web analytics
أخبار عاجلة
خطبة الجمعة القادمة للشيخ عبد الناصر بليح
الشيخ عبد الناصر بليح ، خطبة الجمعة لهذا اليوم

خطبة جمعة بعنوان: نعمة الأمن والأمان في الإسلام، لفضيلة الشيخ عبد الناصر بليح

خطبة جمعة بعنوان: نعمة الأمن والأمان  في الإسلام، لفضيلة الشيخ عبد الناصر بليح

لتحميل الخطبة بصيغة وورد أضغط هنا

لتحميل الخطبة بصيغة pdf أضغط هنا

 

 

ولقراءة الخطبة كما يلي: 

الحمدُ لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد أمر الله تعالى عباده المؤمنين، والناس أجمعين، أن يذكروا نعمه عليهم، فقال تعالى مخاطباً المؤمنين:”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ” [المائدة/11]. وقال: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ” [فاطر/3].  وإن من أعظم نعم الله التي يجب أن نذكرها ونُذكِّر بها: نعمة الأمن والأمان  فالأمن نعمة من الله عزوجل ما بعدها نعمة بل هي من أجل نعم الله علي بني خلقه لأن الإنسان إن لم يكن في أمن واستقرار وطمأنينة لا يهنأ بعيش ولا ينعم بحياة..

**دعوة الإسلام لتحقيق الأمن والأمان :

     و لقد دعي الإسلام  لتحقيق الأمن ووقف بحزم تجاه هؤلاء الذين يروعون الآمنين ويخربون في الأرض فقال تعالي “إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ  لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ  (المائدة/33).

فالإسلام دين الأمن ولا يمكن أن يتحقق الأمن للناس إلا إذا أخذوا بتعاليم هذا الدين العظيم، فقد حرم قتل النفس، وسرقة المال وأكله بالباطل، وآذي الجارقال صلى الله عليه وسلم: “وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ ” . قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: “الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائقَه”( البخاري ومسلم). وقوله صلي الله عليه وسلم :”لا يحل لمسلم أن يروع مسلما”  وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  “من أشار على أخيه بحديدة لعنته الملائكة”(الترمذي).

“وقوله : ” من نظر إلى أخيه نظرةً يخيفه بها أخافه الله يوم القيامة “(البيهقي) .وقوله:”من حمل علينا السلاح فليس منا ” (البخاري ومسلم).وقوله: “المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه ، ولا يحقره ، التقوى هاهنا ، ويشير إلى صدره ثلاث مرات، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام : دمه وماله وعرضه“( صحيح ).

ولعن صلى الله عليه وسلم من أشار بالسلاح لأخيه المسلم، وحرم علينا الجنة حتى نؤمن ويحب بعضنا بعضاً، وأخبر بأن ذلك يتحقق بإفشاء السلام الذي يأمن الناس معه، وهو من شعائر الإسلام العظيمة، وقال: “الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ”( البخاري ومسلم).

وقال في حق الكافر المعاهد: “مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا”( البخاري). وقال: “أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوْ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”( أبو داود).

وقال صلي الله عليه وسلم :”من روع مؤمنا لم يؤمن الله روعته يوم القيامة ومن سعى بمؤمن أقامه الله مقام ذل وخزي يوم القيامة .”(السيوطي  ).

وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وسلم فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه ففزع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”لا يحل لمسلم أن يروع مسلما “( أبو داود).  

** قيمة و أهمية نعمة الأمن:

ولأهمية الأمن أكرم الله به أولياءه في دار كرامته؛ لأنه لو فُقد فُقد النعيم، قال رب العالمين: “ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ” (الحجر: 46) وقال:”يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ” (الدخان /55). وقال: “وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ” (سبأ : 37).

ومما يدل على أهميته قول نبينا صلى الله عليه وسلم: “مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا”( الترمذي).

** إنّ نعمة الأمن أعظم من جميع نعم الله عز وجل وتقدم عليها :

حيث ذكر الله عزوجل الأمن علي لسان خليل الله إبراهيم في القرآن الكريم أكثر من مرة فتارة:

=  يقدمه علي الرزق  فيقول تعالي:”وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ..”(البقرة/126).

