِــنْ كـلِّ أَمْــرٍ ليـْـسَ يَعْنِيْـكَـا

إنَّ التَّـطفُّـلَ فـي شَـــأْنِ الـوَرَى مَـرَضٌ*** تَـغْدُو بِهِ سَـــمِجًا.. فـي النَّـاس مَتْـرُوْكَا

ثانيًا: الانشغالُ بعيوبِ الناسِ جرمٌ خطيرٌ!!!

أيُّها السادةُ: إِنَّ مِنَ الْأَمْرَاضِ الَّتِي تُفْسِدُ عَلَى الْعَبْدِ دُنْيَاهُ وَأُخْرَاهُ.. وَتَجْعَلُهُ فِي الْآخِرَةِ خَاسِرًا مَغْبُونًا، هُوَ أَنْ يَتَتَبَّعَ زَلَّاتِ الْآخَرِينَ، وَيَرَى عُيُوبَهُمْ وَيَنْسَى عُيُوبَ نَفْسِهِ… فمِنْ الناس اليوم مَنْ لَيْسَ لَهُ هُمٌّ إِلَّا تَتَبُّعُ عَوْرَاتِ الْآخَرِينَ؛ فَمَرَّةً يَشْمَتُ بِأَحْوَالِهِمْ وَأَشْكَالِهِمْ، وَمَرَّةً بِأَنْسَابِهِمْ وَأَحْسَابِهِمْ والإِنسانُ غيرَ السَّوِىِّ هو الذي يشتغل بعيوبِ الناسِ عن عيبهِ، ويتتبعُ عوراتِ الناسِ، ويظنُ أنَّهُ الكاملَ وأنَّ الناسَ ناقصون. لذَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَنْهَى أَصْحَابَهُ عَنْ تَتَبُّعِ عَوْرَاتِ الْآخَرِينَ؛ فَعَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ، لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَتَّبَعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي جَوْفِ بَيْتِهِ». وللهِ درُّ الشافعيُّ رحمه الله

إذا شئتَ أن تحيا سليمًا من الأذى وحظُّك مَوفورٌ وعِرضُك صَيِّنُ

لِسَانُكَ لَا تَذْكُرْ بِهِ عَوْرَةَ امْرِئٍ *** فَكُلُّكَ عَوْرَاتٌ وَلِلنَّاسِ أَلْسُنُ

وَعَيْنُكَ إِنْ أَبْدَتْ إِلَيْكَ مَعَايِبًا *** فَصُنْهَا وَقُلْ: يَا عَيْنُ لِلنَّاسِ أَعْيُنُ

فالمسلمُ الحقُّ هو الذي يسلمُ الناسُ مِن أذَى لسانِهِ ويدِهِ، فلا يصدرُ منهُ إلَّا كلُّ خيرٍ ونفعٍ للناسِ، قال نبيُّنَا ﷺ:(المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ ويده).

ولله در القائل:

عَجِبْتُ لِمَنْ يَبْكِي عَلَى مَوْتِ غَيْرِهِ **دُمُوعًا، وَلَا يَبْكِي عَلَى مَوْتِهِ دَمَا

وَأَعْجَبُ مِنْ ذَا أَنْ يَرَى عَيْبَ غَيْرِهِ *عَظِيمًا، وَفِي عَيْنَيْهِ عَنْ عَيْبِهِ عَمَى

وَأَصْدَقُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم حِينَمَا قَالَ: « يُبْصِرُ أَحَدُكُمُ الْقَذَى فِي عَيْنِ أَخِيهِ، وَيَنْسَى الْجِذْعَ فِي عَيْنِهِ»؛ ، قَالَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ: “إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ مُوَكَّلًا بِعُيُوبِ النَّاسِ، نَاسِيًا لِعَيْبِهِ، فَاعْلَمُوا أَنَّهُ قَدْ مُكِرَ بِهِ”. فَلنَتَقِ اللهَ – أَحِبَتِي فِي اللهِ – وَلْنَحْذَرْ هَذِهِ الظَّاهِرَة السّيِّئَة الخَطِيرَة ، وَكَمَا قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:فِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ : (( مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بالله وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرا، أَوْ لِيَصْمُتْ )) ، وَ (( مَنْ صَمَتَ نَجَا ))

بَلْ وَأَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُشِيعَ مَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ من عورةٍ، فَلَا يَجِدُ صُورَةً إِلَّا وَنَشَرَهَا بَيْنَ مَنْ يَعْرِفُ وَمَنْ لَا يَعْرِفُ؛ وَصَدَقَ اللهُ إِذْ يَقُولُ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النور: 19]

لَا تَكْشِفَنَّ مَسَاوِيَ النَّاسِ مَا سُتِرُوا ***فَيَهْتِكَ اللَّهُ سِتْرًا عَنْ مَسَاوِيكَ

وَاذْكُرْ مَحَاسِنَ مَا فِيهِمْ إِذَا ذُكِرُوا ****وَلَا تَعِبْ أَحَدًا مِنْهُمْ بِمَا فِيكَ

فحَرِيٌّ عِبَادَ اللَّهِ؛ بِنَا أَنْ نهتم بإِصْلَاحِ أَنْفُسِنَا و أن نَشَتغِل بِعُيُوبِنَا عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ، وَأَنْ نَتْرُكَ الْخَلْقَ لِلْخَالِقِ، فَكُلُّنَا ذَوُو أَخْطَاءٍ وَتَقْصِيرٍ وَعُيُوبٍ، وَمَنْ كَانَ صَادِقًا حَرِيصًا عَلَى الْآخَرِينَ، فَلْيَدْعُ لَهُمْ بِالْهِدَايَةِ، ولْيُقَدِّمْ لَهُمُ النُّصْحَ، وَلْيَسْتُرْ مَا عَلِمَ مِنْ حَالِهِمْ، وَرَأَى مِنْ عُيُوبِهِمْ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ عِبَادِهِ الَّذِينَ يُحَافِظُونَ عَلَى ‏خُصُوصِيَّاتِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ وَلَا يَنْتَهِكُونَ أَعْرَاضَ وَخُصُوصِيَّاتِ ‏الْآخَرِين.‎ آمين ….أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لِي ولكُم ….الخطبةُ الثانيةُ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَأشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِينَ، وأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.

 

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى