web analytics
أخبار عاجلة
خطبة الجمعة القادمة، الأوقاف، الأزهر الشريف، خطبة وزارة الأوقاف،خطبة الجمعة 27/6/2014 بعنوان كيف نستقبل رمضان ؟ بقلم د / خالد بدير ، خطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة ، عنصر خطبة الجمعة القادم ، خطب الجمعة لوزارة الأوقاف
الدكتور خالد بدير

خطبة بعنوان: واجبنا نحو القرآن بين النظرية والتطبيق، للدكتور خالد بدير

خطبة بعنوان: واجبنا نحو القرآن بين النظرية والتطبيق

لتحميل الخطبة بصيغة word أضغط هنا

لتحميل الخطبة بصيغة pdf أضغط هنا

ولقراءة الخطبة كما يلي:

3 جمادى الأولى 1437ه – 12 فبراير 2016م

  عناصر الخطبة:

 أولاً: تعاهد القرآن واستذكاره    

  ثانياً: تعلُّم القرآن وتعليمه

ثالثاً: التأثُّر عند قراءة القرآن          

   رابعاً: تدبُّر القرآن

خامساً: العمل بالقرآن                                                     

  سادسا: تعظيم وتوقير القرآن

سابعاً: الدفاع عن القرآن الكريم        

   ثامناً: تكريم صاحب القرآن حيا وميتا

     المقدمة:                                                                       أما بعد:

عباد الله: في الحقيقة حينما أتحدث عن القرآن وفضله لا يسعني هذه الدقائق في هذه الوريقات!! لأن فضل القرآن عظيم وأكثر من أن يحصى!! لذلك لم أتعرض كثيرا في هذا اللقاء للحديث عن فضل القرآن؛ واقتصرت في حديثي عن ( واجبنا نحو القرآن بين النظرية والتطبيق ) لأن هناك انفصالاً وانفصاما بين القراءة والتطبيق؛ حتى يكون الموضوع موحداً وفي اتجاهٍ واحدٍ !! فتعالوا بنا ليعرف كل واحدٍ منا واجبه نحو القرآن؛ وليعرض كل واحد منكم نفسه على كل واجبٍ من هذه الواجبات؛ فإن وجد خيراً فليحمد الله؛ وإن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه؛ وليستدرك ما فاته قبل فوات الأوان؛ والآن نشرع في المراد والله المستعان وعليه التكلان!!

أولاً: تعاهد القرآن واستذكاره

من أهم حقوق القرآن علينا تعاهده واستذكاره خوفا من ضياعه ونسيانه؛ وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على تعاهد القرآن الكريم وضرب لذلك مثلاً رائعاً. فعَنْ أَبِي مُوسَى؛ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” تَعَاهَدُوا هَذَا الْقُرْآنَ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنْ الْإِبِلِ فِي عُقُلِهَا.” (مسلم)؛ وعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ”( البخاري) ؛ قال الحافظ ابن حجر في الفتح في شرحه لهذا الحديث: “ما دام التعاهد موجوداً فالحفظ موجود ، كما أن البعير ما دام مشدوداً بالعقال فهو محفوظ ، وخصّ الإبل بالذكر لأنها أشد الحيوان الإنسي نفوراً ، وفي تحصيلها بعد استكمان نفورها صعوبة.”أ.ه وقال ابن عبد البر في الاستذكار: ” في هذا الحديث الحض على درس القرآن وتعاهده والمواظبة على تلاوته والتحذير من نسيانه بعد حفظه”

لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم شديد العناية بحفظ القرآن، وحريصا على تلقفه من جبريل عليه السلام؛ حتى بلغ من شدة عنايته به، وحرصه عليه أنه كان يحرك به لسانه أكثر من المعتاد عند قراءته، خشية أن تفلت منه كلمة، أو يعزب عنه حرف حتى طمأنه ربه، ووعده أن يحفظه له في صدره، وأن يُقرِأَهُ لفظه، وأن يفهمه معناه وتفسيره. فأنزل عز شأنه قوله: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ} [القيامة: 16- 19].

فينبغي على كل مسلم أن يجعل له وردا ثابتاً كل يوم من القرآن؛ فكما أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش بدون طعام أو شراب؛ فكذلك لابد له من غذاءٍ روحي يومي ألا وهو القرآن!! وأنا أسألك أيها القارئ الكريم: أتذكُر آخر مرة ختمت فيها القرآن؟! أخشى أن تكون ختمة رمضان الماضي؟!.. وأن يكون مصحفك قد وُضع على الرف بعد رمضان أو على طبلوه السيارة وعلاه التراب!!.. واحذر أن يشهد عليك القرآن أنك هجرته يوم القيامة!! وماذا تفعل لو لم تقرأ وردك اليومي؟!