هذا هو الدعاء الأول ,قال ابن كثير:”اجعل هذه البقعة بلدا َأمناَ,وناسب هذا لأنه قبل بناء الكعبة .. فبدأ بالأمن قبل الرزق لسببين:

الأول: لأن استتباب الأمن سبب للرزق، فإذا شاع الأمن واستتبَّ ضرب الناس في الأرض، وهذا مما يدر عليهم رزق ربهم ويفتح أبوابه، ولا يكون ذلك إذا فُقد الأمن.

الثاني: ولأنه لا يطيب طعام ولا يُنتفع بنعمة رزق إذا فقد الأمن.

فمن من الناس أحاط به الخوف من كل مكان، وتبدد الأمن من حياته ثم وجد لذة بمشروب أو مطعوم؟!

ولقائل أن يقول: فلماذا قدم الرزق على الأمن في سورة قريش؟

فالجواب: أن هذه السورة خطاب للمشركين، وعند مخاطبة هؤلاء يحسن البدء بالقليل قبل الكثير، وباليسير  قبل العظيم..

= وتارة يقدمه علي العقيدة:

 فيقول تعالي:”وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ”(إبراهيم/35). 

وناسب هذا هناك ,وكأنه وقع دعاء في مرة ثانية بعد بناء البيت ,واستقرار أهله به بعد مولد إسحاق الذي هو أصغر سناَ من إسماعيل .(ابن كثير 1/251).   

وتقديم   المولي عز وجل   نعمة الأمن علي لسان خليل الله إبراهيم في دعائه علي غيرها من النعم لأنها أعظم أنواع النعم ولأنها إذا فقدها الإنسان اضطرب فكره وصعب عليه أن يتفرغ لأمور الدين أو الدنيا بنفس مطمئنة ، وبقلب خال من المنغصات المزعجات .

وأيضاَ قدم طلب الأمن للبقعة التي وضع فيها هاجر وإسماعيل قبل طلب الرزق ,لأن الأمن مقدم علي الرزق ,وظلت مكة تنعم بالأمن ببركة دعوة الخليل حتي جاءها رسولنا صلي الله عليه وسلم وهم علي شركهم ,والله يؤمنهم ,ولما دعاهم الرسول إلي الإسلام خافوا من إتباعه أن يفقدوا هذا الأمن ,فعاب الله سبحانه عليهم ذلك كيف يؤمنهم وهم علي شركهم ولا يؤمنهم إذا اتبعوا الرسول صلي الله عليه وسلم :”وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ   نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ”(القصص/57).    

= كما قدم المولي عز وجل نعمة الأمن علي الهداية:

فالمؤمن الموحد بالله يركن إلي ركن شديد ,فلا يخاف ,فهو في أمن دائم ,وهو الأحق بالأمن ,لأنه يعلم أنه سوف يحصل علي إحدى الحسنيين :النصر أو الشهادة,وهو لم يجعل لربه نداَ ولا شريكاَ ولا شبيهاَ ولا نظيراَ قال تعالي:”الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ   الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ “(الأنعام/82).

  وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال لما نزلت الآية شق ذلك علي الناس ,وقالوا يا رسول الله ,أينا لم يظلم نفسه ؟قال :إنه ليس الذي تعنونه ,ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح :”يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ   بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ “إنما هو الشرك “.(البخاري).

= والأمن مقدم علي الصحة:

      قال الإِمام الرازي:”سئل بعض العلماء : الأمن أفضل أم الصحة؟ فقال الأمن أفضل ، والدليل عليه أن شاة لو انكسرت رجلها فإنها تصح بعد زمان ، ولا يمنعها هذا الكسر من الإِقبال على الرعى والأكل والشرب .

ولو أنها ربطت – وهى سليمة – فى موضع ، وربط بالقرب منها ذئب ، فإنها تمسك عن الأكل والشرب ، وقد تستمر على ذلك إلى أن تموت .