أيها المسلمون: تعالوا لنرى حال الصحابة مع القرآن؟!! فبعضهم كان إذا فاته ورده يبكي.. وقد دخلوا على أحدهم ذات مرة فوجوده يبكي بشدة، فسألوه: أتشتكي وجعاً؟ قال: أشد.. أشد، قالوا: وما ذاك؟ قال: نمتُ بالأمس ولم أقرأ وردي، وما ذلك إلا بذنب أذنبته!!

وروي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قلتُ: يا رسولَ اللهِ في كم أقرأُ القرآنَ ؟ قال: اقرأهُ في كلِّ شهرٍ قال : إني أقوَى على أكثرَ من ذلك قال : اقرأهُ في خمسٍ وعشرينَ . قلتُ : إني أقوَى على أكثرَ من ذلك . قال : اقرأهُ في عشرينَ . قال : قلتُ : إني أقوَى على أكثرَ من ذلك . قال : اقرأهُ في خمسِ عشرةَ . قال : قلتُ : إني أقوَى على أكثرَ من ذلك . قال : اقرأهُ في سبعٍ . قال : قلتُ : إني أقوَى على أكثرَ من ذلك قال : لم يفقهْ من قرأَ القرآنَ في أقلِّ من ثلاثٍ ” (رواه أحمد والألباني في الصحيحة).

 ولهذا أيها الأحباب، لا ينبغي أن تكون مدة ختام المسلم للقرآن في أقل من ثلاث ولا في أكثر من شهر؛ طبقاً للحديث السابق ذكره.

إنّ كثيراً من الناس – للأسف- يقضون أوقاتاً طويلة في تصفح شبكة النت وشبكة التواصل الاجتماعي فيس بوك.. وقد يقومون ليلهم مع الفيس بتلهف واهتمام! فلماذا لا يحظى كتاب الله ولو بمثل هذا الاهتمام؟! فلا يصح لمسلم أن يحفظ كلام الله ثمّ ينساه، ومما يعين على الحفظ كثرة المراجعة؛ ومعرفة تفسير الآيات وسبب نزولها؛ والصلاة بما تحفظ خاصة في قيام الليل.

عباد الله: إن نسيان القرآن وعدم تعاهده واستذكاره من أعظم الذنوب عند الله ؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي حَتَّى الْقَذَاةُ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنْ الْمَسْجِدِ؛ وَعُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا.” ( أبو داود والترمذي) ؛ قال القرطبي :” من حفظ القرآن أو بعضه فقد علت رتبته فإذا أخل بهاتيك المرتبة حتى خرج عنها ناسب أن يعاقب؛ فإن ترك تعاهد القرآن يفضي إلى الجهل؛ والرجوع إلى الجهل بعد العلم شديد؛ وقال: أوتيها ولم يقل حفظها لينبه على أنها كانت نعمة عظيمة أولاها الله إياه ليقوم بها ويشكر موليها فكفرها؛ وفيه أن نسيان القرآن كبيرة ولو بعضا منه؛ وهذا لا يناقضه خبر : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان؛ لأن المعدود هنا ذنبا التفريط في محفوظه بعدم تعاهده ودرسه.”( فيض القدير – للمناوي)

ثانياً: تعلُّم القرآن وتعليمه

فالواجب على الجميع تعلم القرآن الكريم وتعليمه؛ تلاوة وأحكاما وتجويدا وتفسيرا وإعجازا ؛ وهذا الأمر ليس صعباً، فمعظم الناس قد يتعلمون الإنجليزية أو الفرنسية، فلماذا يصعب عليهم تعلم القرآن الذي نزل بلغتهم وحديثهم اليومي؟! ولماذا يصير كلام الله صعباً عليك!! وقد قال الله عنه: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} (القمر: 17)، فعليك أن تتعلم القرآن وتعلمه لتكون أخير الناس وأفضلهم؛ فعَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ” (البخاري) ؛ فهو أخير الناس وأفضلهم لأنه نفع نسفه ونفع غيره بتعلم القرآن وتعليمه؛ قال ابن حجر:” لا شك أن الجامع بين تعلم القرآن وتعليمه مكمل لنفسه ولغيره؛ جامع بين النفع القاصر والنفع المتعدي ولهذا كان أفضل .” ( فتح الباري).

ولهذا رغب الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة في تعلم وتعليم القرآن وصور ذلك تصويرا بليغاً؛ فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ، قَالَ : خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِي الصُّفَّةِ ، فَقَالَ : ” أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ فِي كُلِّ يَوْمٍ إِلَى بَطْحَانَ أَوِ الْعَقِيقِ فَيَأْتِيَ مِنْهُ بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ فِي غَيْرِ إِثْمٍ وَلا قَطْعِ رَحِمٍ ” ، فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كُلُّنَا يُحِبُّ . قَالَ : ” أَفَلا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَعْلَمَ ، أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ ، وَثَلاثٍ وَأَرْبَعٍ ، وَخَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الإِبِلِ”. ( مسلم) أي أن تعلم آيتين أفضل – بمقاييس اليوم – من أربع نوق؛ أي عشرين ألف جنيه على الأقل! فمن منا يعزف عن هذا الفضل وهذا الكرم العظيم؟!

ثالثاً: التأثُّر عند قراءة القرآن

فيجب على المسلم أن يتأثَّر بالقرآن عند تلاوته ويتفاعل معه فيضطرب أو يهتز قلبه، ويشعر كأنّ القرآن يتنزل عليه هو في قراءته، كما حكى الشاعر الكبير محمد إقبال قال: كان أبي يقول لي: يا بني اقرأ القرآن وكأنّما عليك أنزل! وبهذا يذوق المسلم حلاوة القرآن ويستشعر عظمته.

وهذا هو الرسول الأكرم والمعلم الأعظم يضرب المثل والقدوة في التأثير بالقرآن والتجارب مع آياته الكريمة، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” اقْرَأْ عَلَيَّ؛ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ:{ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا }؛ قَالَ: حَسْبُكَ الْآنَ فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ” (البخاري)؛ أي: يبكي صلى الله عليه وسلم من التأثر بالقرآن والتعايش معه؛ إذ علم أنّه صلى الله عليه وسلم المقصود والمعني بهذه الآية. وعَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ” أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي وَلِجَوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ يَعْنِي يَبْكِي”( أحمد وأبو داود النسائي وصححه الألباني) ؛ أي: أنّه صلى الله عليه وسلم كان يحدث مثل الهزة عند القراءة لشدة تأثُّره بها، وأزيز المرجل هو صوت الإناء الذي يغلي به الماء!!

وقد امتثل الصحابة الكرام بهذا الأدب مع القرآن؛ فهذا أبو بكر رضي الله عنه لا تفهم قراءته من شدة البكاء؛ فعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي مَرَضِهِ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ. قَالَتْ عَائِشَةُ قُلْتُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعْ النَّاسَ مِنْ الْبُكَاءِ؛ فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ: قُولِي لَهُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعْ النَّاسَ مِنْ الْبُكَاءِ فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ فَفَعَلَتْ حَفْصَةُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَهْ!! إِنَّكُنَّ لَأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ؛ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ؛ فَقَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ: مَا كُنْتُ لِأُصِيبَ مِنْكِ خَيْرًا ” (متفق عليه ) ؛ وليس معنى ذلك أن عمر لا يبكي تأثراً بالقرآن!! بل تضافرت الآثار أنه رضي الله عنه كان شديد التأثر بالقرآن؛ قال الحسن: كان عمر رضي الله عنه يمر بالآية من ورده بالليل فيبكي حتى يسقط على الأرض، ويبقى في البيت يعاد للمرض. وري أن عمر رضي الله عنه خرج يَعِسّ المدينة ذات ليلة، فمر بدار رجل من المسلمين، فوافقه قائما يصلي، فوقف يستمع قراءته فقرأ: { والطور } حتى بلغ { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ } قال: قسم -ورب الكعبة-حق. فنزل عن حماره واستند إلى حائط، فمكث مليا، ثم رجع إلى منزله، فمكث شهرا يعوده الناس لا يدرون ما مرضه، رضي الله عنه.”( تفسير ابن كثير ).

وليس الأمر قاصرا على الرجال؛ بل ما أجمل تأثر الصحابيات بالقرآن الكريم!! فعن عباد بن حمزة عن أبيه قال: بعثتني أسماء رضي الله عنها إلى السوق؛ بعثتني وافتتحتْ سورة الطور؛ فانتهتْ إلى قوله تعالى {ووقانا عذاب السموم}، فذهبتُ إلى السوق وهي تكرر {ووقانا عذاب السموم}، وعدتُ إليها وهي تقول {ووقانا عذاب السموم}!!