      وذلك يدل على أن الضرر الحاصل من الخوف ، أشد من الضرر الحاصل من ألم الجسد . لذلك قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :”من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها”(الترمذي  ).‌ 

وقرن المولي عزوجل الإطعام والأمن:

فمن البديهيات التي لا يختلف عليها العقلاء؛ أنه لا يمكن أن تقوم حياة إنسانية كريمة إلا في ظلال أمنٍ وافرٍ، يطمئن الإنسان معه على نفسه وأسرته ومعاشه، ويتمكَّن في ظله من توظيف ملكاته وإطلاق قدراته للبناء والإبداع، وقد جمع الله في الامتنان على قريش بين نعمتَي الأمن والإطعام؛ ليبيِّن أن إحداهما لا تقلُّ أهمية عن الأخرى، ولا تُغني عنها،وأمرهم الله سبحانه وتعالي أمراَ جازماَ بالتوحيد ومتابعة النبي صلي الله عليه وسلم ,وأن ذلك أقل ما يكون في مقابلة نعمة الأمن التي يشعرون بها دون غيرهم من العرب فقال تعالى:”فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ .الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ”(قريش/4,3).

= وقرن النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام والإيمان بالأمن:

 فقال صلى الله عليه وسلم: “الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ” (الترمذي).   المسلم الحقيقي الذي تظهر عليه آثار الإسلام وشعائره وأماراته، هو الذي يكف أذى لسانه ويده عن المسلمين، فلا يصل إلى المسلمين منه إلا الخير والمعروف.

وفي واقع المسلمين اليوم قد تجد الرجل محافظاً على أداء الصلاة في وقتها، وقد تجده يؤدى حق الله في ماله فيدفع الزكاة المفروضة، وقد يزيد عليها معواناً للناس يسعى في قضاء حوائجهم، وقد تجده من حجاج بيت الله الحرام ومن عُمّارة، ولكن مع هذا الخير كله قد تجده لا يحكم لسانه ولا يملك زمامه، فينفلت منه لسانه فيقع في أعراض الناس ويمزق لحومهم!! فلا يستطيع أن يملك لسانه عن السب والشتم واللعن.

والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:”ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا الفاحش ولا البذيء”وقد تجد الرجل مع ما فيه من الخير والصلاح لا يملك لسانه عن الغيبة والنميمة،ولا يملكه عن شهادة الزور وقول الزور،وقد لا يكف لسانه عن همز الناس ولمزهم،فيجره لسانه ويوقعه في كثير من الأخطاء والبلايا،فمثل هذا النوع من الناس قد فقد صفة من أبرز وأهم صفات المسلم الحقيقي.

وهناك نوع آخر من المسلمين يختلف عن النوع السابق فقد تجده يحكم لسانه ويقل به الكلام، ولكنه يؤذى المسلمين بيده، فيضرب بيده أبدان المسلمين، اعتدى على أموالهم فيسرقهم، أو يسلبهم حقوقهم أو يظلمهم فهذا أيضاً قد فقد إمارة من الإمارات الظاهرة التي تدل على إسلام المرء وعلى إيمانه.

وعلى هذا فلا يكتمل إسلام عبد حتى يحب المسلمين ويترك إيذاءهم بلسانه، ويترك إيذاءهم بيده ولا يتم إسلام عبد وأيمانه حتى يشغل لسانه في الأعمال التي يكون فيها نفع له في الدنيا والآخرة، فيُعمل لسانه في تلاوة كتاب الله وفي ذكره سبحانه وتعالى، ويُعمل بلسانه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونشر العلم النافع أو تقديم النصيحة والمشورة المفيدة النافعة وغير ذلك من المصالح التي تعود بالنفع العاجل على المرء وعلى إخوانه المسلمين.

ولو تحقق أن كف المسلم لسانه عن إيذاء الناس وكف يده كذلك عن إيذاء الناس فلا يكسب بيده شراً وإنما يُعملها في الخير والنفع، ولو تحقق هذا لصار المسلم آمناً في سفره وفي إقامته وفي بيته وخارج بيته ولصار مجتمع المسلمين مجتمعاً فاضلاً على ما يحب الله ورسوله.ولساد الأمن والأمان مجتمع الإسلام.

**  بيان قيمة الأمن وأهميته في الازدهار الاقتصادي:

كما صار من الوضوح بمكان ارتباط سائر أنواع الأمن بعضها ببعض، فلا أمنَ اجتماعيًّا من غير أمن اقتصادي ففي مجال الأمن الاقتصادي :فإن قوامه في الإسلام ضمان حد”الكفاية “لكل فرد ,أي المستوي اللائق للمعيشة ,وليس مجرد “حد الكفاف”أي المستوي الأدنى للمعيشة مما عبرت عنه الآية الكريمة:”وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ”(المعارج/25,24).  وقوله تعالي:” وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ “(النور/33). فحيازة البعض للمال في الإسلام ليست امتلاكاً وإنما هي أمانة ومسئولية  لأنه خليفة علي هذا المال وقوله تعالي :”آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ “(الحديد/7).وقوله تعالي:”ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ”(التكاثر/8).

ومن هنا جاء قول الرسول صلي الله عليه وسلم :”..أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم “(أبوداود  ).

   وقول الخليفة الرابع علي بن أبي طالب :”إن الله فرض علي الأغنياء في أموالهم بقدر ما يكفي فقراءهم”(المحلي لابن حزم /221وما بعدها ). فالأمن الاقتصادي المتمثِّل في عدالة توزيع الثروة،  كما دعي الإسلام إلي كل وسائل الأمن والاستقرار من أجل مزيد من الازدهار الاقتصادي والغني حيث أنه لا بأس بالغني لمن اتقي والعشرة المبشرون بالجنة كان من بينهم تسعة من أغني أغنياء الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ..

قال تعالى:”وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ” (القصص/57).

وفي دولة سبأ كان الأمنُ أحدَ أهم أسباب الازدهار الاقتصادي “وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آَمِنِينَ” (سبأ/18)، وقد دلَّت سائر أحداث التاريخ البعيد والقريب على أن الحضارة لا تزدهر، وأن الأمم لا ترتقي ولا تتقدم إلا في ظلال الاستقرار الذي ينشأ عن استتباب الأمن للأفراد وللجماعات وللأمم.

**وفي مجال الأمن الاجتماعي:

فإن قوامه في الإسلام حفظ التوازن بين أفراد المجتمع بحيث لا يجوز أن تستأثر فئة قليلة من الناس بخيرات المجتمع مما عبرت عنه الآية الكريمة:” كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ “(الحشر/7). ولأن الإسلام دين الجماعة ..ولأن فلسفته في التشريع قد جمعت بين المسئولية الفردية:”  وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى “(الأنعام/164). وقال تعالي:” مَنْ يَعْمَلْ   سُوءًا يُجْزَ بِهِ “(النساء/123).وبين المسئولية الاجتماعية والمجتمعية حيث توجه الخطاب إلي الناس والأمة والجماعة في غالب آيات الخطاب بالقرآن الكريم..

وفي هذه الفلسفة التشريعية تجاورت وتزاملت الفروض والتكاليف الفردية –العينية- مع الفروض والتكاليف الكفائية- الجماعية والاجتماعية والمجتمعية –وتوجه الخطاب التكليفي إلي الفرد وإلي الجماعة (الأمة والناس).

لهذه الحكمة كان الأمن في الإسلام اجتماعياً ومجتمعياً,واستحال أن تقف آفاقه عند حدود الفرد ,دون الاجتماع الشامل للأفراد ضمن الجماعة ..ذلك أن الإنسان –كفرد- مدني واجتماعي ومجتمعي بطبعه وحكم حاجاته..وأمنه الحقيقي ,وإن بدأ بدائرته الفردية ,فإنه لا يستقيم ولا يتحقق ولا يدوم إلا إذا عمت آفاقه الاجتماع والجماعة والعمران ..