فهناك تفاعل مع الآيات تدفعهم دفعاً إلى البكاء والتأثر بالقرآن؛ وأنا أسألك – أخي القارئ العزيز – هل بكيت وأنت تقرأ القرآن ذات مرّة؟! هل شعر أحد منكم بلذة القرآن وحلاوته؟! هل دخل أحدكم مرة في صلاة القيام وكان ينوي أن يصلي بربع فإذا به لا يستطيع مقاومة حلاوة القرآن فقرأ أكثر من ذلك واستمتع بالقرآن ومناجاة الرحمن؟!

عباد الله: الناس يتفاوتون في التجاوب مع القرآن، ونرى هذا واضحاً في شهر رمضان، لا سيما في صلاة التهجد، فبعضهم يتأثر ويبكي وبعضهم يتأثر ولا يبكي؛ وبعضهم لا يتأثر ولا يبكي، والعجب أنك قد ترى رجلاً غير عربي باكستانياً أو بنغالياً مثلاً، ومع ذلك يبكي عند سماع القرآن، وسبحان الله.. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء!!

عباد الله: إن القلب إذا قسا – والعياذ بالله – لا يتأثر بالقرآن. يقول تعالى عن اليهود في سورة البقرة: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} (البقرة: 74). تعالوا لنرى وصف حالنا الآن قلما نتأثر بالقرآن!! فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ:” سَيَبْلَى الْقُرْآنُ فِى صُدُورِ أَقْوَامٍ كَمَا يَبْلَى الثَّوْبُ فَيَتَهَافَتُ ، يَقْرَءُونَهُ لاَ يَجِدُونَ لَهُ شَهْوَةً وَلاَ لَذَّةً ، يَلْبَسُونَ جُلُودَ الضَّأْنِ عَلَى قُلُوبِ الذِّئَابِ ، أَعْمَالُهُمْ طَمَعٌ لاَ يُخَالِطُهُ خَوْفٌ إِنْ قَصَّرُوا قَالُوا : سَنَبْلُغُ ، وَإِنْ أَسَاءُوا قَالُوا : سَيُغْفَرُ لَنَا ، إِنَّا لاَ نُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئاً. “.(سنن الدارمي وإسناده صحيح موقوفاً على معاذ)

رابعاً: تدبُّر القرآن

وذلك امتثالاً لقوله تعالى: { أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا } [ النساء: 82] ، والتدبر في اللغة: النظر في العواقب، ويقال لمن نظر في أمر قد أدبر: استدبر فلان أمره، ويقال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت، أي: لو عرفت في صدره ما عرفت في عاقبته. ومعنى الآية: أفلا يتأملون القرآن ويتفكرون فيه؟!!( التفسير البسيط للواحدي)؛ وقال تعالى: { كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ } [ص: 29] ، وقال تعالى: { أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } [محمد: 24]؛ قال ابن كثير في تفسيره” يقول تعالى آمرًا عباده بتدبر القرآن، وناهيا لهم عن الإعراض عنه، وعن تفهم معانيه المحكمة وألفاظه البليغة، ومخبرًا لهم أنه لا اختلاف فيه ولا اضطراب، ولا تضادّ ولا تعارض؛ لأنه تنزيل من حكيم حميد، فهو حق من حق.”ومن لا يتدبّر القرآن لا شكّ أن على قلبه قفلاً. يقول ابن القيم رحمه الله: تحديق الناظر في القرآن الكريم وتأمله في معانيه وجمع الفكر على تدبره وتعلقه هو المقصود من إنزاله”؛ {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}[ق: 37]. قال ابن القيم – رحمه الله -: ” قلوب الناس عند سماع القرآن ثلاثةٌ: رجلٌ قلبُه ميتٌ، فذلك الذي لا قلبَ له، فهذا ليست الآية ذكرى في حقه. الثاني: رجلٌ له قلب حيٌّ مستعدٌّ، لكنه غير مستمعٍ للآيات المتلُوةِ، التي يخبر بها الله عن الآيات المشهودة، إما لعدم وُرُودها، أو لوصولها إليه وقلبه مشغول عنها بغيرها، فهو غائب القلب ليس حاضرًا، فهذا أيضًا لا تحصُلُ له الذكرى، مع استعداده ووجود قلبه. والثالث: رجلٌ حيُّ القلب مستعدٌّ، تُليت عليه الآيات، فأصغى بسمعه، وألقى السمع، وأحضر قلبه، ولم يشغلْه بغير فهم ما يسمعُهُ، فهو شاهدُ القلب، مُلقي السَّمع، فهذا القِسمُ هو الذي ينتفع بالآيات المتلوَّة والمشهودة.