 وعن هذه الحقيقة من حقائق الرؤية الإسلامية للأمن الاجتماعي والمجتمعي يتحدث الإمام أبو الحسن الماوردي (364-450هـ974-1058م) فيقول:والإنسان مطبوع الافتقار إلي جنسه واستعانته صفة لازمة لطبعه وخلقه قائمة في جوهره ..ولذلك ,فإن صلاح الدنيا يعتبر من وجهين :أولهما :ما ينتظم به أمور جملتها.والثاني:ما يصلح به حال كل واحد من أهلها.فهما شيئان لا صلاح لأحدهما إلا بصاحبه..

والماوردي عندما حدد قواعد صلاح الدنيا وانتظام عمرانها ,وهي عنده ستة أشياء في قواعدها ,وإن تفرعت :1- دين متبع..2- وسلطان قاهر(أي دولة قوية).3- وعدل شامل.4-وأمن عام .5- وخصب دائم.6- وأمل فسيح. فإن الماوردي قد جعل الأمن العام القاعدة الرابعة من قواعد صلاح الدنيا وانتظام العمران ,وعن هذه القاعدة الرابعة يقول:”..وأما القاعدة الرابعة ,فهي أمن عام تطمئن إليه النفوس ,وتنتشر به الهمم ,ويسكن فيه البريء ,ويأنس به الضعيف ,فليس لخائف راحة ,ولا لحاذر طمأنينة.وقد قال بعض الحكماء:”الأمن أهنأ عيش,والعمل أقوي جيش,لأن الخوف يقبض الناس عن مصالحهم ,ويحجزهم عن تصرفهم ,ويكفهم عن أسباب المواد التي بها قوام أودهم ,وانتظام جملتهم ..والأمن المطلق :ما عم..(أدب الدين والدنيا /135-144)(مقومات الأمن المجتمعي في الإسلام /76-79-المجلس الأعلى للشئون الإسلامية العدد158).

** وفي بيان قيمة الأمن وأهميته جعله المولي في بيوته:

وعلي رأس المساجد الحرم المكي قال تعالي:”إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ”(آل عمران/97,96). 

” وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً ”  .أى من التجأ إليه أمن من التعرض له بالأذى أو القتل قال – تعالى – : ” أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ الناس مِنْ حَوْلِهِمْ “وفي ذلك إجابة لسيدنا إبراهيم حيث قال – كما حكى القرآن عنه – : ” رَبِّ اجعل هذا البلد آمِناً واجنبني وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأصنام” ولا شك أن فى أمن من دخل هذا البيت أكبر آية على تعظيمه وعلى علو مكانته عند الله؛ لأنه موضع أمان الناس فى بيئة تغرى بالاعتداء لخلوها من الزرع والنبات .

** والعبادة لا يتأتى القيام بها على وجهها إلا في ظل الأمن:

= فالصلاة قال الله عنها:”حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْرُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ“(البقرة/238-239 ). وقال: “.. فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا“(النساء:  103). وقوله: “فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ”أي: أدوها بكمالها وصفتها التامة.

 = ومن شروط وجوب الحج: الأمن، فإذا وجد الإنسان نفقة الحج ولم يكن الطريق إليه آمناً فلا يجب عليه الحج قولاً واحداً، قال الله تعالى: ” فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ” (البقرة: 196). ولما أخبر الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم بأنهم سيدخلون البيت الحرام ويؤدون نسكهم بعدما صدهم المشركون عنه قرن ذلك بالأمن فقال: ” لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا” (الفتح: 27) .

= وإن انتشار الدعوة الإسلامية المباركة يكون في وقت الأمن أكثر من غيره من الأوقات..

قال الله تعالى عن موسى عليه السلام: “فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ” (يونس: 83). ولكن لما أغرق الله فرعون ودمَّر ما كان يصنعه وقومه دخل كثير من الناس في دين الله، ففي حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه سواداً عظيماً قال: “وَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الْأُفُقَ، فَرَجَوْتُ أَنْ تَكُونَ أُمَّتِي، فَقِيلَ: هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ” (البخاري ومسلم).