فالأول: بمنزلة الأعمى الذي لا يُبصر.  والثاني: بمنزلة البصير الطَّامح ببصره إلى غير جهة المنظور إليه، فكلاهما لا يراه.

والثالث: بمنزلة البصير الذي قد حدَّق إلى جهة المنظور، وأتبعه بصره، وقابله على توسُّطٍ من البُعد والقربِ، فهذا هو الذي يراه.” (مدارج السالكين)

فعليك أن تحضر قلبك عند قراءة القرآن، كلما قرأت آية تعرض نفسك عليها أين أنت منها ؟! فهذا التابعي الجليل الأحنف بن قيس رحمه الله كان يقرأ قوله تعالى:{ لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (الأنبياء: 10)؛ أي فيه أخباركم وصفاتكم وأفعالكم، يقول: فأفتح القرآن وأنظر وأقول: أرى بماذا يذكرني ربي اليوم؟!!.. فيقرأ ويقرأ حتى يمر بقوله تعالى:{ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ } (النساء: 145}، فيقول: لست من هؤلاء، لست من هؤلاء!! وعندما يقرأ قوله تعالى:{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}(الأنفال:2). فيندم ويقول: لست من هؤلاء! ويقرأ قوله تعالى:{ وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }(التوبة: 102) فيقول:أنا من هؤلاء، أنا من هؤلاء!

فانظر إلى تفاعل هذا التابعي الجليل مع القرآن العظيم، وهكذا يجب أن يتدبر المسلم القرآن دائما. وقد قيل إذا سمعت قوله تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا} فأنصت، فإنه إما خير تؤمر به وإما شر تنهى عنه.

عباد الله: التدبر أن تعرض نفسك على القرآن آية آية أين أنت منها؟ هل أنت مطبق لها؟ هل وصف الله للمؤمنين ينطبق عليك؟! فإن وجدت خيراً فاحمد الله وإلا فراجع نفسك قبل فوات الأوان! قال الحسن: إنما أنزل القرآن ليتدبره المؤمنون وليعملوا به، فاتخذوا تلاوته عملاً.

ولذلك كان الصالحون يقومون الليل يتدبرون القرآن؛ فكان منهم من يقوم بآية واحدة يرددها طيلة الليل يتفكر في معانيها ويتدبرها. ولم يكن همهم مجرد ختم القرآن؛ بل القراءة بتدبر وتفهم.. فعن محمد بن كعب القُرَظِي قال: “لأن أقرأ في ليلتي حتى أصبح بـ(إذا زلزلت) و(القارعة) لا أزيد عليهما، وأتردد فيهما، وأتفكر أحبُّ إليَّ من أن أَهُذَّ القرآن (أي أقرأه بسرعة)”. وكان ابن عباسٍ رضي الله عنهما يقول: “ركعتان في تفكرٍ خيرٌ من قيام ليلة بلا قلب”!!

خامساً: العمل بالقرآن

وهذا هو أهم واجباتنا نحو القرآن؛ أن نعمل بكل ما جاء في القرآن ونتخلق بأخلاقه؛ اقتداءً بنبينا صلى الله عليه وسلم الذي: “كان خلقه القرآن”، (رواه مسلم )؛ قال الإمام الشاطبى: “وإنما كان خلقه القرآن لأنه حكَّم الوحي على نفسه ؛ حتى صار في علمه وعمله على وِفْقِه؛ فكان الوحي حاكماً وافقاً قائلاً وكان هو عليه الصلاة والسلام مذعناً ملبياً نداءه؛ واقفاً عند حكمه .”.(الاعتصام)؛ فكان صلى الله عليه وسلم قرآنًا يمشي على الأرض؛ أي كان يحرص على تطبيق ما في القرآن. وقال النووي: ” وكون خلقه القرآن هو أنه كان متمسكا بآدابه وأوامره ونواهيه ومحاسنه؛ ويوضحه أن جميع ما قص الله تعالى في كتابه من مكارم الأخلاق مما قصه من نبي أو ولي أو حث عليه أو ندب إليه كان صلى الله تعالى عليه وسلم متخلقا به؛ وكل ما نهى الله تعالى عنه فيه ونزه كان صلى الله تعالى عليه وسلم لا يحوم حوله.”