= وانظروا كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى الحديبية كان معه خمسمائة وألف من أصحابه، فلمَّا انعقد الصُّلح وكان من بنوده: وقف الحرب عشر سنوات يأمن فيها الناس،دخل كثير منهم في دين الله، فبعد عامين وبضعة أشهر خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم لفتح مكة عشرة آلاف من المسلمين.

 ** وفي بيان قيمة الأمن وأهميته مد الله به عباده المؤمنين عند الموت :

وتأمين الله وأمنه سابغ علي المؤمن في دنياه وأخراه ,فعندما يأمر ملائكته بقبض عبده المؤمن ,أمرهم بأن يبشروه بالأمن ,وعدم الخوف والحزن قال تعالي:”  إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ”(فصلت/30).

أى : إن الذين قالوا ربنا الله باعتقاد جازم ، ثم استقاموا على طاعته فى جميع الأحوال ، تتنزل عليهم من ربهم الملائكة ، لتقول لهم فى ساعة احتضارهم وعند مفارقتهم الدنيا ، وفى كل حال من أحوالهم : لا تخافوا – أيها المؤمنون الصادقون – مما أنتم قادمون عليه فى المستقبل ، ولا تحزنوا على ما فارقتموه من أموال أو أولاد .(الوسيط د/سيد طنطاوي).

فلا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون اليوم كما في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه:”إن الملائكة تقول لروح المؤمن :أخرجي أيتها الروح الطيبة في الجسد الطيب كنت تعمرينه ,أخرجي إلي روح وريحان ورب غير غضبان”(ابن ماجه  ).

** وفي بيان قيمة الأمن مد به عباده يوم الفزع الأكبر:

لأن الأمن من أعظم النعم عندما يفزع الخلق يوم القيامة يؤمن الله سبحانه أولياءه حيث يقول :”وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي   الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ”(النمل /87). وقال تعالي:” مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ”(النمل/89). قال ابن كثير:قال ابن عباس رضي الله عنهما من جاء بالإخلاص أو هي لا إله إلا الله لقوله تعالي :”لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ “(الأنبياء/103).  وقوله:” أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ   اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ”(فصلت/40).

**وفي بيان قيمة الأمن وأهميته أن الملائكة تبشرهم بالجنة:

وتبشرهم الملائكة بالأمن والأمان عند دخولهم الجنات قال تعالي:”إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ “(الحجر/ 46,45). أي أمنين من كل خوف وفزع ,ولا تخافوا إخراجاَ ولا انقطاعاَ ولا فناءَ وبسلام أي سالمين من الآفات مسلم عليكم من الملائكة قال تعالي:”وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا   زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ”(سبأ/37).

أي في المنازل العالية أمنون من كل بأس وخوف وآذي ومن كل شر يحذر منه وقوله تعالي:”  إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ”(الدخان/51).أمنوا فيها من الموت ,ومن كل هم وحزن وجوع وتعب ونصب ومن الشياطين وكيدهم وسائر الآفات والمصائب قال تعالي:”  يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ”(الدخان/55).

لا يخافون انقطاع الثمار والفواكه مهما طلبوا أُحضر لهم ,أمنون من الموت وأخيه”النوم”ومن الهرم ,وعن جابر بن عبد الله سئل النبي صلي الله عليه وسلم :”أينام أهل الجنة ؟فقال :”النوم أخو الموت ,وأهل الجنة لا ينامون”(صحيح ).     

و عن أبي سعيد وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” ينادي مناد إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا فذلك قوله تعالى”وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون”.(الأعراف/43).(مسلم).

** والأمن مطلب الناس جميعاً:

= فإبراهيم عليه السلام يدعو الله أن يجعل بلده آمناً “وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ” (إبراهيم: 35).

= ويوسف عليه السلام يطلب من والديه دخول مصر مخبراً باستتباب الأمن بها “فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ ” (يوسف: 99).