عباد الله: القرآن الكريم نزل للعمل به؛ لا ليوضع على الرفوف أو يلف في حافظة من ذهب للذكرى؛ أو يعرض في المتاحف بطبعة فاخرة باهرة؛ يقول الفضيل – رحمه الله –: “إنما نزل القرآن ليُعمل به فاتخذ الناس قراءته عملاً. قيل: كيف العمل به؟ قال: ليحلوا حلاله، ويحرموا حرامه، ويأتمروا بأوامره، وينتهوا عن نواهيه، ويقفوا عند عجائبه”. ولقد اهتم الصحابة بالعمل بالقرآن أيما اهتمام؛ يقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: كنا نتعلم العشر آيات من القرآن فلا ندعها حتى نعمل بها – أو فلا نجاوزها إلى غيرها حتى نعمل بها – فتعلمنا العلم والعمل جميعاً؛ فالصحابة كان يفقهون آيات القرآن ويعيشون معها ؛ وكانوا يسارعون إلى طاعة أوامر الله عزّ وجلّ واجتناب نواهيه.. ولهذا لما نزلت آيات النهي عن شرب الخمر سكب المسلمون ما عندهم من أواني الخمر حتى امتلأت بها سكك المدينة، أي شوارعها وطرقاتها وقالوا: انتهينا يا ربنا. وكذلك آيات الحجاب.. لما نزلت سارعت نساء الأنصار إلى أثوابهنّ وجعلن منها حجاباً كما أمر الله تعالى.. وكذلك عندما نزلت آيات الزكاة والصدقة.. {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} (آل عمران/ 92)، قام سيدنا أبو الدحداح إلى أجمل حديقة عنده وأحبِّها إليه فتصدق بها.. والفرق بيننا وبين الصحابة – رضي الله عنهم – أنهم كانوا يتلقون القرآن للعمل والتنفيذ، أما نحن فللأسف نتلقاه للاستماع والتنغم به في المآتم والحفلات والإعجاب فقط، وقلما يلتزم أحد الآن بواجباته كلها نحو القرآن العظيم!!!

أيها المسلمون: انظروا كيف تعامل الصحابة الكرام مع القرآن الكريم ؟! وكيف يتعامل معه المسلمون اليوم ؟! يصور حالنا اليوم في العمل بالقرآن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فيقول: ” إنا صَعُبَ علينا حفظ ألفاظ القرآن، وسَهُلَ علينا العمل به، وإن مَنْ بعدنا يسهل عليهم حفظ القرآن ويصعب عليهم العمل به.” ( الجامع لأحكام القرآن) ؛ فكلنا نحفظ القرآن ونسمعه حرفا حرفا ؛ ونتفنن في أسئلة الآيات المتماثلات والمتشابهات منه ؛ ولكن هل طبقنا ما فيه من قيم وأخلاق؛ وحلال وحرام؛ وأوامر ونواهي؟!!! ” ..فَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ.. “(مسلم)؛ ويكون حجة عليك عندما تقرؤه فلا يتجاوز آذانك ولا ينعكس على سلوكياتك وتصرفاتك!!

أحبتي في الله: أحذركم وأحذر نفسي من العواقب الوخيمة لمن لا يعمل بالقرآن!! فعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخْرَجَانِي إِلَى أَرْضٍ مُقَدَّسَةٍ؛ فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ عَلَى قَفَاهُ؛ وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ بِفِهْرٍ أَوْ صَخْرَةٍ فَيَشْدَخُ بِهِ رَأْسَهُ؛ فَإِذَا ضَرَبَهُ تَدَهْدَهَ الْحَجَرُ؛ فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ لِيَأْخُذَهُ؛ فَلَا يَرْجِعُ إِلَى هَذَا حَتَّى يَلْتَئِمَ رَأْسُهُ وَعَادَ رَأْسُهُ كَمَا هُوَ؛ فَعَادَ إِلَيْهِ فَضَرَبَهُ. قُلْتُ مَنْ هَذَا؟ قَالَا هَذَا رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَنَامَ عَنْهُ بِاللَّيْلِ وَلَمْ يَعْمَلْ فِيهِ بِالنَّهَارِ يُفْعَلُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.” (البخاري)؛ ومعنى تدهده الحجر: تدحرج بسرعة؛ وأترك لكم التعليق!!!