= ولمَّا خاف موسى أعلمه ربه أنه من الآمنين ليهدأ رَوْعه، وتسكن نفسه”وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ”(القصص: 31).

= ولما رحم النبي صلى الله عليه وسلم أهل مكة يوم فتحها ذكرهم بما ينالون به الأمن؛ مما يدل على أهميته لدى المؤمنين والكافرين، فقال: “من دخَل دارَ أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقَى السّلاحَ فهو آمن، ومن دخل المسجدَ فهو آمن” ( مسلم).

 

 

 

 

الخطبة الثانية :

الحمد لله وكفي وسلاماً علي عباده الذين اصطفي ..أما بعد : فيا جماعة الإسلام . لازلنا نواصل الحديث حول نعمة الأمن والأمان في الإسلام ..  وعن دعوة ووسائل وأدوات الإسلام للمحافظة علي الأمن  وتحقيقه  ومنها :”

= شكر الله عليها وإدامة ذلك.

فالنعم تثبت بالشكر وتذهب بالجحود، وفي القرآن الكريم حكاية ما قاله موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم لقومه:”وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ” (إبراهيم: 7).

= تحقيق توحيد الله تعالى.

 فالتوحيد أمن في الدنيا والآخرة؛ قال تعالى:” وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ” (النور: 55). فلا أمن إلا بإقامة العبادة الخالية من شوائب الشرك ؛ فلا يُدعى غير الله، ولا يُستغاث إلا بالله،ولا حلف إلا بالله .. وغير ذلك من صور الشرك الأكبر المخرج عن دين الإسلام والبدع التي ما أنزل الله لها من برهان.

وأما في الآخرة فقد قال الله تعالى: “الذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ” (الأنعام : 82). مهتدون في الدنيا ، آمنون في الآخرة .

=  الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، قال تعالى :” فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ” (الأعراف : 165). وسكت عمن سكت ولن ينكر، ولم يخبر بحالهم.

= الدعاء.

وقد كَانَ نبينا صلى الله عليه وسلم إِذَا رَأَى الْهِلَالَ قَالَ: “اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ، وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ، وَالتَّوْفِيقِ لِمَا تُحِبُّ وترضى. رَبُّنَا وَرَبُّكَ اللَّهُ”( الترمذي).

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح “اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي”( أبو داود).

 ومن دعائه عليه الصلاة والسلام قوله :”اللهم إني أسألك الأمن يوم الخوف”(البخاري ).

=وتحقيقاَ للأمن نهي الإسلام عن الفتنة:

بكل صورها وأشكالها “وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ”(الأنفال/25).  كما أمر بالتصدي لها فقال تعالي :” وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ “(الأنفال /39).

= وتحقيقاَ للأمن نهي الإسلام عن الفساد:

قال الله تعالي:”ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ”(الروم/41).    

أي  ظَهَرَ الفَسَادُ فِي العَالَمِ بالفِتَنِ والحُروبِ والاضْطِرابَات . . وذَلكَ بِسَببِ مَا اقتَرَفَهَ النَّاسُ منَ الظُّلمِ ، وانتِهَاكِ الحُرُمَاتِ ، والتَّنَكُّرِ لِلدِّينِ ، وَنِسيَانِ يومِ الحِسَابِ فانْطَلَقَت النُّفُوسُ مِنْ عِقَالِها ، وَعَاثَتْ فِي الأَرضِ فَسَاداً بِلاَ وَازعٍ وَلا رَقيبٍ منْ ضَميرٍ أَوْ وُجدَانٍ أو حَيَاءٍ أَو حِسَابٍ لدِينٍ ، فأَذَاقَهُم اللهُ جزاءَ بعضِ ما عَمِلُوا مِنَ المَعَاصِي والآثَامِ ، لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ إلى الحَقِّ ، وَيَكُفُّونَ عَنِ الضَّلالِ والغِوايةِ ، وَيَتَذَكَّرُونَ يومَ الحِسَابِ .