سادسا: تعظيم وتوقير القرآن

لقد عظم الله القرآن ووصفه بأنه عظيم؛ فقال تعالى:{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْـمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} (الحجر: 87 )؛ والتعظيم يشمل الجانب العقدي والجانب العملي، فمن تعظيمه: استحضار أن المتكلم به هو جبار السموات والأرض جلَّ جلاله، فمن استخف بكلامه فقد استخف به سبحانه فكفر. ومن تعظيمه:  اعتقاد كماله وتمامه وأنه لا نقص فيه ولا اختلاف ولا اضطراب، كما قال تعالى:{ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ}(البقرة: ٢ )،واعتقاد شموله وعمومه بحيث لا تنزل بالناس نازلة إلا وفي كتاب الله دليل على سبيل الهدى فيها، كما قال تعالى:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ}(النحل: 89)؛ وإليكم هذه القصة الواقعية: ذهب أحد علماء الأزهر إلى الغرب؛ فسأله أحدهم: تقولون: إن القرآن حوى كل شئ؟! قال العالم: نعم. قال هات دليلا من القرآن أن شوال الدقيق يصنع كم رغيفا من الخبز ؟ قال العالم ائت بخبَّاز ؛ فأتى به ؛ فسأله العالم: شوال الدقيق يصنع كم رغيفا؟ فأجاب الخباز عدد كذا ؛ فقال السائل: إن الخباز الذي أجاب ولم تأت بدليل من القرآن!! قال العالم: القرآن يقول: { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (النحل: 43)؛ وهذا الخبَّاز من أهل الذكر !! 

سابعاً: الدفاع عن القرآن الكريم

فنحن نرى ونسمع بين الفينة والأخرى من يشكك في القرآن؛ أو يطعن في بعض آياته؛ أو يحملها ما لا تحتمل من أفكار ومعتقدات وأباطيل؛ وأحدثها ما ظهر فى عصرنا الحاضر من دعوات مغرضة لإعادة قراءة “النص القرآنى” فى ضوء المستجدات الحديثة؛ وهذا بلا شك يتجاهل تمامًا البيئة اللغوية التى توضح وتحدد الكثير جدا من معانى القرآن الكريم ومراميه؛ وبدون الوقوف على هذه الأرض بثبات واقتدار يصبح “نص” القرآن الكريم معرضا لكل الأهواء والاتجاهات التى تسعى لتدميره .

أيها المسلمون: لقد سخر الله عز وجل رجالا في هذه الأمة في كل مكان وزمان للدفاع عن كتابه من تحريف الغالين وانتحال المبطلين وكيد الحاسدين الحانقين؛ وهذا ما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم؛ فَعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعُذْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم: «يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ؛ يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلين» (البيهقي وصححه الألباني)؛ ولقد تنبأ صلى الله عليه وسلم بفعل هؤلاء الخوارج؛ الذين خرجوا عن مسار القرآن الكريم واتجاهاته؛ إلى مسارات أخرى تخدم أفكارهم ومعتقداتهم وضلالهم؛ وهدفهم من ذلك تحربف القرآن؛ والتنقيص من قدسيته في قلوب المسلمين؛ ولكن هيهات هيهات؛ فعلماؤنا لهم بالمرصاد!! قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه؛ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:” سَيَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ؛ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ؛ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ؛ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ؛ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.” (متفق عليه)؛ قال الإمام النووي:” معناه: لا تفقهه قلوبهم ولا ينتفعون بما تلوا منه ، ولا لهم حظ سوى تلاوة الفم والحنجرة والحلق إذ بهما تقطيع الحروف”( شرح النووي)

ثامناً: تكريم صاحب القرآن حيا وميتا

فالواجب علينا أن نكرِّم حفظة القرآن الكريم ومحفظيه؛ ولنا القدوة في رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم؛ فكان يقدم صاحب القرآن للإمامة في الصلاة تكريما له؛ فعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ .”(مسلم)؛ وكان صلى الله عليه وسلم يجعل صاحب القرآن أميراً على القوم إذا أراد أن يبعث بعثاً ؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:” بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا وَهُمْ ذُو عَدَدٍ فَاسْتَقْرَأَهُمْ؛ فَاسْتَقْرَأَ كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَا مَعَهُ مِنْ الْقُرْآنِ؛ فَأَتَى عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنًّا فَقَالَ: مَا مَعَكَ يَا فُلَانُ؟ قَالَ: مَعِي كَذَا وَكَذَا وَسُورَةُ الْبَقَرَةِ. قَالَ: أَمَعَكَ سُورَةُ الْبَقَرَةِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَاذْهَبْ فَأَنْتَ أَمِيرُهُمْ” (الترمذي والنسائي والحاكم) ؛ فأصبح أميرهم مع صغر سنه تكريما لما معه من القرآن!! بل إن النبي صلى الله عليه وسلم كرم صاحب القرآن ميتا كما كان يكرمه حياً؛ فبعد معركة أحد وعند دفن الشهداء كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع الرجلين في قبر واحد ويقدم أكثرهم حفظاً!!