وفي حقيقة الأمر أن الفساد دمار للأفراد والمجتمعات والأمم وقد أشار الرسول صلي الله عليه وسلم إلي ذلك وضرب مثلاَ بأن الناس جميعاَ في سفينة واحدة فهي تسير عندما يتحقق العدل والطهر والنقاء والتمسك بمكارم الأخلاق ..ولكن عندما ينحرف طائفة في المجتمع وتعيث في الأرض فساداَ ولم يقم من يأخذ علي أيديهم ويمنعهم عن هذا الفساد وهذا الانحراف تغرق السفينة بالجميع وهذا ما يبينه رسول الله صلي الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة منها:

  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا ” (البخاري).  فقد حرم الإسلام الغلول وهو الاختلاس من المال العام..

= وتحقيقاَ للأمن نهي الإسلام عن كفر النعمة وبطر المعيشة:

قال تعالي:”وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ” (النحل/112).

و المعنى : وجعل الله قرية موصوفة بهذه الصفات مثلا لكل قوم أنعم الله عليهم بهذه النعم ، فلم يشكروا الله – تعالى – عليها ، فأخذهم أخذ عزيز مقتدر .وقوله:”كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً” أى : كانت تعيش فى أمان لا يشوبه خوف ، وفى سكون واطمئنان لا يخالطهما فزع أو انزعاج : .

= وعلي الجملة تحقيقاً للأمن نهي الإسلام عن كل ما يكدر صفو المجتمع  من ظلم وطمع وجشع  وشائعات وفساد ذات البين وسخرية ولمز وغيبة ونميمة وحقد وحسد وكذب وزور وبهتان والعصبية والتعصب والتنطع والتشدد .. الخ.  هذه الأخلاق الذميمة ودعي إلي مكارم الأخلاق ..

عن admin

مجلس إدارة الجريدة الدكتور أحمد رمضان الشيخ محمد القطاوي رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) تليفون (phone) : 01008222553  فيس بوك (Facebook): https://www.facebook.com/Dr.Ahmed.Ramadn تويتر (Twitter): https://twitter.com/DRAhmad_Ramadan الأستاذ محمد القطاوي: المدير العام ومسئول الدعم الفني بالجريدة. الحاصل علي دورات كثيرة في الدعم الفني والهندسي للمواقع وإنشاء المواقع وحاصل علي الليسانس من جامعة الأزهر.

شاهد أيضاً

خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف pdf و word : معنى التاجر الصدوق ومنزلته ، بتاريخ 10 شوال 1445 هـ ، الموافق 19 أبريل 2024م

خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف pdf و word : معنى التاجر الصدوق ومنزلته

خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف pdf و word : معنى التاجر الصدوق ومنزلته ، بتاريخ 10 …

خطبة الجمعة القادمة 19 أبريل 2024 م بعنوان : معنى التاجر الصدوق ومنزلته ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 10 شوال 1445هـ ، الموافق 19 أبريل 2024م

خطبة الجمعة القادمة 19 أبريل : معنى التاجر الصدوق ومنزلته ، للدكتور محروس حفظي

خطبة الجمعة القادمة خطبة الجمعة القادمة 19 أبريل 2024 م بعنوان : معنى التاجر الصدوق …

فضل صيام ست من شوال ، للدكتور خالد بدير

فضل صيام ست من شوال ، للدكتور خالد بدير

فضل صيام ست من شوال ، للدكتور خالد بدير لتحميل فضل صيام ست من شوال …

خطبة الجمعة القادمة 19 أبريل 2024م بعنوان : معنى التاجر الصدوق ومنزلته ، للشيخ خالد القط ، بتاريخ 10 شوال 1445هـ ، الموافق 19 أبريل 2024م

خطبة الجمعة القادمة 19 أبريل 2024م : معنى التاجر الصدوق ومنزلته ، للشيخ خالد القط

خطبة الجمعة القادمة 19 أبريل 2024م بعنوان : معنى التاجر الصدوق ومنزلته ، للشيخ خالد القط …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Translate »