هذا فضلاً عن تكريم الله لصاحب القرآن وأبويه يوم القيامة على رؤوس الخلائق؛ فعَنْ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَتَعَلَّمَهُ وَعَمِلَ بِهِ أُلْبِسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَاجًا مِنْ نُورٍ ضَوْءُهُ مِثْلُ ضَوْءِ الشَّمْسِ، وَيُكْسَى وَالِدَيْهِ حُلَّتَانِ لاَ يَقُومُ بِهِمَا الدُّنْيَا فَيَقُولانِ: بِمَا كُسِينَا؟ فَيُقَالُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ». (الحاكم وصححه )؛ ويكفي أن يكون مع السفرة الكرام البررة؛ فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ؛ وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ.” ( متفق عليه ) ؛ قال النووي:” قال القاضي وغيره من العلماء : وليس معناه الذي يتتعتع عليه له من الأجر أكثر من الماهر به ، بل الماهر أفضل وأكثر أجرا ؛ لأنه مع السفرة وله أجور كثيرة ، ولم يذكر هذه المنزلة لغيره ، وكيف يلحق به من لم يعتن بكتاب الله تعالى وحفظه وإتقانه وكثرة تلاوته وروايته كاعتنائه حتى مهر فيه والله أعلم. ” ( مسلم بشرح النووي)

  الدعاء،،،،،،،،،                                               وأقم الصلاة،،،،،،،،،،،،    

            كتبه : خادم الدعوة الإسلامية

                                                                                                                                             د / خالد بدير بدوي

عن admin

مجلس إدارة الجريدة الدكتور أحمد رمضان الشيخ محمد القطاوي رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) تليفون (phone) : 01008222553  فيس بوك (Facebook): https://www.facebook.com/Dr.Ahmed.Ramadn تويتر (Twitter): https://twitter.com/DRAhmad_Ramadan الأستاذ محمد القطاوي: المدير العام ومسئول الدعم الفني بالجريدة. الحاصل علي دورات كثيرة في الدعم الفني والهندسي للمواقع وإنشاء المواقع وحاصل علي الليسانس من جامعة الأزهر.

شاهد أيضاً

خطبة الجمعة القادمة 26 أبريل 2024م بعنوان : تطبيقات حُسن الخلق ، للدكتور عمر مصطفي، بتاريخ 17 شوال 1445هـ ، الموافق 26 أبريل 2024م

خطبة الجمعة القادمة 26 أبريل 2024م بعنوان : تطبيقات حُسن الخلق ، للدكتور عمر مصطفي

خطبة الجمعة القادمة 26 أبريل 2024م بعنوان : تطبيقات حُسن الخلق ، للدكتور عمر مصطفي، بتاريخ 17 …

خطبة الجمعة بعنوان : تطبيقات حُسن الخلق ، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 17 شوال 1445 هـ ، الموافق 26 أبريل 2024م

خطبة الجمعة بعنوان : تطبيقات حُسن الخلق ، للدكتور خالد بدير

خطبة الجمعة بعنوان : تطبيقات حُسن الخلق ، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 17 شوال 1445 …

خطبة الجمعة القادمة 26 أبريل 2024 م بعنوان : تطبيقات حُسن الخلق ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 17 شوال 1445هـ ، الموافق 26 أبريل 2024م

خطبة الجمعة القادمة 26 أبريل : تطبيقات حُسن الخلق ، للدكتور محروس حفظي

خطبة الجمعة القادمة خطبة الجمعة القادمة 26 أبريل 2024 م بعنوان : تطبيقات حُسن الخلق ، …

خطبة الجمعة القادمة 26 أبريل 2024م من الأرشيف : تطبيقات حسن الخلق ، بتاريخ 17 شوال 1445هـ – الموافق 19 أبريل 2024م

خطبة الجمعة القادمة 26 أبريل 2024م من الأرشيف : تطبيقات حسن الخلق

خطبة الجمعة القادمة خطبة الجمعة القادمة 26 أبريل 2024م من الأرشيف : تطبيقات حسن الخلق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Translate »